حوض الحاصباني: استثمارات سياحية تتحدى الظروف الصعبة

أحد المتنزهات على ضفة الحاصباني
أحد المتنزهات على ضفة الحاصباني


ارتفاع أسعار الأراضي أربعة أضعاف خلال خمس سنوات..

استحوذ حوض الحاصباني على ثقة العديد من المستثمرين الجدد في المجال السياحي، فارتفع عدد المشاريع السياحية فيه، من مقاه وفنادق ومنتزهات، بمواصفات عالية، لتضاف إلى منتجعات قديمة تعود إلى مطلع الخمسينيات، وذلك بالرغم من الظروف الأمنية السائدة في تلك المنطقة الحدودية والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد. وتلك الهجمة غير المسبوقة على الاستثمار السياحي، والتجاري، والصناعي، في حوض الحاصباني، أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار العقارات، خاصة تلك الواقعة على ضفتي النهر، ليتجاوز سعر المتر المربع الواحد حدود المئة دولار أميركي، أي بارتفاع أربعة أضعاف، خلال أقل من خمس سنوات. وبحسب العديد من سماسرة بيع وشراء الأراضي، يبقى ذلك السعر أدنى بكثير من الأسعار المعمول بها في معظم المناطق اللبنانية، وهو ما دفع بعدد من المتمولين، وخاصة المغتربين اللبنانيين من أبناء المنطقة أو من خارجها، إلى شراء أراض بمساحات واسعة، وبدأوا باستثمارها في المجالات التجارية والسياحية بشكل خاص.

وتشير الدوائر المختصة في المجال العمراني والبلديات في حاصبيا وقراها، إلى تلقيها خلال السنوات القليلة الماضية، عدة طلبات للحصول على رخص إنشاء منتجعات سياحية عند ضفتي نهر الحاصباني وفي المناطق المرتفعة المشرفة على الحوض، وصل عددها إلى عشرة موزعة بين الحاصباني، وشبعا، وعين قنيا، والماري، من بينها إنشاء فنادق، ومنتزهات، ومسابح، ومطاعم، وشاليهات، تقدر كلفتها بنحو خمسين مليون دولار.

وأحد تلك المشاريع السياحية الجديدة، من المقرر أن يفتتح مطلع الصيف المقبل، عند الضفة الغربية لمجرى الحاصباني، بحيث أقيم على مساحة ثلاثة آلاف متر مربع. وقد اتبع في عمرانه الطراز القديم، واللافت في جدرانه وحدائقه الحجر الطبيعي، الذي حُمل من هضاب جبل الشيخ، اعطته لفتة جمالية جذابة. ويشمل المشروع، يحسب صاحبه الدكتور علي أبو همين، مطعما شرقيا كبيرا، إضافة إلى تراس للحفلات والأعراس يتسع لنحو ثلاثة آلاف شخص. كما يحوي عددا من الشاليهات، ومسبحا مختلطاً، وآخر مخصصا للنساء كمرحلة أولى، على أن يتبع لاحقا إقامة فندق كبير للسياحة العلاجية، وهو الأول من نوعه في لبنان، والذي سيجمع بين الطب الحديث والعلاج بالأعشاب. ويشدد أبو همين على تحديثه وتزويده بأضخم وأحدث المعدات، ليكون منتجعا طبياً يعالج مختلف أنواع الأمراض وخاصة المستعصية منها. ويأمل أبو همين «أن تنجح تلك المشاريع وتستقطب السيّاح، وذلك نظرا لخصوصية المنطقة المناخية، وجمالها الطبيعي ومياهها العذبة، إضافة إلى غناها بالمواقع السياحية المتقاربة». وفي تلال بلدة عين قنيا، إلى الشرق من حاصبيا، يرتفع منتجع سياحي ضخم وسط غابة من الصنوبر، ينتظر افتتاحه مطلع الربيع المقبل، حيث فضل صاحبه التريث في الإعلان عن اسمه، إلا أنه أشار إلى أن «المنتجع الذي يضم فندقا من 36 غرفة، فيه أكبر مسبح في لبنان، وقاعة أفراح كبرى، تضاف إليها حدائق وملاعب ومطاعم، تطل غرباً على فلسطين وشمالاً على البقاع، وشرقاً على جبل الشيخ وغرباً على البحر، وتلك ميزة نادرة في ظل مناخ جيد وطبيعة غنية بالأحراج وخاصة الصنوبر والسنديان». ويشير صاحب أحد المطاعم المشرفة على متنزه الشلالات في الحاصباني شريف مداح، إلى «المبادرة الفردية في كل الحراك السياحي الحاصباني، والتي تبقى خارج أي دعم رسمي». وقال: «الحركة السياحية مقبولة في حوض الحاصباني، الذي بدأ مع مطلع الصيف باستقطاب عشرات الحفلات لفنانين كبار، بمعدل حفلة إلى 3 حفلات كل أسبوع، مع برامج ترفيهية إضافية، ولكن المشكلة والتي تعرقل إلى حد ما الحركة السياحية هنا، تتمثل بتوقف شركات النقل السياحية عن إرسال حافلاتها إلى المنطقة، فانخفض عدد الزوار من سيّاح محليين، وأجانب إلى دون الخمسين بالمئة»، لافتاً إلى أن «قرار الجهات الأمنية المختصة المعتمد منذ العام 2000، والقاضي بمنع السيّاح العرب والأجانب من اجتياز معبري زمرية وكفرتبنيت، عند طرفي المنطقة الحدودية الغربي والشرقي، إلا بعد حصولهم على تصاريح خاصة، يحدّ كثيرا من عدد السيّاح الراغبين بالتوجه إلى المنطقة»، مطالباً بـ «إلغاء القرار، ما سيرفع حتما عدد الراغبين بزيارة المنطقة الحدودية». ويلفت المسؤول عن أقدم متنزهات المنطقة، وتعود ملكيته لبلدية حاصبيا، عمر ابو صالح، إلى أنه عمل مع مطلع الصيف على تجديده، «عبر إدخال تعديلات عليه، لجهة توسيع مساحاته وتجديد الديكورات وما شابه. وقد لاقى منتزهنا إعجاب جنود «اليونيفيل»، الذين قصدوه بكثافة مع بداية انتشارهم، وكانت البداية جيدة جداً لكن الاستهداف الأخير لتلك القوات جمّد حركة القبعات الزرق بنسبة عالية، في حين ان هناك حركة لا بأس بها للرواد المحليين»، لافتاً إلى أن «انقطاع الزوّار من المناطق البعيدة بسبب الأوضاع غير المستقرة، أدى إلى خسائر لا نقوى على تحملها»، يعتب أبو صالح على الجهات المعنية ليقول: «عليها واجبات يجب أن تقوم بها، ومنها مثلا إجراء دورات تدريبية سياحية للعاملين ولأصحاب المنتزهات، ومدنا بقروض ميسرة ووضع المنطقة على الروزنامة السياحية، وحملة اعلامية واسعة، وتنظيف دوري لمجرى الحاصباني». وقال: «الدولة لم تدفع لنا بدل أضرار حرب تموز، ولا أضرار السيول الأخيرة، علما بأن فريقا من الجيش اللبناني قام بإجراء الكشوفات اللازمة على تلك الأضرار».

واعتبر صاحب أحد المتنزهات أمين الحمرا أن «الحركة السياحية في الحاصباني مقبولة، فعندنا أكثر من 50 حفلة زفاف خلال الصيف، يشارك فيها بحدود الـ 25 ألف مواطن، إضافة إلى آلاف الزوار من مختلف المناطق اللبنانية، بحيث اكتسب الحاصباني شهرة محلية وعربية وعالمية»، معتبراً أن «أسوأ ما يواجه المنتزهات تقنين التيار الكهربائي الذي يرفع المصاريف إلى حدود المئة دولار أميركي لكل ليلة تقنين (كلفة تشغيل المولد الخاص). كما هناك مشكلة ضعف الاتصالات الهاتفية الخلوية».

ومن المشاريع السياحية الهامة في المنطقة، مشروع هدف إلى تحويل نبع الحاصباني والمنطقة المحيطة به إلى منتجع سياحي بمواصفات عصرية عالية، يدخل المنطقة ضمن الخارطة السياحية الدولية، ويجعلها محط أنظار العاملين والمهتمين. لكن ذلك المشروع السياحي توقف العمل به بسبب عدم تأمين التمويل اللازم، ويدخل في إطاره تجمع عدة مشاريع متقاربة تمتد على مساحة حوالى 15 كيلومترا مربعا، تبدأ من محيط نبع الحاصباني شمالاً حتى سوق الخان جنوباً، وصولا إلى مرتفعات جبل الضهر غرباً، والسرايا الشهابية شرقا، على أن تساهم في المشروع، إلى جانب البلدية، مؤسسات محلية ودولية. وقد استعانت البلدية بعدد كبير من الفنيين، والمهندسين، والخبراء السياحيين، الذين أجروا الدراسات وأنجزوا وضع الخرائط والتصاميم، التي باتت جاهزة للتنفيذ. ويشمل المشروع محمية طبيعية في قاطع حاصبيا، وصولاً إلى جبل الضهر، الذي يعتبر الممر الرئيسي للطيور المهاجرة. وتدخل في المحمية المعالم السياحية والأثرية القيمة في وادي الحاصباني، ومنها سوق الخان، التي أعيد تخطيطها بشكل حضاري، لتحوي عشرات المحال التجارية، إضافة إلى موقف سيارات وحدائق، وإلى جانبها يقبع الخان القديم الذي سيغدو بعد انجاز ترميمه محطة هامة لمختلف النشاطات الثقافية، والحفلات، والتجمعات، وعلى مقربة من السرايا الشهابية، التي كانت قد شكلت هيئة محلية برعاية دولية تعنى بإعادة ترميمها تترأسها كارلا شهاب.

وسيضم المشروع أجنحة عدة، تبدأ بممر مائي بطول حوالى 250 مترا، سيخصص للرياضة المائية، على أن يحيط به كورنيش دائري للمشاة بطول 500 متر، مع عدة الجسور المعلقة فوق مجرى النهر، إضافة إلى جسر رئيسي مميز فوق الشلالات بطول 32 مترا، وبارتفاع 2،4 مترا، ينتشر على جانبيه 35 محلا تجارياً تعرض فيها الأشغال اليدوية الحاصبانية والإنتاج الزراعي والصناعي. ويضاف إلى ذلك فندق خمس نجوم، يتألف من أربعة طوابق، على مساحة 800 متر مربع، يحوي 32 غرفة، مع مطعم وقاعة للمحاضرات، ومسرح وصالة أفراح، إضافة إلى حدائق ومساحات خضراء، تتوسطها بحيرة للمراكب الصغيرة، وفيها جزيرتان صغيرتان وعشرات النوافير المائية الموزعة على مختلف أقسام المشروع. ويشير رئيس بلدية حاصبيا غسان خير الدين إلى أن «البلدية تحرص كل الحرص على بيئة نظيفة في حوض الحاصباني، وقامت بسلسلة تدابير لحماية النهر من المياه المبتذلة وزيبار الزيتون، ونعمل على مساعدة أصحاب المنتزهات وحسب الإمكانيات». وربط إنجاز المشروع السياحي للبلدية السابقة بتوفر الأموال اللازمة.

تعليقات: