البرامج الجنسية عبر الشاشات: بين شلل الرقابة وفوضى طفرتها

الطبيب النسائي لبيب غلمية والاختصاصية في الصحة الجنسية ساندرين عطالله يقدمان «لازم تعرف»
الطبيب النسائي لبيب غلمية والاختصاصية في الصحة الجنسية ساندرين عطالله يقدمان «لازم تعرف»


إثارة أم معلومات علمية؟

على مدى الشهرين الماضيين وفي شكل غير مسبوق، ضجت الساحة الإعلامية بتكرار مشهد لعبة «العصا والجزرة» بين الهيئة الرقابية الإعلامية الممثلة بـ«المجلس الوطني للإعلام»، وبعض وسائل الإعلام، لجهة خرق الأخيرة قانون المرئي والمسموع، لا سيما قانون 382/94 الذي ينص على «عدم بث أفلام برامج تتسم بالعنف والتشويق الجنسي قبل العاشرة والنصف ليلاً، وعدم الترويج لهذه الأفلام والبرامج قبل الساعة التاسعة والنصف ليلاً».

هذه البرامج التي انتشرت باطّراد في الآونة الأخيرة، والتي تتحدث بالتحديد عن المواضيع الجنسية، وتفرد ساعات لمعالجتها، يُطرح حولها عدة علامات استفهام ابرزها: ما مرد كل هذه الطفرة اليوم؟ أهي «الحرية» الإعلامية أم السعي لكسب جمهور أكبر، خاصة لجهة اللعب على الغرائز؟ وبالتالي من يستطيع تقييم المادة المقدمة لجهة صدق المضمون، على الرغم من تقديمها من قبل أطباء اختصاصيين في الجنس؟ وماذا عن الرقابة، أكانت ذاتية أم مفروضة، وقدرتها على التفلت من براثن أهل السياسة والمؤسسات الإعلامية؟

الإثارة لكسب الجمهور

يتفق كل من رئيس قسم الصحافة في الجامعة اللبنانية (الفرع الثاني) الدكتور جورج صدقة وعضو «المجلس الوطني للإعلام» غالب قنديل على توصيف طفرة البرامج التي تتناول المواضيع الجنسية على الشاشات المحلية بأنها حاجة المؤسسات الإعلامية إلى استخدام الإثارة من أجل جذب أكبر عدد من المشاهدين. فيقول صدقة صاحب كتاب «الأخلاق الإعلامية بين المبادىء والواقع» لـ«السفير»: «إن المشكلة الأساس عند هذه المؤسسات تكمن في تحصيل التمويل الذي غالباً ما يأتي من الخارج ومن الإعلانات عبر بث برامج هزلية أو أخرى ذات خلفية جنسية، خاصة في ظل المنافسة الحادة مع انتشار الفضائيات والإنترنت».

بدوره يربط قنديل هذه الظاهرة بتحقيق العائدات الإعلانية التي حصدتها قبلاً البرامج الترفيهية التي تتناول النكات الجنسية، وقد استكملته اليوم برامج «التثقيف الجنسي». فبرأيه الهدف الأساسي هو تجاري «بمعنى توسل الإثارة في خدمة التجارة، وليس هناك رسالة إعلامية من حيث المبدأ».

في المقابل، يرى الاختصاصي في الإرشاد والتوجيه الزوجي والعائلي الدكتور رائد محسن أن التثقيف الجنسي عبر الإعلام «صحي جداً، ويتوخى استخدام الألفاظ المناسبة، ويقدم المعلومات العلمية الصحيحة ويبث في أوقات ملائمة»، مؤكداً أن لا مجال لإعطاء معلومات خاطئة أو مغلوطة من قبل الاختصاصيين «لأن ذلك يعرّض سمعة البرنامج وبالتالي المحطة للخطر، خاصة أن كل ما يقدم هو للعامة». ويوجّه محسن نقداً للبرامج التي «تتكل» على الشهادات الحية وأصحاب التجارب، إذ يرى فيها «حشواً إعلامياً لا لزوم له»، والذي يندرج ضمن خانة «التشويق الإعلامي» للحلقة. كما ينتقد طفرة هذه البرامج واستهلاك القنوات للأفكار عينها واتكالها على الجنس فقط لأنه «يبيع»، قائلاً إن هناك قضايا أخطر في المجتمع وتستحق الإضاءة عليها.

خرق القانون وأهمية الرقابة

اشترك عدد من المحطات التلفزيونية اللبنانية في خرق قانون المرئي والمسموع 382/94 المتحدث عن ضوابط ساعات البث والترويج، وضرورة وضع شارة تحذر من أن هذه البرامج مخصصة للكبار فقط. في هذا المجال، يلفت قنديل الى أن المجلس شرّح الحلقات التي طلبها، من برامج «أحمر بالخط العريض» و«لازم تعرف» اللذين تبثهما «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، و«سيرة وانفتحت» الذي يعرض على شاشة «المستقبل»، و«لول» الذي تقدّمة محطة «أو.تي.في»، و«للنشر» الذي تبثه قناة «الجديد»، وأوصى بضرورة تقيّد المؤسسات الإعلامية بأحكام القانون. لكن المحطات لم تمتثل للتوصية، لأنه برأيه، النهج مستمر منذ العام 1996 «بمحاباة ومسايرة» وسائل الإعلام مع انعدام وجود قرار سياسي بتطبيق القانون. وأكّد قنديل على التواطؤ بين هذه المؤسسات والسلطة السياسية على عدم الخضوع للقانون، بالإضافة الى وقوع «المجلس الوطني للإعلام» تحت «إرهاب» الطبقة السياسية الحاكمة.

من ناحية أخرى، يقرّ صدقة بأن الرقابة مخيفة بالمبدأ، وكل حرية إعلامية تستوجب مسؤولية، لافتاً الى أن المحطات التلفزيونية اليوم لا تستطيع تقييم أدائها بل تحتاج الى هيئة خارجية قادرة على تحديد قدر استخدام هذه الحرية. والخطر الأكبر برأيه يكمن في اتباع وسائل الإعلام نمط البرامج الذي «يقولب» الجمهور ويملي عليه أموراً تصب في مصلحتها السياسية أو الفكرية، مؤيداً القول بضرورة إعادة النظر بالتراخيص وبكشف حجم التمويل الخارجي لهذه القنوات.

المجتمع في خطر؟

من أهم المبادئ الإعلامية بحسب صدقة، تساؤل الإعلامي أو المعدّ أو صاحب البرنامج إن كانت كل معلومة يقدمها تخدم المصلحة العامة أم لا. فيرى في هذه البرامج استغلالاً ولعباً على الغرائز «تحت غطاء الثقافة والتعليم، ونسفاً لأسس المجتمع، وتغييراً للقيم اللبنانية السائدة واستبدالها بأخرى». مستطرداً بالقول إن الجمهور اللبناني بغالبيته يهرب من المحطات المحلية الى تلك الأجنبية لعدم توفر ما يشبع فكره، خاصة لجهة «القحط» الموجود في البرامج الثقافية الغائبة بسبب عدم استقطابها للجمهور.

من جهته يرى قنديل أن هذه البرامج تصنف ضمن خانة الغش وليس الإعلام لأنها «لا تقدم شرحاً علمياً ولا منهجية متبعة بل أسلوبا إعلاميا سطحيا وخفيفا». ويردف «اليوم نعيش الفوضى، والحرية ليست بخطر، بل الخطر يكمن في «الفلتان» الإعلامي في مقاربة المواضيع الاجتماعية المطروحة».

أما محسن فيؤكد أن الشبكة العنكبوتية تعّد أخطر بمرات من البرامج التلفزيونية التي تتناول الجنس لأن كثيراً من هذه المواقع تقدم معلومات مغلوطة وخاطئة، وليس هناك بالتالي محاسبة لها. وهو يعتبر أن تلك البرامج تعمل في المقابل على «تصحيح هذه المعلومات». وهو ينتقد في هذا المجال عدم إلمام مقدمي بعض البرامج بالثقافة الجنسية المطلوبة لإدارة حلقة تلفزيونية. فبرأيه الذي يتحدث عن الجنس في الإعلام «يجب عليه ان لا يلبس قفازات ويجب أن يكون مرتاحاً مع ذاته في التقديم واستخدام المصطلحات وتعريب الأجنبي منها بغية إيصال الرسالة». ويلفت محسن أخيراً الى أن «إثارة المواضيع الجنسية في الإعلام حالة صحية، لكن كثرتها تحوّلها إلى حالة تسويقية».

تعليقات: