قرابين اليأس!..


موجع أن يتسلّل اليأس إلى النفوس فيطفئ نور الشمس ويفقأ عين الأمل, وتجمد الحياة فلا يهتزّ عشب الأرض طرباً للماء, ولا يتمرّى الليل بمرآة القمر..

موحش هو توقّف العقارب في ساعات الزمن, وسكون البلابل في أولات الربيع, وارتحال الحبّ عن دنيا البشر ..

طالعتني جريدة اليوم بوجع مرٍّ أشدّ مرارة من قهوتي الصديقة, سطور كان لها انقباض القلب, شحوب الوجه, حيرة العينين !..

خبرٌ تلبسّ بالمألوف اليوميّ, بالحبر الغليظ توشّح واعتلى عنوةً صفحة الأحداث :

رصاصاتٌ يائسة, وربما تائهة معتلّة, تحفر قدراً خريفياً للعمر وتغلق الأبواب على الغد ..

أصابعٌ مرتجفةٌ مسكونةٌ بالضعف تغتال الفرح, تقتل الأحلام, تغرق المراكب بالمبحرين نحو شطآن الأماني !..

تنام العيون الموؤودة على وجع النهاية, لكنَّ صراخ الأرواح المذهولة يصمّ سمع الكون, يسائل السماء والأغضان والطيور! هل حدثتكم الأيام مرّة عن عصفورة خنقت صغارها في أعشاشها الدافئة !..

هل اعترف النهر يوما بقتل أسماكه الجميلة قبل أن يختار الجفاف ؟!..

هل تخلّت الأشجار عن أفنانها؟ والنايات عن ألحانها؟ والفراشات عن أجنحتها؟..

السكون المخيف وحده سيّد المكان, الكتب والأقلام, همسات الطفولة, الألعاب اليتيمة, الصور الضاحكة على الجدران, ملابس العيد, طعام الغذاء, القاتل والقتيل على السواء !..

الذهول يسكن الشوارع يتربّع على وجوه الناس, مطرٌ من علامات التعجّب والاستفهام, سيل من التحليلات, لكنّ الحقيقة في مكان آخر لا تطاله الأوهام ..

كلّ ما يمكن للقلب أن ينبض به هو الألم, وجلّ ما يقدّمه العقل اعتراف بهزيمة مدوّية أمام الظلام, ويبقى للقلم أن يجاهر بتضامنه المطلق مع الطفولة الضحية, مع قرابين اليأس, مع المستقبل الذي لن يأتي على صهوة شمس جديدة, مع القيم التي يجب أن تبذر قمحاً في القلوب و تجري دماً دفّاقاً في العروق, مع الإنسانية المشظّاة برصاص الضياع !..

بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو

Cheikh_kanso@hotmail.com

تعليقات: