البعث في لبنان يتجاوز قطوع الانقسام

النائب عاصم قانصوه
النائب عاصم قانصوه


تعيش الاحزاب العلمانية في لبنان ازمات دورية عدة، بعضها بنيوي، وبعضها موسمي يتأثر بالمتغيرات الداخلية والاقليمية. تنجح بعض هذه الاحزاب احيانا في تجاوز تداعيات أزماتها، فيما تعمد اخرى الى التقليل من شأنها عبر وصفها بـ"غيمة الصيف العابرة" وفق توصيف النائب عاصم قانصوه للأزمة الاخيرة التي طاولت حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان.

ماذا يقول "اهل" البعث عن ازمتهم الداخلية؟ وهل صحيح انهم تعرضوا للقمع على ايدي بعض الاجهزة الامنية اللبنانية بعد عام 2005؟

يبدو ان قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان قد نجحت في تخطي ازمة حزبية وصفتها بـ"سحابة الصيف" بعد كباش طارئ على خلفية المؤتمر الاستثنائي الاخير الذي اعاد انتخاب الوزير السابق فايز شكر اميناً قطرياً للحزب. ونفى الاخير لـ"النهار" وجود انشقاق او انقسام داخل الحزب، واصفاً ما اثير عن هذا الامر بـ"الفقاقيع الاعلامية"، واكد انه الامين القطري المنتخب وفق الاصول الحزبية المتبعة في "البعث".

من جهة اخرى، يصرّ شكر على اعادة التذكير بما تعرّض له الحزب بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من "حملات قمع واعتقال طاولت عناصره ومناصريه بعد عملية الاغتيال، لا سيما بعد الانسحاب السوري من لبنان في ربيع عام 2005"، ويشرح قائلاً: "دفع الحزب ضريبة ما اصطلح على تسميته "التجاوزات السورية في لبنان"، ودأبت بعض الاجهزة الامنية على ملاحقة البعثيين واعتقال العديد من الحزبيين في معظم المناطق اللبنانية، تارة بحجة الارهاب او التعامل مع سوريا واخرى خلف شعار التجاوزات السورية في لبنان".

ويعتقد شكر ان التعاطي مع حزبه في المدة التي تلت عملية اغتيال الحريري ثم الانسحاب السوري من لبنان في 26 نيسان عام 2005 كان يحمل في طياته الكثير من الكيدية السياسية، مما دفع البعثيين الى مواجهة سياسية قاسية مع الحكومة الاولى التي شكلها الرئيس فؤاد السنيورة عقب الانتخابات النيابية في عام 2005.

لكن علاقة الحزب مع السنيورة عادت اليوم الى التأزم انطلاقاً من التزام شكر تقديم دعوى قضائية بحق حكومة السنيورة على خلفية اتهام الاخيرة بالتقصير والمناورة لاطالة مدة عدوان تموز عام 2006.

المؤتمر والخلاف

قبل نحو شهر كثر الحديث عن خلاف داخلي في حزب البعث، ظهر بعد المؤتمر الاستثنائي الذي عقده الحزب مطلع تشرين الاول الفائت واعاد انتخاب الوزير السابق فايز شكر اميناً قطرياً للحزب مما دفع النائب قانصوه الى الاعتراض.

وفي وقت برز تباين واضح في الرأي حول نتائج هذا المؤتمر، ترافق مع بلبلة اعلامية، الا ان النائب قانصوه وضع حداً له عندما قال لـ"النهار" ان كل ما تسمعونه هو "فرقعة اعلامية" وليس هناك من خلافات داخل حزب البعث، "هناك غيمة صيف وعبرت بسلام".

وسبق لقانصوه ان اصدر بياناً نفى فيه وجود اي خلافات او انقسامات داخل حزب البعث، مذكراً ان للحزب قيادة واحدة، وليس في الحزب ما يسمى هيئة عامة، في اشارة الى ما ادلى به البعثي محمد القواص. وعليه، تكون المساعي الحميدة قد نجحت في رأب الصدع بين البعثيين بعد ما تردد عن اتصالات داخلية وخارجية افضت الى هذا التوافق.

الحزب العلماني

يتميز حزب البعث بالتنوّع الطائفي والمذهبي لمحازبيه، وبالتالي ينضم الى التصنيف العلماني للاحزاب، الذي يشمل احزاباً عدة، ابرزها "الشيوعي اللبناني" و"السوري القومي"، لكن العلاقة التي تجمع البعث مع سوريا جعلت من هذا الحزب وكأنه تابع من دون ادنى تحفظ الى القيادة السورية، فيما يشبه البعض علاقته بدمشق بالعلاقة بين الاحزاب الشيوعية وموسكو في ستينات وسبعينات القرن الماضي، مما يعني ان البعث يعمل وفق الاجندة السورية، فيكون طرفاً مع تحالف لبناني ضد تحالف آخر، مما ينزع عنه صفة العلمانية، وهو المأزق الذي تعانيه الاحزاب العلمانية في لبنان، اضافة الى ان نوابه الذين احتلوا مقاعد في مجلس النواب جاؤوا بواسطة "محادل طائفية ومذهبية" وليس خلف لافتات حزبية علمانية.

في المقابل، ترى القيادة الحالية للحزب ان هذا التوصيف غير دقيق، خصوصاً ان حجم الحزب لم يتأثر بالانسحاب السوري من لبنان، وفي هذا السياق يؤكد شكر ان عدد المحازبين ارتفع بعد عام 2005، رغم رهان خصوم الحزب على انهياره بعد الانسحاب العسكري السوري، ويضيف: "بعد الانسحاب اصرّت قيادة الحزب على تنظيم الاحتفالات، خصوصاً في بيروت وعكار والبقاع الغربي رغم ما تعنيه هذه المناطق في الجغرافيا والديموغرافيا اللبنانية، ثم جاء الاحتفال الحزبي الضخم في عام 2007 في قصر الاونسكو عندما تم تنسيب 1100 عنصر الى الحزب. ويغمز شكر من طرف وزارة الثقافة التي احجمت بعد ذلك الاحتفال عن السماح للبعث في اقامة الاحتفالات في الاونيسكو. ويخلص شكر الى استنتاج مفاده ان مرحلة لبننة الحزب انطلقت في شكل واضح بعد الانسحاب السوري ولا يزال الحزب يطوّر هذه المرحلة من تاريخه.

لا جناح عسكرياً للبعث

لا يتوقف الحديث في لبنان عن السلاح والتسلّح، ولا تكاد مناسبة حزبية او غيرها تمر من دون التطرّق الى هذا الموضوع، وسط ارتفاع منسوب التوتر السياسي والتكهنات بردة فعل "حزب الله" في حال صدور القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري، وما يحكى عن اتهام عناصر من الحزب بالوقوف خلف الجريمة. هذا مما يزيد من الهواجس حول الاستعدادات العسكرية عند طرفي المواجهة المحتملة. وبما ان البعث من حلفاء "حزب الله" فمن الطبيعي ان تثار التساؤلات حول قدراتهم العسكرية الحالية. وفي هذا السياق ينفي شكر "ان يكون عند البعثيين اليوم اي استعدادات عسكرية، لان الحزب تخلّى عن جناحه العسكري وعن السلاح بعد اتفاق الطائف، وتوقف عن المشاركة في عمليات المقاومة الوطنية ضد العدو الاسرائيلي، علماً انه كان سبّاقاً الى المشاركة في جبه الاعتداءات الاسرائيلية، خصوصاً في نهاية ستينات القرن الماضي عندما كان يشارك الفلسطينيين في عملهم العسكري وسقط له شهداء كثر في المقاومة، منهم امين سعد المعروف بـ"الاخضر العربي"، وهو من مدينة بنت جبيل وقضى في منطقة العرقوب". ويقول شكر: "بعد العام 1982 انخرط الحزب في صفوف "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" علماً انه كان من احزاب الحركة الوطنية اللبنانية بزعامة الشهيد كمال جنبلاط وشارك في الحرب الاهلية حتى عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ ركّز حزب البعث اهتمامه على الجانب السياسي وفي العملية السياسية، حيث اضحى شريكاً فيها من خلال تمثيله في السلطتين التشريعية والتنفيذية منذ عام 1991 حتى اليوم رغم ابعاده عن بعض الحكومات، خصوصاً بعد عام 2005.

البعث والسلطة

قبل توقيع اتفاق الطائف لم يسبق ان تمثل البعث بصورة واضحة في الحكومة او مجلس النواب باستثناء خرق لافت حققه النائب البعثي عبد المجيد الرافعي قبل الحرب الاهلية، علماً ان البعث انقسم الى حزبين: الاول ابقى على ولائه لسوريا والثاني تمترس خلف العراق، علماً ان وزارة الداخلية رخّصت للحزب في عام 1970. وبعد الطائف، وانفاذاً للبنود الاصلاحية في الاتفاق، جرت التعيينات النيابية في عام 1991 وكان للبعث حصة لا بأس فيها وتمثل بثلاثة نواب هم: عبدالله الامين (الجنوب)، وحمد الصمد وعبد الرحمن عبد الرحمن (الشمال). وفي الانتخابات النيابية الاولى بعد الحرب عام 1992 كرّس البعثيون حضورهم في الندوة البرلمانية محتفظين بهذه الكتلة، ثم تراجع عدد النواب البعثيين الى نائب واحد في عام 2005 بعد خلافات داخلية على تسمية نائب بعلبك – الهرمل بين الامين القطري الحالي فايز شكر والامين القطري السابق النائب عاصم قانصوه، وعاد الاخير في الانتخابات الاخيرة عام 2009 الى مجلس النواب لينضم الى زميله الدكتور قاسم هاشم وهما اليوم يمثلان حزب البعث في مجلس النواب وكلاهما انتخُبا على لائحتي "حزب الله" و"امل" في بعلبك – الهرمل والجنوب.

اما في السلطة التنفيذية، فكان للبعث وزير في الحكومة الاولى بعد الطائف، واستمر تمثيله في الحكومات المتعاقبة منذ عام 1991 حتى عام 2005 مع غياب عن حكومة التكنوقراط برئاسة الدكتور سليم الحص في عام 1998 ليعود البعث الى الحكومة في عام 2000 وليغيب مجدداً منذ ربيع عام 2005 حتى اليوم.

نادراً ما تنجو الاحزاب العلمانية من الانقسامات والانشقاقات وهي صفة لازمت هذه الاحزاب، خصوصاً في ستينات وسبعينات القرن الماضي حيث عرفت احزاب الشيوعي والقومي والبعث حركة انشقاقات وانقسامات عدة.

وفي المقابل، كانت الاحزاب الطائفية ترص صفوفها على وقع الحقن المذهبي والطائفي والعشائري وباتت اليوم بديلاً واكثر تقبلاً من معظم اللبنانيين بعد سنوات من الاصطفاف والتعبئة المذهبيين، فهل تستطيع الاحزاب العلمانية الصمود امام المد الطائفي ام "تتمذهب" في علمانيتها...

تعليقات: