ثمن السلطة


التحدي الاكبر الذي يواجهه الاسلاميون اليوم في مصر هو السلطة لأن الاسلاميين هم اليوم في موقع مختلف عن السابق فهم في السلطة ويمسكون بزمامها، بينما كانوا سابقا على الجانب الآخر يعارضون احيانا ويتعاونون باشكال متعددة مع اركان النظام السابق.

وتؤشر مواقف عديدة لهم على انهم ينحون الى ترك المعتقدات والمبادئ جانبا والعمل ببراغماتية وواقعية سياسية لان السلطة تتطلب ذلك وهي حلمهم التاريخي الذي يفتدونه بكل غال ونفيس.

ومن الواضح ان السياسة التبريرية ستكون حاضرة بقوة لان السلطة مغرية والتغاضي عن بعض الأمور ليست مشكلة حتى وان كانت الحدود بين التغاضي والتبرير غير واضحة.

لقد كان الشيخ حسن البنا مؤسس الاخوان المسلمين رجلا عمليا، حيث كان مشهورا بصيحاته المتكررة لاتباعه: «كونوا عمليين لا جدليين».

وقد بذل الشيخ البنا جهدا مضنيا للتأثير على الملك الشاب فاروق الذي وجده أفضل من سلفه، وحاول احتواءه. بل لم يستبعد البنا - في إحدى المقابلات - أن يعينه فاروق رئيسا للوزراء، ويتبنى برنامجه السياسي.

ويحاول الاسلاميون في مصر تحت اي عنوان قدموا فيه انفسهم «سلفيون او اخوان» إيجاد موطئ قدم لهم في المعترك السياسي، وقد تجلى ذلك في التفاعل مع السلطة السابقة باشكال مختلفة.

فخاضت حركة الإخوان في مصر انتخابات مجلس الشعب في الثمانينات تحت مظلة «حزب الوفد الجديد»، ثم تحت راية «حزب العمل الاشتراكي» فيما بعد. ومن ثم شكلت حضورا قويا في المجلس تحت عنوان كتلة الاخوان المسلمين على الرغم من الحظر المفروض على الجماعة.

ومهما يكن من أمر، فإن موضوع علاقة الإخوان المسلمين او السلفيين بالسلطة سيكتسب أهمية أكبر في المرحلة الحالية لان الاسلاميين حققوا حلمهم وامسكوا بها بعد انتظار دام 83 عاماً وتحديدا بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين التي ترى حاليا أن هناك فرصة أن تكون محوراً لنظام الحكم في مصر.

ويقول خبراء انه من المرجح أن يواصل الإخوان المسلمون اتباع طريقة حذرة على أمل تبديد مخاوف في الداخل والخارج بشأن رؤيتهم المستقبلية لمصر.

ومع ان شعار جماعة الإخوان المسلمين «الإسلام هو الحل»، الا انها تتحدث باللغة ذاتها التي يتحدث بها إصلاحيون آخرون عندما يتعلق الأمر بالحاجة للديمقراطية واستقلال القضاء والعدالة الاجتماعية.

ويقول عصام العريان، وهو من قيادات الإخوان، «حان الوقت أن نبني دولة حديثة، دولة قانون حديثة، دولة ديمقراطية».

ولكن وصول الاسلاميين للسلطة يثير قلقا لدى البعض من عدم انسجامهم بين الممارسة والشعارات التي يرفعونها بحيث يرى الدكتور كمال حبيب، المتخصص بشؤون الحركات الاسلامية بان الاسلاميين ليسوا مؤهلين للحكم».ويقول هذه مسألة تُـثير الخوْف والقلَـق معا، لأن الإسلاميين كقُـوة معارضة، أثبتوا نجاحا، لكنهم كقوة في الحُـكم، فإن الأمر لا يزال يُـثير الخوْف والقلَـق معا، وهنا، فنحن أمام تحدٍّ كبير جدا وسؤالٍ صعْـب: هل سيستطيع الإسلاميون في مصر أن يعملوا كقوّة في الحكم؟.». ويجيب قائلا: «أعتقد أن الإسلاميين ليسوا مؤهَّـلين للحُـكم، وسيكون اختبارا صعبا أن يحكموا هُـم، وهو ما يُـثير الخوف والقلق «.. معتبرا أن «فكرة أن يكون لدى الإسلاميين قُـدُرات على تجاوُز العقْـل التنظيمي، القادر على إدارة الجماعة، إلى العقل العام القادِر على إدارة الدولة، هو المُـشكل الرئيسي الذي سيقِـف عائقا أمام نجاحهم في إدارة شؤون مصر».

ولا يقف الارتباك في موقف الاسلاميين عند الوضع الداخلي وانما تعداه الى الثوابت الوطنية والاسلامية والقضية المركزية فلسطين فالاخوان والسلفيون لديهم تبريرهم حول العلاقة مع اسرائيل واتفاقية كامب ديفيد.

فقد اكد الأمين العام لحزب الحرية والعدالة رئيس مجلس الشعب حاليا الدكتور محمد سعيد الكتاتني احترام الحزب للاتفاقيات الدولية ومن بينها «كامب ديفيد» التي وقعتها بلاده مع اسرائيل، مبرراً ذلك بأن مصر دولة كبيرة ولها تاريخ عريق وتلعب دورا هاما في القضايا العربية والإسلامية والدولية.

وبعد ذلك بأيام نشرت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية نقلاً عن جيفري فيلتمان كبير مستشاري وزيرة الخارجية الأمريكية، أن جماعة الإخوان أبلغته «تفهمها لأهمية الحفاظ على معاهدة السلام».

اما القيادي عصام العريان فيقول أرى أن نتعامل مع الأمر «بواقعية» فأي حكومة منتخبة تصل للحكم لابد أن تعترف بكافة المعاهدات الدولية، ومن ضمنها كامب ديفيد الموقعة مع إسرائيل 1978، وهو ما تم الاتفاق عليه داخل الجماعة ولكن بعد ذلك تحاول استخدام آليات الدستور وتقوم بعمل استفتاء شعبي وقرار من البرلمان لإلغاء المعاهدة».

في مقابل ذلك هناك انفتاح امريكي على الاسلاميين وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بـ «قبول أمريكي وثقة تدريجية بوعود الاخوان المسلمين المتعلقة بإرساء الديموقراطية، واحترام الحريات الفردية وفتح السوق والالتزام بالمعاهدات الدولية بما فيها معاهدة السلام مع إسرائيل».

وتشير «التايمز» إلى أن انفتاح الادارة الامريكية على إسلاميي مصر هو نموذج قد يعتمد مع كل الاحزاب الاسلامية التي بدأت تتسلم الحكم في أكثر من بلد عربي.

اما بالنسبة للسلفيين وهم اقل تأثيرا على الساحة المصرية من الاخوان فأنّ القلق من صعودهم، يكمن في أنّ حركتهم «مجموعات متفرّقة ليس لها رأس أو قائد واحد»’ ومن بينها حزب النور السلفي الذي يتبنى صورة «أكثر صرامة» في تفسيره للإسلام ويهدف إلى الانتقال التدريجي إلى الحكم بالشريعة. ويرى فريق في ائتلاف شباب الثّورة أنّ السلفيّين «صناعة النّظام السّابق»، ووجودهم في السّاحة السياسيّة يهدّد التّحوّل الدّيمقراطيّ، بسبب مرجعيّتهم «المتشدّدة».

اما الدكتور يسرى حماد، المتحدث الإعلامي باسم حزب النور السلفى فيقول، إن حزبه ينادى جميع التيارات السياسية داخل مجلس الشعب للمشاركة فى إعداد الدستور، لعدم احتكار تيار بعينه لذلك.

وأضاف لـ«المصرى اليوم»: ان «حزب النور» سينسق فى البرلمان مع الأحزاب التى تسعى إلى تحقيق مصالح الناس دون النظر إلى انتماءاتها.

وأوضح أن حزب النور له مطالب معينة في تأسيس الدستور، أهمها أن يكون نظام الدولة برلمانياً وليس رئاسياً لأننا نرفض أن يسيطر مرة أخرى شخص واحد على جميع سلطات الدولة، وهدفنا تاسيس دولة الحريات فيها مكفولة للجميع».

مشددا على أن الحزب سيطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية تدريجيا بما لا يخل بنظام الدولة.

وبالنظر إلى برنامج «حزب النور» بخصوص الموقف من الأقباط يشير الى ان الشريعة الشرط الحاكم لكل شيء، بما في ذلك الحرية الدينية للأقباط.

اما بالنسبة الى الموقف من اسرائيل فقد سربت صحيفة «هاآرتس» الاسرائيلية خبراً مفاده أن السفير الإسرائيلي الجديد في القاهرة يعقوب أميتاي تلقى توجيهات من مسؤوليه بالعمل على إقامة اتصال مع قادة الحركات الإسلامية، وهذه الاتصالات جرت سراً وأضافت ان «إسرائيل بدأت تتفهم وتسلم بالواقع الجديد، وهو أن الإسلاميين سيكونون على قمة الهرم التشريعي في مصر، وبالتالي فهي تريد استبدال لغة التهديد والوعيد بلغة الحوار». وكان الدكتور عماد عبدالغفور رئيس حزب النور قال في تصريحات إعلامية سابقة «إنه يجب احترام المعاهدات التي ترتبط بها مصر وأن نطلب تفعليها، فهناك بنود كثيرة في معاهدة السلام لم يتم تفعيلها». ونسب موقع حزب النور لرئيسه عبدالغفور قوله: «لا حوار مع إسرائيل إلا من خلال وزارة الخارجية».

حسين عبدالله - الخيام / كاتب لبناني

Hussein.abdallah@live.com

تعليقات: