الثـلاثي القـوي: ريفـي ـ ميـرزا ـ الحسـن.. فـي «الزمـن الصعـب»

ميرزا
ميرزا


شكور للمدير العام: «تتصرف بذهنية أنا الملك.. أنا القانون»

خرج سعد الحريري من السرايا الكبيرة مطمئنّا إلى أن أرجل أخطبوطه الأمني لن «تقصّ» وفي باله أيضا أن «ملائكته» ستبقى حاضرة في عروق «الشبكة» التي ثبّتت منذ العام 2005 وحتى الآن، قبضتها في مفاصل الدولة.

اطمئنان لا تجد ما يبرره في خطاب خصومه، المعتدل منهم أو المتطرف، فلسان حال هؤلاء أنه آن أوان الحساب مع هذه المنظومة، وتحديدا مع الرمز الأقوى والأفعل فيها، أي العقيد وسام الحسن رئيس «فرع المعلومات» في قوى الأمن الداخلي... ومن يريد أن «يختبر» وزير الداخلية الجديد مروان شربل.. «فعليه أن يتمعن في سطور تصريحاته على عتبة «الداخلية» وبعد أخذه الراية من سلفه زياد بارود».

وماذا عن اللواء اشرف ريفي الذي يبدو أحيانا كأنه الرجل الأبرز في منظومة الحريري، وهل صار مهدّدا، خاصة بعد «مسلسل العدلية»، بفتح ملف «نفوذه» على مصراعيه وصولا إلى محاصرته «سياسيا»، عقابا له على تمرّده على سلطة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة ورفضه الرد على اتصالاته، وعصيانه على وزيرين في الحكومة السابقة؟

بغض النظر عن المخارج القانونية المتوافرة التي قد تتيح «تطويق» المدير العام لقوى الأمن الداخلي من خرم ابرة «الطابق الأسود»، أو إخراجه منه، يتسلّح اللواء ريفي بدرع سياسي «أزرق» ومذهبي ومناطقي أمّن له، ولا يزال، منذ ست سنوات، الحماية من أي «تطاول مضاد» على إمارته الأمنية، وكذلك بما يشبه التأكيدات، بأن مجرد التفكير بتأديبه واستطرادا وسام الحسن، يحتاج الى «قرار سياسي كبير» شبيه بذاك الذي أخرج سعد الحريري من السرايا الحكومية.... قرار، وفق المعلومات، «هو غير متوافر حتى الآن، وربما صارت «أجندة» ريفي بعد زيارته السعودية الأخيرة، حافلة بمعطيات لا تتصل بالواقع اللبناني وحسب بل بمعطيات خارجية يمكن أن يكون لها تأثير كبير في الواقع اللبناني مستقبلا» يقول أحد المراقبين.

وحتى يُعرف مصير الكتاب الذي وجّهه رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى وزير العدل القديم ابراهيم نجار والذي أحيل الى خلفه شكيب قرطباوي لأخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المدير العام، فإن ريفي يبقى الحاكم بأمره حتى إشعار آخر... لا بل لعل «المحزن المبكي» بالنسبة لإحدى شخصيات المعارضة السنية السابقة أن كتاب رئيس الجمهورية رمي في سلة مهملات موجودة عند عتبة دارة نجيب ميقاتي في فردان، في ظل رغبة الأخير بعدم المس بـ«ابن البلد» ظنا منه أن التأديب يجب أن يقتصر على وسام الحسن، خاصة في ظل قرار أشرف ريفي بأن ينتقل من مربع التقاعد في ربيع العام 2013 الى قطار الانتخابات النيابية عن أحد المقاعد السنية في طرابلس... ولذلك ليس هناك ما يمنع أن يستمر في مهمته حتى موعد التقاعد.

هرمية «شبكة الأقوياء» في المنظومة الحريرية الأمنية تفترض التركيز على الـ Big Boss وسام الحسن. الرجل الرقم واحد. بعده يأتي ريفي. ثم يأتي سعيد ميرزا، على جبهة «العدلية». وعندما «يتمختر» كتاب المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بين بعبدا مرورا بمكتب وزير العدل في العدلية وصولا إلى يد مدعي عام التمييز ميرزا، يمكن بسهولة توقع النتيجة: «ومن أفضل من القاضي ميرزا ليمتصّ الغضب الرئاسي على الضابط المتمرّد» يقول أحد وزراء الأكثرية الجديدة؟

جبهة ثلاثية، ذخيرتها الامن والقضاء والسياسة والمذهبية. ريفي يعشق الأضواء والبطولات. صاحب سيرة مثيرة تخفّف من وهج السيناريوهات المروّجة لإمكان إخراجه بسهولة من دائرة أصحاب النفوذ. ابن طرابلس سياسي أكثر مما هو عسكري. يستسهل التوقيع وليس أخذ القرار. سلوك اكتسبه من خلال تدرّجه في الخدمة من أقصى اليمين الى اقصى اليسار. رئيسا عام 1990 لسرية الحرس الحكومي على عهد الرئيس سليم الحص وصولا الى قيادة المديرية العامة لقوى الامن الداخلي بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري على أنقاض «النظام الامني اللبناني السوري».

وبين الحقبتين مسيرة ترحال وأدوار، وكان الانطباع دائما أن «الرجل طيب. ودود. صديق. مخلص. ندر أن يؤذي أحدا. محب للناس. خدوم. موظف تقليدي. منضبط. يحرص على النقطة والفاصلة ولسان حاله أن كل الناس «بكاوات» وليس هناك «بيك» لبناني واحد» يقول أحد رفاق دورته.

بعد الاغتيال ـ الزلزال ودخول لجنة التحقيق الدولية طرفا مؤثرا في اشتباكات الداخل، يكلّف ريفي الامساك بخيوط التنسيق مع بيتر فيتزجيرالد رئيس لجنة تقصي الحقائق الدولية ومن ثم مع ثعلب التحقيق الدولي ديتليف ميليس ثانيا، ولاحقا مع من أتوا من بعدهما.

الضابط الصغير، في البدايات، يصقل موهبة التواصل مع الآخر حين بقي لسنوات طويلة مسؤول شعبة العلاقات العامة في قوى الامن. وبعد توليه مسؤولية الامن الشخصي للرئيس الدكتور سليم الحص ينتقل الى «منفى» مديرية أمن الدولة. صداقته مع المدير العام اللواء علي الحاج فتحت أمامه الطريق ليصبح من رجالات الحريري الاب من بوابة رئاسته لـ«فرع المعلومات». مذاك، أصبح ريفي ظل قريطم. يخرج «الشيخ» مرتين من الحكم. فينفى الضابط السني الى «مجاهل» قوى الأمن، متنقلا بين معهد قوى الامن والمباحث الجنائية والمفتشية العامة. لكن دم الشهيد يتيح للضابط، الملتحف بغطاء سياسي استثنائي من الحريري الابن واللصيق برجل الظل والنفوذ وسام الحسن، تشييد امبراطوريته حجرا حجرا مستفيدا بعد مرحلة الاغتيال من «شلال» الاموال والمساعدات التي تدفقت لمؤسسات «ثوار الأرز» لتمويل المشروع البديل من مؤسسات نظام الوصاية الامني المندثر.

تحويل قيادة المديرية العامة لقوى الامن الداخلي الى متحكم بمصائر مرجعيات سياسية وصولا حتى أصغر مواطن يلهث لبناء غرفة مخالفة فوق أملاك عامة، في «اليد التي توجع»، ليس «الانجاز» الوحيد على لائحة الضابط القوي. مآثر ابن طرابلس أكبر من ان تحصى. اصلا شخصية الرجل تبدو جذابة بقدر ممارساته السلطوية، وان كان الرجل يختزن في داخله قدرا كبيرا من اللباقة والكاريزما المحببة.

من يعرف بأسرار «الامبراطور» يدرك أنه «باق باق باق»... في نيسان 2013 يحال ريفي الى التقاعد. لا شيء يدلّ على انه من طينة الأمنيين الذين سيعكفون، بعد الخروج من السلك، إلى تكثيف «الصبحيات» السياسية والتردّد إلى «النادي العسكري» أو إدارة «بيزنس» خاص أو بناء فيلا في الشمال تعوّض بحجمها مرارة التقاعد. كل ما فعله، ويفعله أشرف ريفي يقود إلى قناعة بأن اللواء مولع بلعب أدوار البطولة التي يأمل في أن تقوده لاحقا إلى ساحة النجمة، وربما إلى السرايا إما وزيرا... وإما رئيسا للحكومة!

وحتى يحين أوان الحصاد النيابي، ربما تتغيّر خارطة التحالفات و«تركيبة الأدوار» بما يتيح له أن يحجز مقعدا نيابيا في الدورة المقبلة.

في الرجل كل الصفات التي يعتقد أنها تؤهله لأن يصبح ممثلا للأمة، وهو يعتقد أنه يتقدم على كثر من بني جلدته الشماليين أو غير الشماليين، فكيف اذا كان مدجّجا بخبرة طويلة ومثمرة في استغلال النفوذ ومقدرات الدولة لتقديم خدمات مشروطة بكسب الولاء، و«تدجين» عصابات ومطلوبين للعدالة «لاستثمارهم» لاحقا. صاحب خبرة في تركيب اللوائح وتنقيحها و«تطليع وتنزيل» نواب. ودواليب شاحنات قوى الامن شاهدة على «النقليات» من مستودعات المديرية الى مناطق الشمال لتقديم «الدعم اللوجستي» للرئيس الحريري من الاموال الى «البونات» وصولا الى قناني الماء.

كل عناصر وضباط وقوى الامن حتى كل قادة الوحدات يلتزمون بأوامر الحجز في الانتخابات ويوزعون بمهمات محددة على مواقعهم... إلا «جيش» فرع المعلومات. هؤلاء، في نوع كهذا من الاستحقاقات يبدون كشخصية «كاسبر». لا أحد يعرف مكانهم ومهامهم.... حتى وزير الداخلية!

ليس في معركة كشف لغز «الطابق الثاني» في مبنى الاتصالات أي إضافة جديدة على سجلّ ريفي. هي ليست المرة الاولى التي يتمرّد فيها الجنرال على رئيس الجمهورية، حامي الدستور، من خلال تجاوزه قرارات الوزير المحسوب على بعبدا، وليست المرة الأولى التي تصدر عقوبات مسلكية بحقه. الجديد فقط هو استنفار الرئيس سليمان شخصيا للرد على «نقطة» في بحر تجاوزات الضابط القوي. وبما ان المدير العام يشتغل سياسة أكثر من الامن، فلا بأس من أن يتحوّل المحظور إلى أسلوب عمل. قد يكون سمير جعجع من أكثر الذين أنصفوا ريفي، في توصيف «وضعيته»، حين دافع عن «آخر قلعة أمنية».

نعم أشرف ريفي متمرد سياسي داخل قلعته الامنية. لكن ذاكرة جعجع خانته وضاع في الحسابات. فمقابل الارتفاع البسيط في عدد المسيحيين الذين منّ عليهم ريفي بدخول قوى الامن، كان الاخير يتعرض لاتهامات بإدخاله وبطرق ملتوية آلاف العسكريين من لون مذهبي معين الى قوى الامن. لقد أمسك الرجل بمجدَي المال والسلطة وتصرّف...

بالتكافل والتضامن مع العقيد وسام الحسن عمل ريفي على «تفريخ» وحدات وقطاعات من خارج نصوص القوانين، مكّنت فرع المعلومات من «نفش ريشه» في مجال مكافحة الارهاب وكشف شبكات التجسّس مستعينا بأجهزة تنصت ذات تقنية عالية، ارسلها الخارج «الحليف»، وحطّت حصرا على مدرج «المعلومات» بعدما مرّت من فوق رؤوس أمنيي وزارة الدفاع. زاد عديد فرع المعلومات من 60 الى 2500، وحوّله الى شعبة، فتضخّم حجما ونفوذا وصلاحيات، رغما عن أنف القانون وأهله، ورغم إسقاط الاقتراح في مجلس القيادة الذي صادر صلاحياته وخاض بوجهه معركة استنزاف الى لحظة دخوله في «كوما» التعطيل بعد فقدانه النصاب. أمعن ريفي، خلافا للقانون وفي تجاوز لصلاحيات المجلس، في إصدار أوامر بفصل الضباط وتمديدها. كان توزيع المواقع يعود حصرا لوسام الحسن والتوقيع لريفي. دافع ببيانات إعلامية عن فرع المعلومات من دون أخذ موافقة وزير الداخلية، وتجاوز أكثر من مرة وزير الوصاية وصولا الى فضيحة حماية الشبكة الخلوية الصينية. امتهن الترقيات الكيدية بإشراف مباشر من وسام الحسن، وآخرها تلك الصادرة في نهاية العام المنصرم بتوقيع ريفي بعد «استغيابه» مجلس القيادة المعطّل. والميزة الابرز للمدير العام المجاهرة العلنية بالانتماء الى نادي «ثورة الارز»...

في احدى مراسلاته الى اللواء ريفي، بعث قائد الدرك السابق انطون شكور مراسلة اعتراضا على أدائه كتب له فيها «أنت تتصرف بعقلية أنا الملك.. أنا القانون». الضابط الذي أحيل الى التقاعد في آذار الماضي كان من أكثر الضباط الذين خاضوا مواجهة كسر عظم مع «الحاكم بأمره»، على خلفية تحويل فرع المعلومات الى شعبة والاستيلاء على صلاحيات مجلس القيادة وتجاوز نصوص القانون وإصدار قرارات فصل الضباط.

لم يخطئ شكور في التوصيف ولم يخيب ريفي ظن خصمه فيه. المدير العام أصبح أقوى من وزير الوصاية ومن مرجعيته الرئاسية ومن مجلس الوزراء مجتمعا.

ولمن يريد فعلا ايقاف ريفي عند حده، يطرح بعض الخبثاء السيناريو الآتي: في حال تكوين ملف مسلكي بحق مدير عام قوى الامن الداخلي، فإن الضابط الاعلى رتبة منه في السلك يفترض قيامه بالتحقيق معه. وفي هذه الحال فإن اللواء علي الحاج، الذي لا يزال في الخدمة وصاحب الفضل في إدخال ريفي الى «مغارة قريطم»، هو الوحيد المخوّل القيام بهذا التحقيق!

كان يجب أن يبدأ هذا العرض من حيث يفترض أن يبدأ الرد عليه من جانب «المدير العام». نعم يسجل لأشرف ريفي أنه في عهده تم توقيف العدد الأكبر والأخطر من الشبكات الاسرائيلية... وهذا أمر ليس بالبسيط أو القليل، ولكنه ليس كافيا للقول ان كل ما حصل في عهده كان صحيحا مئة بالمئة ونقطة على السطر.

ريفي
ريفي


الحسن
الحسن



تعليقات: