من ثلاثين عاماً وحتى اليوم.. للعرقوب قصصها مع «العنقودي»

شكل ضرب قواعد المقاومة الفلسطينية في العام 1977 والتي أقيمت في العرقوب وحاصبيا بُعيد اتفاق القاهرة بداية قصة المنطقة مع القنابل العنقودية. وقعت، آنذاك، عشرات الإصابات في صفوف المدنيين، بين قتيل وجريح، ويعتبر الأخوان غسان وبهجة زويهد من بلدة حاصبيا والشيخ المسن فندي مسعود، من أوائل الضحايا.

ومع عدوان تموز الماضي نالت منطقة العرقوب حصتها. وحسب رئيس بلدية كفرشوبا عزت القادري، فإن معظم قرى العرقوب والأحراج المحيطة بها تعرضت للقصف بآلاف القنابل العنقودية. وتعتبر أحراج حلتا، السلامية وبسطرا ورباع التبن وخلة السيخية وأحراج الفرديس الأكثر تلوثاً بالعنقودي وتمتد على مساحة بطول سبعة كيلومترات وعرض ثلاثة.

عمل الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل على تنظيف ربع هذه المساحة وخصوصاً تلك القريبة من المنازل وفي الحقول الزراعية القريبة.

وتعتبر تقارير مختلفة لجهات معنية أن منطقة وادي التيم، خصوصاً الممتدة من سوق الخان ـ أبو قمحة ـ العرقوب، وصولاً إلى الأطراف الشرقية لبلدة راشيا الوادي، مروراً بقاطع حاصبيا ووادي ميمس وأحراج آل نوفل من أكثر المناطق الموبوءة بـ«العنقودي».

وترد التقارير ذلك إلى جملة معايير، منها كثافة الغارات الجوية التي تعرضت لها طوال أكثر من ثلاثة عقود، واستخدمت فيها القنابل العنقودية للمرة الأولى، بالإضافة إلى تأخر عمليات البحث وتنظيف الحقول، لا سيما الغابات والمناطق الوعرة وبساتين الزيتون. وهناك أيضاً العوامل الطبيعية، كانجراف التربة ومياه الأمطار التي طمرت الآلاف من بقايا «العنقودي»، فأخفتها تحت طبقة سميكة من الردم.

يقول الشيخ أمين زويهد، الذي واكب تلك المرحلة عن كثب، إن القنابل العنقودية في تلك الفترة لم تكن معروفة بشكل جيد من قبل الأهالي، خصوصاً المزارعين ورعاة الماشية، في ظل غياب إرشادات أو حملات تنبه من خطرها. فسيطر الجهل والاستهتار في التعاطي مع بقاياها بحيث عمد بعض المدنيين إلى العبث بها وجمعها ونقلها إلى المنازل لأغراض «الزينة» مثلاً. ويشير إحصاء غير رسمي الى أن عدد قتلى القنابل العنقودية، في وادي التيم، وتحديداً في حاصبيا والقرى المحيطة، قد بلغ أربعة وثلاثين مواطناً، بالإضافة إلى أكثر من مئة حالة إعاقة.

روايات «العنقودي»

تستذكر فادية زويهد الحادثة المشؤومة: «كان الشهيد غسان قد عثر في بستان زيتون عند الحاصباني على قنابل عدة، صغيرة الحجم، تشبه كوز الصنوبر، لكنها مضلعة، فأعجب بشكلها ونقلها إلى منزلنا ظنّاً منه أنها تصلح كتحفة جميلة للزينة. وصودف أننا كنا نحفر أساسات منزل جديد، فأخذ شقيقي يلهو بهذه القنابل التي حافظنا عليها بجانبنا لأشهر. لكن، هذه المرة، خانتنا لتنفجر بيننا، فحلّت الكارثة بعائلتي، قتل شقيقاي على الفور، وجرح شقيقي الثالث».

ويروي سلمان مسعود عن والده الشيخ فندي مسعود الذي كان قد قضى أكثر من عامين في جمع القنابل من بين بساتين الزيتون في الحاصباني، ورميها في عبارة على طريق الحاصباني، بهدف إبعادها عن متناول المزارعين من أبناء البلدة. وهكذا جمع أكثر من ألف قنبلة. وفي حزيران ,1983 خذلته قنبلة كان قد نقلها بسيارته من قاطع حاصبيا، ليرميها في العبارة التي أطلق عليها اسم «مخزن القنابل»، فانفجرت بين يديه لتقتله على الفور.

من يعوض عليهم؟

تكثر هنا، على ما يقول مسعود، روايات «العنقودي القاتل». حكايات رعب وموت، «والحبل على الجرار»، بحسب أحد المصابين، صابر حاطوم، الذي يعتب على الجهات المعنية لأنها «تخلت عن المصابين في أحلك الظروف وعائلاتهم وهمومهم، فلم تعوض الدولة على عائلات الشهداء الذين قضوا بهذه القنابل، ومن أصيب بإعاقة ترك من دون رعاية».

أما مختار الهبارية، وجيه أبو همين، فيدعو إلى القيام بحملة لتنظيف مناطق العرقوب، لا سيما محيط قرى كفرشــــوبا ـ حلتا ـ الهبارية ـ وادي خنسا، من آلاف القنابل العنقودية التي استـــهدفتها بُعيد التحرير، وفي أعقاب حرب تموز الأخيرة. يقول إن «هناك مساحات واسعة، ومنها أحراج ومراعٍ وبساتين زيتون، محرم على الناس الدخول إليها لأنها خطرة على الحياة العامة».

تعليقات: