سهيـل عبـود: الفـارس يترجـل وحيـداً

سهيـل عبـود: الفـارس يترجـل وحيـداً
سهيـل عبـود: الفـارس يترجـل وحيـداً


بهدوء، كعادته، وفي ظل ابتسامة تشرق بها عيناه وملامح وجهه الذي ينضح عرقاً، رحل سهيل عبود وحيداً في موطنه الثاني، الكويت.

وحيداً كان في بيته يرف من حوله طيف الحبيبة التي عاش يحلم بأن تشاركه العمر الذي صرفه بالتعب من أجل المعرفة والمزيد من المعرفة، حتى لا يكون نقص في ما يكتبه أو يخطط لأن يجعله سلسلة من الكتب التي تؤرخ للقبائل والأقوام التي ابتنت دولاً في الخليج العربي، وأولها الكويت.

لقد خسرنا زميلاً صاحب موقف لم يتخل عنه يوماً، حتى وهو يعمل في صحف يختلف معها وتختلف معه.

وخسرنا إنساناً نبيلاً يفرض عليك صداقته ووده، ويرشدك إلى الصح في دنيا مهنة كثيراً ما تحكم أصحاب المال في جعلها لا تنحاز الى الذين لا يملكون غير مبادئهم ومواقفهم الشجاعة.

لقد عشنا مع سهيل عبود قصة حبه الفريدة في بابها، والتي رفض أن يفرض فيها الخاتمة السعيدة إلى أن يقتنع به «الأهل» الذين كانوا يرونه «غريباً» و»مختلفاً». رفض أن ينافقهم، وأصر على أن يجعلهم يتفهمون، وصبر صبراً عظيماً حتى لا يقع في الخطأ فيحرج من ستكون رفيقة العمر مع أهلها، أو يجعلها تقدم على ما قد تندم عليه.

كان مرجع الحقيقة والخبر الدقيق والتحليل الصحيح، لزملائه جميعاً في لبنان كما في الكويت حيث أعطى نصف عمره، تقريباً لجريدة «القبس»... ومع صداقته الحميمة لمحمد جاسم الصقر، فقد «خجل» أن يتركها ليرافقه إلى «الجريدة» التي أنشأها.

لقد خسرت الصحافة اللبنانية مهنياً ممتازاً، ودارساً متعمقاً في الشؤون التي يراها جديرة بالاهتمام وقد أهملت لأنها ذات شجون...

وخسرنا صديقاً وزميلاً متميزاً في خلقه كما في جهده وإخلاصه للحقيقة.

ولسنا نملك، في وداع هذا الفارس الذي ترجل وحيداً، بينما كنا نستعد للقائه السنوي في صيف عطلته، إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

..

.

قيل في سهيل عبود:

.

سهيل عبود

الزميل سهيل عبود في مكتبه في مايو الماضي

الزميل سهيل عبود في مكتبه في مايو الماضي

هذا الصباح تدب الحياة في مكاتب القبس كليلةً، يجللها حزنٌ يسكن القلوبَ، وحسرةٌ تغالب الأنفس، ثمةُ عزيز رحل.. القبس اليوم من غير سهيل عبود.

من غير سهيل عبود، تفتقد الصحافة والقبس، أحد الذين حملوا لواء المهنة بشرف ونكران ذات، ثقة، لم تهن نفسه يوما، ولا تخطت المغريات أذنيه. زملاء كثر سيشعرون اليوم بمقدار الخسارة في غيابه، هو الذي كان مرجعا للعديد منهم، لا يبخل بمعلومة ولا يتوانى عن عون أو يجفل أمام المسؤولية. صديقا محبا ورفيق درب وحلماً مشتركاً، لا يخل برفاقه.

الهامة الكبيرة، الموسوعي الاطلاع، العميق المعرفة والفكر الحر، المعطاء بلا حدود، المتابع من غير ما كلل، الصادق بلا تكلف، الجريء الصريح.. المتمسك بالحرية والعدل والتقدم، الإنسان، بكل ما في الإنسانية من نخوة ومحبة، ذلكم كان هذا السهيل، الذي كان حتى الأمس تشع طيبة نفسه، فتغمر مَن حوله، ويفيض دماثة ورفعة خلق، يجمع بين الصلابة واللين، وقد جُبل من طينة الطيبين، حتى إذا ما رحل تجسد غيابه في خسارة كل هذه الشمائل التي قلما اجتمعت في شخص واحد.

بعيد العاشرة بقليل من ليل الجمعة ـــ السبت، غادر سهيل مكتبه لآخر مرة، بعد أن اطمأن ـــ كعادته دوما ـــ إلى أن الجريدة سلكت طريق الطباعة بأمان. ضرب مواعيده المعتادة للقاءات الصباح واليوم التالي، وفاتَه أن القدر اختار موعده مع الموت، كما الريح تختار لحظة أن تعصف بالسراج المضيء فتطفئ جذوته.

ذهب سهيل الى موعد لم تكن له يد فيه. ولربما أنه لو علم بذلك، لكان ردد كلمته الشهيرة: «بسيطة». كانت تلك كلمته التي التصقت به. يقولها رأيا وموقفا، تهوينا على الآخرين واستصغارا للمشاكل الكبيرة. كان على ثقة من قدرته على المواجهة، بجلد واعتماد على النفس.. لكن، يا سهيل، خسارتك ليست بسيطة. داهمته سكتة قلبية في السادسة صباحا وهو في سريره، وترك الألم يعتصر كل من يعرفه. وخلّف لــ القبس، خسارة شخصية وإنسانية ومهنية، وترك مكانا سيكون من الصعب شغله.

وهو سكرتير تحريرها منذ 1993.

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهمنا مع أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

----------------

سهيل عبود يغيب مع إطلالة الربيع

قصة عاشق الحياة.. مع الموت

الراحل سهيل عبود

الراحل سهيل عبود

«لا، لا، ليست إشاعة.. صدقوني.. إنها الحقيقة وسوف ترون أنها كذلك».

الزميل سهيل عبود كان يقولها عندما نحاول الضغط عليه لاستخراج خلفيات هذا الحدث أو ذاك.

الآن، نحاول أن نصدق أن غيابه عنا ليس سوى إشاعة.. مغرضة ربما، أو كابوس نراه في متاهات التخبط السياسي الحاصل.

أين أنت يا سهيل الذي كنت تتنقل بين متاهات الحرب اللبنانية، بدءاً من عام 1975 كصحافي منفتح على جميع الآراء، ومستعد للموت في كل لحظة، طالما أن القصف العشوائي هو رفيق الدرب ليل نهار على طرقات بيروت والمناطق كافة؟! بالأمس القريب ملأ الفرح قلبك وقلوب الأهل والأحبة لدى خروج شقيقك شربل من المعتقل الرهيب التابع إلى العميل أنطوان لحد في جنوب لبنان، وفي الذكرى الأولى للتحرير، وللخروج من بين القضبان عاد شربل إلى المعتقل، ولكن هذه المرة برفقة الصحافة والمجتمع المدني وراح يطلعهم على بقايا غرف التعذيب لخيرة شباب وبنات الشعب اللبناني، وفجأة أغمي على شربل المقاوم، عاشق الفرح، ولقي حتفه أمام حطام المعتقل، وهو منخرط في رقصة الدبكة، احتفاء بتحرير المعتقلين. الآن، يفارقنا الزميل سهيل في الكويت العزيزة على قلوب العرب جميعاً، وهو يتطلع إلى تجليات الربيع العربي، وما إذا كان السجن سينهدم إلى الأبد، أم أن قوى خفية ستعود و«تلعب على أوتار مشبوهة» لتحويل الثورات عن مسارها الصحيح. ونحن الزملاء في القبس كنا، ليلة أمس الأول، في معية سهيل، وهو يتابع ما يجري في سوريا ومصر واليمن، وكيف أن دولة عربية جديدة تولد في جنوب السودان، لكن «يجب عدم النوم على حرير»، قالها سهيل، وذهب الى منزله، لكنه «نام» إلى الأبد!

بتاريخ لم يمر عليه الزمن، كان سهيل يترقب الوضع الصحي المتدهور لشقيقته نجاة (في شمال لبنان)، وذات يوم سمعها تقول إنها لن تُشغل مزيداً من الناس بوضعها، ليس من قبيل اليأس، ولكن لأجل التخفيف عن أعصاب الأحبة الذين يزورونها ويتفقدونها وهي تعاني من مرض عضال. كان سهيل بأسلوبه الذي يمزج بين الجو والظرف، يرفع معنوياتها ويمنعها من التوغل في كوابيس الموت، وكانت نفسه تحدثه بأن ألوفاً مؤلفة من اللبنانين دفعوا أرواحهم ثمن الحروب والكوارث، وها هي أختي تصارع الموت بعد حلول السلام على ربوع البلد. ويعود سهيل بالذاكرة الى تلك الجولات الصباحية، حتى قبل حرب 1975 على كبار الزعماء والسياسيين لتقصي ما وراء الأخبار، وما في دواخل النفوس، وكان العميد ريمون اده يبوح لسهيل وزملائه ببعض الأمور التي هي «ليست للنشر»، وكذلك الرئيس السابق صائب سلام . أما السياسي والمفكر والفيلسوف كمال جنبلاط، فكان ينقل القلة القليلة من زواره في الصباح إلى مزيج من الآراء الثقافية والروحانية. وذات يوم سمعناه، كان جنبلاط يحدثنا «أنا وسهيل وآخرين»، عن النظرية الهندوكية القديمة، فيقول: على الإنسان أن يضع نفسه على مصطبة. (أي على مسافة) من نفسه، كي لا يغرق في اليأس أو في الأفكار الجامدة، أو في التعامل السطحي مع السياسات المتقلبة. أما الصراعات المرتبطة بالوضع الفلسطيني في لبنان، فكان سهيل يتابعها و«يطاردها» بالطول والعرض، وعلى امتداد العالم العربي، كان يتتبع تأثيرات القضية الفلسطينية على العرب جميعاً. وتعجز الكلمات عن وصف «انضباطية» سهيل في التعاطي مع هذه أو تلك من الظواهر التي تمر على الكويت وعلى العرب جميعاً. وكان يحثنا على إعطاء الاهتمام أكثر فأكثر بقضايا الأسرى والشهداء من كويتيين وغيرهم.. ربما لكي تقرب ساعة تحرر العرب جميعاً من الأسر ومن المعتقلات.. ومن كوابيس الظلمة. والذي يحز في نفوسنا جميعاً، أن «السكتة القلبية» أطفأت هذا القلب النابض بالعطاء، فيما كان الجميع مرتاحاً للتحسن المتسارع في الوضع الصحي للزميل المندفع والمتواضع، والذي يعمل «ليلاً ونهاراً فقط» من أجل الكلمة الحرة وإيصال الحقيقة إلى القارئ.

سهيل.. ستبقى في قلوبنا، وسوف نتذكرك كلما أطل ربيع.. وكلما انقشعت سحابة سوداء!

د. نبيل حاوي

----------------

عذراً.. لا ليست بسيطة!

وحيدا عبر جسر الحياة..

.. ووحيدا رحل.

لكنه ترك وراءه جمعا من المحبين والاصدقاء والزملاء يبكون خلفه.

افلا تنظر الى الخلف قليلا، لترى اي فراغ تركت يا سهيل.

ساعات وايام وسنوات قضيناها معا في بيت القبس، هذا البيت الذي شيدته بضميرك الحي، وامانتك، واخلاصك، والذي سيبقى في زواياه، طالما القبس تشع احرفا من صدق.

لا تحب الكلام، ولا المديح، وللمرة الاولى، سأستغل غيابك، لأسجل جزءا من مشاعري، من دون ان تقاطعني، طالما رفضت المديح دوما.

في حضرة بحرك الواسع من العلم والثقافة والمهنية والصدق والامانة، كنا نشعر بان الحظ رافقنا لنكون معك.

وعندما كنت احاول التعبير لك عن مكانتك واهميتك تقاطع دوما «اوف.. اوف كثير هيك».

وكما كنت صادقا معك في حضورك فسأكون صادقا في غيابك ايضا.

لم يكن رحيلك مفاجئا.. لا لم يكن.

كنت ارى الحزن والم الفراق في عينيك يوميا.. وكنت اقنع نفسي، بان الاقدار بيد الله.. وها انت ترحل اليوم.

رحل الذي في قمة غضبه يابى ان يجرح او يحرج احدا.. يقنعك بحجته ايا كانت الخلافات.

يفرض نفسه استاذا ومعلما من دون تكلف.. ودائما ما نجد انفسنا في حضرة بحر من الثقافة والمعرفة.

.. اخ، كم احتوى هذا البحر هموما.. والما وجسارة ايضا.

لم يكن سهيل عبود صحافيا مرموقا ورجلا عاديا يعبر جسر الحياة الى حيث آمن.

كان صلباً في تحمل الهم الذي رافقه منذ طفولته وتجذر مع استشهاد شقيقه ضمن طلائع المقاومين لاسرائيل.

جسورا في تحمل الألم والمرض.

وقويا في مواجهة فراق الأحباء أيضا، وعندما ودع شقيقته نجوى قبل اعوام كان يئن ألما.. ولكنه كعادته كان جسورا. أقول له «ابك لعلك ترتاح.. لتنهمر دموعك فتنفرج الآلام». وكعادته بالكاد تخرج منه عبارة: «ايه بسيطة».

لا ليس بسيطا رحيلك ولن يكون وستبقى الانسان والاخ والزميل والصديق الذي لن يعوض.

عندما تعصف الأيام بنا كنت ملجأنا، تماما كما كنت «الضمير» الذي نسترشد به عندما تضيع البوصلة..

أفلا تفيق قليلا لتقول لنا أي عنوان يصلح لرحيل هامة بحجم سهيل عبود.

عدنان قاقون

----------------

فقدناك.. يا «أبو عبود»

إنّا لله.. وانّا اليه راجعون.

فاجعة.. وفقدان ليس بالسهل.. لاستاذ ورجل وزميل وشقيق وقلب الاب الحنون الذي طالما كان «يطبطب» علينا وقت الشدة.. ويدعونا الى التماسك والتسامح.

الاستاذ سهيل عبود الذي غيبه الموت فجأة امس، كان نبأ وفاته فاجعة.. بالفعل اننا فقدنا وسنفتقد علماً ورمزاً من رموز الصحافة الكويتية.

على مدى 16 عاماً لم اشاهده عصبيا او «متنرفزا» بل ان الهدوء والتسامح يلازمانه اينما وجد.. وطيبته لا حدود لها.. بل اننا تعلمنا منه ذلك.

لقد رحل «ابو عبود» ولكنه ما زال باقيا في قلوبنا.. بالفعل فقدناك وسنفتقدك.

تعلمنا منك الكثير.. وما اجمل ما تعلمناه في حياتنا.

قد نكتب عنك وعن مشوار طويل قضيناه معك، ولكن اقسم بالله اننا لن نوفيك حقك مهما كتبنا عنك.

مسكت القلم.. ولا اعرف من اين ابدأ.. وعن ماذا سأكتب.. بالفعل احترت كثيراً، خاصة عندما تختلط الدموع بالحبر.. ويتوقف القلم لحظات لاسترجع بذاكرتي الى السنوات التي قضيناها معك.

رحلت وتر كت في قلوبنا كل حب وصفاء وذكريات جميلة.

يعز علينا ان نفتقدك.. ويعتصرنا الالم عندما نجد مكتبك.. بلا ابتسامتك المعهودة.

يعز علينا كثيرا ان ندخل الجريدة.. ونسأل عنك فنجد الاجابة «الاستاذ سهيل» رحل.

يعز علينا ان نفتقدك في جمعتنا التي اعتدنا عليها.

يعز علينا الا نجد الاستاذ سهيل يطل علينا في مكاتبنا ليسأل عن الجميع وعن احوالهم.. لانه الاب الذي يتفقد ابناءه ويخشى عليهم.

قد يكون المرض لازمك سنوات.. ولكنه لم يقهرك لانك كنت صبوراً.. ولا تشعر الآخرين بآلامك.

يا «ابو عبود».. فقدناك.. فقدناك.. فقدناك.. رحمك الله بواسع رحمته.

وداعاً يا والدنا.. ويا شقيقنا.. ويا استاذنا.

مبارك العبدالهادي

----------------

نم قرير العين يا سهيل

رحل في اليوم الذي كان منذ سنوات، يحرص فيه على الجلوس معنا، على طاولة قسم الخارجيات، حيث تعودنا على تناول إفطار صباح كل سبت.

هذا التقليد الذي رسخه وعدد من الزملاء، ساعد بشكل كبير على بناء علاقات عمل، يؤكد الجميع في شارع الصحافة، ان المستوى الذي بلغته لا نظير له ولا وجود له، الا في القبس.

لم يكن الفقيد سهيل عبود مسؤولا في الصحيفة، بقدر ما كان صديقا وزميلا للجميع، معروفا بسعة صدره وكرمه.

بفقدان الزميل المرحوم سهيل عبود، تكون القبس قد فقدت واحدا من الذين ساهموا بشكل كبير في ريادتها على مر السنوات العشرين الماضية، وتكون قد فقدت ايضا، احد ابرز محلليها السياسيين، فثقافة الرجل واطلاعه وعلاقاته، كثيرا ما كانت تبهر من حوله.

ليس هذا ما كان يلفت الانتباه في الرجل، ولكن ايضا شجاعته وصموده بعد ان انهكه المرض لسنوات، فرغم الاصابة التي كان يعانيها على مستوى رجله، ظل يحرص على دخول جميع الاقسام ليقدم تحيته للجميع، وظل وفيا للصحافة التي فضل ان تكون نصفه الثاني.. لقد منحها عمره ومنحته اسما سيظل شارع الصحافة في الكويت ولبنان يذكره على مر الزمن.

واما عبارته الشهيرة التي لطالما كان يرددها فقد اختصر من خلالها نظرته للحياة.

«بسيطة».. هكذا كان يعلق سهيل عبود على كل ما يسمع ويرى.. بل على كل شيء.. لكننا اليوم ونحن نودعك، لا نستطيع ابدا ان نتلفظ بهذه الكلمة التي اختارها البعض منا شعارا للمرحلة، لأن فراقك صعب ومر وليس أبدا بسيطا.

اليوم عيوننا كلها تبكيك وقلوبنا كلها دامية عليك، وما في يدنا سوى ان نقول: تغمدك الله برحمته الواسعة.. انا لله وإنا اليه راجعون.

سليمة لبالي

----------------

للصورة معنى آخر لدى عبود!

لن انسى ذلك اليوم الذي بدأت اعلم فيه ان للمصداقية الصحفية أوجها عدة، ولا تقتصر فقط على نشر الخبر والتحقق منه، ولا تبقى رهينة «النفي» أو التأكيد الحكومي، بل للمصداقية عنوان آخر يتمثل في الصورة الصحفية.

في احد ايام صيف 2008 عندما بقي كعادته الاستاذ سهيل عبود «سهران» في الجريدة حتى تطبع الجريدة طبعاتها الثانية واذكر وقتها ان تأخرنا في الجريدة مع الزملاء في المحليات كان بسبب محاولة انتحار وتهديد بالسلاح من مواطن لشقيقته في منطقة السالمية.

وصلت الصورة الى الجريدة عبر مصورها الذي حاول وقتها القيام «بتفتيح» الوان الصورة وعمل «زووم» اضافي على الصورة حتى تكون اوضح، وقتها «نهره» الفقيد بشدة وقال «بلا تعديلات على الصورة شوفلنا وحدة غيرها»، اي يقصد افرز لنا صورا اخرى التقطتها.

هنا تدخلت وقلت «استاذ كل الامر ان تفتيح الصورة وتقريبها لا يعتبر تعديلا على حقيقة حدث، ورد بكل مهنية ومصداقية «اي تعديل على الصورة يعتبر تزييفا وتزويرا.. وعمر الصحفي الشاطر ما يعتمد على «الفوتشوب» علشان بيجمل موضوعه».

حينها ادركت فعلا ان مشوار الصحافة ليس الخبر وتبعاته ورجع الصدى من ورائه، انما الصحافة هي العمل بشرف ومصداقية ومهنية لا تقتصر على الخبر بل تمتد للصورة التي وصفها سهيل «هي كل الحدث».. رحمك الله استاذ سهيل والحمدلله انني تعلمت منك الشيء الكثير في فنون الصحافة وادبها واخلاقياتها المهنية.

يوسف المطيري

----------------

أمير كلمة يترجّل..

رحمك الله يا سهيل عبود

كم هو صعب الفقد لرجال الزمن الجميل، لابن مهنة طيب عالم خابر وفاهم، لا يفسد الخلاف معه للود قضية، رجل شهم مبدع محترف، لكنه لا يتورع عن ان يتصل فيقول لك غابطا معتزا: مقال جميل، خبر خبطة، تحليل مرتب.. «ولوو.. انت استاز ويطلع منك كتير!».

هذا هو الاستاذ الكبير البالغ التهذيب، الهادئ الطلة، حاضرا أو غائبا، الحصيف الحريص، أحد أعمدة الصحيفة الكبرى القبس، وهو يغيب من غير استئذان - كالعادة - ينسلّ من مشهدنا الحاضر، متلفعا بسماحته وابتسامته العاقلة، مخلفا وراءه تراثا طويلا من السلام مع الجميع، والحب للجميع، والاحترام للجميع.

سهيل عبود ابن لبنان المهتم بالقضايا العربية، العاشق للكويت، المتوغل بتفاصيل التفاصيل، كنا نود، بل نتمنى، أن تبقى بيننا وقتا أطول، فنستفيد من علمك وخبرتك، لكنها ارادة الله، لا راد لقضائه وقدره، نسأله لك الرحمة، والتجاوز عن الذنوب، وان يأخذك مشهودا لك من كثر، مررت عليهم فكنت زميلا صنع لنفسه الاحترام، وزرع للآخرين الحق بالخلاف والاختلاف، دونما ضرر أو ضرار.

انتُزع منا سهيل عبود، وهذا عزاء مخلص لرفيق دربه الاستاذ الدكتور أحمد طقشة والاستاذ جاسم اشكناني سكرتير التحرير ولرئيس تحريره الاستاذ وليد عبداللطيف النصف، والدكتور نبيل حاوي والاستاذ فؤاد حلاوي والاستاذ حمزة عليان، وتعزية خاصة لمن كانت تعتبره ابا لها الاستاذة الاديبة سعدية مفرح، وجميع الزملاء في القبس واهل المهنة في الكويت ولبنان والعالم العربي، «إنا لله وإنا إليه راجعون».

يوسف علاونة

----------------

عشت معنا سهلاً.. وفارقتنا سهلاً

سمعت الخبر وصمت للحظات لكي اجمع أفكاري وبعدها بدأ شريط الذكريات يعرض أمام عيني، وبالرغم من قلة الوقت الذي كان يتواجد معنا فيه الأستاذ سهيل شعرت بحزن قبض صدري من شدته، تذكرته عندما كان يصعد ليسألنا عن الصفحة الأولى بكل هدوء وبصوت منخفض، تذكرت عندما كان يقابلني في ممر الجريدة ويلقي علي التحية بكل تواضع وبساطة، تذكرت عندما كان يحدثنا عن أصولنا العربية وكل واحد فينا كان يعطيه اسمه وهو يقول له في أي مكان ولد وأين أصوله، تذكرت عندما اقترب مني كالنسمة وسألني «أنت شكلك من أصول مغربية».

لن أنساك يا أستاذ سهيل

لن أنسى هذا الرجل الذي ان نظرت اليه أجد في ملامح وجهه سعادة غامرة وصفاء لا يوصف، على الرغم من صراعه مع المرض، هذا الرجل الذي ان ضحك يزيل عنك هموم الدنيا، لن أنسى هذا الرجل الهادئ الذي رحل عنا في هدوء، وعاش معنا في هدوء، فكانت حياته سهلة ورحيله سهلا، فلم يؤذ احداً في حياته ولم يتعب أحدا وقت فراقه. هذا الرجل ان تواجد في مكان يتواجد معه الهدوء وتلتفك نسائم الراحة.

أستاذ سهيل

رحلت عنا بجسدك لكن روحك الجميلة ستظل تملأ المكان بالحب،

فاسترح يا أستاذي من هموم الدنيا وأوجاعها، فقد عانيت كثيراً من المرض وآلامه، وهموم العمل التي كنت تحملها دائماً على ظهرك.

الآن، أنت لن يؤلمك شيء، ولكن نحن من يؤلمنا فراقك.

أسكنك الله فسيح جناته..

عبدالعليم شهاوي

----------------

فقدنا أطيب الصحافيين وأكثرهم علماً

الزميل وليد النصف رئيس التحرير بمناسبة انتهاء دورة تدريبية في القبس

الزميل وليد النصف رئيس التحرير بمناسبة انتهاء دورة تدريبية في القبس

فوجئت حين أتاني نبأ وفاة الأستاذ سهيل عبود وحزنت حزناً شديداً عليه، فقد كنت أحرص على زيارته في مكتبه حين أكون متواجداً في مبنى جريدة القبس سواء بعد وقبل اجتماعات مجلس إدارة القبس أو لأمر يتعلق بأحد مقالاتي، وكان الفقيد يتميز برقي الأخلاق والأدب الجم وكرم الضيافة، وقد كنت أحاول أن أنهل من علمه الغزير لسعة اطلاعه وقراءاته لألوف الكتب، حيث كان من القلة المعروفة بسعة القراءة، ينهي قراءة الكتاب في ساعات محدودة.

كان الفقيد منفتحاً في أفكاره، يمقت التعصب والتزمت ويرى ان أسباب مشاكل العرب في الجهل وعدم رغبتهم في التنور والانفتاح على الآخر، كان لديه كمحرر قدرة متميزة للتحليل وقراءة ما بين السطور.

ندعو لأهله وأقربائه وأصدقائه وأحبائه ولنا بالصبر والسلوان. يعلم الله جل وعلا ان الفقيد الأستاذ سهيل عبود لم يكن من طبعة أن يؤذي أحداً ولا يحمل بقلبه ضغينة على أحد، يعلم الله كم سنفتقدك لما تحمل من مآثر وخصال عديدة طيبة.

ليس لنا إلا أن نردد إنا لله وإنا إليه راجعون.

خليفة الخرافي

----------------

أعزف لك لحن الشجن

الزميلان أحمد طقشة وسهيل عبود في احدى حفلات القبس

الزميلان أحمد طقشة وسهيل عبود في احدى حفلات القبس

تقدرون وتضحك الأقدار!

كم هو قاس هذا القدر، كم هي فانية تلك الحياة، كم أفتقدك يا صديقي سهيل.

البارحة رأيتك فرحا. كنت صديقا لثورات العرب، حالما كما الملايين بتغيير «النظام».

البارحة رأيتك أستاذا صحافيا عاشقا للحبر والورق، ساهرا حتى آخر خبر.

أما خبر اليوم فهو «أنت».. وفاتك أخطر وأعظم وأهم خبر سمعته أذني أمس، فانقبض قلبي وجلا وحبا لذكراك.. وألما لفقدانك.

كنت جاري، أسمع اتصالاتك، وانصت لحواراتك، تأتي مكتبي يوميا، تلقي نظرة، يفتر ثغرك بسمة، ويومض عقلك فكرة، ثم تمضي قائلا «بسيطة»!

يعصرني وجع القلم، ويهصرني أنين كلمات أكتبها كئيبة حزينة دامعة.. تدمي قلبي وتجيش لها كل عواطفي.

قلت كلمتك ومضيت، تركت فينا ذكرى إنسان محب ودود. لم أعرفك إلا صديقا، وأشهد انك طيب، تشغل بالك بهموم الآخرين قبل همومك.

كنا نشفق لحال مرضك إلا انك أبيت إلا السمو عن أي شكوى.

كنا نقلق، لكنك كنت حريصا على التطمين والاطمئنان، ساخرا من أي مصاب، متعاليا على الجراح، تأخذ مصيرك كما يأتي غير متأفف ولا متذمر.

لطالما سألتك عن صحتك، فإذا بك في كل مرة تأخذني الى قضايا أكبر منا جميعا وأعظم من مشاغل أي واحد فينا، وأخطر من كل الهنات الهينات التي لا يعرفها قاموسك المتسع للبنان والعرب والعالم.

ماذا عساني أن أقول لك مودعا؟

لك مني كل الحب والتقدير، عبر أثير الموت أرسل اليك دموعي الساخنة، عبر موجات الشجن اعزف لك لحنا من حزن عميق.

اليك مني تحية وداع أرفعها مفعمة بكل معاني الشوق للقياك، ذاخرة بكل معاني الوفاء لذكراك، مشبعة بكل حنين للحظات لا أنساها ما حييت.

منير يونس

----------------

اسألي سهيل!

اسألي سهيل!

تعليمة حفظتها ظهرا عن قلب، وكنت أنفذها في كل مرة كنت احتاج فيها إلى رأي متجرد لكن موثوق، والى توجيه قاس لكن صحيح، والى مساعدة سريعة لكن كبيرة. وهو الكريم، العفيف، الصريح، اللطيف، الجبار، الرقيق، الناقد المهذب، لم يكن يبخل ولا يتأخر ولا يتعذر..

لطالما أعطى إلى حد السخاء، ولطالما أبى أن يأخذ.. كانت كلمة شكرا تحرجه، وكلمة ساعدني تفرحه..

كان يبادر إلى معرفة الآخر، من دون أن يقصد أنه سيصبح شخصا لا بد منه في عالمك.. هكذا كان سهيل في عالمي، المهني والشخصي على حد سواء. عرفني أكثر مما سمح لي بأن أعرفه.. واهتم بي إلى درجة لم يترك لي مجالا لأن أسأله كيف يمكنني أن أهتم به.. وتقبلني كما أنا، تاركا لي المجال واسعا لأن أختلف معه وانتقده وأعبر له عن غضبي ومزاجي وإرهاصاتي وإخفاقاتي.. وعندما كنت أسأله «هل أغضبتك» كانت ابتسامته الطفولية تسبق إجابته الجاهزة: «لا وقت لدي للزعل».

لا.. لم يكن لدى سهيل وقت للزعل.. فكل وقته كان يخصصه للقراءة والبحث والتحليل والبحث عن المعرفة.. تلك المعرفة التي كان يُشرك بها البعيد قبل القريب، ويقدمها مجانية على طبق من المحبة والكرم والأخوة والشفافية..

فتارة كان يبادر إلى قص مقالة أو خبرية أو معلومة من إحدى الصحف- التي لم تكن ولا واحدة منها تسلم من بين يديه- ثم يضع تلك القصاصة على طاولة زميل كان يقدر أنها لا بد ستساعده، ولم يكن يوما يسأل هذا الزميل، أو ذاك ما إذا كان قد قرأ تلك القصاصة أم لا.

وتارة كان يختار كتابا من بين مجموعة كتبه الضخمة، ليفاجئك أنه كان يفكر بك وبالموضوع الذي يشغلك، ثم ينصحك بقراءته بعد أن يكون قد تكرم عليك بشرح محتوياته وكيفية قراءته واستنتاج المعلومات منه.

لم يقل يوما «لا» لأي نقاش. ولم ينزعج لحظة من أي سؤال.. لم أسمعه يوما يقول «تعبان»، أو «زهقان»، أو «معترض».. علمني كيف يكون العمل مقدسا، وكيف تكون الكتابة مسألة أخلاق ورسالة، بقدر ما كانت معرفة واطلاع وقدرة على التحليل.

«ادخلي في الموضوع مباشرة»!، كانت النصيحة المكررة والثابتة لي، «ابحثي عن المعلومة.. ولا تبخلي على القارئ»!.. «قولي رأيك واتركي الآخر يفعل ذلك بحرية»!.. «اختلفي مع الآخر قدر ما تشائين ولا تخالفي مبادئك»!.. «تقبلي الظلم إذا كان ذلك يجنبك أن تكوني ظالمة..»!

دروس لا حصر لها ولا عدد.. كنت أتلقفها من دون أن أشعر ولا لحظة أنني تلميذة.. فسهيل الكبير كان يعامل الآخر بندية ايجابية، ولم يكن لمنطق الفوقية أي وجود في قاموس علاقاته.. كان يسمع أكثر مما يتكلم.. ويتفاعل أكثر مما يتأثر.. ويسخو بتوريد ما تعلمه عن الصحافة وعلمته إياه المهنة ومقتضياتها من دون أن يتوقف عن الجدل والسؤال والمبادرة.. تتناقش معه فيدخلك في آفاق المنطق والحقيقة والأدلة الثابتة والمثبتة... وعندما تصل معه إلى نقطة اللاعودة، يحل الأمور بكلمة رقيقة مهدئة ولطيفة: «بسيطة»..

«اقرأي سهيل»! الدرس الأول لي، والنصيحة المشتركة لكل زميل كان يحرص على معرفة ماذا في الوضع المحلي اللبناني.. «اسألي سهيل».. ما إذا كان هذا المصدر مناسبا لهذا الموضوع أم لا! استشيري سهيل ..ما إذا كان يجب أن نتحدث في هذا وذاك.. فسهيل كان «المدرسة» والبيت الذي كنت أفكر فيه بصوت عال، والزميل الذي ينتقدني ليصحح لي ويعلمني، والصديق الذي كان يزعل علي، ولم يزعل مني يوما..

«أنا حزين»، قال لي يوم أخبرته أنني تركت دراسة الهندسة واخترت العمل الصحفي.. كان هذا قبل أكثر من 18 سنة، لكنه منذ تلك اللحظة، وهو يشد على يدي التي أحمل بها قلمي، ويساعدني على توجيه أفكاري.. فهو كان يتمنى للجميع الأفضل، يتفاعل مع القضايا الشخصية مثلما يتفاعل مع القضايا المصيرية.. كان مثال الانسجام مع الذات.. لم يؤمن بشيء لا يرضى به لأخيه.. كان حرا في فكره وآرائه، وما كان يجرؤ لحظة أن يتعدى على حقوق الآخر، أو يتطفل على خصوصيات أحد..

كان وجوده مثل النسمة الكبيرة: تملأ عالمك من دون أن تؤذيه، تغدق عليك الايجابيات من دون أن تكلفك عناء رد الواجب.. تلجأ إليه وأنت على ثقة بأنه سيكون إلى جانبك.. ترمي عنده كل المشاكل المستعصية فتصبح بسحره الباهر بسيطة.. وتصغر أنت معها أمام هذا الكبير الذي طالما تجبر على لطمات الحياة... هذه الحياة التي بقدر ما كانت قاسية معه، بقدر ما كان يقابل تحدياتها بهدوء وكبرياء وعنفوان ولطف وتهذيب.. وكرم.

استاذي، وزميلي، وصديقي وعزيزي: اسمح لي أن أختلف معك للمرة الأخيرة، لأقول لك أن هذه المرة بالتحديد «مش بسيطة».. فراقك أصعب من أن نتقبله هكذا.. وجاء مبكرا أكثر مما يتحمله قلبنا.. وغيابك أكبر من أن يملأه أحد.. ووجودك لا يعوض..

فقدانك أبدا مش بسيطة يا سهيل العزيز.

منى فرح

----------------

كيف أنسى أستاذ سهيل؟

«دعوني أنم، فقد سكرت نفسي بالمحبة.. دعوني أرقد فقد شبعت روحي من الأيام والليالي» كلمات للأديب والفيلسوف جبران خليل جبران، تذكرتها عندما سمعت أمس خبر وفاة الزميل العزيز أستاذي سهيل عبود. كانت قد ارهقته الأيام، وأشبعت المحبة روحه الطيبة.

كيف أنسى أول مرة التقيته فيها منذ 5 سنوات في مكتبه وسط قاعة التحرير، وقد دعاني مباشرة إلى «عشاء خفيف» كما يحلو له تسميته دائما (رغم ثقله أحيانا)، مع مجموعة صغيرة من الأصدقاء؟

كيف أنسى «الصيغة الطائفية التي تحكم لبنان»، وهي نظرية لطالما روج لها وحاول «تلبيسها» لكل ما يحدث في وطنه الحبيب؟

كيف أنسى قصاصات من الصحف العربية والأجنبية التي كان يضعها بين فينة وأخرى على مكتبي تتناول مواضيع اقتصادية مختلفة، يسعى لتوسيع إطلاعي عليها؟

كيف أنسى ابتسامته الرقيقة دائما وأبدا، تغفو على ثغر يعلوه شارب أبيض يعكس سنين تعب وإرهاق؟

كيف أنسى تحليلاته اليومية عن الثورات العربية وحماسه لسقوط أنظمة حكمت من دون حكمة؟

كيف أنسى الفترة التي قضاها في الجريدة عندما اتخذ مكتبه غرفة لنومه أيضا، بعد أن كسرت رجله ورفض التغيّب عن العمل؟ كان يستحم هنا، ويأكل هنا، ويزوره الطبيب هنا.

كيف أنسى طمأنته الدائمة عن صحته رغم أوجاعه المثخنة؟ لم يتذمر يوما أو يتأفف من مرض. كان يتعالى دائما على الجراح.

كيف أنسى سكرتير تحرير ملتزما وجديا ومحبا لعمله؟ كان أول من يأتي إلى الجريدة وآخر من يغادرها.

كيف أنسى مشيته المتباطئة بسبب وجعه، وجولاته اليومية على أقسام الجريدة للاطلاع على آخر الأخبار والمناقشة بآخر المواضيع؟

كيف أنسى طعمة المكسّرات التي كان يقدمها لي كلما زرته في المكتب؟

كيف أنسى دفاعه عن أكلة حلوة رغم منع الطبيب له أي طعام فيه سكر؟

كيف أنسى ملاحظاته القصيرة التي كان يكتبها بخطه غير المقروء على صفحات الجريدة قبل الطباعة؟

كيف أنسى كلمته الشهيرة «بسيطة»، التي كان يهوّن بها مشاكل الدنيا؟

كيف أنسى استاذ سهيل؟

رب قائل إن الجسد الفاني ينام، لكن العلاقة والصفات الانسانية وحدها تدوم. لن أنسى.

مارون بدران

----------------

توفي سهيل.. مش بسيطة

كان ذلك قبل يوم من وفاته، وقف على زاوية مكتبي المجاور لمكتبه ليسألني عما يجري في المعركة الدائرة حول قانون هيئة أسواق المال، وجر الحديث نفسه من حيث لا أعلم، ليسرد لي كيف كبرت عائلات كويتية معروفة بفضل خصخصة بعض المؤسسات الحكومية. وكان يذكر دائماً صاحبه الذي يعرف أسرار العائلات ونشوئها وتضخم ثروتها، ويومها قال إن هناك واحداً ينافس صديقه هو النائب أحمد السعدون، الذي يملك جيشاً من المساعدين منتشرين في وزارات الدولة.

هكذا كان الزميل الهادئ سهيل عبود، الذي فارق الحياة مساء أمس، موسوعة معرفية مستعدة لضخ المعلومات عليك في أي وقت، وتختصر لك ببضع كلمات تاريخاً كويتياً كاملاً تحتاج معرفته لتكون خلفية عن موضوع تهم لكتابته. كما يختصر لك الأحداث الجارية في منطقتنا بجمل قصيرة ومنها قراءته لما يجري في سوريا: «الأقليات كانت دائماً تجتمع خلف أحزاب ذات شعارات قومية، وفي سوريا دخل العلويون والدروز والمسيحيون في حزب البعث ووصلوا إلى السلطة.. عبدالناصر نقل مركزية الحزب من العاصمة إلى الأطراف، فاستفادت الأقلية العلوية الموجودة في الأطراف، وألغت النفوذين الدرزي والمسيحي تدريجياً، وتحكمت بالسلطة».

وهذا نموذج بسيط مما يقوله لك لدى خروجه ودخوله إلى مكتبه، في حركة مستمرة تبدأ من الصباح حتى آخر الليل، رغم التعب الذي بدأ عليه في الفترة الأخيرة بعد أن أجرى عملية جراحية لساقه اليمنى، وأخذ يمشي متثاقلاً وبصعوبة كانت تشعرك بالألم بدلاً منه، خصوصاً عندما ترى وجهه المرهق وعينيه اللتين يغمضهما ويفتحهما دائماً وكأن شيئا يوجعه داخلياً.

«بسيطة» كلمة يرددها بطرافة أثناء تحركه، ولطالما أثارت فضولي لأسأله لماذا يقولها، كما أثارت فضولي كلمة أخرى «أوازي»، ويقولها لرسام الكاريكاتير في القبس عبدالوهاب العوضي لدى مروره أمام مكتبه الملاصق لمكتبي.

وهكذا من الصباح إلى المساء، تسمع «بسيطة»، فتبتسم، وتدخل روحاً جميلة على أجواء العمل. ولطالما ساعدتني في حل عقدة انطلاق في موضوع ما، كما ساعدتني الكتب والقصاصات من صحف أجنبية وعربية كان يضعها على مكتبي بشكل يومي، ليزيد من معرفتي في مسألة ما تناقشنا بها، فلديه مراجع لكل موضوع بشكل يجعلك تفهم العمق الموسوعي لهذا الرجل.

هناك نوع من البسكويت النخالة وقليل السكر كان يسألني عنه دائماً، ويقول لي: «أكيييد ما في سكر»... وأنا حرصت على أن أبقيه في مكتبي، وقبل أيام سألني، ولم يكن لدي لأول مرة.

وأمس اشتريته له، وربما تكون آخر مرة، فقد رحل وترك البسيطة.

أحمد بومرعي

----------------

سهيل.. النجم الذي هوى

دائماً في مواقف الموت أتذكر قول أبي العتاهية «والموت آخر علة يعتلها البدن العليل»، في فاجعتي في رحيل الزميل سهيل عبود لم أصدق عندما هاتفني صباح أمس الزميل حسين عبدالرحمن يذكّرني بفنجان القهوة الفرنسية التي دعانا إليها الراحل الكريم في مكتبه مساء الجمعة، حيث دارت أحاديث خاطفة عن مجمل الأوضاع، واتفقنا نحن الثلاثة على الذهاب إلى ديوانية النائب أحمد السعدون مساء الأربعاء المقبل، وكأن الغيب أراد أن يكون لنا بالمرصاد.

الحديث عن سهيل عبود الإنسان والمفكر والقارئ والمهموم بقضايا أمته يطول.

لقد رحل الرجل من الضفة التي نعيش فيها، حيث الصخب والمشاكل والعراك اليومي في اللا قضية، وتطاول أرذال الناس على الآخرين، والحقد وتصفية الحسابات دونما حساب إلى يوم الرحيل، رحل نسمة القبس الحانية الى الضفة الأخرى، حيث الهدوء والسكينة عند مليك مقتدر.

لقد تعوّدت في كل يوم أن ألقي عليه تحية المساء، ويقول لي ضاحكا بعدك ناصري مسيو حربي، وأجيب ضاحكا بنسوار مسيو سهيل، بالفعل كما يقول المصريون كما النسمة، خفيض الصوت، لا أتذكر أنني يوما سمعت صوته عاليا، ورغم ما عانه من مرض السكر اللعين، فإنه كان دائم الابتسامة، وكان يكابد آلامه بالابتسامة الدائمة، فلم أره يوما عابس الوجه.

كان الراحل الكريم من القلائل في شارع الصحافة المهموم بقضايا أمته العربية وقضايا الانسان، وكان حريصا على الإلمام بكل تفاصيل القضايا، واذا تحدثت معه في قضية سياسية تجده على معرفة بكل التفاصيل في الشأن المحلي، كان ملماً بدقائق الخريطة السياسية والاجتماعية، واذا تحدثت عن الخليج، فإنه يقدم لك التفاصيل، وكنت دائما أداعبه بالقول: كيف حال سيدة العواصم؟ فيقول: مثل غيرها.

الكلام كثير عن هذا الرجل، لكن عن أخلاقه وتواضعه وعشقه الكبير لعمله وتفانيه لا تسأل، وكان دائما أول من يحضر إلى الجريدة وآخر من يغادر، وحمل هموما كثيرة وهو يرى الدماء العربية الزكية تسيل وبرصاص عربي وحقوق الانسان العربي مستباحة في كل مكان، ورأى أحلام الشعوب تضيع في حسابات السياسة الضيقة، فلم يتحمّل القلب العليل وتوقف، لينهي رحلة الحياة الصاخبة ليستقر في دار السكينة والهدوء.

ولا نملك إلا أن نقول «إنا لله وإنا إليه راجعون»، وأقدم خالص التعازي لأسرة القبس وأسرته الكريمة.

محمود حربي

----------------

نص الوحيد

إلى سهيل عبود

الوحدة الحقيقية

أنك بعد أن أمضيت حياتك كلها

اكتشفت الآن

وبعد تلاشي السبل

أنك وحيد.

حزنه الذي لا يوصف

بسبب الذكريات الرائعة

التي تبددت

ولم يستطع إمساك لحظة منها.

ستتأكد من العزلة

عندما الباب لا يئن

بمرور العابرين

والمحركات تزأر رائحة غادية

والهاتف مجرد قطعة معدنية

وتنمو معك كل يوم آلام جديدة

والعصافير وحدها حولك

تزيد.

مقذوفاً في المشرحة

سيلتقطك العمال مثل كيس

مع ما كنت تحمله

في يقظتك.

بعد أن دفنتهم جميعاً

الجميلون.. الرائعون.. الأثيرون

أدركت

أن الموت

يعشق الجمال.

مع حلول الموت

لا تحدث مفاجآت مفزعة

فحين نقابله

سنتيقن وقتها

أننا كثيراً ما كنا ميتين.

في الحياة.

حينما تكون في الموت

ستدرك منذ اللحظات الأولى

كم أسأت الظن فيه.

لا شيء سيتغير

حتى لو لم تكمل استعدادك

لا متعلقات هامة لديك على الأرض

مشطوب من سجلات التقاعد

ومسجل في دفاتر بعض الفنادق

حتى في نصوصك أنت غير موجود

فامض. قدماً إلى الموت

بلا التفاتة

للبائسين الأحياء.

جمال حسين علي

----------------

أفول نجم من القبس

معرفتي بالمرحوم سهيل عبود كانت عندما كنت أزور القبس لأعطي مقالاتي للأستاذ فؤاد حلاوي في أيام الجمع عندما يغيب الجميع وكان هو حاظرا فكنت أتسلل لمكتبه و أدعي محاورته وهدفي الإقتناص من خبرته الصحفية و لكي أستفيد من حنكته و نظرته للأمور السياسية دون عاطفة أو تحيز بل بإعتدال وبنظرة الطرف الثالث المحايد. كان يجعلني أسترسل في الحديث و التعبير عن رأيي وبتعليق بسيط وجملة واحدة يجعلني مستمعا لكنه كان مقلا في الكلام فخير الكلام ما قل و دل وهذا ما تفضل به علي في كتاباتي.

رحم الله الأستاذ سهيل عبود و ألهم أهله و أسرة القبس الصبر و السلوان

و عزائنا أنه ما زالت القبس تزهو بنجوم مضيئة نفتخر ونعتز بها

صادق الحسن

تعليقات: