عرسال \"عرش الرب\" إحدى القصبات الاساسية لتهريب البضائع

عرسال \
عرسال \"عرش الرب\" إحدى القصبات الاساسية لتهريب البضائع


واقعها الجغرافي مميّز وتعتاش اقتصادياً من جارها السوري

"عرش الرب" كما سماها الآراميون، او مصطبة الله المشرفة، او عرسال، لا فرق، ولكن هذه البلدة المنبسطة على ارتفاع 1450 متراً للبلدة و2650 مترا لجبالها (طلعة موسى جنوبا) في اقصى الشمال الشرقي من محافظة البقاع، طي اودية وهضاب سلسلة جبال لبنان الشرقية... تصلح لأن تكون سرير قيلولة للآلهة في غدوهم ورواحهم ما بين المشرق والمغرب.

عقارياً تتبع عرسال قضاء بعلبك، وتبلغ مساحتها 436 كلم2. تحدها شمالا بلدات الفاكهة ورأس بعلبك والقاع، وجنوبا نحلة ويونين، وشرقا الحدود السورية، وغربا تجمع بلدات من رسم الحدث حتى اللبوة. اما الطريق الوحيد المؤدي اليها ذهابا وايابا فهو من عند مفترق بلدة اللبوة على الطريق الدولية بعلبك – حمص.

تقسم عرسال الى ست مناطق بيئية، ثلاث منها في المناطق الجردية العالية، الاولى تعرف بالجرد العالي وهي بعيدة ووعرة وتمتد الى اعالي الجبال حتى الحدود مع سوريا، وتزرع تقليدياً بالحمّص لرطوبتها الناشئة عن ذوبان الثلوج. فيما الجرد الاوسط (1950 – 1550م) يتميز بالاراضي الواسعة ذات المنحدرات الخفيفة التي شكلت في ما مضى المراعي التقليدية للبلدة، ثم تمركزت فيها الكسارات.

اما الجرد الادنى (1300 – 1500م) فهو غير صالح للزراعة، جراء طبيعته الصخرية وتربته المتدهورة، ومنطقة الوديان تقع على سفوح المناطق الجردية، تم استصلاحها وزرعها بأشجار الاجاص السوري والتين والكرمة. والمنطقة الشرقية تشكل المدخل الى الاراضي السورية بوديانها القاحلة، وتتميز بالأوهاد العميقة التي حفرتها السيول. اما المنطقة الغربية فتمتد غرباً نحو سهل البقاع وتزرع بالحبوب والكرمة والاشجار المثمرة والزيتون.

تعاني الكثير

بلدة لا يقصدها الا المضطر لكساراتها المنتشرة في جبالها، ففي كل جزء من لبنان حجر صخري مزخرف عرسالي، على الرغم من ان كيلومترات قليلة تفصلها عن الطريق الدولي. ومن مجالات شهرتها ايضا انها احدى القصبات الاساسية لتهريب البضائع بمختلف انواعها، الى ومن سوريا، يساعدها في ذلك واقع جغرافي مميز. فهي تعتاش اقتصادياً من جارها السوري.

"النهار" قصدت البلدة لمعرفة واقعها بحيث تصلها قبل ان تشعر بوحشة الطريق الوحيد الذي يستبطن كتلة جبلية ترسو وقوفاً وعلى جانبيه العديد من الشعارات القديمة على الجدران والصخور داعمة للرئيس العراقي صدام حسين.

لا تخلو البلدة من خرائب وشواهد اثرية منتشرة فيها، تشير الى انها سكنت منذ العهود القديمة الفينيقية واليونانية والرومانية. اما خدماتياً فحالها كحال اي بلدة في المنطقة تعاني الكثير. يبلغ عدد سكانها 36 الف نسمة والناخبون 12500 وبلديتها ولدت في العام 1953 وحلت في العام 1964 وكان عدد اعضائها آنذاك 18 عضوا اما اليوم فهو 21 عضوا.

هذا هو واقع بلدة عرسال جغرافياً واقتصادياً، اما انتماؤها السياسي فتلاحظه حالما تدخلها وتشاهد بيوتا متراصة والازقة ممتلئة بالاطفال والاهالي، خصوصا كبار السن الذين يتقيدون بزي عربي خاص بهم، لتفاجئك بأن ساحتها التي تتوسطها صورة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر سميت بساحة "الحرية". بعد مسيرتين شهدتهما البلدة تأييداً للشعب السوري، الاولى بداية الحوادث في سوريا والثانية الاسبوع الفائت، لتنأى بنفسها عن البلدات الاخرى المجاورة ذات الغالبية الشيعية المؤيدة للنظام السوري. كما تعج ازقة البلدة بالشعارات الداعية لسقوط نظام الرئيس الاسد، فيما بعض سيارات الاهالي يزينها علم الثورة السوري الذي يستحيل ان تراه خارج البلدة في المنطقة".

وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان احتلت عرسال المؤيدة باغلبيتها تيار المستقبل وتشكل القاعدة السنية في منطقة بعلبك – الهرمل المنابر والشاشات لمشاغبتها بمواقف سياسية لا ترضي قرى الجوار الشيعية، والعام 2006 من خلال اجتماعات اللجنة اللبنانية السورية المشتركة لـ"حل نزاعات تداخل الحدود بين المزارعين" ثم لحل قضية السواتر الترابية الحدودية من الجانب السوري والخلافات بين المزارعين في منطقة وادي شاحوط ووادي زمراني.

ثم عادت للظهور مجدداً في وسائل الاعلام خلال الاسابيع الاخيرة جراء حوادث امنية عدة، اهمها خروقات الجيش السوري اراضي البلدة المتنازع على ملكيتها ما بين الدولتينن ومطاردة القوى الامنية لأحد أبنائها حسين احمد الحجيري (احد ابرز المطلوبين في جريمة خطف الاستونيين) وحادث امني اخير تمثل بتجمّع الاهالي للحؤول دون اعتقال قوة من عناصر المكافحة في الجيش سوريين اثنين بعد دهم منزل المواطن المتوفي احمد الكرنبي في البلدة واحراق آليات للعناصر الامنية.

احدى قواعد العروبة

يعتبر الاهالي أن بلدتهم هي احدى قواعد العروبة الدائمة، وقاعدة اساسية لثورة 1958. وتنويها بما لعبته البلدة خلال الثورة اراد الرئيس فؤاد شهاب ان يكافئها فكانت اول بلدة في قضاء بعلبك – الهرمل تصل اليها الكهرباء: ففي بداية عهده تم تركيب مولدات كهربائية في البلدة ومُدّت شبكة داخلها.

واجمع الاهالي على دعمهم للشعب السوري من منطق عروبي، كما وقفوا تاريخيا ضد الاتراك الذين اعدموا 17 شخصا من البلدة في ساحة بعلبك لمواقفهم العربية القومية، ويستمرون في قوميتهم حتى القضية الفلسطينية، واليوم مع السوريين، لا من منطلق طائفي، كما قال رئيس المجلس البلدي السابق محمد الفليطي (65 عاما) الذي اكد رأي الاهالي. ثم يستطرد بالقول "ان اغلبية الاهالي مؤيدة لتيار المستقبل، المؤيد للثورات العربية ومنها السورية لاننا احرار في هذه البلدة منذ اجدادنا كما اليوم، فيما خلال النظام السوري كانت هناك ديكتاتورية وقمع وقهر للأهالي على كل المستويات".

وعن محبتهم للرئيس رفيق الحريري وعائلته يوضح ان آل الحريري قدموا العديد من المشاريع الانمائية للبلدة، كمهنية عرسال الفنية والمركز الصحي ومدارس وثانوية، بعدما كانت منسية من رؤساء الوزراء السابقين. فأول مدرسة في البلدة هي مدرسة رسمية تبرع اهلها بحجارتها لثورة 1958، وفي العام 1960 اتت الدولة وعملت على بناء خمس غرف. اما اليوم بفضل آل الحريري فهنالك 4 مدارس رسمية و6 خاصة.

واضاف: "استشهاد الرئيس الحريري كشف الظلم الذي تعرض له وهو رجل الانماء والعروبة، وموقفنا ضد النظام السوري قومي ورفعنا صوتنا ضد الخروقات لانها كانت تحت حجة تهريب السلاح لأخوتنا السوريين فيما هي بقرار سياسي للفصل بين الشعبين".

وعن الحادثة الاخيرة، أي منعهم الجيش اللبناني عن توقيف احد اللاجئين السوريين اكد انه "من عادات وتقاليد البلدة التي ورثها الأهالي عن اجدادهم تفرض عليهم حماية الضيف، وهذا ما حصل معهم، ونرفض تسليم أي لاجىء سوري للجيش ليجري تسليمه الى النظام السوري. اما اذا كان في حال جرم فنحن نسلمه بانفسنا".

المدرس خالد زيدان عرض الواقع الخدماتي المتدني في البلدة، وعن العلاقة مع الجوار السوري رأى انها مصلحة واحدة بين الشعبين. ونحن نصرخ عن اخواننا السوريين المقموعين، لأننا هنا نستطيع ان نصرخ عنهم بحرية لمساعدتهم، لايماننا بالقومية العربية ولدينا الجرأة في قول رأينا، ما يزعج النظام السوري الذي تجاوز كثيرا حقوقنا سنوات طويلة وليس من باب العصبية بتحريك من تيار المستقبل.

ونفى زيدان مقولة تهريب اسلحة للشعب السوري التي اعتبرها النظام السوري حجة لخرق ارضنا ولا نملك سوى سلاح منزلي، وليس من شيم ابن عرسال بيع بندقيته، انما السبب الرئيسي للخروقات كان لدعمنا الشعب السوري معنويا وسنستمر في التظاهرات المؤيدة لهم ولا نملك الامكانات لدعمهم لوجستياً، مؤكداً ان البلدة لا تضم اي منظمة متشددة اصولية ولا مجموعات ارهابية". وعن عمليات التهريب لفت الى انه كانت هنالك عمليات تهريب لمادة المازوت والسلع الاقتصادية، انما اليوم، ومنذ شهرين، احكم الجيش سيطرته على ممرات التهريب مما ادى الى توقف العملية.

تعليقات: