تسونامي المديونية : من «النظام الفوضوي» إلى «فوضى المديونية»

من بورصة نيويورك (ستان هوندا ــ أ ف ب)
من بورصة نيويورك (ستان هوندا ــ أ ف ب)


بدأ الاستحقاق. منذ إلغاء «Breton-Woods» بريتون ــ وودز الارتباط بالذهب مرجعيةً لاحتياطات الدول ومتانة النقد، بدأ الانفلات المالي تحت غطاء أن متانة مالية دولة ما لا تحتاج إلى الذهب، بل هي مرتبطة بإنتاجية اقتصاد تلك الدولة. لكن في بداية الثمانينيات، وبعدها فرح العديدون بإعلان «Big Bang» أي الانفجار الكبير، بمعنى التحرّر من قيود الرقابة والروتين الحكومي في العمليات المصرفية. التفّت المصارف العالمية الكبرى على قيود التسليف التجاري، بالاندماج أو شراء أو التحوّل إلى مصارف استثمارية من دون الضوابط المفروضة من اتفاقية بازل. من هنا بدأت المأساة وعاش بعض العالم 30 عاماً من الرخاء القائم على الورم الورقي ليلتحق بهذا البعض أغلب دول الكرة الأرضية. تصرّف الجميع على أن الدَّين وسيلة طبيعية للنمو، متناسين بقصد أو بجهل أن الدَّين استحقاق. وتيرة نموّ عالية واستهلاك من الفرد إلى الدول قائمان خارج إطار الإمكانية والمنطق

مواطن أميركي يفتح بريده المتأخر يوم الأحد. عروض قوية بدون أسئلة أو تقويم لمضاعفة تسهيلاته على البطاقات الائتمانية. فقط بخط صغير في أسفل صفحة العرض نسبة الفائدة في حال قبوله الاستهلاك الإضافي (22% سنوياً). مُضارب عقاري في لندن يصبح من المفضّلين لدى مدير البنك؛ لأنه يأتي إليه باستمرار لتمويل عقار جديد اشتراه. يدفع 5% فقط من قيمة كل عقار ويقترض من بنكه 95%. العقار يرتفع سعره فيعود الزبون إلى الاقتراض مجدداً على القيمة الجديدة حتى يبلغ القرض، أحياناً، على العقار نفسه 3 أضعاف السعر الأساسي. المُضارب في دفاتره أرباح. البنك المُقرض وظّف أموال المودعين. مدير البنك حصل على مكافأة آخر السنة؛ لأنه حقّق أرباحاً للبنك. موظّف ذو دخل متوسّط في دولة أوروبية استطاع الحصول على قروض لشراء سيارة وأثاث ودفع أقساط الأولاد في المدارس. (في لبنان وصل التفنّن إلى حد الحصول على قرض لشفط الدهون أو تجميل الأسنان).

هذا الموظف يعمل في إحدى الشركات. يضطر مديروها إلى التوسّع باستمرار وبسرعة من باب المنافسة، فيلجأون إلى اقتراض بأضعاف رأسمالها واحتياطها. المصارف توفّر ذلك بلا عناء المساءلة، بل تتبرّع بالذهاب هي ـــــ أي المصارف ـــــ إلى الشركات «غير المغامِرة» وإغرائها للاقتراض.

هذه الشركات موجودة في بلدان يديرها سياسيون بعضهم لا همّ لهم سوى ترسيخ حكمهم أو حكم حزبهم في السلطة، ولو كان ذلك بالإنفاق غير المتوازن مع الإيرادات للدولة أو نسبة النموّ. يجري ذلك من طريق إصدار سندات خزينة من شهر إلى 100 عام حسب الظرف والطلب. وتدير عمليات الإصدار المصارف أيضاً. لم يعد همّ أي وزير مالية ورئيس حكومته الوصول إلى تعادل (أو فائض) في الموازنة بين الإنفاق والإيراد. بات الشعار المخدّر للشعوب هو «كيفية خفض عجز الموازنة». حتى اتفاقية الاتحاد النقدي الأوروبي سنة 93 fmu emEM لم تشجّع على هدف فائض الموازنة، وإنما وضعت معايير أن لا يزيد عجز الموازنة السنوي على 3% من الناتج، وأن لا يكون الدين العام أعلى من 60%. بعض الدول لم تكتفِ بالاقتراض السيادي فقط، بل سمحت لولاياتها وقطاعاتها العامة كالكهرباء والنقل والهاتف بالاقتراض بمخاطر مستقلة، ولكن مع انعكاس على المخاطرة السيادية ـــــ من طريق المصارف طبعاً. وفي الخمس عشرة سنة الأخيرة طرأت ظاهرة صناديق التحوط الاستثمارية التي أبرزت نفسها مخترعةً لـ«السر النووي» في عالم الاستثمار، مستقطبة ما يفوق 2 تريليون دولار في محافظها، وغدا كل مدير محفظة كنبي يُوحى إليه، داحضاً نهاية النبوّة منذ 1400 سنة.

أغلب هذه المَحَافِظ، إن لم يكن كلها، لم تكتفِ بالأموال الدافقة إليها للاستثمار، فلجأت من خلال المصارف مرة ومرة أخرى إلى الاقتراض بضمانة أموال المستثمرين أضعاف تلك الأموال (Peleton صندوق انهار في 2009 تحت عبء قروض ساوت 22 ضعف أموال المستثمرين).

بخلاصة، أدت المصارف في تلك الحقبة دور «مدام كلود» التي اشتهرت بتنظيم حفلات المجون الجماعية لنخب القوم. الفارق هنا أن الجميع تنافس لتصنيف أنفسهم ضمن تلك النخب، ولعبت الحكومات والسياسيون، بل واشتركوا، في حفلات المجون هذه.

كان الجميع بدون استثناء، من تتارستان إلى البحرين، ومن ليتوانيا إلى كاليفورنيا: أفراداً وشركات وحكومات وولايات وطبعاً مصارف، يعيشون منذ 1987(سنة إطلاق الأفكار الريغانية ـــــ التاتشرية بتحرير الأسواق وإلغاء الرقابة، أي تثبيت المحافظين ـــــ اللامحافظين في السلطة) شعور نشوة وكأنهم لن يأتيهم يوم يُسألون فيه ويتساؤلون إلى أين أخذنا العالم وماذا فعلنا بنظامنا الرأسمالي الذي انتصر على كل الأيديولوجيات الأخرى من شيوعية واشتراكية ومزيج منهما. شعوب ودول تعرضت منذ ذلك التاريخ لمآسٍ لم تكن لتكفي أجراس إنذار لأحد. فكل الانهيارات كسوق الأسهم الورقية لشركات التكنولوجيا «Dotcom» وانهيار المكسيك وروسيا والبرازيل والأرجنتين ودول شرق آسيا كتايلاند والفيليبين، كحالات منفردة لا علاقة للنظام المالي بها، إلى أن بدأ الزلزال سنة 2007 في العالم الغربي المتزعّم قيادة العالم وأبرز نفسه عند إعلان مصرف ليمان براذرز إفلاسه تحت دين 600 مليار دولار (أي أكثر بـ30 مرة من رأسماله). وتبيّن أن أكثر المصارف العالمية التي كانت كل عائلة تتمنى توظيف أحد أبنائها فيها، تمارس النسب نفسها من الإقراض والاقتراض غير المسؤول والمفرط. اضطرت حينها الدول الرئيسية إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة بإصدار سندات بأرقام التريليونات التي هي أرقام لم يعرفها الجنس البشري قبلاً بعد أن عودوه على المليون والمليار. بات الآن رقم التريليون جزءاً من المطالعة اليومية. وللعلم، لا تكفي طائرة جامبو لنقل تريليون دولار بأوراق فئة الـ100 دولار. هل كان أحد يتوقع أن يسمع بأن دين الولايات المتحدة 14.2 تريليون دولار؟ (طبعاً المعترضون على هذا الكلام سيزعمون أن الرقم ليس بضخم إذا ما قورن بحجم الناتج القومي. نظرية برهنت خطأها في كل الانهيارات أو اللاانهيارات كاليابان 225%).

أصدرت الحكومات سندات خزينة بالتريليونات لإنقاذ المصارف المتورطة وشركات التأمين، التي أصبحت بمعظمها مفلسة وبدأ العالم يتساءل لأول مرة: إلى أين؟

30 سنة مرّت أظهرت كم كان يعيش الغرب نشوة انتصاره بعد الحرب العالمية الثانية من غير الانتباه إلى تراجع إنتاجيته لمصلحة تنين الشرق الأقصى والهند.

تجاوز العالم أزمة 2007 ـــــ 2008؛ لأن الحكومات انتشلت المصارف. اليوم، في ضوء ما يحصل في أوروبا والولايات المتحدة، ظهرت الأسئلة التي طالما توقّعتها القلّة القليلة من الذين راقبوا ما كان يحصل ولم يقتنعوا، بل حذّروا من خطر المديونية الفردية والمؤسساتية والسيادية. حذّروا وصرخوا مراراً ضد النظرية الكونية التي سادت وكان عرّابها في لبنان وزير ماليته «النابغة» فؤاد السنيورة ومَن سبقه أو تبعه: المهم حجم الاقتصاد، وليس المهم حجم الدين بل إمكانية دفع فوائده، وآخرها لا خوف ما دام في المصارف كتلة نقدية كبيرة للاستدانة.

حالة من السُّكْر والنشوة عاشها المستهلكون ومديرو الشركات والسياسيون ومديرو المحافظ، وأهمهم المصرفيون: كلهم شاركوا، بعضهم من حيث يدرون والبعض الآخر من حيث لا يدرون، في وصول العالم إلى بوادر أزمة مالية كونية في تاريخ البشرية. لم يكن العالم قبل اليوم في تاريخه مترابط كقرية كما هو اليوم.

كل هذه الخلفية التاريخية استجلبت أسئلة بالعشرات إنْ لم يكن بالمئات تسألها شعوب العالم، ملخّصها سؤالان:

1 ـــ بعد أن أنقذت الحكومات المصارف، مَن سينقذ الدول التي لم تستفد من الفورة للادّخار وإيجاد فائض في ميزانياتها؟ هذه الحكومات اليوم جميعها تعاني انخفاض إيراداتها نتيجة تدني النمو وارتفاع وتيرة الركود الاقتصادي وتقلّص تحصيلها الضريبي بسبب ارتفاع مستوى البطالة. بعض هذه الحكومات عاش رخاءً مالياً اصطناعياً وفّره لها النظام المصرفي المضخّم بلا رقابة، واليوم هي على شفير عدم الوفاء بديونها إلا اللّهمّ الدول التي تزيد من كتلتها النقدية من طريق طبع نقدي دفتري.

2 ـــ وإلحاقاً للسؤال الأول، إلى أين يتّجه العالم، وهل سيتمكن من تجاوز الحالة المالية الإفلاسية من دون أن تنعكس على العلاقات الدولية والاستقرار العالمي؟ يجمع الخبراء على أن من هذين السؤالين تتفرّع عدة نقاشات في التفاصيل، أهمها:

ـــ كيف انتقل الإنتاج الاستهلاكي الشعبي من الغرب إلى الشرق بهذه السرعة وتحت أعين الغرب نفسه؟

ـــ هل سيبقى الدولار الأميركي عملة تداول السلع والخدمات الرئيسية في العالم؟ ما هو البديل في ظل الانهيار الأوروبي وبالتالي عدم متانة اليورو أو الإسترليني ليكون البديل، وطبعاً لن يكون الين الياباني؛ لأن اليابان اليوم الدولة الأكثر استدانة في العالم نسبة إلى ناتجها (لبنان الثاني أو الثالث). ما هو البديل؟

ـــ كيف ستتأثر علاقات الدول الحليفة بعضها ببعض في ضوء هزالة البنية المالية لفئة: اليونان، البرتغال، إسبانيا، إيطاليا، إيرلندا.. ومتانة فئة أخرى: ألمانيا وفرنسا... هل ستنتقل إليهم عدوى «أنا أولاً»؟

إذا ما راجت نظرية «أنا أولاً»، فماذا سيكون مصير العولمة ومنظمة التجارة العالمية؟ وهل ستنزوي الدول مجدداً إلى تجمعات اقتصادية إقليمية، آخذة معها تحالفات سياسية تأسست أخيراً؟

ـــ ماذا سيكون الواقع المصرفي العالمي في حال إعلان توقف أي دولة عن سداد الديون؟ اليونان (480 مليار يورو)، مع صغر حجمها تجري محاولة عدم إعلان تخلّف سدادها حتى لا تتكرر تجربة مصرف ليمان براذرز سنة 2008. فكيف إذا ما تخلّفت إيطاليا (1.4 تريليون يورو)؟ أو إسبانيا (1.2 تريليون يورو)؟ (مخاطرة مصرف باربيا الفرنسي وحده على اليونان تبلغ 30 مليار يورو، وهو أكثر من رأسماله). البارحة برزت شائعات تتعلق بمصرف سوسيتيه جنرال ومخاطرته في إسبانيا وإيطاليا، ما أدى إلى انخفاض سهمه المتداول 40% في أسبوعين.

ـــ في حال تعرض الاتحاد الأوروبي لانتكاسة تهدد اليورو، أو الاتحاد نفسه، ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة، المفترض أنها وبريطانيا ستسعدان بذلك، ولكنهما اليوم في الورطة نفسها التي يمكن أن تتفاقم نتيجة العدوى؟

ـــ هل صحيح أن الذهب هو البديل ويعود العالم إلى اعتماده؟ أم أنه سلعة مضاربة يتوهّم البعض أنهم سيحتفظون بها تحت السرير في حال تفاقم الأمور؟

ـــ ماذا سيكون موقف الصين في حال تعرض الدولار للاهتزاز أو تقاعس الولايات المتحدة عن السداد، وهي المُقرض الأول لها خارجياً (يقال 2 تريليون دولار)؟ وماذا ستفعل في حال استمرار الضغوط عليها لخفض عملتها بهدف التنافسية العادلة في التصدير مع الغرب (وكأن أزمة أوروبا والولايات المتحدة هي فقط غلاء عملتهما، لا هيكلية الاقتصاد الذي تحوّل بشكل لا يستهان به إلى الريعية بدل الإنتاجية).

ـــ كيف ستتأثر الاقتصادات الناشئة كالبرازيل والهند وكولومبيا والفيليبين وكوريا التي تعلّمت من تجاربها المالية القاسية فأصلحت أمورها، ولكنها اليوم قد يُقضى على ما قامت به إن كانت الأزمة القادمة عالمية؟

ـــ كيف ستتبدّل خريطة النفوذ العالمية في ضوء التحوّلات والأزمات المالية والاقتصادية؟ وهل سيؤدي هذا التبدّل إلى زعزعة الاستقرار العالمي الذي رسخ منذ الحرب العالمية الثانية؟

مأزق عالمي ـــ حل دولي

يعتقد البعض أن هذه الأسئلة مبالغ فيها، ولكن تجارب البعض الآخر تدعو إلى إضافة العديد ممّا لم يُقَل حتى اليوم.

والسؤال الأهم: هل الصورة سوداوية إلى هذا الحد، أم أن النظام عادة ما يصلح نفسه ويتغلب على الخلل القائم؟ قد يكون الجزء الأخير صحيحاً لو أن الأزمات كانت محلية ولم يتحوّل العالم إلى قرية صغيرة يتحكّم فيه نظام مصرفي ومالي مترابط بطريقة جذرية. أهم ظواهر العولمة تكمن في النظام المصرفي.

مما لا شك فيه، وحسب اقتصاديين عالميين كجوزيف ستيغلتز أو مصرفيين كبول فولكر، أن النظام المالي والمصرفي العالمي هو كأحد الأديان السماوية مشكلته ليست في صلب الدين، بل في المجتهدين فيه أو المتطرفين، كلّ يسخّره لمصالحه ويكفّر مَن يخرج عنه. فلا بديل اليوم من النظام القائم، وواهم مَن يعتقد أنه يستطيع بكبسة زر أو فتح درج ما سحب حلول فورية. فما مورس خلال 30 سنة وسوء استغلال للنظام خارج مجالس الرقابة وأدوات المحاسبة حتى أصبح نمطاً عالمياً وبالتالي سوء تصرف عالمي (إن لم يكن فساداً مقونناً)، لن يُصلَح إلا بجهد عالمي. وواهم مَن يعتقد أن هناك طرفاً ما من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الكيان الجغرافي البائس لبنان يمكنه أن يطرح حلولاً سحرية بدون سنوات من التقشّف، ومصارحة الناس بأن الحكومات والشعوب مضطرة إلى التضحية لتصحيح ما أفسد. بعض المجتمعات طبعاً صرخت برفض التضحية قبل محاسبة المسؤولين عمل حصل وتغريم المستفيدين قبل طلب التضحية منهم. هنا سيكون النقاش بغض النظر عن صوابيته أو خطئه، متروكاً للأجيال المقبلة لتقرّر. نظرية أنك لا تستطيع أن تكذب على كل الناس كل الوقت أصبحت صحيحة أكثر من أي وقت مضى. لن تستطيع اليوم الولايات المتحدة ولا حتى الغرب مجتمعاً إصلاح هذا النظام من دون ضوابط تطوعية لنفسها أولاً ومن ثم التنسيق مع القوى العالمية الأخرى كمجموعة الـ20 لإيجاد منظومة عالمية على غرار الأمم المتحدة ومجلس الأمن معنية بتشريع مالي ومصرفي على غرار بازل 2 و3 للمصارف يضبط المعايير المطلوبة من الدول في إدارة ميزانياتها وتلتزم به جميع الدول الموقّعة. بعدها تصبح المصارف العالمية قانونياً ملزمة بعدم إقراض أية دولة (بعد فترة سماح لتصحيح أوضاعها) ويصبح المُقرض والمصرف مسؤولين في حال تقاعسهما. ويتخذ قرار صارم بعدم إنقاذ أي طرف، دولة أو مصرف، لا يلتزم تلك المعايير.

في السياق نفسه، يستطيع المجتمع الدولي أيضاً فرض ضوابط مالية على الشركات ونسبها المالية كما يفرض بازل 2 و3 نسبة على المصارف.

أما الأفراد فتجري حكماً حمايتهم لو طبّق المجتمع الدولي الضوابط على الحكومات والشركات والمصارف.

أعلاه يطرح سؤال كوني سهل الإجابة: هل هناك سياسيون في الحياة غير الطوباوية يدركون مسؤوليتهم تجاه الإنسانية خارج إطار الطموح الفردي السياسي، فيُصلَح الواقع المأسوي للمديونية في العالم تدريجاً؟ أم تندلع حروب لا يستطيع أحد تنبّؤ مضاعفاتها؟ الخوف من الحروب قد يكون الإغراء بالإصلاح، أو أن الحروب تكون هروباً من الأزمات الداخلية، ولو على حساب السلم والاستقرار العالمي.

جنون مالي يهدّد عروش الاقتصاد... وأوباما

لا يمكن وصف ما تمرّ به الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلا بالعاصفة، عاصفة جنون مالي يمكن أن تقتلع أركان العروش الاقتصادية للدول الكبرى اقتلاعاً، فتتساقط معها أحجار الدومينو المالية المترابطة... وبين الأحجار هذه حجر الرئيس باراك أوباما الذي يستعد لخوض معركة إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة في تشرين الثاني 2012.

فقد بدأ الأسبوع الماضي بهزة كبرى بعد إعلان وكالة التصنيف الائتماني خفض علامة الدين العام الأميركي في خطوة تاريخية أثارت شكوكاً في قدرة هذا البلد على تسديد ديونه. وسادت حالة من الهلع أسواق المال بعد شائعات عن إمكان خفض درجة فرنسا الائتمانية، وصحة المصارف الفرنسية. ويؤدي المصرف الفرنسي سوسييتيه جنرال، الذي تحدثت شائعات عن إفلاسه، دوراً أساسياً في سوق فروع الأسهم، المنتجات المالية التي تسمح للدول المتطورة بحماية نفسها من سقوط البورصات. ونتيجة لذلك يمكن أن يؤدي انهياره الى زعزعة استقرار النظام المالي برمته.

وقال رئيس البنك الدولي روبرت زوليك «نحن في بداية عاصفة جديدة ومختلفة، وليست مثل أزمة 2008». وأضاف، في مقابلة نشرتها الصحيفة الأوسترالية الأسبوعية «ويكند أوستراليان»، أن معاناة اليونان والبرتغال من أزمة ديون خانقة ووجود دول أخرى مهددة، ومن دون أي إمكان لخفض قيمة العملة، يفتحان احتمال أن «تكون التحديات التي تواجهها منطقة اليورو من الأكثر أهمية والأكثر خطورة».

والسبت عبّرت وكالة أنباء الصين الجديدة عن أسفها «للذعر والتقلبات الحادة في الأسواق التي تعكس ضعف ثقة المستثمرين بالعالم الغربي» (وبكين هي الدائن الأجنبي الأول للولايات المتحدة). وفي إشارة إلى أزمة الثقة هذه، نقل المستثمرون خمسين مليار دولار هذا الأسبوع من البورصات إلى قطاعات أكثر أماناً، كما ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز»، أي أكثر من حجم إفلاس المصرف الأميركي «ليمان براذرز» في 2008.

وفي هذه الأجواء من التوتر الشديد، يلتقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل غداً في باريس للبحث في الحوكمة الاقتصادية لمنطقة اليورو. وينتظر المستثمرون من اللقاء بين ألمانيا وفرنسا اللتين تمثلان عماد الوحدة النقدية، إجراءات عملية لتجنّب انتقال أزمة الدين العام الى بلدان مثل إيطاليا وإسبانيا ثالث ورابع اقتصاد في منطقة اليورو. لكن المهمة لا تبدو سهلة. فبينما تدفع أسواق المال باتجاه إقرار خطة ثانية لإنقاذ اليونان، أُعلنت في 21 تموز في أسرع وقت ممكن، حذر البرلمان الألماني السبت من أنه «من المستحيل عملياً» إنجاز ذلك في المهل المحددة.

والعاصفة المالية المجنونة لم تنحصر في الإطار الاقتصادي، إذ بدأت آثارها تمتد الى الانتخابات الرئاسية الأميركية، مقللة من حظوظ الرئيس الأميركي باراك أوباما بولاية ثانية؛ فقد أظهر استطلاع أجرته «رويترز» ومؤسسة «ايبسوس» أن الأميركيين يشعرون بوطأة شديدة للمخاوف الاقتصادية، بينما قالت غالبية كبيرة من المشاركين في الاستطلاع إن الولايات المتحدة تسلك مساراً خاطئاً. وقال 50 في المئة من المستطلعين إنهم يعتقدون أن الأسوأ لم يأت بعد. ولحقت بالرئيس الأميركي باراك أوباما أضرار سياسية خلال الجدل العنيف بشأن الدين الذي استمر لمدة أسابيع. وتعتبر التوقعات السلبية للاقتصاد علامات مقلقة بالنسبة إلى مساعي إعادة انتخابه في 2012. وأظهر الاستطلاع الذي أجري في الفترة من الخميس إلى الاثنين الماضيين أن شعبية أوباما تراجعت إلى 45 في المئة من 49 في المئة قبل شهر.

(رويترز، أ ب)

....

...

..

سجّل الخميس الماضي أحد أسوأ الأيّام للأسواق الماليّة في نيويورك (ستان هوندا ــ أ ف ب)
سجّل الخميس الماضي أحد أسوأ الأيّام للأسواق الماليّة في نيويورك (ستان هوندا ــ أ ف ب)


تعليقات: