لجنة متابعة لمزروعات «مجرى الليطاني»

تواجه اللجنة مشكلة المعامل الحائزة تراخيص قانونية
تواجه اللجنة مشكلة المعامل الحائزة تراخيص قانونية


يعتمد 146 مزارعاً بقاعياً على مياه مجرى نهر الليطاني الآسنة والمبتذلة في ريّ مزروعاتهم منذ سنوات. هذا الضرر البيئي والصحي والاقتصادي مرشح للحلّ إذ سجّل اليوم تحرّك يوصف «بالجدية» لمعالجة المشكلة

البقاع | لم يعد خافياً على أحد وجود عدد كبير من السلع الزراعية، المنتجة في سهول البقاع من خضر وفواكه، تحمل خلف نضارتها وألوانها الزاهية سموماً وملوّثات، اكتسبتها واختزنتها من مياه الصرف الصحي وبالتحديد من مجرى نهر الليطاني. المشكلة قطعاً ليست جديدة، كما ان تداعياتها تكبر يوماً بعد يوم خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، إذ إنها تؤثر على سمعة المنتجات الزراعية البقاعية كلها، حتى تلك التي تتغذى من المياه النظيفة بعيداً عن مجرى المياه الآسنة. فالنهر الذي غارت مياهه العذبة منذ سنوات، تحوّل بفعل الإهمال الرسمي إلى مصبّ لشبكات الصرف الصحي من القرى والبلدات المطلة عليه، ومن المعامل المجاورة لمجراه. وعلى مرّ السنوات السابقة، شكل هذا المجرى عنصراً جاذباً لعشرات المزارعين، المتاخمة أراضيهم الزراعية له، إذ اعتمدوا عليه في ريّ حقولهم وبساتينهم بالمياه الآسنة، ضاربين عرض الحائط بالسلامة الغذائية والبيئية وحتى الحركة الاقتصادية التجارية الزراعية.

وعلى امتداد مجرى نهر الليطاني من سهل بلدة العلاق ـ بوداي، مروراً بالبقاعين الأوسط والغربي وحتى مصبّه في البحر، ثمة كارثة بيئية، وجريمة ترتكب يومياً بحق الإنسان وسلامته الغذائية. شبكات صرف صحي، ومعامل لتربية المواشي وتصنيع الألبان والأجبان، وأخرى للكرتون والصخر، تطلق العنان لمجاريرها ومخلّفاتها تارة، وللمواد الكيميائية والأبقار النافقة أطواراً أخرى. وبحسب إحصاءات الوزارات المعنية والقوى الأمنية، وفق جداول اسمية، أن هناك ما يقارب 146 مزارعاً، 72 منهم من البقاع الأوسط، 68 من البقاع الغربي، و5 في بعلبك، يقدمون على استخدام سائر المكوّنات التي ترفد مجرى الليطاني، في ريّ السلع الزراعية من قمح وبطاطا وخضر على أنواعها بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الفواكه (الدراق والخوخ...).

إزاء هذا الواقع الخطير، تدخلت الجهات المعنية، وجرى تداول للكتب الخطية بين الوزارات التي تتابع الموضوع: الزراعة والبيئة والداخلية، منذ نهاية شهر آب المنصرم، بغية معالجة المشكلة التي تسبب ضرراً كبيراً للمواطنين.

وفي هذا الإطار، يوضح رئيس اتحاد بلديات شرقي بعلبك عبد اللطيف الموسوي أن الاتصالات المكثفة بين الوزارات المعنية، نتج منها إيعاز من محافظ البقاع أنطوان سليمان إلى جميع البلديات الواقعة على حدود مجرى الليطاني ونبع شتورا، يقضي بـ«اتخاذ التدابير اللازمة لمنع المزارعين من استعمال المياه الآسنة لريّ مزروعاتهم تحت طائلة المسؤولية القانونية للبلديات». وأوضح أن القطعات الأمنية كلفت أيضاً بإجراء «مراقبة دورية بغية التثبّت من المعالجة وتنظيم محاضر ضبط بحق المخالفين». كذلك كشف الموسوي عن «تشكيل لجنة متابعة لتنظيف مجرى نهر الليطاني، وإزالة الضرر عنه، تضمّ محافظ البقاع ومصلحة مياه الليطاني واتحاد بلديات شرقي بعلبك وعشرين بلدية من البقاع، منها بعلبك وزحلة وقب الياس وبرالياس وجب جنّين، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارات البيئة والزراعة والشؤون الاجتماعية».

اللجنة التي شرعت بعملها منذ شهرين، تركزت اجتماعاتها مع مجلس الإنماء والإعمار ولجنة البيئة في مجلس النواب، حول موضوع التخلّص من شبكات الصرف الصحي التي تصبّ جميعها في الليطاني. وقد لفت الموسوي إلى أن دراسة لمحطة تكرير للصرف الصحي خاصة بقرى في شرقي وغربي بعلبك «شارفت على الانتهاء في مجلس الإنماء والإعمار بكلفة تراوح بين 6 و7 ملايين دولار أميركي».

أولى خطوات لجنة الليطاني كانت تحرير محاضر ضبط وشكاوى للنيابة العامة بحق مزارعين في البقاع، بإيعاز وتوجيه من محافظ البقاع، بحسب ما أكد لـ«الأخبار»، رئيس بلدية زحلة جوزيف المعلوف. لكنه رأى في المقابل، أن هذه المحاضر والشكاوى «لا تشكل حلاً رادعاً للمزارعين، إذا لم تقترن بقرار حازم وصارم من قبل الدولة». يؤكد المعلوف أهمية أن «تتضافر كلّ جهود السلطة التنفيذية، المتمثلة بالوزارات المعنية، لمعالجة هذه المشكلة جذرياً وبحلول متكاملة»، لكنه يستدرك: «العين بصيرة واليد قصيرة، ففي ظلّ المركزية الإدارية وعدم توافر الصلاحيات الكافية لدى البلديات لقمع المخالفين ووضع حد لتصرفاتهم المضرة بالصحة والسلامة العامة، لا يمكنني بثلاثين شرطياً قمع سائر المخالفات وتنفيذ كل المهام الملقاة على عاتقنا».

من جهته، يشير نائب رئيس بلدية بعلبك عمر صلح إلى التوصيات الأساسية التي جرى التأكيد عليها في اجتماعات اللجنة، مثل ضرورة معالجة مشكلة الصرف الصحي، وذلك بإقامة محطات تكرير صغيرة وكبيرة للقرى والبلدات البقاعية، والعمل على إيجاد بديل للمزارعين الذين يروون مزروعاتهم من مجرى الليطاني ونبع شتورا، وذلك بواسطة خفض سعر صفيحة المازوت والشروع في تنفيذ خطة السدود والبرك الصناعية، بالإضافة إلى تأكيد دور وزارة الزراعة الإرشادي للمزارعين لجهة التوعية لمخاطر ري المزروعات بالصرف الصحي، والحراك البلدي على مستوى الجهات الدولية المانحة لتوفير الدعم المالي لخطة التخلص من مشكلة الليطاني وروافده المبتذلة.

وعلى الرغم من التوصيات التي أرسلت إلى كافة الوزارات المعنية، كشف صلح عن تخوّفه من مشكلة تواجه لجنة متابعة تنظيف الليطاني، وتتمثل في معامل تربية المواشي وتصنيع الألبان والأجبان، والكرتون والصخر، والتي «تبيّن أنها تمتلك تراخيص قانونية، حازتها بعد تقديم تعهدات باستعمال فلاتر لتكرير المخلفات التي تخرج منها باتجاه مجرى النهر»، لكن «في الحقيقة لا يجري تأمين هذه الفلاتر، التي ينبغي أن تستبدل دورياً في المعامل حرصاً على النظافة وسلامة المواطنين». ويعزو السبب في ذلك إلى «غياب عنصر الرقابة من الوزارات المعنية، سواء على الفلاتر، أو على مدى استمرارية معايير السلامة والصحة والنظافة فيها».

الجدير ذكره أن محاولات سابقة كان قد قام بها عدد من رؤساء بلديات البقاع، لردع بعض المزارعين وثنيهم عن إقامة حفر ضخمة إلى جانب مجرى الليطاني بغية سحب المياه الآسنة إليها، ثم جرّها بمضخات إلى الأراضي الزراعية، لكنها باءت بالفشل، «على الرغم من إبلاغ القوى الأمنية ومكتب وزارة الصحة في المنطقة»، كما يؤكد رئيس إحدى بلديات البقاع.

وعليه، يبقى أن مشاكل مجرى الليطاني انعكست سلباً على الحركة التجارية الزراعية في البقاع، خصوصاً بعدما «ذاع صيت» إقدام مزارعين على ريّ مزروعاتهم بالصرف الصحي. لذلك كان تأكيد من اللجنة على السعي بكل جهد إلى وضع حد لهذه المشكلة التي «أطاحت المزارع والتاجر الصالح قبل الطالح!».

الخوري: تدابير بلا محاضر ضبط

محاضر الضبط التي حرّرت بحق المزارعين الذين يروون مزروعاتهم من المياه الآسنة، وإحالة آخرين إلى التحقيق، كانت محور اللقاء الذي عقد يوم الاثنين الفائت، بين وزير البيئة ناظم الخوري ووفد من رؤساء بلديات ومزارعي البقاع الغربي، تقدّمهم الوزير السابق محمد رحال.

وقد أعلن الخوري إثر اللقاء أن كتاباً خطياً جديداً وجّه لوزارة الداخلية، جرى التأكيد فيه «أن الكتاب السابق لم يهدف الى إحالة المزارعين على النيابة العامة الاستئنافية، ولا إلى تحرير محاضر ضبط بحقهم، بل لتحذيرهم من مخاطر استعمال المياة الآسنة على الصحة العامة والبيئة».

من جهته، أشار رحال إلى أن كتاب وزارة البيئة ترجمته الأجهزة المعنية بنحو خاطئ، فتم تحويل المزارعين الى القضاء ليصدر في حقهم محاضر ضبط، مضيفاً أنه ينبغي إصدار كتاب الى الجهات المعنية لمنع المحاكمة وعدم إصدار محاضر ضبط.

تعليقات: