لماذا كلام نصر الله المباشر والواضح في الموضوع السوري؟

الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله في «يوم القدس»
الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله في «يوم القدس»


الحملة على الجيش تنذر بمضاعفات تشكل خطراً على الوحدة الوطنية

قد يكون خطاب الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله في «يوم القدس»، واحدا من اكثر الخطابات التي تخضع للتحليل في خلفياتها وما احتواه مضمونها من رسائل مشفـّرة ونقاط وضعها «السيّد» على حروف الأزمة ببعديها الداخلي والاقليمي. فالمعروف عن «السيّد» انه عادة ما يكون شديد التحفظ حيال اي موضوع اشكالي، وهو إن قرر مقاربة اي موضوع من هذا النوع، فإنه يحسب كلامه ويقيس وقعه وارتداداته، ويحرص على الا يستفز احدا وألا تتأتى عنه ردود فعل توتيرية، وفي الخلاصة يتجنب صب الزيت على النار. لكن ما تضمنه خطاب مارون الراس يطرح علامات استفهام كبرى، ليس حول تناوله الحدث الليبي، وإكباره التحوّل في مصر نحو استئصال الورم الاسرائيلي من الجسم المصري، بل حول الحدث السوري ومبادرة الامين العام لـ«حزب الله» الى التخلي عن التحفظ الذي ساور كلامه ومقارباته للازمة في سوريا منذ بدئها، وبالتالي خلع القفازات وذهب الى المدى الابعد في تبني وجهة نظر نظام الرئيس بشار الاسد، وايضا حول مستجدات الحدث اللبناني وتقصـّد السيد» رفع سقف الكلام القاسي مع القوى الحريرية في لبنان؟

هناك من قرأ في تخلي «السيّد» عن تحفظه السوري، اعلانا صريحا من قبله بالانضمام الى جبهة النظام في سوريا واعلان الجهوزية الكاملة للدفاع عنه وتوسيع مساحة المواجهة، ان اقتضى الامر. الا ان هذه القراءة في نظر «الحزبيين»، يعتريها تبسيط وتسطيح ان لم يكن جهلا بكل ما يحيط بالحدث السوري، فـ«السيّد» كما يقول الحزبيون، لم يكن لينتقل من منطقة التحفظ الى منطقة الصراحة المطلقة، لو لم يكن على يقين بما ستؤول اليه الامــور في سوريا، ومن هنا قدم هذه الجرعة العالية في تبني منــطق النظام في الظرف الحساس واستعراض الدور السوري الداعم للمقاومة الى حد التكامل معها، ليقدم من خلالها رسالة اطمئنان لمستقبل سوريا، وانه شخصيا بات اكثر اطمئنانا بان الوضع في سوريا بات تحت السيطرة وان الحملة لاسقاط نظام الرئيس بشار الاسد ودفع سوريا الى الحرب الاهلية قد سقطت.

تلك هي الرسالة الشديدة الوضوح التي اراد «السيد» ايصالها لمن يعنيهم الامر، وارتكزت كما يؤكد الحزبيون على معطيات ومتابعة ذاتية حثيثة لكل ما جرى في سوريا بالتفاصيل السياسية والميدانية. وتلك المعطيات والمتابعة الذاتية اوقفت «السيّد» على حقيقة الوضع، وجعلته يرى الامور كما هي على الارض، وكيف تدرّجت والى اين اتجهت واين رست. كما جعلته يدرك الحجم الحقيقي للمعارضة في سوريا، وكم هي مشتتة وتحكمها خلافات سياسية وشخصية، وبلا قيادة موحدة وبلا مشروع موحد، واي دور يلعبه السفراء الغربيون في تحركها. وجعلته يدرك ايضا ابعاد الدور الذي يلعبه بعض العرب، وكذلك تركيا استجابة لرغبة اطلسية، يغطونها بتوجّه اصلاحي .

ولعل اكثر النقاط دلالة في خطاب يوم القدس، ذهاب «السيّد» الى ما بعد ايحائه بالاطمئنان الى مستقبل سوريا، وايراد ما يعتبره الحزبيون «جوابا صريحا واضحا وجوهريا» في موازاة كل الحركة العربية والاقليمية والدولية حول سوريا. والجواب يعتمد على معادلة « الاستقرار اولا ، ثم الاصلاحات»، في مقابل معادلة الآخرين القائلة بـ«الاصلاحات اولا فالاستقرار» والمشكوك بها من قبل النظام في سوريا، ومن هنا فإن معادلة «الاستقرار فالاصلاحات» هي التي تسير القيادة السورية على هديها.

وبقدر ما كان تأكيد «السيّد» حاسما على معادلة «الاستقرار اولا»، كان تأكيده ربما اكثر على عدم لبننة الاصلاحات، فـ«السيد» اراد ان يؤكد ان الاصلاح المنشود ليس المحاصصة الطائفية في سوريا لان هذه المحاصصة الطائفية معناها انهيار الشعور الوطني وانهيار ما سماها «السيّد» القلعة التي هي سند للمقاومة، وعندما تسقط القلعة تصبح مستنقعا كالمستنقع اللبناني بما يحوي من موبقات سياسية وطائفية ومذهبية، وبالتالي تفقد الموقع والدور.

ولأن السيّد، كما يقول الحزبيون، اطمأن الى الظهر السوري، قرر ان يواجه ما يسعى اليه المراهنون على ان التطورات في سوريا ستوفر عليهم من جهة عناء السعي لاسقاط حكومة نجيب ميقاتي، كما ستوفر عليهم من جهة ثانية إسقاط «حزب الله» في قفص المحكمة. وبحسب الحزبيين فإن سقوط الرهان على سقوط الاسد و«حزب الله» قد يدفع المراهنين الى اللجوء الى التصعيد في لبنان. ولا تشكل المحكمة الدولية مصدر قلق، ذلك انها في نظر «حزب الله» ليست اكثر من اداة تضليل، وبالتالي فإن معركته معها ليست بقصد اثبات براءته من الاتهام باغتيال الرئيس رفيق الحريري، بل هي معركة رأي عام للحد من تضليل الرأي العام الذي تمارسه المحكمة.

الا ان الخطر الحقيقي، كما يقول الحزبيون، يكمن في اللعب بمصير البلد وتهديد مرتكزاته، من خلال تلك «المغامرة الخطيرة» التي ظهرت من ناحية تيار المستقبل، وعبر عنها احد نوابه خالد ضاهر، حيال الجيش ووحدته. ويرى الحزبيون ان المسألة ابعد من هجوم خالد ضاهر على المؤسسة العسكرية ، بل هي تصريحات مبرمجة ومأذون بها من سعد الحريري وحلفائه (خاصة ان خالد ضاهر اصرّ بالامس على كلامه وانتصر لمؤسسة قوى الامن الداخلي...) وأن غاية الحريريين هي العودة مجددا الى التحريض المذهبي والطائفي ، ولذلك فإن السيّد سارع الى خلع القفازات والتحذير من هذا المنحى الخطر، ووجه انذارا مفاده ان «وحدة الجيش كما الوحدة الوطنية خط احمر ولا تهاون في هذا الموضوع. هذا لعب بالنار».

يقول الحزبيون ان تركيز السيّد على عنوان التماسك بين الجيش والشعب والمقاومة، قصد من خلاله التأكيد على ان هذا العنوان لم يعد عنوان بيان وزاري، او عنوانا مرحليا لحكومة آتية كي تؤدي قسطها للعلا في مرحلة معينة ثم تغادر، بل ان هذا العنوان اصبح منظومة امان البلد. وان التكامل بين مكونات هذا العنوان هو امان للبلد، وان نسف العلاقة بين مكوناته هو شر مستطير للبلد، وبالتالي اراد السيّد من خلال هذا المنطق ان يدعو كل من يريد الامان والطمأنينة للبنان الى اعادة التركيز على هذا العنوان لكونه حبل النجاة الوحيد لجميع اللبنانيين، شاؤوا ذلك ام ابوا.

تعليقات: