الزاهدون بالأرض يتنازعون السماء!..

الزاهدون بالأرض يتنازعون السماء!..
الزاهدون بالأرض يتنازعون السماء!..


الحوادث الدموية المتكرّرة في جنبات عالمنا, تلزمنا أن نلملم شتات الذات المبعثرة المحبطة, وتدعونا إلى مصارحة مكشوفة لا مجال معها للتملّق والمهادنة, و تقودنا إلى إعلان موقف رافضٍ ومستنكرٍ إزاء ما يرتكب من جرائم إنسانية بعناوين دينية أو شعارات طائفية ومذهبية .

عرفنا الله بأجمل الأسماء وأقدس الصفات فهو الرحمن الرحيم, الودود العطوف, المحبّ الكريم, ورغم الصور المخيفة التي رسمها الأهلون تأديباً لنا وردعا,إلا أنَّ صورة الله الجميلة الحقّة احتفرت في عقولنا وقلوبنا فآمنا به طوعاً لا كرها, وأحببناه صدقاً لا تزلّفا.

قادتنا المحبة إلى المعرفة وعرفنا أنَّ الله أكبر من الصغائر والتشابيه, وأدركنا أنَّ الله لا يحدُّ بحدِّ, ولا يقاس بمسافة أو يختصر في زمان أو جهة, وربما اعترانا الخجل أحياناً نيابةً عن أممٍ سالفة تاهت بعيداً في رحلة البحث عن المطلق, فانتهت بها السبل لتعبد أصناماً من صخر وتمر, أو تقدّس الشمس والقمر,أو ترى الله في بعض البشر ..

الله الذي يتوحّد الخلق على الانتماء إليه باعتباره محور الوجود ليس ملكاً لأحد, وليست معرفته أو عبادته حقّاً حصرياً لأحد, وليست مفاتيح جنانه أو خزائن سماواته أمانة استودعها بيد أحد فرداً كان أو جماعة, لأنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة وإنّما الخلق عيال الله وأحبّهم إليه أتقاهم وأنفعهم لعياله .

إلى هذه الحقيقة يقودنا العقل وديعة الله العظيمة فينا وسرُّ تكريمنا وتقديمنا على بقية مخلوقاته, ولكنّنا عندما تركنا العقل كدالّة على الله وطريقاً للوصول إليه احتكمنا للغرائز المقنّعة فأسقطنا المحرّمات وانتهكنا الحرمات, وانتدبنا أنفسنا وكلاء لله في الأرض متصّرفين في ملكية السماء, واختلفنا في ما بيننا أيّنا أقرب إلى الله وأحبّ إليه واحقّ به؟ وأخذنا الاختلاف إلى الخلاف وتقاتلنا على الله وبإسمه فسفكنا الدماء وانتهبنا الأموال ..

تشتّت بنا السبل وبتنا مزقاً يُكفّر بعضنا بعضا, ويلعن بعضنا بعضا, نتربّص الدوائر أملاً بالنصر الموهوم, وفي غياهب جهلنا أغفلنا الأرض زاهدين بها حتّى تحوّلت بفعل خوائنا وضعفنا فريسةً سهلةً بأيدي المستعمرين والطامعين.. وفي معركة التنازع على السماء ضاعت الأرض!..

اليوم كما الأمس صورٌ مستعادةٌ من ذاكرةٍ مألومة.. تطالعنا وسائل الإعلام ببيانات نعيِ لبقايا الأمل باسترداد الوعي, ونشهد صور الموائد الدمويّة قرابين تُقدّم على مذابح الانتماء لله, وتختنق الحسرة حين نجد أخوة التراب الواحد يتنازعون السماء وقد سُلِبوا الأرض من تحتهم وأصبح الوطن رهينةً بيد المحتّل العابث بأمنه وخيره..

.. في الزمن الرديء ننتشل أشلاء الأبرياء تحت ركام المساجد والكنائس, ونصلّي لله مستمطرين الرحمة فزعاً من جوعٍ كافِر, وأمنٍ هشٍّ, ومصيرٍ مجهول ..

بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو

Cheikh_kanso@hotmail.com

تعليقات: