تجربة جديدة لنساء لبنان بعد سويسرا... و«الحبل عالجرّار»

تعملان وسط المادة الملتهبة
تعملان وسط المادة الملتهبة


تجربة جديدة لنساء لبنان بعد سويسرا... و«الحبل عالجرّار»

اللبنانية أول إمراة عربية تقتحم المادة المشتعلة وتدير محطة محروقات في صيدا

العاملات: - عملنا شريف وليس هناك ما نخجل منه الزبائن: - ألمرأة التي تدير بلاداً بأكملها وتقلب أنظمة ليس مستغرباً عليها أن تعمل في محطة للوقود

أن تشعل المرأة قلوب الرجال فهذا أمر عادي ومعروف لكن أن تشتغل وسط المادة الملتهبة فهو أمر جديد واستثنائي. صحيح أن المرأة اللبنانية اقتحمت ميادين العمل والمجالات كافة واستطاعت أن تثبت نفسها وجدارتها وأن تتبوأ أعلى المراكز، لكنها بقيت حذرة من الدخول في الأعمال الخشنة التي طالما كانت حكراً على الرجل.

... لكن ها هي في صيدا تفعل الشيء الذي لا يتصوره البعض، وتلعب لعبة الرجال بجدارة، فتصطاد السيارات بخراطيم البنزين، وتقف أمام إحدى محطات المحروقات في المدينة لتقول: «نحن هنا».

حركة دائمة تعيشها محطة الفتيات ورغبة متزايدة من الزبائن في ارتيادها بعد مرحلة من دهشة المفاجأة.

إنها تجربة جديدة، ومع كل تجربة تحصل الصعوبات والمفارقات لكن تصميمهن كان أقوى فنجح المشروع بإرادة الفتيات اللواتي اقتحمن هذا الميدان لإثبات قدرة المرأة اللبنانية على العمل في كل الحقول والظروف.

الفكرة ولدت من مشاهدة أحد رجال الأعمال لهذه التجربة في سويسرا منذ أكثر من سنة، أما الترجمة فجاءت بتعاون الجميع.. وها هي تستمر بنجاح لتفتح الآفاق إلى تجربة نسائية أخرى بإسم اللبنانيات.

«اللــــــواء» كما كانت دائماً داعمة لمسيرة المرأة، في كل مجال اقتحمته، توجهت إلى صيدا للتعرف على القيمين على محطة الوقود هذه ولقاء الفتيات اللواتي يقمن بهذه التجربة.

دقدوق:لا فرق بين رجل

وامرأة

< اللقاء الأول كان مع مديرة محطة الوقود و«السوبر- ماركت» سمر دقدوق التي تمنت أن تساهم هذه المبادرة في تحسين وضع المرأة في المجتمع اللبناني، تقول: «المبادرة بدأت بفكرة لرجل الأعمال مرعي أبو مرعي الذي كان قد شاهد محطة تديرها مجموعة من السيدات، وذلك أثناء سفره مع زوجته إلى سويسرا، فأراد أن يترجمها على الفور في لبنان.

المحطة بدأت عملها في صيدا منذ عام تقريبا، وقد لجأنا إلى زيادة عدد العاملات فيها بعد أن لمسنا استحسانا لدى الزبائن، حيث بات عددهن اليوم 12 امرأة. وفي هذا المجال، لا بد من أن ألفت إلى أننا محطة الوقود الأولى في العالم العربي التي يعمل فيها طاقم من الفتيات».

وعن الخدمات التي تقدمها المحطة، تقول دقدوق: «نحن نقدم نفس الخدمات التي تقدمها محطات الوقود الأخرى، بالإضافة إلى مستوى راق من التعامل مع الزبائن. كما أننا حاليا ندرب عدد منهن للعمل أيضا في مغسل السيارات، بينما ندرب أخريات على كيفية القيام بغيار الزيت».

تضيف دقدوق: «نأمل أن تكون هذه الخطوة تمهيدية كي يكون هناك فروع أخرى لمحطتنا في مختلف المناطق في لبنان، وخصوصا أن هذه المبادرة حصدت النجاح ونالت رضى جميع الزبائن لتؤكد مجددا بأنه باستطاعة المرأة أن تثبت جدارتها في مختلف المجالات وأن لا فرق بين رجل وامرأة».

سمورة: استمرينا فيما بدأناه

< المساعد الإداري في المحطة محمد سمورة بدوره تحدث عن الإنطباع الأوّلي للزبائن، يقول: «في البداية لمسنا استغرابا من قبل العديد من الزبائن إلا أننا لم نأخذ المسألة بعين الإعتبار واستمرينا فيما بدأناه. والحمد لله أن الناس عادت وتقبّلت هذه المبادرة، بل أصبحوا يقصدوننا خصيصا نظرا للخدمة الممتازة التي تقدمها السيدات ولا سيما أنه من المعروف أن المرأة ما استلمت يوما عملا إلا ونجحت فيه وتميّزت. هذا بالإضافة، إلى أن المحطة متكاملة أي أن الزبون لدى مجيئه لتعبئة البنزين بإمكانه أيضا أن يشتري احتياجاته من «السوبر- ماركت» المتواجدة داخل المحطة. واللافت أن العديد من الرجال باتوا يرسلون زوجاتهن إلى المحطة لأنهم يطمئنون بأن العاملات فيها جميعهن من السيدات».

وعما إذا كان هناك من تفرقة في العمل ما بين االعاملين والعاملات، يقول سمورة: «المعاملة هي نفسها لجميع العاملين في المحطة لكننا أحيانا عندما نلحظ أن العمل بات ضاغطا بعض الشيء نحاول أن نريح العاملات لدينا، فنحن بالنهاية نشعر معهن وندللهن قدر الإمكان لأنهن بمثابة أخواتنا».

عن هذه التجربة، يقول سمورة: «الحقيقة أنني من خلال العمل لمست نوعا آخر من الفتيات، فتيات يعملن بجهد وبإصرار بهدف تأمين مستلزماتهم واحتياجاتهم لإكمال الدراسة، دون أن يهتموا «بالقيل والقال»، كما أنهن سعداء لأنهن يقمن بالتغيير وبفتح مجال جديد للعمل أمام الفتيات».

ماذا تقول العاملات؟

ليس هناك ما نخجل منه

< آية خيري بك تعمل في المحطة منذ شهرين فقط ، تقول: «بيتي بالقرب من المحطة وما إن بدأ العمل فيها، أصبحت أشاهد الفتيات يوميا إلى أن توجهت للمحطة في أحد الأيام بهدف العمل، وخصوصا أن الفكرة أعجبتني كثيرا.

أما بالنسبة للأهل فهم لم يعارضوا إطلاقا وخصوصا أن ما نقوم به هو عمل شريف، وبالتالي ليس هناك ما نخجل منه. وصدقيني أن هذا العمل أضاف الكثير إلى شخصيتي وجعلها أقوى بكثير، ولا سيما أن انطباع الزبائن كان جيدا جدا».

آية تضيف وهي تبتسم إلى أنها في البداية وجدت صعوبة في مسألة حمل الخرطوم لتعبئة البنزين لكن شيئا فشيئا تمكنت من ذلك، وهي على أتم الإستعداد للقيام بأي عمل يطلب منها في المستقبل سواء القيام بغسل السيارات أو تغيير الزيت، كما أنها تشجع الفتيات للعمل في هذا المجال دون أي تردد».

كذلك، التقينا إحدى العاملات في المحطة التي تمنت علينا عدم التقاط صورة لها أو ذكر اسمها وذلك لأسباب شخصية ولا تمت للعمل بأية صلة، تقول: «الحقيقة أنني عندما لم أوفق بإيجاد عمل قررت أن أعمل في المحطة، وقد بدأت منذ أسبوعين فقط وما شجعني على ذلك رؤيتي للفتيات يعملن بكل سعادة وراحة، لأن الجو السائد في المحطة جو عائلي بامتياز، بالإضافة إلى أن غالبية العاملين هم من الفتيات مما يفرض انسجاما فيما بيننا. وبما أنني ما زلت أتخصص في دراسة الأشعة فقد أحببت أن أخصص وقتا للعمل وآخر للدراسة، وذلك كي أتحمل بنفسي متطلبات الجامعة أو الحد الأدنى من مستلزماتها، ولا سيما أن دوام العمل يساعدني على ذلك (8 ساعات) فأنا أعمل منذ السابعة حتى الثالثة بعد الظهر.

كما أنني أردت من خلال هذه التجربة أن أؤكد أن المرأة باستطاعتها أيضا خوض هذا المجال والنجاح به كما هو حال الرجل».

< فاطمة حمية تعمل بدورها في المحطة منذ 8 أشهر وهي سعيدة جدا بخوض هذه التجربة، تقول: «منذ بدأت العمل لم أجد أية صعوبة وشعرت كأنني خلقت لهذا العمل ولا سيما أنه يبقيني على تواصل دائم مع الناس. هذا بالإضافة إلى أنه يعرّفنا على أنماط مختلفة منهم». تضيف : «طبعا يجب أن نستوعب الناس دوما، فمنهم من يأتي وهو على عجلة من أمره بينما يأتي آخر وهو في أقصى درجات تعصيبه، وآخر في أحلى حالاته. باختصار في اليوم الواحد يمر علينا زبائن من مختلف الأنماط وعلينا أن نبتسم ونتحلى بالصبر. أحيانا يتفاجأ بعض الزبائن لدى وصوله إلى المحطة كوننا نساء لكنه سرعان ما يعتاد على الوضع ليعود ويأتي مجددا لنعبىء له البنزين.

أنا سعيدة جدا بالعمل وأهيىء نفسي منذ اليوم للعمل في غيار الزيت وغسيل السيارات».

< دانيا قبلاوي تعمل في «السوبر - ماركت» الخاص بمحطة البنزين وهي مسؤولة عن صندوق الشراء، تقول: «منذ افتتاح المحطة وأنا أعمل هنا وطبعا إنني سعيدة للغاية كون غالبية العاملين هم من النساء مما يخلق جوا من الألفة والإنسجام بيننا الأمر الذي ينعكس إيجابا على سير العمل في المحطة».

«صدقيني إقبال الزبائن رائع ولا سيما بين صفوف السيدات اللواتي أصبحن يرتحن أكثر سواء في تعبئة البنزين أو شراء حاجياتهن .نأمل أن يتطور المشروع أكثر فأكثر كي نتمكن من نشر هذه الخطوة في العديد من المناطق اللبنانية لا أن تبقى المسألة محصورة بمحطة واحدة، لنتمكن بالتالي من أن نؤكد بأن لا فرق هناك بين رجل وامرأة لنحقق المساواة ونطبقها فعليا لا أن نكتفي فقط بإطلاق النظريات».

آراء الزبائن؟

العمل للجميع.. والله يحب الجمال

< الدكتور محمد كجك استوقفناه وهو يملأ خزان السيارة بالبنزين، عن هذه المبادرة يقول: «أنا لا أستغرب عمل هؤلاء الفتيات داخل المحطة إطلاقا طالما أن عملهن يبقى ضمن الأصول والقوانين والقواعد الأخلاقية، فالمرأة اللبنانية استطاعت أن تتبوأ أهم المناصب سواء السياسية أو النقابية أو الإجتماعية. هذا عداك عن النساء اللواتي أشعلن الثورات في عالمنا العربي وقلبنا الأنظمة وأجرينا التغيير، لذلك انا لا أستغرب أن تقوم المرأة بإدارة محطة للبنزين وهي التي تدير بلادا بأكملها.

باختصار، أنا أشجع كل فتاة على خوض غمار العمل الذي تراه مناسبا لها فليس هناك من عمل للمرأة وآخر للرجل فالعمل هو العمل للجميع شرط أن يكون عملا نزيها وشريفا».

< أحمد عاصي هو أحد الزبائن الذي اعتاد أن يمر أسبوعيا لتعبئة البنزين من المحطة، يقول: «أعتبر بأن المرأة باستطاعتها أن تعمل مثلها مثل الشاب تماما لذلك انا أرحب بهذه الخطوة ولا سيما أنها تضفي عنصرا جديدا في هذا المجال، وبالتالي هي ترجمة حقيقية للمساواة بين الرجل والمرأة.

أما بالنسبة لبعض الأشخاص الذين ربما لا يرحبون بهذا العمل للفتيات فأنا أقول لهم بأن هذا العمل هو كبقية الأعمال التي تعمل فيها الفتيات فكما نجد الفتيات في المقاهي والمطاعم باستطاعتنا أن نجدهن أيضا في محطات البنزين، والفتاة المحترمة باستطاعتها أن تفرض احترامها في أي عمل تقوم به».

< محمد جواد يعمل في مجال نقل البنزين إلى المحطات منذ 25 سنة وهذه هي المرة الأولى التي يشاهد فيها فتيات يعملن داخل محطة للبنزين، إلا أنه سعيد بهذه المبادرة وخصوصا أن حركة المبيع حققت ازديادا ملحوظا، يقول: «الفتاة اليوم مثل الشاب تبحث عن العمل لتؤمن احتياجاتها ومصروفها الشخصي وطالما ليس هناك ما يعيب في هذا العمل فأنا لا أرى أي ضرر من عملها لأن هذا العمل هو عمل شريف.

جميع الشباب يبحثن عن فرص للعمل، وبالتالي هذه المحطة تشكر لأنها فتحت أبوابها لهؤلاء الفتيات ويا ليتنا نتمكن من أن نفتتح المزيد من هذه المشاريع ولا سيما في المناطق البعيدة عن العاصمة لنؤمّن المزيد من فرص العمل لشبابنا وشاباتنا خصوصا في ظل الظروف المعيشية الصعبة».

< نسيم عبد الغني سائق تاكسي منذ سنوات وسنوات، إلا أنها المرة الأولى التي يشاهد فيها فتيات تعملن في محطة للبنزين، يقول: «بحكم عملي أنا سعيد جدا بهذه الخطوة، فبدلا من أن نتصبح يوميا بوجه ذكوري بات بإمكاننا أن ننطلق إلى العمل من خلال ابتسامة هؤلاء الفتيات اللواتي نعتبرهن بمثابة أخواتنا وبناتنا.

فالله جميل ويحب الجمال، وإن شاء الله توفق هذه الفتيات في عملهن لأنهن يستحقن ذلك عن جدارة نظرا لشجاعتهن وإقدامهن على خوض هذه التجربة، ولا سيما أنها الأولى من نوعها».

< محمد عباس أحد زبائن المحطة، يقول: «نحن نرحب بكل مبادرة تتيح المجال أمام المرأة وتفتح لها المزيد من فرص العمل لأنه لا يجوز أن تبقى المرأة رهينة المنزل «والطبخ والنفخ»، فهي يحق لها أيضا أن تأخذ دورها الطبيعي في المجتمع. لذلك هذه الخطوة نقدرها جدا ونعتبرها إيجابية للغاية».

< بدوره باسل شحادة أشاد بهذه الخطوة واعتبر بأنها تدل على تطور كبير، يقول: «هذه الخطوة هامة جدا وهي إن دلت على شيء فهي تدل على أن لبنان كان وسيبقى دوما سباقا في تقديم كل ما هو جديد وله وجه حضاري. باعتقادي أن هذه المبادرة هي الأولى من نوعها في البلاد العربية ونحن ندعمها ونتمنى لها النجاح وأن تحقق المزيد من الإنتشار».

< ختاما التقينا هيثم الحصري الذي اعتبر عمل الفتيات في المحطة إنجازا هاما جدا، يقول: «لا يسعني إلا أن أشيد بعمل هؤلاء الفتيات ولا سيما أننا لم نلحظ أي تراجع يذكر في الخدمة بل على العكس فقد لمسنا تحسنا ملموسا ربما لأن المرأة بطبيعتها صبورة أكثر وتحب الكمال في كل عمل تقوم به.

نحن نحيي القيمين على هذا المشروع كونهم قدموا المزيد من فرص العمل أمام شبابنا، ونحن إن نطالب نأمل بتقديم المزيد من هذه المشاريع لتأمين فرص عمل أوسع لشبابنا».

بقلم سمار الترك

تعليقات: