صدى ..

سنزرع في ركام الظلم أقحوان الحدائق
سنزرع في ركام الظلم أقحوان الحدائق


صدى ..

.. اليوم عطلة, وفرصة التمرّد على المعتاد متاحة, دونما جدال مع العقل أو انتظار لإشارة خضراء قرّر الخروج, وقبل أن يحدّد الوجهة بدّل ملابسه واعتمر قبّعته, وعن قصد أهمل هاتفه المحمول ربما لنيته المعقودة سلفاً على مقابلة الذات ..

انطلق بسيارته التي ألفته, أدمنت موسيقاه, تفّهمت جنونه, سمعت حديث نفسه جهراً واخفاتا, عرفته أكثر مما عرفه الحسّ البشري, أحبّته بصخبه وتيهه وحزنه, ارتضت به صديقاً بشريّاً لبعض من عالم المعدن !..

كانت يداه على المقود وعيناه كعادتهما تقفزان على الأبنية,تتسلقان الجدران, تحطّان كعصفورين على واجهة محل هنا, أو على لافتة إعلانية هناك, أو تتوسطان جمعاً من النّاس في مهمة استطلاعية فضولية ...

..أما عقله المتحفّز فكان ينشط في اختيار الوجهة, ويبدو أنّه وفّق إليها أخيرا, وقرينة ذلك استدارة السيّارة باتجاه جبليّ, في طريق يُوصل إلى حديقة خضراء بعيدة عن ضوضاء المدن, مطلّة على بحيرة ماسيّة تستحمّ فيها الشمس بعد رحلتها النهارية المعتادة ..

ترجّل من السيّارة و قادته رجلاه إلى جذع شجرة ضليلة ليستلقي تحتها وينعم ببرد نسيمات تداعب خدّيه المفرغين إلا من تقاسيم الوجع, وجبهته المنصوبة كلوحة أسمنت غُرست فوق ضريح وقد خُطّت عليها كلمات قدريّة ..

راح يلاحق عينيه الهاربتين خلف جذوع الاشجار, الضاحكتين للظلّ, المأخوذتين بجمال العصافير الآمنة, وتختبئ العينان وراء الدهشة بعصافير تأمن في الشرق! وقد أدمن هذا الشرق خنق الفراشات, واغتيال البسمة بين الشفاه, واعتقال العقل بتهمة التفكير !!..

أعادته الحقيقة لفيء الشجرة وقد يئس من إمساك عينيه اللتين تأبطتا كتف الشمس لتشاركاها استحمامها اليومي في ماء البحيرة ..

وباصغاء مرهف راح يستمع حديث الذات وبوح الروح بالممنوع في دساتير أجهزة الرقابة, ودونما قصد تلّفت العقل مرتين كأيّ مواطن عربي يخشى زبانية الحاكم, أو حتى وشاية ظلّه لو قرّر يوماً أن يقول لماذا !!..

لكنّه رغم الخوف المزمن تجرّأ .. فهذا زمن الجرأة .. زمن ينطق فيه الشّعب, والأجمل حقّاً أنّ الشعب صار يريد .. صار يقرّر .. ويمدّ يداً ليكسر قضبان الأحلام ويثقب جدران الزمن المعتم ..

وحين تعثّر بدعابات الإعلام المصكوك تبسّم, تذكّر أيام طفولته وولهه بمشاهدة رسوم متحرّكة لرجالات فضاء شجعان أتوا من عالم افتراضي إلى عالمنا المغامر ..

عادت بعض علامات الاستفهام الثوريّة ثانية, ماذا بعد سقوط الأصنام الخشبية ؟ وخروج المارد من قمقمه؟ تُرى سنبني فوق أنقاض السجون المكتبات ؟ أم سنزرع في ركام الظلم أقحوان الحدائق ؟!..

تُرى سنعبر إلى تداول السلطة ويصبح الحكم المؤبّد تاريخاً مقيتا؟ تُرى سننتخب ؟؟

هل ستتحرّر الذاكرة من الصور العتيقة خلف المكاتب والرؤوس المكوّرة على خوف ؟!!..

.. صاحبنا المنسرح تحت ظلّ شجرة أراد أن يفرّ من زحمة التساؤل وضجيج المخاوف على بوابة الوطن العربي الجديد, وبمبادرة سريعة قرّر أن يلحق بعينيه المنتظرتين على ضفة البحيرة تغازلان الشفق.. تاركاً في التراب خطوطاً مرتبكة ورسوماً مبهمة, وفي صمت المكان صدى إنسان يبحث عن ذات وهويّة وعن وطن تأمن فيه الطيور !!...

بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو

Cheikh_kanso@hotmail.com

تعليقات: