خفايا قانون عودة اللبنانيين الفارّين إلى <إسرائيل> خلال فترة الإحتلال


خفايا قانون عودة اللبنانيين الفارّين إلى <إسرائيل> خلال فترة الإحتلال

إشكالات قانونية وقضائية وتربوية تكسر قواعد المقاطعة والعداء في ملف الواقع الإنساني للعملاء

لماذا إمتنع العديد من الفارّين عن العودة من قبل والإستفادة من واقع المراعاة السابق؟

ماذا عدا عما بدا، حتى تغيّرت ظروف ملفٍ خطيرٍ وحساس، من خلال إيجاد مخرج لعودة الفارين اللبنانيين إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ اندحار المحتل عن جنوب لبنان في 25 أيار من العام 2000؟

كيف تغيّرت الظروف، وأُعيد تموضع بعض القوى، و<تدوير> الزوايا من أجل البحثِ عن مخرج لمن خانوا أنفسهم ووطنهم؟

ما هي ظروف الخوض في هذا الملف، والحرص على إيجاد مخرجٍ له، من خلال إقرار قانونٍ لعودة الفارين إلى <إسرائيل>، بعدما كان مجرد التطرق إلى هذا الملف أو بحثهِ من المحرمات، فأصبح يُبحث عن حلولٍ للفارين، وإيجاد مصطلحات جديدة تحت عنوان: <اللاجئين اللبنانيين إلى إسرائيل>!

هل أن السير في إقرار هذا القانون في مجلس النواب - مصدر التشريع اللبناني - هو إقتناعاً، أم أنه تطبيقاً لقول مأثور: <كرمال عين تكرم مرجعيون> - مراضاة ومحاباة لرئيس <تكتل التغيير والإصلاح> النائب العماد ميشال عون - مقدم مشروع القانون، لمعالجة أوضاع العائلات اللبنانية الفارة، وغالبيتهم من عناصر <جيش لبنان الجنوبي>، علماً بأن نواب آخرين - وغالبيتهم من المسيحيين - كانو قد قاربوا هذا الملف، وطالبوا بعودتهم، لم يكتب لمساعيهم النجاح ولم تتحقق آمالهم وأحلامهم؟·

كم هو غريبٌ حرص البعض على إيجاد حلولُ لقضايا وملفاتٍ من خلال القانون، فيما ملفات أخرى عديدة لم يتم التطرق إليها، حيث بدأ بتحركاتٍ لا يُعرف إلى أين سينتهي بها المطاف·· فأهالي الموقوفين الإسلاميين - مع إختلاف المواقع والأهداف والعلاقات - بدأوا بتحركات من أجل إنصاف أبناءهم، وإسراع البت بمحاكماتهم!

الغريب أن مبدأ 6 و6 مكرر، التي تحكم الصيغة اللبنانية، لم تعتمد في إقرار هذا القانون - أي عودة اللبنانيين الفارين، فيما في السابق عندما أقر قانون العفو عن الدكتور سمير جعجع (رئيس <القوات اللبنانية> المنحلة آنذاك) 19 تموز 2005، أقر معه قانون العفو عن موقوفي الضنية ومجدل عنجر··

ونجحت الأجهزة الأمنية اللبنانية - وعلى مختلف تسمياتها: <مخابرات الجيش اللبناني، شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، الأمن العام وأمن الدولة>، فضلاً عن الجهاز الأمني في <حزب الله>، من توقيف عشرات الشبكات المتعاملة مع العدو الإسرائيلي، فاق عددهم 150 موقوفاً - منهم من صدرت بحقهم أحكام عن المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت برئاسة العميد الركن نزار خليل، فيما ما زال هناك من يُحاكم في القضاء المختص، بينما كثرٌ ما زالوا طلقاء، ومنهم من هو تحت المراقبة والرصد أو فارين·

وقد أظهرت التحقيقات التي أجريت مع العملاء، وبتحليل المعطيات من المعلومات التي جمعت، أن العدو إختار عملائه بدقةٍ، ومن مختلف المناطق اللبنانية والطوائف المتعددة، وفي شتى المجالات التي يحتاجها، سواءً من رجال دين أو عسكريين وأمنيين - في الخدمة أو متقاعدين - ورجال أعمالٍ وإقتصاد وخبراء وتقنيين، كانوا يؤمنون <بنك معلومات> للعدو إستخدم منه العديد، لتحقيق أهدافه، وما زال يمتلك <داتا> كبيرة في حربٍ مفتوحة ضد لبنان··

وقد تبين أن عدداً كبيراً من العملاء الموقوفين أو الفارين، هم ممن كانوا في صفوف <جيش لبنان الجنوبي>، وقد استفادوا من الأحكام التخفيفية آنذاك، لمن سلم نفسه إلى القضاء اللبناني بعد التحرير، أو من إقتنع بالعودة من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعاد هؤلاء لمزاولة نشاطهم التعاملي، والبعض منهم لم يتعظ مما إقترفت يداه سابقاً، فعاد إلى تعامله، فيما لم يلتزم بعض من أطلق سراحه بفترة إبعاده عن بلدته الأصلية· بعدما كان تضمن الحكم بحقه ذلك، فحصلت بعض الإشكالات مع مواطنين كانوا ضحيةً لمضايقاتهم أو اعتقالهم أو تعذيبهم في <معتقل الخيام>، أو دس الدسائس ضدهم لدى المخابرات الإسرائيلية ترهيباً أو إبتزازاً··

بينما كشفت التحقيقات أن القسم الأكبر من مشغلي شبكات التجسس لصالح العدو الإسرائيلي هم من العملاء الذين فروا معه·

القانون المعدل وتضمن القانون الذي أقره مجلس النواب - بعد إدخال تعديلاتٍ عليه - أن يتم تسليم الرجال لحظة وصولهم إلى نقطة العبور مع لبنان ، فيما يسمح للزوجات والأولاد بالعودة دون قيودٍ أو شرط، وهو ما ستصدره الحكومة بعد إنجازه وزارة العدل للمراسيم التطبيقية·

كذلك سيلحظ في المراسيم أوضاع الشبان اللبنانيين، الذين كانوا دون الثامنة عشر عندما دخلوا مع عائلاتهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وبلغوا السن القانوني - أي 18 عاماً وما فوق وهم هناك·

وأيضا هناك قضية هامة، وهي أوضاع الأطفال اللبنانيين الذين ولدوا أثناء وجود عائلاتهم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث سيتم إجراء ما يؤكد ويثبت لبنانيتهم، من خلال فحص الحمض النووي لهم ولآبائهم، على أن يبحث كيفية معالجة الزيجات التي حصلت هناك·

هذا الملف أثار عاصفةٍ من ردود الفعل بين الفاعليات المسيحية، التي كانت تطالب بإيجاد حلٍ للبنانيين الفارين، فقد اعتبر <نواب تكتل التغيير والإصلاح> <أن هذا الملف إنساني بالدرجة الأولى>، فيما رأت المعارضة المسيحية <أن إقرار هذا القانون لا يغيّر الواقع ولا يقدم جديداً>·

ولكن غالبية الأطراف المسيحية حرصت على أخذ الموضوع من الجانب الإنساني، على إعتبار أن اللبنانيين الذين لجأوا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة تمت في ظروفٍ ليسوا هم وحدهم مسؤولين عنها، على أمل المساهمة في حلحلة هذا الملف، من أجل أن يمهد في المستقبل إلى تحقيق المصالحة الوطنية·

خشية استخدام العدو وكيفما نظر إلى واقع هذه الشريحة اللبنانية للجهة الإنسانية، لكن ما لا يجب إغفاله هو الجانب الأمني، والخشية من استخدام العدو الإسرائيلي لأعدادٍ من هؤلاء ليكونوا <مشغلين> أو عملاءٍ له في لبنان، وعلى عدة مستويات وصعد، لإحتمال أن تكون الفترة التي قضوها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقبلها من خلال السيطرة الإسرائيلية على منطقة ما كان يعرف بـ <الشريط الحدودي> كافية لاقتناعهم بالولاء للكيان الصهيوني·

ولولا التعديلات التي ادخلت على القانون، لجهة تسليم الرجال إلى القضاء المختص، لكنا وجدنا أن العائدين كانوا سيعودون معززين مكرمين، ومعهم مبالغ مالية كتعويضاتٍ عن خدمتهم العدو الإسرائيلي·

والغريب في الأمر أن هؤلاء الفارين، إستقبلوا هذا القانون بردود فعلٍ سلبية، متذرعين بأنهم يخشون العودة، خوفاً على مستقبلهم ومستقبل أولادهم، ويطالبون بأن يتم تشكيل لجنة برلمانية من أجل عدم إدراجهم ضمن لائحة العملاء·

ويواجه الفارون جملةً من المشاكل، لجهة أن قسماً كبيراً منهم لا يعمل، وأنهم منعزلون عن محيطهم، وينظر إليهم الإسرائيليون نظرة دونية، بينما الفلسطينيون المقيمون في مناطق ما يعرف بـ <48> لا يقيمون معهم أي علاقات، حيث يعتبرونهم أنهم خانوا وطنهم·

عوائق العودة وكشفت مصادر مطلعة لـ <اللــواء> أن هناك مشاكل تؤثر على عودة الفارين، في مقدمها:

1 - الأحكام والمحاكم اللبنانية، حيث يتخوّف الكثيرون من الفارين من محاكمتهم وإنزال عقوباتٍ بحقهم، ويتطلعون إلى إصدار أحكامٍ مخففة جداً - أو إلغائها إذا أمكن·

2 - غياب فرص العمل في المنطقة الحدودية، وما هي وسائل العيش التي سيعتمدوها لدى عودتهم، وبالتالي المشاكل الإجتماعية والإقتصادية الناجمة عن البطالة·

3 - مشكلة المدارس، كيف يمكن لأي طالب أن يعود إلى المدرسة بعد غياب 11 عاماً،· وماذا سيكون موقف وزارة التربية بشأن دخول الطلاب إلى المدارس، أو لجهة معادلة الشهادات، فضلاً أن غالبية الأطفال لا يتقنون اللغة العربية، لأن المدارس في الكيان الصهيوني تعتمد اللغة العبرية·

4 - تبدي النساء اللبنانيات خشيتها من العودة، حتى لا تتم محاكمة أزواجها، ولم تتقبل اقرار فحوصات الحمض النووي لأطفالها·

لقد شكّل اندحار قوات الإحتلال الإسرائيلي عن المناطق التي كانت تحتلها في الجنوب والبقاع الغربي في 25 أيار من العام 2000، صدمة للعملاء، حيث فر حوالى 7500 شخص إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تاركين ممتلكاتهم وسياراتهم· ساعين للوذِ بأنفسهم وأفراد عائلتهم، وحمل ما خف حملهُ، ليلحق بذيول المحتلين·

وعندها كانت النسب متفاوتة لتوزعهم الطائفي منها: 45% مسيحيين، 40% شيعة، 10% دروز وأقل من 5% سنّة·

وعلى مرّ السنوات بدأ العديد من هؤلاء بالعودة إلى لبنان لأسبابٍ عديدة:

- سوء المعاملة التي لقوها من قبل المحتل الإسرائيلي·

- أسبابٍ شخصية·

وغادر كثرٌ إلى دولٍ أجنبية، مثل: الولايات المتحدة الأميركية، كندا، أوستراليا، ألمانيا، بلجيكا والسويد، وبقي حتىاليوم 2000 شخص داخل الأراضي الفلسطينية، والغالبية الكبرى منهم من المسيحيين، حيث تصل إلى 85%، بينهم 90% من الطائفة المارونية، يتوزعون من بلدات: جزين، مرجعيون، رميش، عين إبل، دبل والقليعة·

وقد عاد الفارون اللبنانيون على دفعات، وبلغ عددهم حوالى 5 آلاف شخص، وذلك عبر معبر الناقورة الحدودي، حيث كان يتسلمهم <الصليب الأحمر الدولي>، فيتم توجه النساء والأطفال مباشرة إلى منازلهم، فيما توقف الأجهزة الأمنية اللبنانية الرجال، وتحولهم على القضاء العسكري الذي حاكمهم، حيث صدرت بحقهم أحكام اعتبرت مخفضة·

وقد نال العملاء مبالغ مالية من الإحتلال بين 30 - 40 ألف دولار أميركي، كتعويض على سنوات تعاملهم مع الإحتلال وخيانتهم وطنهم· وكثر وافتهم المنية فأعيدت جثامينهم لدفنها في بلدته اللبنانية·

شمّاعة العملاء وقد لعب العملاء بعد العام 1976 - عند تشكيل الرائد سعد حداد <ميليشيا حداد>، دوراً مع المحتل الإسرائيلي، وفي العام 1978 بعد الإجتياح الإسرائيلي الأول للجنوب في <عملية الليطاني>، ساعد الإحتلال الإسرائيلي حداد من السيطرة على المنطقة الحدودية، فأقام <دولة لبنان الحر>، التي كانت تبلغ مساحتها 700 كلم، وتعداد سكانها حوالى 100 ألف نسمة، وفي 17 أيار 1980 أطلق على ميليشياته اسم <جيش لبنان الحر>، وبعد وفاة حداد في العام 1984، تسلم اللواء المتقاعد في الجيش اللبناني أنطوان لحد قيادة العملاء، فأطلق عليه إسم <جيش لبنان الجنوبي>·

ومارس العملاء شتى أنواع الولاء للمحتلين، فكانوا <الشماعة> التي يتنصل منها الإحتلال من جرائمه، وإستخدمهم في إدارة <معتقل الخيام> والتنكيل بالمعتقلين، وزج المقاومين والرافضين للتعامل مع الإحتلال في المعتقلات، إذا لم يكن المصير التصفية·

وبعد إندحار الإحتلال، تركهم يجرون ذيول الخيبة، حيث اصطفوا مع عائلاتهم، بإنتظار إذن دخولٍ من المحتل، فجمعوا في مخيماتٍ كلاجئين، بعدما رفض الإسرائيليون دمجهم في مجتمعاتهم·

وكانت بكركي منذ الكاردينال نصر الله بطرس صفير تولي هذا الملف اهتماماً من أجل إيجاد الحلول له، وتجلى ذلك خلال الزيارة الذي قام بها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي إلى منطقة الجنوب، ومنها المنطقة الحدودية بتاريخ 25 ايلول الماضي، حيث وعد ذوي العائلات معالجة ملف أبناءهم·

وإذا كان البعض تذرع بحجج واهية، من ان من التحق بـ <جيش لبنان الجنوبي> أو تعامل مع الإسرائيليين، كان لحماية نفسه، أو لغياب فرص العمل، فماذا سيقال لمن أصر على الصمود في أرضه وإفشال مشاريع الاحتلال بتحقيق أطماعه في إقامة منطقة خالية من الأهالي، على الرغم من كل وسائل وأساليب القمع والمضايقات··

وكذلك فمن العملاء اللحديين من بقي في المنطقة الحدودية بعد اندحار الاحتلال، واستفاد من الاعفاءات أو الأحكام القضائية المخفّضة آنذاك، وإن لم يلتزم بعضهم بفترة عدم عودته إلى بلدته، فعاد قبل مدة النفي والابعاد عنها·

أما الذين لحقوا بالعدو، فمنهم من عاد إلى رشده بعد فترة، فعاد إلى لبنان الذي احتضنه، وفتح له ذراعيه، أما من استمر مرتمياً في أحضان العدو، فماذا يأمل، وهل وصلت درجة <الوقاحة> إلى مطالبته بعدم محاكمته على تعامله مع العدو، التعامل الذي يُعاقب عليه القانون اللبنانيodhl ],j ;,l·

ولماذا لم يعد هؤلاء قبل فترة، وأليست هناك مقولة تقول: <زوان بلادي ولا قمح الغريب>، فتراب لبنان أحق بأبنائه حتى لو خضعوا للمحاكمة والعقاب على جرم اقترفوه، حتى لا تبقى الخيانة وصمة عار على جبين العملاء·· خائني الوطن·

---------------------------

إزدواجية التعامل!

بعد التحرير في العام 2000، جرى إنهاء ملفات بعض العملاء، حيث صنفتهم بعض القوى والقيادات السياسية، بأنهم كانوا مكلفين أمنياً من قبلها لاختراق <ميليشيا لحد>، فأغلقت ملفاتهم، تحت عنوان <عميل مزدوج>·

وكان لافت مشاركة بعض هولاء في تحركات شعبية، نفذت منذ فترة في عدد من بلدات المنطقة الحدودية، حيث كانوا في طليعة المحرضين والمشاركين فيها!·

عملاء عادوا وآخرون بقوا من أبرز العملاء الذين عادوا وخضعوا للمحاكمة: ميشال نهرا، خير الله سلامة، الياس نجم، سليمان جرجس سعيّد (من بلدة القليعة)، رئيس الأركان في <ميليشيا لحد> كرم الله سعيد من القليعة، عاد عام 2005، وحكم بالسجن 3 سنوات قبل أن يتم تخفيض مُـدّة حكمه، حيث خرج من السجن وتوفي قبل سنة·

أما أبرز العملاء الفارين الذين ما زالوا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة فهم: طالب ويوسف سبليني (الناقورة)، أبو برهان (عيترون)، روبين عبود (عديسة)، أحمد شبلي (عيتا الشعب)، الياس كرم <علوش>، عيد مسلم عيد (من القليعة)، وكان يتولى مهمة المسؤول الأمني في المنطقة الحدودية وولده سمير (الذي كان يتولى مسؤولية التحقيق في <معتقل الخيام>)، وايلي مطانيوس حنا (جزين)، الياس بطرس سعيد، جان شلهوب، واكيم يونس (القليعة)، طوني مارون الحاج (القليعة)، اكرم جورج ديب (مرجعيون)، حسين علي فاعور <ابو عرب> (الخيام)، وعبد علي صادق فارس (كفر?كلا)·

السجانات في <معتقل الخيام> اللواتي ما زلن فارات هن: كارولين سعيد (القليعة)، سيّدة مارون سلامة (القليعة)، صونيا طانيوس سمعان (القليعة)، جاندارك الحاصباني (القليعة)، وعفاف أسعد الحمصي (برج الملوك)·

تعليقات: