تقشف الحريري: «تفنيش» ثلث الموظفين

الرئيس سعد الحريري
الرئيس سعد الحريري


التقشّف انطلق في مؤسسات الرئيس سعد الحريري، وأولها في الجسم التنظيمي للتيار. 35 في المئة من الموظفين في مكاتب التيار صرفوا من عملهم، ومن المتوقع أن تصرف النسبة نفسها في تلفزيون وصحيفة المستقبل. جرى التخلّص من أصحاب الرواتب المتواضعة، ويجري خفض مخصصات أصحاب الرواتب الضخمة

-

قبل عشرة أيام وصل «قاطع الأرزاق» إلى مكاتب تيار المستقبل. خيّم بعباءته السوداء في الغرف وفي الممرات، وحصد بمنجله مئات الضحايا. صادف ما يقارب 200 موظف في التيار. أبلغهم أنّ تعويضات صرفهم ستكون ذات قيمة و«ألا يعتلوا همّ». أقنعهم بأنّ الأمر صادر عن «القيادة العليا»، وأنّ دوره ينحصر في تنفيذ الإجراءات وليس اتّخاذ قرارها. منذ ذلك الحين، انقلبت الأجواء داخل مكاتب التيار وبات الموظفون يخشون التجوّل في المبنى خشية مصادفة صاحب المنجل.

«مجزرة الصرف» في التيار طاولت 35 في المئة من الموظفين، معظمهم من أصحاب الرواتب المتدنية: عمّال خدمات وتنظيفات، ناقلو بريد وسائقو مهمّات. بقي أصحاب الرواتب الضخمة وراء مكاتبهم وشاشاتهم من دون الالتفات إلى ما يحصل بالقرب منهم. لا بل إنّ أحد هؤلاء ينظر إلى هذه الإجراءات بكثير من الإيجابية: «معظم هؤلاء لا مكان لهم في التيار، وجرى توظيفهم للانتهاء من تذمّرهم وتذمّر عائلاتهم التي تناصر التيار». مع العلم أنّ راتب المتكلّم يمكن أن يغطّي ما يزيد على رواتب 10 موظفين جرى صرفهم.

في أروقة مبنى التيار في شارع «سبيرز» في بيروت، يقول عدد من الموظفين إنّ المسؤول الإعلامي أيمن جزّيني أخذ على عاتقه إبلاغ عشرات الموظفين بقرار صرفهم. يضيفون أنّ «جلسات الخبز والملح» التي كانت تجمعه بهم لم تثنه عن تنفيذ هذه المهمة التي استصعب مسؤولون آخرون القيام بها.

وقد يفاجأ البعض بمجموعة من الأسماء «المرموقة» التي اتّخذ القرار بقطع رواتبها بداية العام، وهو الأمر الذي يصرّ مسؤولو التيار على نفيه، على رغم تغيّب أصحاب عدد من هذه الأسماء عن مكاتبهم وأماكن عملهم. يضيف المسؤولون أن القرار الذي اتّخذ يقضي باقتطاع الرواتب الضخمة وليس صرف أصحابها، مشيرين إلى أنّ معظم هؤلاء كانوا يتقاضون «راتبين ونصف الراتب بدل الراتب المحدد»، وأنّ ما سيحصل هو «إعادة الرواتب إلى أصلها وخفض «التحفيزات» التي كان يقبضها هؤلاء الموظفون في السنوات الماضية». وثمة إجراء سيبدأ تطبيقه قريباً يقضي بخفض مخصصات الموظفين، أي بدل قسائم البنزين ومصاريف اللقاءات وبدلات دعوات الغداء والعشاء والاتصالات. وعلى هذا الصعيد، يروي أحد المطلعين أنّ قيادة التيار وزّعت في الأعوام السابقة آلاف الخطوط الهاتفية على الموظفين في مؤسساتها والمسؤولين فيها، وتكفّلت بدفع فواتيرها من دون السؤال عن كيفية استخدامها ومحاسبة أصحابها.

يضاف إلى ذلك قرار الرئيس سعد الحريري خفض الموازنة الإضافية التي يجري توزيعها على الموظفين والمقربين منه من حين إلى آخر لمساعدتهم على تخطي صعوباتهم المالية.

ويشير أحد المستقبليين إلى أنّ ورشة إعادة الهيكلة، أو عصر النفقات، في تيار المستقبل بدأت من الجسم التنظيمي للتيار لتنطلق إلى مؤسسة تلفزيون المستقبل ومن بعدها إلى الصحيفة. يضيفون أنه بقرار من الرئيس الحريري ومستشاريه، طُلب من الأمين العام، أحمد الحريري، اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتقليص موازنة الموظفين في التيار. وهو الأمر الذي باشر الأخير تنفيذه الأسبوع الماضي بعد قيامه بالدراسة السريعة اللازمة التي اطّلع عليها المقرّبون منه. أما في المؤسسات الأخرى، فجداول الأسماء أعدّت من قبل القيّمين، أكان في القناتين الزرقاء والحمراء أو في الصحيفة.

وينتظر «قاطع الأرزاق» نفسه الانتهاء من مهمّته في مكاتب التيار ليزور مكاتب القناتين لتسليم الموظفين أوراق صرفهم. واللافت أنّ هذه الإجراءات مستمرة في القطاع التلفزيوني في التيار على الرغم من أن فريق الرئيس الحريري لم ينته بعد من إعداد خطته لهذا القطاع. فخلال اجتماع عقد في السعودية في الأسبوع الأخير من العام الماضي، ضمّ الحريري ومستشاريه ومسؤولين ماليين، لم يحصل أي اتّفاق على صيغة عمل التلفزيون الجديد أو شكله أو مضمونه. يومها طُرحت فكرة قيام تلفزيون المستقبل على النمط الإعلامي الأميركي، وهو ما عارضه بشدّة عدد من المستشارين باعتبار أنّ هذه الفكرة ستجعل من المستقبل فكرة مستنسخة عن محطة «أم تي في» الحليفة. انتهى الاجتماع بقرار واضح يقضي بضرورة خفض 30 في المئة من تكاليف تشغيل المحطة (أو المحطتين)، فكان ان باشر المعنيون بإدارة القناتين الحمراء والزرقاء إعداد جداول الموظفين، مع تأكيد عدد من المطّلعين أنّ عملية إعداد الأسماء انتهت والجداول باتت موجودة في أدراج المسؤولين.

تترك هذه المعلومات الكثير من البلبلة في صفوف المستقبليين. وعلى هامش سياسة التقشّف التي يريد الحريري اعتمادها، ثمة مخاطر بدأ عدد من المقربين منه يعدّ لها الحساب، أوّلها «التنافس البيروتي ــ الصيداوي داخل المؤسسات». فهذا التنافس، على حد قول المصادر نفسها، يستمرّ منذ تسعينيات القرن الماضي، «إذ غالباً ما يشكو بيروتيو المستقبل من الاهتمام الزائد بأهالي صيدا، وتغليب مصالح أبناء المدينة الجنوبية على أبناء بيروت». وتعتقد المصادر بأن الأزمات المماثلة في التيار لن تنتهي قريباً، وهذه هي أولى نتائج «التنظيم الريعي الذي يعتمده آل الحريري».

تعليقات: