التنصت إلى الانترنت بعد الهاتف

رغم كل الحديث عن عدم قانونية «شعبة» المعلومات، وبعدما طوّر هذا الجهاز الأمني المثير للجدل قدراته التقنية، ولا سيما المتعلقة بتعقب حركة الاتصالات الهاتفية، انتقل أمنيّوه إلى شبكة الإنترنت، طالبين من الشركات الخاصة الكبرى أن تتيح لهم إمكان التنصت على مشتركي الشبكة العالمية في لبنان. فهل تستجيب الشركات، أم يتراجع الأمنيّون عن طلبهم؟

في خضمّ الهجمة السياسية من فريق المعارضة السابقة على رئيس فرع المعلومات، العقيد وسام الحسن، على خلفيات عديدة، أبرزها عدم قانونية تحويل الفرع إلى «شعبة»، والأدوار التي يؤديها الجهاز الأمني المثير للجدل، يبدو أن قيادة الفرع ماضية في توجهاتها، كما لو أن شيئاً لم يكن. بل هي تبادر إلى خطوات إضافية تعزز حضورها الأمني، وخاصة على المستوى التقني، وإن كان هذا التعزيز من دون سند قانوني واضح.

فبعدما ضمن فرع المعلومات حصوله على بيانات الهاتف الخلوي لكل لبنان، لاستخدامها «في مجال الأمن الوقائي وحل الجرائم المرتكبة، سواء الإرهابية منها أو التجسسية»، بحسب قيادة قوى الأمن الداخلي، لجأ الفرع إلى محاولة تطوير قدرات التنصت لديه في عالم الإنترنت، وهو ما كان يعاني نقصاً حاداً فيه.

بعض الشركات لا تزال ممتنعة عن تلبية طلب «المعلومات» لأنه لا يستند إلى أي أسس قانونية

وبحسب مصادر واسعة الاطلاع في قطاع الاتصالات، طلب فرع المعلومات من عدد من كبرى الشركات الخاصة الموزعة لخدمات الإنترنت «التعاون معه» وتمكينه من زرع أجهزة تنصت فيها يستطيع بواسطتها مراقبة ما يشاء من حركة الإنترنت في البلاد. وبحسب المصادر، فإن فرع المعلومات بدأ اتصالاته مع هذه الشركات تباعاً، ليعرض عليها تركيب المعدات. وقد اتصلت «الأخبار» بمديري عدد من الشركات الكبرى، فأكد بعضهم اتصال «المعلومات» بهم، فيما نفى بعضهم الآخر الأمر نهائياً. وحتى الأيام القليلة الماضية، كانت بعض الشركات لا تزال ممتنعة عن تلبية طلب «المعلومات»، لأنه لا يستند إلى أي أسس قانونية، طالبة تقديم طلب خطي لدراسته في دوائرها القانونية. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن المعدات التي طلب فرع المعلومات تركيبها في الشركات تتيح له مراقبة حركة التواصل عبر الإنترنت، وخاصة مراقبة خدمة البريد الإلكتروني، إضافة إلى الحصول على مضمون هذا البريد، فضلاً عن حركة التحادث عبر الإنترنت.

تسعى دوائر رسميّة إلى التدقيق في ما إذا كانت هيئة أوجيرو قد تلقّت طلباً مماثلاً من الفرع

وأشارت المصادر إلى أن الأجهزة الأمنية اللبنانية، في العادة، تطلب من شركات الإنترنت معلومات محددة عن عناوين مشتبه فيها، و«كانت بعض هذه الطلبات تصلنا من دون أذونات قضائية»، بحسب مصدر في واحدة من كبرى الشركات اللبنانية. وقبل نحو سنتين، اجتمع مديرو عدد من الشركات مع المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا «الذي قال لنا: لا تتجاوبوا إلا مع الطلبات التي تصلكم ممهورة بخاتم النيابة العامة التمييزية». وبناءً على ذلك، يضيف المصدر، كانت الأجهزة الأمنية تحصل على جميع المعلومات التي تطلبها، من دون أي إبطاء. وفي مرحلة لاحقة، طلب تقنيو الفرع من الشركات تخزين البيانات المتعلقة بخدمة مشتركيها، لكي يكون متاحاًَ للأمنيين العودة إلى هذه البيانات عند الحاجة، «لكننا رفضنا ذلك؛ لأنه يتطلب قدرات تقنية تفوق طاقتنا». يضيف المصدر: «لكن فرع المعلومات أرسل أحد ضباطه أخيراً إلى إحدى الشركات، قائلاً لمديرها: أنتَ لا تتعاون معنا. فأجابه المدير: نحن نستجيب لكل الطلبات القضائية. فما كان من الضابط إلا أن قال له: أحياناً تحتاج الطلبات القضائية إلى وقت طويل، ونحن بحاجة إلى المعلومات بسرعة. قبل أن يطلب الأمني من رجل الأعمال تركيب معدات التنصت، وهو ما رفضه مدير الشركة». وجزم معنيون بالملف بأن ما يهدف إليه فرع المعلومات لا يتعلق بالتنصت على المحادثات الصوتية التي تجري عبر الإنترنت، بقدر ما هي محاولة للحصول على كل البيانات المرتبطة باستخدام الإنترنت في لبنان، وتحديد المواقع التي يدخلها المشتركون والأشخاص الذين يتواصلون معهم ومضمون هذا التواصل.

تتابع الهيئة المنظمة للاتصالات الأمر بعدما تبلغ به رئيسها

وأكدت مصادر رسمية في قطاع الاتصالات ورود طلبات من فرع المعلومات إلى عدد من الشركات الخاصة، مشددة على «عدم قانونية هذه الطلبات، ولا ينبغي للشركات أن تستجيب لها». ولفتت المصادر إلى أن الموضوع بات محل متابعة من الهيئة المنظمة للاتصالات، بعدما تبلغ رئيسها بالوكالة، عماد حب الله، معلومات من الشركات المعنية. وتسعى دوائر رسمية إلى التدقيق في ما إذا كانت هيئة أوجيرو قد تلقت طلباً مماثلاً من فرع المعلومات، وخاصة أنها باتت مزوداً رئيسياً لخدمات الإنترنت في لبنان، ولديها عشرات آلاف المشتركين.

وأكدت مصادر أمنية واسعة الاطلاع أن فرع المعلومات حاول خلال السنوات الماضية تركيب معدات للتنصت لدى موزعي خدمات الإنترنت في مناطق جغرافية يرى أنها ذات أهمية قصوى لديه، إلا أن مسعاه ووجه برفض عدد كبير من الموزعين الوسطاء.

ولفتت مصادر أخرى إلى الخشية من سوء استخدام البيانات التي يطلبها فرع المعلومات، «وخاصة بعد التجربة الأخيرة التي استعمل فيها الفرع بيانات محمية قانوناً، للرد على تصريحات سياسية أدلى بها اللواء جميل السيّد، إذ لم يتورع فرع المعلومات عن كشف البيانات الهاتفية المسجلة يوم 14 شباط 2005، الواردة إلى هاتف العقيد وسام الحسن أو الصادرة عنه، لمحاولة تكذيب ما ورد على لسان السيد، رغم أن قيادة قوى الأمن الداخلي أكدت مراراً أمام لجنة الاتصالات النيابية أن على السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تثقا بالأجهزة الأمنية وبحرصها على حُسن استخدام بيانات الهاتف الخلوي».

تعليقات: