معرض بيت العنكبوت: حكاية تموز.. من مرصد المقاومة إلى الميركافا «الغارقة في مأزقها»

دبابة الميركافا في الباحة الخارجية للمعرض (علي لمع)
دبابة الميركافا في الباحة الخارجية للمعرض (علي لمع)


الرجل بالبزة العسكرية، موجهاً بندقيته من فتحة المتراس، هو النموذج البلاستكي الذي يحاكي مقاوماً في مرصد جنوبي. والمرصد يقع في منطقة الصفير، بالقرب من ملعب الراية، وفوق الأرض، وليس تحتها كما يفترض به. نحن في مرصد إفتراضي للمقاومة. أنفاق ضيقة تؤدي إلى ثلاث غرف. الأولى يجلس فيها المقاوم الذي وصف أعلاه وقد علقت الى جانبه لوحة تشرح ما الذي «يراه» المقاوم الأصلي الذي يرصد كل حركة في الموقع الأسرائيلي أمامه، كما يرى تلال فلسطين، وتحتها صور آليات إسرائيلية واسماؤها. إذا رأى واحدة من هذه الآليات عرف اسمها وأرسل الى مسؤوليه إسمها مشفراً.. وهكذا.

في الزاوية الثانية يقف مقاوم آخر في غرفة عمليات، أمامه لوح يكتب عليه، وخرائط على الطاولة. في الغرفة الثالثة، يستريح المقاومون. هنا تتدلى بندقياتهم على الجدار، وتتمدد الصحف، وتصطف معلبات الطعام. عند أول الغرفة يجلس مقاوم يقرأ في كتاب جامعي لطلاب الهندسة، وفي آخرها مقاوم يركع مصلياً، وقد إعتمر عمامة سوداء، اي أنه عالم دين.

أنت في موقع رصد أقرب ما يكون إلى الحقيقي إذاً. دبابة الميركافا التي ستمر بها قبل أن تدخل الى المرصد هي الحقيقية تماماً. هي والملالة ونصف المجنزرة وجزء كبير من المروحية التي سقطت في وادي مريمين. آليات مدفونة في الأرض تقريباً. تنظر الى أسفل إذا نظرت اليها. هذه فكرة أساسية في «بيت العنكبوت»، المعرض الفني المشهدي الذي تفتتحه «وحدة الانشطة الاعلامية في حزب الله» مساء التاسعة من اليوم للرسميين، وبدءاً من العاشرة من صباح غد الخميس للجمهور. ويستمر حتى العاشر من ايلول المقبل.

«عمل فني يحكي عن حرب تموز». يلخص مسؤول الأنشطة الاعلامية الشيخ علي ضاهر المعرض، قبل أن يشرحه بالتفصيل:

على مساحة خمسة آلاف متر مربع، يقوم عمل ينقسم إلى خمسة أقسام. في القسم الأول، الخارجي، نرى الآليات الاسرائيلية الثلاث، ونرى مجسمي صاروخي «خيبر» يتجهان جنوباً. من هذه الباحة المكشوفة على السماء ندخل الى مرصد المقاومين المبني بأكياس رمل متراصة، ومنه الى القسم الثاني. صورة دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع السابق، ثم الرئيس الأميركي جورج بوش وبعده ايهود اولمرت وعامير بيريتس رافعاً منظاره المغلق. بدأنا بالاميركيين لأنهم الأصل في هذه الحرب. بعد صورهم والعبارات التي قالوها خلال الحرب، تأتي الإعترافات الاسرائيلية بالاخفاقات. بعدها، وفي حفر مستطيلة تحت مستوى الأرض، تصطف خوذات اسرائيلية كانت على رؤوس الجنود الذين سقطوا صرعى وجرحى في جنوب لبنان. في حفر أخرى تتمدد الغنائم الاسرائيلية. وعلى الجدران، ترتفع صور المدنيين والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مراحل الحرب كافة، بدءاً من النزوح وصولاً الى العودة مروراً بالمجازر. هكذا، تنظر الى ناسك على مستوى عينيك، وتنظر الى الاسرائيليين من فوق، تحقرهم، كما يقول الفنان التشكيلي أحمد تيراني، مصمم المعرض والمشرف على الورشة الكبيرة.

الكثير من الأغراض الاسرائيلية تعرض هنا للمرة الأولى، أهمها الأجزاء المتبقية من حطام المروحية. وخصص جزء من هذا القسم لدبابة الميركافا، وما حصل معها في جنوب لبنان. على الجدران الخشبية تنتصب بالتفاصيل معلومات على ألوية الجيش الإسرائيلي وتشكيلاته البحرية والجوية البرية، وحتى ألوان قبعات جنوده، مع شرح مفصل لهم. «إعرف عدوك»، يقول التيراني، لأن المطلوب من زائر المعرض أن يخرج بمعلومات إضافية وليس فقط بإنطباعات. بالطبع، فللبارجة حيزها، كما لرسالة المقاومين الى نصر الله ورده، بخط يده عليهم. في هذا القسم ثمة تحيتان موجهتان الى الجيش اللبناني والى العرب الذين وقفوا مع لبنان في حربه.

من هذا القسم ننتقل الى غرفة معتمة تماماً. هنا يجري عرض سينمائي على شاشات عدة لمراحل الحرب في صور ومشاهد سريعة لإطلاق صاريخ أحياناً يلحقها إنفجار دبابة، ثم تعتم الغرفة تماماً ليرتفع صراخ مفترض للجنود الإسرائيليين بينما يخرج الدخان من حفرة كبيرة في الأرض سقطت فيها دبابة ميركافا وسقط جنودها صرعى فوقها وبقربها. عرض مشهدي مشغول فنياً وتقنياً، ومن المتفرض أن ينال إعجاب زوّاره.

بعد هذا العرض نعود إلى قسم آخر من الباحة الخارجية. الى اليمين أرض مسورة بسياج حديدي، مزروعة بقنابل عنقودية وألغام، ترتفع فوقها الإشارات التي تحذر منها، أما إلى اليسار، فتفرد المساحة المغطاة بالعشب الأخضر للشهداء، في مشهد فني مركب أخير.

يتفق ضاهر والتيراني على أن مثل هذا العمل، بتنوعه ومساحته الجغرافية وعناصره الفنية غير مسبوق لبنانياً. وقد قام في عشرين يوماً فقط. أما العاملون فيه فبلغ عددهم نحو مئتي عامل وفنان وحرفي بالاضافة الى المهندسين محمد كوثراني ومحمد نور الدين.

المعرض كبير. تحتاج زيارته الى نصف ساعة، ما لم يقرر الزائر أن يسأل في التفاصيل ويتصور وما إلى ذلك، حينها سيحتاج الى ساعة. يقول المنظمون ان باستطاعة المكان استيعاب 500 شخص في آن واحد، ويتوقعون أن يفوق زواره المليون زائر.

هو عمل كبير، راعى شروطاً فنية لصور حرب هائلة. فكر بالأطفال ولم يضع صوراً شديدة الدموية إرتكبها الإسرائيليون. إنتبه الى تفاصيل صغيرة تتعلق بالالوان والأصوات وحتى بعدم رمي الأفكار بمباشرة فظة. ثمة جهد فني لا لبس عليه. غداً يجول الناس في أرجائه ومن المفترض ان يفرحهم. على الأقل، هم سيمشون فوق خوذات الاسرائيليين وبنادقهم وعتادهم الذي هربوا وخلفوه وراءهم. البندقية هي شرف العسكري، وهي بأهمية حياته، على ما يقول الدرس الأول لأي واحد انخرط في جيش.

[ يفتتح معرض بيت العنكبوت التاسعة من مساء اليوم الأربعاء لاصحاب الدعوات الخاصة، وغداَ للجمهور. يستمر حتى العاشر من ايلول، من العاشرة صباحاً وحتى العاشرة مساء.

تعليقات: