حاصبيا: المدارس الرسمية تحاول النهوض والقطاع الثانوي يضاهي «الخاص»

أحد اعتصامات تلامذة مدرسة ميمس احتجاجاً على قرار إقفالها
أحد اعتصامات تلامذة مدرسة ميمس احتجاجاً على قرار إقفالها


من نواقصها الكادر التعليمي واللغة الإنكليزية والتجهيزات الصفي

يشير عدد من القيمين على الوضع التربوي في حاصبيا، إلى أن القرار الذي كان قد اتخذه وزير التربية السابق حسن منيمنة، والقاضي بدمج وإقفال عدد من المدارس المتعثرة، انعكس إيجاباً في بعض جوانبه على التعليم الرسمي بشكل عام في المنطقة، بحيث شكل حافزاً لتعاون وثيق استجد بسرعة بين الأهالي والبلديات والهيئات التعليمية، للدفع بالمدرسة الرسمية إلى الأمام، والعمل بكل جد لدعمها وعودة الثقة اليها. ذلك التعاون المستجد أعاد وبسرعة فتح «مدرسة ميمس» على سبيل المثال، والتي كان قد شملها قرار الإقفال خلال العام الدراسي 2008ـ2009، وعادت المدرسة إلى الحياة، بقرار من وزير التربية تحت الرقم 1485/م حمل عنوان «روضة أطفال ميمس الرسمية»، والتي انطلقت بصف واحد العام الماضي، إلى ثلاثة صفوف روضة وحضانة في العام الحالي، على أن تتوالى الصفوف بشكل تصاعدي سنوياً حتى الشهادة المتوسطة.

ولفت رئيس البلدية غسان أبو حمدان إلى أن «التلاقي بين الأهل والمدرسة والبلدية، أدى إلى نتائج إيجابية سريعة، حيث تمكن الجميع وخلال فترة قصيرة من تأمين 50 تلميذا، تسجلوا في المدرسة، تاركين صفوفهم في المدارس الخاصة، وأعقب ذلك توجيه كتاب إلى وزير التربية يتضمن كل الشروط القانونية المطلوبة لإعادة فتح المدرسة من جديد، مع تعهد من الهيئة التعليمية ببذل كل الجهد لإنجاح المدرسة، والتي كانت قد خسرت أكثر من 250 تلميذا خلال السنوات العشر الماضية لصالح المدارس الخاصة». وأشار أبو حمدان إلى تكفل البلدية «العام الماضي بدفع رسوم التسجيل، ومد يد المساعدة للمدرسة من خلال تزويدها بمادة المازوت للتدفئة، ومساعدات عينية أخرى». ويبقى المطلوب من الجهات المعنية تأمين بعض الحاجيات الضرورية، وإعادة ترميم المبنى عبر معالجة النش والدهان وإصلاح الحمامات.

وفي نظرة إلى الوضع التربوي في حاصبيا والعرقوب، يتبين أن المدارس الخاصة وخلال السنوات القليلة الماضية، تمكنت من استقطاب العدد الأكبر من تلامذة المنطقتين على حساب القطاع الرسمي، وبنسبة تجاوزت 75 في المئة، مستفيدة بذلك من تراجع المدرسة الرسمية، بسبب الأوضاع التي كانت سائدة خلال الاحتلال الإسرائيلي، وعلى مدى أكثر من عشرين عاما، غابت خلالها الرقابة وندرت المساعدات، ليعود ذلك القطاع وخلال السنوات الخمس الماضية ليتنفس من جديد ويستجمع قواه، في محاولة لإثبات الوجود والتعويض عما فات، يساعده في ذلك حوافز عدة، تبدأ بعودة الثقة تدريجا إلى المدرسة الرسمية، مع التشدد المتجدد في الرقابة والتفتيش التربوي، وخضوع المدرسين لدورات مكثفة في مختلف مواد المناهج الحديثة، مع تزويد المدارس بالكثير من المعدات التربوية والمخبرية.

واقع المدارس

العدد الإجمالي لتلامذة مدارس حاصبيا يصل إلى نحو خمسة آلاف في المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة، موزعين على 31 مدرسة بين رسمية وخاصة، في حين يبلغ عدد المدرسين الرسميين 417 مدرساً وعدد مدرّسي القطاع الخاص 190 مدرساً، وهناك أيضا خمس ثانويات، أربع منها رسمية وواحدة خاصة، تضم مجتمعة بحدود 700 طالب، أما المباني المدرسية في حاصبيا ومنطقتها فجيدة وحديثة بمعظمها، حيث كان «مجلس الجنوب» قد أنجز خلال العقد الماضي، بناء عدة مدارس في حاصبيا، وميمس، ومرج الزهور، وشبعا، وعين عرب، وإبل السقي، وكفرشوبا، وعين قنيا، والهبارية، والكفير.

أما المدارس المقفلة منذ كان الاحتلال بسبب تهجير الأهالي، وعدم عودة القسم الأكبر منهم بعد التحرير، فهي مدارس كوكبا، وكفرحمام، وراشيا الفخار، وعين ثنتا، وأبو قمحة، وبرغز. بالإضافة إلى أخرى أقفلت بقرار من وزير التربية، وهي، مدارس ميمس (أعيد فتحها بشكل تدريجي)، والكفير، والفرديس. في المقابل، مدارس في وضع مقبول إلى جيد يتراوح عدد تلامذة كل منها بين 150 و300. ومنها مدارس عين قنيا، وشويا، وشبعا، وكفرشوبا، وحلتا، وحاصبيا للصبيان، وعين جرفا الخلوات.

وتشير دراسة حول الوضع التربوي في حاصبيا، أعدتها مجموعة من المدرسين المتقاعدين، إلى أن «التعليم الرسمي في حاصبيا شهد حالا من التراجع، فقد عندها الأهل الثقة بالمدرسة الرسمية، ليتوجهوا ناحية التعليم الخاص ولأسباب متعددة. يمكن حصر أهمها بالواقع المرير وغير الطبيعي الذي ساد خلال فترة الاحتلال، وعلى مدى أكثر من عشرين عاما، الذي انعكس سلباً على نفسية المدرسين بشكل عام، في ظل وضع أمني غير مستقر، فغابت الرقابة التربوية وخاصة التفتيش التربوي، الذي فقد هيبته في تلك المرحلة، بحيث لم تعد له فعالية تذكر. كذلك العلاقة بين الإدارة والهيئة التعليمية، سادتها حال من عدم احترام القوانين»، لافتة إلى أن «الوضع الرديء الذي مرت به المدرسة الرسمية، شجع الكثير من الجهات على فتح مدارس خاصة، تكاثرت خلال عدة سنوات مستغلة الفجوات في المدرسة الرسمية، ومنها مثلا، عدم وجود فروع لتعليم اللغة الإنكليزية، وهو ما لم يكن متوفرا في المدرسة الرسمية، فكان تحول الى القطاع الخاص، نما بسرعة خلال أقل من 15 عاما». وتؤكد الدراسة أنه «يمكن للمدارس الرسمية أن تعيد هيبتها بسرعة، في ظل إمكانات هامة بدأت تتوفر لها، إن لجهة المبنى المدرسي وبمواصفات عالية أو بالنسبة للتجهيزات وما شابه. فالمطلوب إدارة قوية واثقة في ظل تفتيش صارم وهمة للمدرسين، كلها عوامل ستعيد للقطاع الرسمي وقاره وهيبته، علماً أن مدرسي القطاع العام هم ذاتهم يدرسون في المدارس الخاصة، ويعطون نتائج مرموقة بحيث تصل نسبة النجاح فيها إلى حدود المئة في المئة، على عكس بعض نتائج المدارس الرسمية».

وتعبر «مدرسة عين قنيا الرسمية» نموذجا مميزا للمدرسة الرسمية في المنطقة، فقد تفوقت على مثيلاتها في القطاعين الرسمي والخاص، متربعة على عرش النجاح في الشهادة المتوسطة وبنسبة كاملة، على مدى 14 سنة المنصرمة ولا زالت، واختيرت كـ«عاصمة الفرنكوفونية» بين مدارس المحافظة لجهة التفوق على مدى سنوات طويلة، حازت خلالها على تنويهات متكررة من المنطقة التربوية، ومن مديرية التعليم الإبتدائي. المدرسة تأسست عام 1952، وبدأت بمدرس واحد وصف واحد لتصبح متوسطة في نهاية الستينيات، وصل عدد تلامذتها اليوم إلى نحو 300، وعملت على مشاريع مشتركة بين مدارس خاصة ورسمية في لبنان منها، «مدرسة ليسيه فرانكو ليبانيه فردان»، حول البيئة وتعزيز اللغة الفرنسية والنشاطات اللاصفية والفنية، وتشارك حاليا ضمن نجمة الجنوب بإشراف إحدى الجمعيات لتعزيز التواصل بين تلامذة أربع مدارس رسمية وخاصة، عبر شبكة انترنت خاصة، تهتم بالمواد الإجرائية، فتعاقدت مع مدرسي مواد المعلوماتية للحلقتين الثالثة والثانية والإنكليزية لغة ثانية والرسم للحلقتين الأولى والثانية. واختيرت المدرسة، كما يقول مديرها سهيل حديفة، من بين المدارس الـ 48 لتطبيق المناهج الجديدة المطورة، كمرحلة تجريبية للعام الدراسي 2011-2012، ولديها طاقم تعليمي ناشط يعمل بانتظام كخلية نحل، ولإدارتها مبادرة شجاعة في اتخاذ القرارات، على أن تخضع القرارات للتقويم الذاتي والمساءلة لاحقاً، ضمن بوتقة متماسكة متكاملة بين المدرسة والأهل. ويلفت حديفة إلى أن نجاح المدرسة لم يتأثر يوما بمعاناتها لجهة المبنى، حيث لا قاعات ولا ملاعب ولا مسارح ولا بناء يراعي المعايير الموضوعية التربوية، يلائم المناهج الجديدة المطورة والنشاطات الصفية واللاصفية، و«لنا المبادرة مثلا في دورات تقوية للغات والعلوم والرياضيات بمساعدة جمعيات محلية وأجنبية، منها جمعية مانونيت الكندية».

بين «الرسمي» و«الخاص»

من جهته، مدير مدرسة في العرقوب (فضّل عدم ذكر اسمه)، ردّ التراجع الحاصل في المدرسة الرسمية، إلى «عدم توفر الكادر التعليمي حيث نسبة 90 في المئة من المدرسين في العرقوب بشكل خاص، من خارج الملاك ويدرسون بالتعاقد، وهؤلاء لم يخضعوا لدورات كافية للمناهج الجديدة، كذلك هناك نقص بالتجهيزات، مع غياب لصفوف اللغة الإنكليزية، الذي كان ولا يزال يشكل ضربة قاسية للمدرسة الرسمية، والتي بدأت تتحول وبشكل تدريجي لإضافة تلك اللغة إلى جانب الفرنسية، وذلك سيكون عاملا إيجابيا لجذب التلامذة». أضاف المدير: «بعض المدارس الرسمية أثبتت قدرة في منافسة المدرسة الخاصة بالرغم من النقص الحاد في عدد المدرسين وفي التجهيزات، خصوصا الحاجة الى مدرسين للمواد الإجرائية وإلى مختبرات للعلوم و للمعلوماتية، وعلى الرغم من ذلك فإن عدد التلاميذ ارتفع في المدرسة الرسمية خلال السنوات الخمس بنسبة 10 إلى 20 في المئة». وعن أسباب تفوق المدرسة الخاصة في حاصبيا يقول مدير «مدرسة المستقبل» غسان ذيب: «يعود ذلك بشكل أساسي إلى الجهود التي تبذلها الإدارة والمدرسون، إضافة إلى التشدد في كل شيء ابتداء من وصول التلميذ الى الملعب ودخوله إلى الصف والمتابعة في المنزل. كما أن هامش الحركة سهل في تبديل المدرسين واختيار الكتب ومعالجة كل الصعوبات، مهما كانت في المدرسة الخاصة، فكلها عوامل تخلق مناخاً تربويا مميزاً يوصل إلى نتائج تبدو جلية في الامتحانات الرسمية». واعتبر ذيب أن التميز في القطاع الخاص، يعود إلى «حرية اختيار المدرس والكتاب والمناهج والأسلوب خارج أي تأثير سياسي أو حزبي، فيما يبقى دفع القسط المدرسي من قبل ذوي التلميذ حافزاً جيداً، في حثّ الأهل على متابعة وضع ولدهم في المدرسة بشكل شبه متواصل».

وأكد مدير «ثانوية الكفير الرسمية» نعمان الساحلي، أن «القطاع الثانوي في المنطقة مميز ويضاهي بدرجات كبيرة القطاع الخاص، حيث تستقطب الثانويات الرسمية اكثر من 90 في المئة من طلاب المنطقة، والمطلوب مساعدة القطاع، وتأمين كادر تعليمي وعناية الإدراة واحتضان المجتمع الأهلي، إضافة إلى ضرورة تزويد الثانويات بالمختبرات ومولدات كهربائية، وسدّ النقص الحاصل في بعض المواد».

تعليم مهني ناجح

مهنيتان في حاصبيا واحدة خاصة، والثانية رسمية فتحت أبوابها منذ ست سنوات، زاد طلابها على 300، بحيث تستقطب أعداداً إضافية سنة بعد أخرى، كما يشير مديرها رفيق نجاد، نظراً للنتائج المميزة التي تحصدها سنويا في الامتحانات الرسمية، والتي تتراوح بين 94 و100 في المئة، فكانت في العام الحالي من المهنيات الأولى في لبنان. وشكا نجاد من نقص في بعض التجهيزات المطلوبة للمهنية، مثل مصانع ومختبرات وما شابه، وما حصلت عليه المهنية في هذا الإطار كان نتيجة لمبادرات بعض الجهات والجمعيات والمؤسسات المحلية والأجنبية، لافتاً إلى التعاون القائم بين المهنية و«منظمة العمل الدولية» للتدريب المهني السريع، حيث تكون دورة لعدة اشهر يتمكن خلالها الطالب من الحصول على شهادة مصدقة من المنظمة ووزارة التربية، تمكن الطالب من الحصول على عدة عمل كاملة في الاختصاص الذي اختاره، وتلك الاختصاصات تشمل التمديدات الصحية والكهربائية، والدهان، وصناعة الألمنيوم. وشدد نجاد على ضرورة تمييز وزارة التربية بين المهنيات في القرى النائية ومثيلاتها في المدن، وذلك عبر تعديل بعض القرارات، ومنها مثلاً ضرورة تسجيل 12 طالباً لفتح صف جديد، بدلاً من 10 طلاب، كذلك بالنسبة للسنة الثانية فكان بإمكاننا فتح صف بخمسة طلاب في حين أن القرار الجديد يلزم بوجود ثمانية طلاب، «ومثل ذلك العدد غير متوفر في معظم مهنيات المناطق النائية، كذلك فإن ذلك القرار سيضطرنا إلى إقفال 4 او 5 صفوف وبالتالي الاستغناء عن عدد كبير من المدرسين».

تعليقات: