تـــــلوّث فـــي وزارة البيئــــــة

رمى محمد رحال أكثر من طعم سياسي لإبعاد شبهة الفساد عنه وعن وزارته
رمى محمد رحال أكثر من طعم سياسي لإبعاد شبهة الفساد عنه وعن وزارته


منذ وصول محمد رحال إلى وزارة البيئة يتحدث الموظفون في الأروقة عن الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية للوزير بحق المدير العام في الوزارة. تخطت هذه الممارسات حد منح الإجازات القسرية، إذ حدث أن هُدّد المدير في مكتبه

دخل أحد مرافقي وزير البيئة محمد رحال مكتب المدير العام في الوزارة، برج هتجيان. أطلق رجل الأمن تهديدات واضحة بالاعتداء على صاحب المكتب. وبحسب هذا الضيف الثقيل «الوزير أيضاً سيشارك في ضربك». خرجت تلك الجثة المدكوكة من مكتب المدير وتركت وراءها مزيجاً من الغضب والقلق. اتصل صاحب المكتب بالوزير وقال له: «معاليك... أنت مسؤول عن أمني».

تتواتر تفاصيل هذا المشهد في وزارة البيئة ولو أنه يشبه إلى حد كبير مقاطع من أفلام المافيا في إيطاليا أو في نيويورك وميامي. يتحدث موظفون في الوزارة عن وقت عصيب يمر به المدير العام للبيئة، برج هتجيان، نتيجة مضايقات الوزير محمد رحال وتعدياته. يرفض هتجيان التعليق على هذا الموضوع وغيره، مصرّاً على أن موقعه الرسمي لا يخوّله الحديث إلى الصحافيين أو تناول أي قضية في الإعلام. وبدوره، يرفض معاليه التعليق على ما يشاع في الوزارة، خصوصاً أنه «خارج البلاد، ويمكن الاتصال به بعد أسبوع»، كما يقول العاملون لديه. مع العلم أن رحال يمضي شهر العسل مع زوجته.

لكن، بعيداً من العسل والإجازات العائلية، يظهر مما يتناقله البيئيون أن في الوزارة، المولجة أساساً المحافظة على النظافة، أموراً وأحداثاً بعيدة كل البعد عن النظافة: الكف، الضمير، وخصوصاً المهنية.

قصة الوزير ـــــ هتجيان مستمرة منذ زمن، وحادثة التهديد التي حصلت قبل نحو عشرة أيام، جاءت بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذها رحال بحق هتجيان منذ انطلاق ولاية الوزير في حكومة الرئيس سعد الحريري. وبات مؤكداً أنّ رحال أعطى هتجيان أربع إجازات إدارية قصرية، بهدف إبعاده عن عمله في الوزارة لتمرير ما يريد من قرارات ومراسيم عارض المدير العام توقيعها.

ومع انتهاء مدّة الإجازات المسموح بها للمدير العام، إذ أمضى 60 يوماً في الإجازات القصرية، نفّذ رحال خطوته الأخيرة وهدد برج في مكتبه على على أساس أنه لم يعد باستطاعته اتخاذ أي إجراء إداري يمكن من خلاله إبعاد هذا الحِمل الثقيل.

في تفاصيل ممارسات رحال، وقّع الأخير مجموعة من القرارات الخاصة بتقديم مساعدات مالية لمجموعة من البلديات خلال التحضيرات لإعادة تأهيل التجهيزات وتوفير وسائل نقل النفايات. فشملت قراراته دعم كل من بلديات بعلول، كامد اللوز، عانا، غزة، سعدنايل، الصرفند، كفرحتى، الخيارة، بلاط ومجدل عنجر، أغلبها بمبلغ 99 مليون ليرة.

رفض المدير العام توقيع هذه القرارات وأرسل كتاباً توضيحياً يشير فيه إلى مجموعة من المخالفات والأخطاء التي ارتكبها رحال بإصدار هذه القرارات. صباح يوم 22 أيلول الماضي، وجد رحال على مكتبه رسالة هتجيان، فقرأها سريعاً واطلع على نصها الذي يؤكد فيه المدير العام ضرورة مناقشة هذه المساعدات المالية عبر الاجتماع برحال.

وضمن ملاحظات المدير العام، أنّ قيمة هذه المشاريع تبلغ 495 مليون ليرة وتفوق الاعتماد المسموح حجزه وفق الأصول المرعية الإجراء، إذ إنه وفق القاعدة الإثني عشرية يمكن لغاية تاريخ كتاب رحال، حجز 171 مليون ليرة.

ولفت رد هتجيان إلى غياب معايير واضحة لتحديد قيمة تقديم المساعدات، وعدم مراعاة الوزير مبدأ التنمية اللامركزية المتوازنة وتغافله عن أولويات المساعدات بحسب حاجة البلديات والمناطق. مع تأكيد المدير العام أن الأفضل هو الانطلاق في إحداث الدوائر الإقليمية في المحافظات والتي تساهم بدورها في تنمية البلديات.

كان ذلك نهار جمعة، فلم يستطع رحال وهتجيان التواصل نظراً لانتهاء الدوام الرسمي عند الحادية عشرة ظهراً، هذا إذا حضر الوزير والموظفون في الدوام أيام الجمعة.

رد رحال على كتاب هتجيان جاء صباح الإثنين، في 24 أيلول، عبر منح المدير العام إجازة إدارية لعشرين يوماً، تُمكّن الوزير الشاب من اللعب و«النطنطة» قدر ما يشاء في غرف الوزارة وممراتها، بعيداً عن أعين المدير العام الذي بات ظله ثقيلاً على وزير التغيير المستقبلي.

خلت الوزارة لرحال الذي رسم خطة لتمرير قراراته، فقدم للحكومة اقتراحاً بنقل اعتماد من احتياطي الموازنة العامة إلى موازنة وزارة البيئة ـــــ المديرية العامة للبيئة، لعام 2010 على أساس القاعدة الإثني عشرية. وافق مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت في بعبدا يوم 15 تشرين الأول الماضي على هذا الطلب، وصدر مرسوم برقم 5182 نشر في الجريدة السمية في 21 تشرين.

وفي اليوم نفسه لصدور هذا المرسوم، أرسل رحال كتاباً إلى ديوان المحاسبة يتضمّن طلب الموافقة على صرف الأموال اللازمة لسبعة مشاريع قرارات بالمساعدة المالية إلى بلديات: كفرحتى، الصرفند، الخيارة، سعدنايل، بلاط، عانا، مجدل عنجر. وأشار كتاب الوزير إلى أنّ هذه المساعدات هي في إطار إعادة تأهيل التجهيزات وتوفير وسائل نقل النفايات في هذه البلديات. وبحسب هذا الكتاب تبلغ قيمة كل مشروع من مشاريع القرارات 99 مليون ليرة، بما يؤلف مبلغاً إجمالياً من 693 مليون ليرة من مشروع موازنة الوزارة لعام 2010.

ولا يزال ديوان المحاسبة يدرس هذا الملف ويدققه. لكن السؤال الأهم يبقى: لماذا اختار رحال دعم هذه البلديات؟

حاول رحال إحاطة هذا المشروع بالدعم السياسي، فدعم كفرحتى (صيدا)، بلدة المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني. وبلاط (مرجعيون) وهي بلدة رئيس ديوان المحاسبة، القاضي عوني رمضان، المفترض أن يبتّ المشروع. الصرفند (الزهراني) التي يرأس بلديتها شقيق الوزير محمد جواد خليفة، في محاولة رحّالية لتطويق أي رد فعل سياسي. وعدا هذه البلديات، اختار الوزير أربع بلدات بقاعية، أي الخيارة وعانا وسعدنايل ومجدل عنجر، في محاولة لاستعادة الدعم البقاعي اللازم لتيار الرئيس الحريري.

مع العلم أنّ هذه البلديات الأربع محسوبة على تيار المستقبل الذي فاز فيها بالانتخابات البلدية الأخيرة.

بالتالي، يكون رحال قد نسج شبكة أمان سياسية لمشروعه ربما من دون إدراك الأطراف أو الأشخاص الذين يمثلون هذه الشبكة، أنهم يمثّلون الطعم السياسي لتمرير المشروع. وبذلك، ظنّ رحال أنه بواسطة هذه الشبكة يمكن إبعاد شبهة الفساد عنه وعن وزارته لكونها تقدم دعماً سياسياً

ومناطقياً. وثمة من يقول إنّ رحال يتصرّف في الوزارة «كمن يعلم أنه لن يعود إلى منصبه الوزاري»، فيحاول الاستفادة قدر المستطاع من موقعه لعلّه ينجح في نسج علاقات شخصية قد تسمح له في المستقبل ـــــ وبعد نيله لقب وزير سابق ـــــ الاستمرار في هذا المجتمع.

اليوم، ينتظر رحال وهتجيان وكل المعنيين بقرارات دعم البلديات، موقف ديوان المحاسبة الذي تسلّم الملف منذ أكثر من عشرة أيام. وحتى ذلك الحين، الوزير خارج البلاد، وبإمكان هتجيان أن يدخل مكتبه من دون مضايقات أو تهديدات.

هتجيان يتقدّم على الوزير

وصل الوزير محمد رحال إلى منصبه الوزاري بصفته الممثل الشبابي لتيار المستقبل ويجسّد طموحات هذه الفئة العمرية وسعيها إلى التغيير. وإذ به يقوم بممارسات لا علاقة لها بالتغيير أو التطوير. من النظرة الأولى إلى ما يجري في البيئة، يتقدّم المدير العام، برج هتجيان، على الوزير بنقاط عدة. فهتجيان أمضى حتى اليوم 11 عاماً في هذه الإدارة الرسمية، وعمل مع كل من أرتور نظريان، ميشال موسى، فارس بويز، وئام وهاب، طارق متري، يعقوب الصراف (ومحمد الصفدي وفؤاد السنيورة في مرحلة الأزمة الحكومية) وطوني كرم.

خلال هذه التجارب المتنوعة، في الانتماءات السياسية للوزراء السابقين، لم يحصل أن اشتبك هتجيان مع أيّ من هؤلاء الوزراء. مع العلم أنه يحمل خبرة علمية وتقنية في الملفات البيئية، إذ إنه حائز إجازة في سلامة البيئة (AUB) ودكتوراه في السموم الصناعية والبيئية من إحدى جامعات بريطانيا، وهو أستاذ محاضر في جامعات AUB، البلمند وهايكازيان.

تعليقات: