قدمت 15 شهيداً من بينهم رئيس بلديتها: زبقين أحيلت خراباً، بدأت تزيله الساعة 15:8 من صباح 14 آب 06

زبقين في تموز 2007 (علي لمع)
زبقين في تموز 2007 (علي لمع)


زبقين :

أربعمئة غارة على الوسط القديم لبلدة زبقين الجنوبية بدت كفيلة بتحويله إلى كتلة من ركام، تمتزج فيها الطرق الداخلية ومداخل المنازل وساحاتها. لم تستثنِ الاعتداءات المتواصلة طيلة 33 يوماً من الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006 أي بناء من أبنية القرية.

إنه الرابع عشر من آب ,2006 والساعة هي الثامنة والربع صباحاً، أي بعد مرور نحو ربع ساعة على بدء سريان قرار وقف إطلاق النار. تشقّ جرّافة ضخمة الطريق الخالية من سواها، بين ركام المنازل. يقود الجرافة رجل من القرية، اسمه علي بزيع، سيصير لاحقاً رئيس بلديتها. تعيد الجرافة رسم خطوط القرية بعدما محتها النيران، تمهيداً لاستقبال العائدين من غياب قسري.

ترسم السيارات الوافدة من بعيد خطاً هادئاً لا ينقطع، يعبر القرى المحيطة باتجاه البلدة. يسرع علي بزيع في عمله ليفتح مدخل القرية أمام أول الواصلين، قبل أن يكمل فتح الطريق صعوداً باتجاه أعلى التلّة.

تقع زبقين على تلة مشرفة في قضاء صور. منها، يسرح النظر باتجاه جبل الشيخ وأعالي الريحان وجبل صافي فالبحر وفلسطين. تحيط بها مجموعة تلال ومواقع هامة، شيّدت عليها، في مرحلة تاريخية سابقة، أبنية بأحجار ضخمة، تسمى اليوم «خربا»، ويعتقد أنها كانت محميات زراعية وعسكرية تحيط بالمركز.

تحدّ البلدة قرى عين التينة وشيحين والصالحاني جنوباً، جبال البطم وياطر شرقاً، الشعيتية شمالاً، والقليلة غرباً وشمالاً. وتبلغ مساحتها حوالى تسعة كيلومترات مربّعة.

لنشأة القرية روايات عديدة، يخبر عن واحدة منها أستاذ مدرسة زبقين الرسمية أسعد علي بزيع، أو الحاج أبو لؤي.

تقول القصة ان أرض زبقين تحولت إلى مركز بلاد بشارة بعدما كانت بلدة شيحين هي المركز. فبنيت فيها القلعة المحصنة.

مرت السنون وهدمت القلعة لتشيّد بحجارتها منازل القرية.

في مدافن القرية، هناك مقام اسمه: زين اليقين. إلى جانبه، يرقد قبر يعود إلى حوالى تسعمئة سنة، هو قبر أحد أفراد آل بزيع.

يعتبر آل بزيع العمود الفقري أو عائلة القرية الأساسية. ترجع أصولهم إلى شبه الجزيرة العربية. تلي آل بزيع عائلة بركات، ثم عائلات أخرى وفدت إلى البلدة في مراحل مختلفة، منها حمزة، وعطوي، ومسلم، وصليبي، وشرارة، وسواها، ليصبح مجموع سكّان زبقين حوالى ثلاثة آلاف نسمة.

تعدّ زبقين بلدة زراعية. تغطي أرضها أحراج السنديان وأشجار الخروب والزيتون والمساحات الزراعية.

انسحبت إسرائيل من القرية في بداية العام .1985

بعدها، تحولت زبقين إلى خط تماس مع العدو، وصارت تتعرض للقصف اليومي وغارات الطيران الإسرائيلي، وسقط من أهلها شهداء كثر.

خلال حرب تموز ,2006 سقط في القرية 16 شهيداً، من بينهم رئيس البلدية أحمد رضا بزيع، بالإضافة إلى 15 جريحاً. ومن بين الشهداء، سقط ثلاثة مقاومين من أهل البلدة. بالإضافة إلى عدد من شهداء المقاومة الذين وفدوا إلى زبقين لمواجهة العدو فيها.

أدّى استشهاد رئيس البلدية، وهو صاحب الحضور القوي، إلى تشتت العمل البلدي بعد الحرب مباشرة، بحيث نشط البعض في أعمال الإغاثة، لكن كل حسب اجتهاده. واتسم التعاطي مع المؤسسات الإنسانية المحلية والدولية بغياب التنظيم. بقي الحال على عفويته إلى أن تم انتخاب رئيس جديد للبلدية في نهاية العام .2006

في هذه الأثناء، تولى الاهتمام بملف التعويضات بعض أعضاء المجلس البلدي والمختار وعدد من فاعليات القرية.

يشير رئيس البلدية الحالي علي بزيع إلى تقديم ملفات 209 وحدات دمرت بشكل كلي، إلى مجلس الجنوب. رد منها 22 ملفاً لكي تعيد شركة «خطيب وعلمي» الكشف عليها، وذلك تمهيداً لدفع التعويضات المخصصة من المنحة السعودية لإعادة الإعمار، عبر «الهيئة العليا للإغاثة».

إلى جانب تلك الوحدات، أعيدت دراسة ملفات عشرين منزلا، بعدما تبين أنها غير قابلة للترميم وتتطلب الهدم الكامل وإعادة البناء. إلى ثلاثمئة وحدة سكنية، وقد تمت إعادة ترميم النسبة الأكبر منها من التعويضات التي قدّمتها «جهاد البناء».

يعيد المختار بزيع سبب التأخير في دفع التعويضات إلى «المستندات التي طلبت «خطيب وعلمي» من أصحاب المنازل تأمينها، وقد بدت أحياناً تعجيزية، كتقديم صور للمنزل قبل تدميره».

ويشير إلى أن الأرض في البلدة موروثة بمعظمها، والمنازل كذلك، لكن من دون نقل الملكية. وهي حال تتشاركها زبقين مع العديد من القرى. فيكون الحل في الاعتماد على المعلومات المقدمة من السلطات المحلية.

يشدد المختار على ضرورة الاهتمام بالدفعة الثانية من التعويضات، علماً أن بعض أصحاب المنازل بدأوا بالبناء قبل أن يقبضوا تعويضاتهم عن طريق الاستدانة من مؤسسات بيع مواد البناء.

بعد الحرب، اتجه جزء كبير من السكان الذين فقدوا منازلهم إلى خارج القرية، فيما تشاركت نسبة من الأهالي السكن مع الأقارب والمعارف داخل القرية، وقد دفعت مؤسسة «جهاد البناء» تعويضات إيواء البالغة قيمتها 10 آلاف دولار لكل أسرة.

يعدد أبو لؤي الأعباء المختلفة الواجب على المواطن تحملها بحيث تقصّر عن تغطيتها بدلات الإيواء: «تبلغ كلفة إيجار المنزل 250 دولاراً، بشرط الدفع المسبق عن عام كامل، تضاف إليها مصاريف المنزل من كهرباء ومياه وغيره. ولقد سجلنا الأبناء في مدرسة القرية، وهذا يعني تراكم المدفوعات».

إلى جانب أضرار المنازل، فقد سكان البلدة العاملون في الزراعة مواسمهم خلال الحرب، من تبغ وزيتون وثمار الخروب والحبوب، بالإضافة إلى نفوق أكثر من ثلاثة آلاف رأس ماعز وقطعان البقر والأغنام وخسائر مختلفة أصابت القطاع الحيواني.

تم تسليم حوالى نصف حجم الإنتاج الذي كانت تقدّمه القرية في فترة ما قبل الحرب. كما أن نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية ظلت مشلولة بعد توقف الاعتداءات لسببين، الأول هو انتشار القنابل العنقودية في أرجائها، ما دفع بعض الأهالي إلى استئجار أراض في قرى مجاورة لزراعتها. أما السبب الثاني فيكمنفي عدم قدرة بعض الأهالي مادياً على العودة إلى الزراعة.

أصابت القنابل العنقودية في البلدة 19 نقطة، مساحة الواحدة منها 20 دونماً، أي بات حوالى 400 دونم من الأراضي غير صالح للاستعمال حالياً، بحسب رئيس البلدية الذي يشير إلى ندوة نظمتها البلدية مع «المكتب الوطني لنزع الألغام»، نتيجة تأخر الكشف على القنابل العنقودية إثر الحرب. فاتفق أهالي البلدة مع الكتيبة الصينية في قوات «اليونيفيل» على إزالة الصواريخ والقنابل غير المنفجرة من الأراضي، على أن يدفع الأهالي كلفة العمل.

إلى ذلك، خلّفت الحرب أضراراً كبيرة في شبكة الهاتف. وعلى الرغم من الكشف على الشبكة، لم تنجز تصليحها حتى الساعة، ولقد تم تركيب سنترال «زبقين ـ جبال بطم» خلال الشهر الماضي.

أيضاً، تعطلت شبكة الكهرباء بالكامل خلال الحرب، ولقد عاد العمل بها بعد شهرين من توقف الاعتداءات. خلال فترة الشهرين تلك، استأجر سكان القرية مولداً كهربائياً أضيف إلى مولدين تلقتهما البلدة هدية من جهات مساعدة.

تضررت شبكة المياه على نحو كبير، وأصيب خزان البلدة إصابة مباشرة خلال الاعتداءات. واليوم، تضطر البلدية على استخدام الخزان، وهو استخدام يعتبر خطراً نظراً لاحتمال انهياره في أية لحظة.

يقول رئيس البلدية: «تحتاج بلدة زبقين المنسية قبل الحرب وخلالها وبعدها لمشاريع تنموية عديدة، تبدأ بإنشاء شبكة صرف صحي، أو محطة تكرير، ولا تقف عند إنجاز إصلاحات الطرقات العامة والداخلية».

يتبدى إهمال الدولة للبلدة من خلال عدم تجهيز مستوصفها، على الرغم من العقد الموقع مع وزارة الشؤون الاجتماعية منذ العام 1997: «هذا المستوصف الذي انتظر الهيئة الطبية الدولية لتأتي وتقوم بتجهيزه بعد الحرب بشكل كامل مع تأمين دعم طبي، وتقوم البلدية حالياً بإدارته»، يقول رئيس البلدية. مر على بدء العمل في المستوصف أربعة أشهر، علماً أن مدة العقد مع الهيئة الطبية كانت شهرين فقط، لكن جرى تمديدها: «وحالياً، نتواصل مع وزارة الشؤون لتجهيزه وتأمين احتياجاته»، يقول بزيع.

وبعدما حلّت الهيئة الطبية أزمة المستوصف، يعرض أبو لؤي مشكلة المدرسة الحالية التي تحتاج بشكل ملح إلى توسيع كي تتمكن من استيعاب جميع طلاب القرية. ويخبر أستاذ المدرسة عن تسعة باصات تنقل طلاب القرية إلى خارجها لمتابعة دراستهم في القرى المجاورة.

تقع بلدة زبقين في نطاق عمل الكتيبة الإيطالية في «اليونيفيل». يصف المختار بزيع العلاقة مع أفراد الكتيبة بالجيدة نسبياً، مشيراً إلى وعود قدمتها الكتيبة بتأمين مولدات كهربائية للمدرسة وحفر بئر مياه للبلدة.

وتجدر الإشارة إلى أن القرية تلقت المساعدة بعد الحرب من جمعيات عديدة ساهمت في ترميم بعض المرافق وتأهيلها، مثل المدرسة وملعب كرة القدم. وقدّمت «وكالة التنمية السويسرية» مساعدات للسكان، وتنجز حالياً «الهيئة الطبية الدولية» خزاناً للمياه، وتولت الهيئة القطرية مهمة ترميم حسينية الرجال.. تضاف إلى ذلك بعض الخدمات والمساعدات التي قدّمها «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، و«الصـــليب الأحمر» و«المنظمات غير الحكومية».

زبقين في تموز 2006 (م.ع.م)
زبقين في تموز 2006 (م.ع.م)


تعليقات: