أسعار الأراضي كانت تشهد جموداً وبدأ يتراجع بعضها

أسعار الأراضي كانت في الفترة الماضية تشهد جموداً واسعاً وقد بدأ يتراجع بعضها (مروان طحطح)
أسعار الأراضي كانت في الفترة الماضية تشهد جموداً واسعاً وقد بدأ يتراجع بعضها (مروان طحطح)


شحنة قلق عقاريّة تؤثّر في الأسعار

أسعار الأراضي كانت في الفترة الماضية تشهد جموداً واسعاً وقد بدأ يتراجع بعضها

كان لافتاً أن تشهد أسعار الأراضي في لبنان انخفاضاً، فهي تمثّل نحو ثلث كلفة البناء، ويُتوقع أن ينعكس هذا الأمر على أسعار الشقق في المرحلة المقبلة، لكن لسقوط الأسعار مسببات، أبرزها الاعتماد على التمويل الخارجي الذي تجرّع «شحنة قلق» سياسية، وهروب التجّار من السوق اللبنانية المشبعة

ثمة الكثير من الأخبار في سوق العقارات اللبنانية. أسعار الأراضي تترنّح في بعض المناطق، حتى إن بعض التجّار اشتروا مساحات صغيرة نسبياً بأسعار أقل بنسبة 25% مما كانت معروضة قبل أشهر. هذا التراجع يشمل بيروت وضواحيها وبلدات المتن، لكنه أكثر وضوحاً في بعض الضواحي مثل الدبية وبشامون وعرمون، وفق خبراء في التخمين العقاري. أسباب الانخفاض مرتبطة أكثر بالسوق واختلالات الاقتصاد: ارتفاع المساحات المعروضة مقابل جمود الطلب المموّل خارجياً. هذا المنحى ليس نهائياً، لكنه مربوط أيضاً بظروف خارجية، لذلك لا أحد يعلم كيفية تطوّر الأسعار في المرحلة المقبلة.

في الأسابيع الماضية بدأت تخرج أخبار عن تراجع أسعار الأراضي بالتزامن مع ارتفاع عروض البيع للمساحات ذات الملكية الخليجية، لا بل إن بعض التقارير المصرفية بدأت تتحدث عن بلوغ السوق «مرحلة الإشباع» على حدّ وصف تقرير «بلوم بنك» قبل أسابيع. قيل هذا الكلام في اجتماعات عقدها مهندسون عاملون في مجال التطوير العقاري قبل فترة، في محاولة منهم للتوصل إلى تفسير آليات السوق وتحفيزها باتجاهات مختلفة، حتى تكون الأسعار أكثر عدالة، فأدخلهم الأمر في زوايا مختلفة، مثل معرفة حجم وطبيعة تملّك الأجانب في لبنان، مستويات التنفيذ في رخص البناء، تحفيز السوق لإبعادها عن الطفرات والفقاعات...

أُضيفت إلى كل هذه العناصر المؤثّرة بنيوياً في تركيبة الأسعار، مجموعة عوامل «عملية» ذات طابع سياسي. فالخليجيون الذين يبيعون ما يملكون من أراضٍ في بعض بلدات الاصطياف في الجبل، عزوا الأمر إلى «قلق» تسرّب إليهم من أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، يحاول تخفيف الملكية الأجنبية في لبنان، وأنه سيعمد إلى اقتراح تشريعات جديدة في هذا الإطار، إلا أنهم لم يقولوا كيف يمكن مثل هذه القرارات أن تؤّثر في ملكيتهم القديمة، لكنْ هناك خليجيون آخرون همسوا لأصدقائهم اللبنانيين، بأن البيع والاستثمار يجريان بقرار سياسي في بلدانهم، ولا سيما السعوديين والقطريين. أيضاً هناك فئة من هؤلاء الملّاك، تعمل وفق أسس تجارية، ولا تهتم فعلياً بالسياسة إلا من باب العلم والخبر. أصلاً، هذه الفئة لم تكن تشتري الأراضي في لبنان وتسجّلها بصورة رسمية، فهي لطالما عمدت إلى شراء أراضٍ بواسطة عقد بيع ممسوح ومسجّل لدى كاتب العدل، ثم تبيع هذه الأراضي أو تلك بالطريقة نفسها... فتحقق الأرباح المطلوبة من دون الدخول في عالم «ملكية الأجانب». غير أن هذه الفئة لم تعد تجد في تجارة العقارات اللبنانية أرباحاً كافية وسهلة كالتي حصّلتها في الفترة الماضية، وتفضّل الانتظار حتى تستثمر في الطفرة المقبلة، فضلاً عن أنها تلقّت ضربات متتالية منذ عام 2008 إلى اليوم، مع بدء الأزمة المالية العالمية وارتداداتها الدولية وفي دول الخليج أيضاً.

مجمل هذه العوامل والظروف، دفعت حالة الجمود في القطاع العقاري، إلى مرحلة جديدة فيها مزيد من انخفاض الأسعار ومزيد من المساحات المعروضة للمبيع في مقابل جمود الطلب. هكذا يفسّر المعنيون بالقطاع العقاري ما يحصل حالياً في السوق لجهة أسعار الأراضي، فالأمر مبني على قاعدة السوق الرأسمالية: العرض والطلب. فرغم أن رؤساء بلديات بلدات الاصطياف، مثل بحمدون وحمانا وعاليه وغيرها، ينفون عروض البيع الخليجية للأراضي غير المبنية، إلا أن أكثر من خبير عقاري يؤكّد وجود هذه العروض، ويجزم بعض الوسطاء العقاريين بأن العروض هي كويتية بالدرجة الأولى.

في هذا الإطار، يشير الخبير في التخمين العقاري توفيق سنان، إلى أن أسعار الأراضي كانت في الفترة الماضية تشهد جموداً واسعاً، وقد بدأ يتراجع بعضها، ولا سيما في مناطق بيروت والمتن (بشقيه الأعلى والأدنى). لكنه يؤكّد أن منحى الأسعار في السوق خلال العقدين الأخيرين، كان يعتمد على الفورة ثم الركود. ففي عام 1992 شهد لبنان فورة ضخمة أشعلت الأسعار، ثم توقفت في عام 2000 مع ظهور بعض الإفلاسات العقارية مثل «البركات»، «الجمل»، وسواهما... حينها عادت السوق إلى نموّها الطبيعي بمعدل سنوي وصل إلى 8%، إلى أن ارتفعت مجدداً في عام 2006 بعد حرب تموز، ثم حلّقت في عام 2008 مرتفعة بنسبة 100% خلال سنة فقط، لتعود مجدداً إلى الانخفاض اليوم بمعدل 10% و15%، وفي بعض المناطق 25%.

وفي المقابل، هناك خبراء تخمين يعملون في تجارة الشقق يجزمون بأن السوق «شهدت أسوأ 8 أشهر على الإطلاق، لكن الأسعار ارتفعت في بعض المناطق (!)» بحسب ما يؤكد الخبير فوزي ضوّ. قوله هذا مبني على مستويات في السوق تميّز بين طبقة مستهدفة وأخرى. فرغم أنه لم يبع أي شقّة في العقارات التي يبنيها حالياً، إلا أنه يشير إلى استمرار عمليات شراء الأراضي والتشييد.

لا شكّ أن تجّار العقارات يغفلون ما قيل عن طبيعة التمويل في القطاع كمسبّب رئيسي لارتفاع الاسعار. فقد بات معروفاً أن الأموال الخليجية الآتية من دول النفط ترفع الأسعار، وبانحسارها عن لبنان (لعوامل سياسية كما هو واضح حالياً)، مثلما حصل خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، ستبدأ كل الأسعار بالتراجع ولو قليلاً.

إذاً، ماذا لو توقف تدفق الأموال الأجنبية عن العقار اللبناني؟ يقول رئيس التجمّع الوطني للإصلاح الاقتصادي في لبنان إيلي يشوعي، إن 65% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في لبنان هي استثمارات عقارية، أي ما يوازي 4 مليارات دولار، لكن اعتبارها العنصر الأساسي في ارتفاع الأسعار ليس صحيحاً، فلو كانت هناك تنمية متوازنة بين المناطق لتوزّعت هذه الأموال على كل المناطق، ولكان تأثيرها محدوداً في الأسعار، على عكس ما هو حاصل حالياً. ففي الوقت الحالي، تتركّز هذه الاستثمارات الأجنبية العقارية في مناطق معيّنة مثل بيروت وضواحيها، وفي ساحل جبل لبنان، ما يعني أن الأثر الذي ستتركه هذه المليارات الأربعة سيكون أكبر وأوسع بحكم تركّزه. من أبسط هذه الأمثلة أن تمييز بيروت في ساعات التقنين الكهربائي هو عنصر مساعد في الاستثمارات السكنية.

تعليقات: