عجائب وغرائب في سجلات نفوس بعلبك

الحصول على بيان قيد افرادي أو عائلي من دائرة نفوس بعلبك أشبه بالانجاز
الحصول على بيان قيد افرادي أو عائلي من دائرة نفوس بعلبك أشبه بالانجاز


تذكير إناث وتأنيث ذكور ومتزوجون يصيرون عازبين

عجائب وغرائب في سجلات نفوس بعلبك و600 ألف لبناني مهددون بهويتهم

يفهم البعض هيبة الدولة عبر الوجود الأمني والعسكري الظاهر، لكن الهيبة تعني احساس المواطن بوجوده ونظاماً حضارياً يصون حقوقه ويضمن رفاهيته وكرامته وإنسانيته، وهذه من أبجديات حقوق الإنسان والمواطنة وحق الرعية على الراعي. والمواطن اللبناني ينتمي قانوناً وحياتاً الى الجمهورية اللبنانية ومؤسساتها الدستورية والإدارية والقانونية، غير ان المفارقة هي ان هذه الجمهورية تفرض قوانينها على مُواطِنِها لكنها لا تعترف بمواطنيته، الا وفق مكان تسجيل نفوسه واحرازه الهوية اللبنانية "المميز الأول للوضع الانساني" ليعيش تحت رعايتها وعنايتها. علماً ان مصطلح الهوية بالعربية مصدره من كلمة: "هو".

كيف هي حال المئات من مواطني قرى بعلبك وبلداتها الذين امحت احرف من اسمائهم، أو زالت اسماء بأكملها من سجلات نفوسهم، ولا سيما منها سجلات بعلبك القديمة نتيجة اهترائها وتآكلها وعدم تجديدها منذ زمن بعيد. وهكذا بات الحصول على اي وثيقة يتطلب من الموظفين الاستعانة بالسجلات الضخمة التي أكل عليها الدهر وشرب، ومن ثم التفتيش عن اسم صاحب العلاقة، ليبدأ بعدها العمل على اصدارها في آلية لم تتبدل جذرياً منذ 60 عاماً.

واقع دائرة نفوس بعلبك المحشورة ضمن غرفتين في الطبقة الاولى من السرايا ومكاتبها الصدئة ليس افضل من السجلات، ويفتقر الى الحد الادنى من المقومات الواجب توافرها في مؤسسة معنية بعمل من اساسيات الحياة لا من كمالياتها، وهو توثيق المعاملات الرسمية لـ 600 الف شخص واصدارها.

ومما لا شك فيه ان المعنيين داخل الدائرة والمواطنين على السواء باتوا عاجزين عن الامساك بطرف الخيط لانتشال السجلات مما هي فيه، رغم وجود لجنة لمعالجة الامر شكلتها وزارة الداخلية لتنظيم السجلات وتدقيق القيود التي أدرجت خلافاً للأصول في سجلات المقيمين.

حذف أحرف

عوض العزقي متقاعد في الجيش من بلدة بريتال يطالب بإصدار اخراج قيد لاستكمال اوراقه لقبض تعويض نهاية الخدمة، فوجىء بنقص حرف من اسم ابنه علي، ما ادى الى كتمان قيده. وبعد مراجعات في زحلة وبيروت أحيل على اللجنة التي لم تبت الامر بعد، ولا يزال تعويضه معلقاً، علماً انه حاصل على وثيقة زواج واخراج قيد عائلي في تاريخ 4-9-2010 صادرين عن الدائرة.

مختار بلدة معربون عبد الغفار اسعد لفت الى ان ابن البلدة مسعود شاهين مواليد 1937، ومتزوج من عام 1959 ولديه 13 ولداً غالبيتهم متزوجون، وزوجته سورية حاصلة على الجنسية اللبنانية بالزواج وتحمل هوية لبنانية. ولدى طلبه اخراج قيد تبين من السجلات انه عازب، علماً انه حاصل على وثيقة زواج صادرة العام 1959 ورقمها 122 / 1959 ووثيقة قرار من المحكمة بحصول الزوجة على الجنسية اللبنانية بموجب عقد الزواج.

وروى مختار بعلبك حسين الشل ان احمد محمد ديب الشل من بعلبك استحصل في 11 نيسان الفائت على اخراج قيد عائلي، وبعد ثلاثة ايام في 14 منه اضطر الى طلب نسخة أخرى من اخراج القيد فأبلغ ان اسمه مفقود نتيجة تمزق صفحة في دفتر السجلات! كذلك حال الاخوين زكريا علي وخالد مصطفى الرفاعي من محلة غفرة اللذين شطب اسماهما، اضافة الى صدور اخراجات قيد يستحيل على الإنسان العادي قراءة ما كتب عليها. وقد بذل البعض محاولات جبارة لإقناع مأموري النفوس بالاعتراف بذكوريتهم فهم يؤنثون الرجال ويرجّلون النساء على هواهم!

... ولا من يسأل!

وأكد مختار بلدة الجمالية حسين جمال الدين "ان لا احد من المعنيين يسأل ولا يوجد دولة انماء في منطقة بعلبك – الهرمل، ودائرة نفوس بعلبك تمثل تأمراً على المنطقة"، ملقياً المسؤولية على عاتق وزير الداخلية ومديرية الاحوال الشخصية والمحافظة. وأوضح انه "قبل اكثر من ستة اشهر التقى وفد من مخاتير المنطقة المديرة العامة بالوكالة للاحوال الشخصية سوزان خوري، وتلقى وعداً بتجديد دفتر السجلات، وحتى اليوم بقيت الوعود وعوداً. وفي التاسع من ايار الفائت طلبنا موعداً ولم يرد علينا حتى اليوم، فنحن مواطنون ونريد حقنا في المواطنة، وفي بريتال وحدها 600 فرد غير مدرجين او لديهم سجلات ممزقة، فلا يكاد بيت فيها يخلو من مفقود في السجلات الرسمية، فكيف بالمحافظة كلها؟". ورأى "ان اللجنة تضع العقبات بدل الحلول وتستغرق المعاملات اشهراً حتى تنجز، وهذا الغياب القانوني يعني الكثير: يعني ان ما من مستشفى قد يستقبل هؤلاء الأطفال ولا طبابة ولا ضمان ولا مدرسة، حتى ان العديد منهم لم يستطيعوا تأدية فريضة الحج هذه السنة".

وسأل المعنيين: "اذا كان ابنكم في المدرسة يستخدم كتابه المدرسي مرة في اليوم وسرعان ما يتلف، فكيف بدفتر سجلات يستخدم مئات المرات في اليوم على مدار 60 عاماً؟ في هذه الحال لمن نلجأ؟ اننا نطالب بإعادة نسخ السجلات".

ولفت مختار مدينة بعلبك علي عثمان الى "ان بريتال وحام ومعربون وحورتعلا والطيبة وطليا ودورس من اكثر البلدات التي تعاني هذا الامر، مما يضطرالمواطن الى سحب وثائق ثبوتية عدة من بيروت وزحلة لتقديمها الى لجنة تنظيم السجلات، وبنتيجتها يحتاج الى ما يراوح ما بين ثلاثة وستة اشهر لإصدار اخراج القيد، اضافة الى ما يتكبد من وقت ومصاريف".

واستنكر مختار بلدة بريتال احمد طليس قرار اللجنة عدم اصدار اي اخراج قيد اذا كان ناقصاً حرفاً في سجل النفوس، حتى وان كانت لدى صاحبه اوراق ثبوتية، وطالب بتعيين مأمور نفوس للدائرة والاسراع في المعالجة وتثبيت هويتنا قبل اي أمر".

ورجح احد مخاتير المدينة، الذي رفض ذكر اسمه، "ان يكون فقد بعض الأسماء وحصول تمزق مفاجىء في بعض السجلات عملاً كيدياً"، متخوفاً من النتائج السلبية لإخراج القوى الأمنية من الدائرة.

هذا الوضع المزري للسجلات يهدد البعض بكتمان قيده، فيقع المواطن ما بين سندان واقع دائرة النفوس ومطرقة اهمال الدولة، الا ان المغلوبين على امرهم والذين باتوا منسيين بعدما أوصدت في وجوههم ابواب المعنيين، لم يعد من سبيل أمامهم سوى الاعلام والاعتصامات، التي يتوقع ان تنطلق خلال الايام المقبلة. ويذكر ان مخاتير المنطقة كانوا يعتزمون تنفيذ اعتصام في 26 ايار الفائت، لكن استقالة وزير الداخلية والبلديات زياد بارود من تصريف الأعمال دفعتهم الى إرجائه.

تعليقات: