رحلة موسى علي موسى مع الموساد: قدّم لائحة مفصّلة بأسماء مسؤولي الحزب

 لا يميّز الخائن بين قريب وغريب، وتوصله قدرته الفائقة على ممارسة الدناءة بأعلى تجلّياتها، إلى بيع أهالي بلدته في سبيل نيل حفنة من الدولار
لا يميّز الخائن بين قريب وغريب، وتوصله قدرته الفائقة على ممارسة الدناءة بأعلى تجلّياتها، إلى بيع أهالي بلدته في سبيل نيل حفنة من الدولار


... موسى علي موسى رهن نفسه لمحرّكين أمنيين سابقين في جهاز أمن ميليشيا أنطوان لحد من بلدته الخيام، وقام بمراقبة حركة المقاومين هناك وفي القرى المجاورة وصولاً إلى المشاركة بفاعلية في حرب تموز من خلال إسعاف "الموساد" الإسرائيلي بجملة معلومات تعينه على التخلّص من الأفخاخ التي نصبتها المقاومة الإسلامية لجنوده في غير منطقة وبقعة وقطعة أرض، وكانت النتيجة أن خرج العدوّ مذلولاً وخرج موسى برتبة عميل نهايته الإعدام.

ففي أوّل حكم للمحكمة العسكرية الدائمة في عهد رئيسها الجديد العميد الطيّار خليل إبراهيم وعضوية المستشار المدني القاضي حسن شحرور، أصدرت يوم الجمعة في 24 شباط/فبراير حكمها بحقّ أحد أقدم العملاء الموقوف موسى وقضى بالإعدام بصورة وجاهية، فيما حظي العميلان الفاران علي محمّد سويد وأحمد حسين عبد الله بالإعدام غيابياً وجاءت حيثيات الحكم على الشكل التالي:

وحيث تبيّن بالاعترافات والأدلّة المبيّنة في ملف الدعوى الحاضرة إقدام المتهم موسى علي موسى على التعامل مع العدوّ الإسرائيلي منذ العام 1977 تاريخ دخوله إلى الأراضي المحتلة حيث خضع لدورة عسكرية لمدّة خمسة وعشرين يوماً تدرّب خلالها على كيفية استخدام السلاح عاد بعدها إلى بلده الخيام.

وحيث تبيّن أنّ المتهم التقى خلال العام 1988 بالمتهمّين علي محمّد سويد وأحمد حسين عبد الله اللذين أقنعاه بإعادة التعامل مع مخابرات العدوّ الإسرائيلي، فوافق على ذلك واجتمع مع أحد ضبّاط هذه المخابرات ويدعى "عامي" الذي طلب منه العمل معه وأعطاه مبلغاً مقداره خمسمئة دولار أميركي.

وحيث أنّ المتهم وعلى أثر التحرير في العام 2000 أصبح يتواصل مع مشغليه عبر الهواتف الخليوية وقد زوّده "الموساد" الإسرائيلي بشريحة خطّ هاتف إسرائيلي "أورانج"، وذلك خلال العام 2002، كما زوّده بشريحة أخرى في العام 2004، وقد بيّنت الدراسة الفنّية للوائح اتصالات المتهم أنّه كان يتواصل هاتفياً من العام 2002 ولغاية العام 2010 مع أرقام دولية مشبوهة(ألمانيا – بريطانيا) يستخدمها "الموساد" الإسرائيلي للتواصل مع عملائه.

وحيث تبيّن أنّ المتهم موسى علي موسى قد زوّد مشغّليه بناء لطلبهم وهو على بيّنة من أمره بأسماء مسؤولين في المقاومة وأنواع سيّاراتهم التي يستخدمونها، وأماكن سكنهم، كما زوّدهم بمعلومات عن مراكز تابعة لحزب الله في بلدات الخيام- دبين- بلاط- حلتا- كفرشوبا- شبعا- الماري والمجيدية، وعن ناقلات الشحن الخارجي القادمة من منطقة المصنع إلى جنوب لبنان، كما زوّدهم خلال العام 2003 بمعلومات عن قيام عناصر المقاومة بتمديد شبكة اتصالات هاتفية خارج بلدة الخيام.

وحيث ثبت أنّ المتهم وباعترافه تقاضى لقاء تعامله مع "الموساد" الإسرائيلي مبالغ مالية بلغ مجموعها حوالي ثلاثين ألف دولار أميركي استلمها على دفعات بواسطة "البريد الميت" من أماكن ومناطق لبنانية عدّة _جورة البلوط- بيت شباب- المونتيفردي- رأس المتن)، وقد أجرى المتهم دلالة على بعض هذه الأماكن وقام بتمثيل عملية استلام "البريد الميت" بعد توقيفه.

وحيث تبيّن أنّ المعلومات التي قام المتهم بتزويد العدوّ بها ساعدته على استهداف مراكز عدة عائدة للمقاومة إبان حرب تموز 2006.

وحيث أنّ قيام المتهم موسى علي موسى بدسّ الدسائس لدى العدوّ الإسرائيلي، والاتصال به وتزويده بالمعلومات التي وفّرت له الوسائل ولمعاونته على فوز قوّاته، وبالاتصال به وهو على بيّنة من أمره،منطبقة على نصوص المواد 274 و275 و278 عقوبات ويقتضي بالتالي إدانته بموجبها.

وحيث ثبت من التحقيقات كافة أنّ المتهمين الفارين علي محمد سويد وأحمد حسين عبد الله هما من عملاء "الموساد" الإسرائيلي، وقاما كما المتهم موسى علي موسى بدسّ الدسائس لدى العدوّ، وبالاتصال به ومعاونته على فوز قوّاته، وبالدخول إلى أراضيه دون إذن، وهما على بيّنة من أمرهما، فتكون أفعالهما لهذه الجهة منطبقة على نصوص المواد 274 و275 و278 و285 عقوبات ويقتضي إدانتهما بموجبها.

لذلك، وسنداً للمواد 274 و275 و278 و285 و63 و49 عقوبات، قرّرت المحكمة بالإجماع:

الدراسة الفنّية للوائح اتصالات بينت انّه كان يتواصل هاتفياً من العام 2002 ولغاية 2010 مع أرقام دولية مشبوهة يستخدمها "الموساد" الإسرائيلي للتواصل مع عملائه

أوّلاً: الحكم على المتهم موسى علي موسى بالأشغال الشاقة المؤبّدة لجهة المادة 274 عقوبات وتجريده من الحقوق المدنية، وبالإعدام لجهة المادة 275 عقوبات، وبالأشغال الشاقة لمدّة عشر سنوات لجهة المادة 278 عقوبات وتجريده من الحقوق المدنية، وإدغام هذه العقوبات معاً بحيث تنفّذ بحقّه العقوبة الأشدّ أيّ الإعدام.

ثانياً: الحكم على كلّ من المتهمين علي محمّد سويد وأحمد حسين عبد الله بالإعدام لجهة المادة 274 عقوبات، وبالإعدام لجهة المادة 275 عقوبات، وبالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة لجهة المادة 278 عقوبات، وتجريد كلّ واحد منهما من الحقوق المدنية، وبالحبس مدّة سنتين ومليوني ليرة لبنانية غرامة لجهة المادة 285 عقوبات، وإدغام هذه العقوبات معاص بحيث تنفّذ بحقّ كلّ منهما العقوبة الأشدّ أيّ الإعدام، وتنفيذ مذكّرة إلقاء القبض بحقّ كلّ منهما.

ثالثاً: ردّ سائر الأسباب والمطالب الزائدة والمخالفة. وتضمينهم الرسوم والمصاريف القانونية.

حكماً غيابياً بحقّ كلّ من علي محمّد سويد وأحمد حسين عبد الله، ووجاهياً بحقّ موسى موسى، أعطي وأفهم علناً بحضور مفوّض الحكومة وكاتب الضبط، والمتهم موسى علي موسى، والحرس تحت السلاح بتاريخ صدوره في 24/2/2012.

رحلة موسى مع العمالة

من يسترجع سيرة موسى علي موسى (والدته لطيفة مواليد الخيام في العام 1959) يجد أنّ تعامله ليس جديداً ولم يكن وليد الصدفة ولم ينمُ خلال حرب الثلاثة والثلاثين يوماً، بل يعود إلى ثلاثة وثلاثين عاماً وتحديداً إلى العام 1977 حيث خضع لدورة عسكرية لدى الجيش الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلّة استمرّت خمسة وعشرين يوماً، عاد بعدها إلى بلدته لينقطع عن التعاطي مع الإسرائيليين من دون أن تتضح الأسباب الداعية لهذا الانقطاع المفاجئ.

وخلال عمل المحرّكين الأمنيين في جهاز ميليشيا أنطوان لحد العميلين علي محمّد سويد أو علي افطان (والدته فايزة مواليد الخيام عام 1967) وأحمد حسين عبد الله (والدته فايزة مواليد الخيام عام 1962) الفارين إلى فلسطين المحتلة بعد تحرير الجزء الأكبر من الجنوب، على تجنيد أكبر قدر ممكن من المواطنين لمصلحة جهاز "الموساد"، وقع موسى في فخّهما المنصوب له عن دراية تامة وبناء على ملفّه السابق بجهوزيته، فوافق على التعامل معهما ونقلاه على الفور إلى شمال فلسطين حيث جمعاه بضبّاط المخابرات وبينهم "عامي" المسؤول المباشر عنه، وطلبوا منه العمل معهم مقابل إغراءات مالية فلم يرفض، وربط بالعميل أحمد عبد الله الذي نقده مبلغ خمسمائة دولار أميركي لتشجيعه وتحفيزه وترهيبه مادياً. لكنّ هذا المبلغ لم يكن عربون محبّة، بل بداية لمشوار طويل من العمالة، استهلّه موسى بإيصال مغلّف أسمر اللون إلى أحد الأشخاص القاطنين في شارع الحمراء في بيروت.

صادق في تعاونه بدأ تعامله مع العدو عام 1977 حيث خضع لدورة عسكرية لدى الجيش الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلّة.

وأدخل موسى مرّات عديدة إلى مستوطنة "كريات شمونة" حيث كان يحلّ ضيفاً في أحد فنادقها، فيستعيد مع " الموساد" ما جرى تقديمه، والمخطّط المنوي تنفيذه، وأخضع مثل بقيّة العملاء والجواسيس، لآلة كشف الكذب التي لم تخيّب آمال الإسرائيليين به، فنال نتيجة " صادق" في تعاونه، رفعت من منسوب اهتمامهم به، وبقي في زياراته الدورية لهذه المستعمرة ولقاءاته بالإسرائيليين لغاية العام 1999.

ومع انتهاء الاحتلال، طلب منه معرفة مراكز حزب الله في الخيام وعناصره والسيّارات التي يستعملونها وتحديد أوصافها وأرقامها وأنواعها وأماكن اجتماعاتهم وتحرّكاتهم لكي يبنى على الشيء الاستخباراتي مقتضاه الإرهابي.

ومن الطبيعي أن تختلف طريقة التواصل مع " الموساد" بعد زوال الاحتلال عمّا كانت عليه خلاله، فانتفى دور العميلين علي سويد وأحمد عبد الله، ليحلّ مكانهما الهاتف، بعدما سُلّم في العام 2002، شريحة هاتف إسرائيلية "أورانج"، وأتبعت بعد عامين بشريحة أخرى، بالإضافة إلى تواصله معه بهواتف لبنانية متداولة في السوق المحلي بشكل طبيعي.

التواصل الصباحي

وحدّدت الساعة العاشرة من صباح كلّ يوم أربعاء فترة للتواصل الهاتفي المباشر بين موسى والإسرائيليين لتلقّي الأوامر وتنفيذها، وذلك على الرقم 046951001. وبالفعل، نفّذ موسى الأوامر الإسرائيلية بحذافيرها، وقدّم لائحة مفصّلة بأسماء مسؤولي الحزب المعروفين، وأنواع سيّاراتهم ومجال عمل كلّ واحد منهم وأماكن سكنهم. ولم يكتف موسى بهذا القدر المستطاع من المعلومات، بل أضاف إليها تفاصيل عن المنازل التي يملكها أو يستأجرها عناصر المقاومة مع مواصفاتها الدقيقة وعدد الأشخاص الموجودين فيها ونوع وأرقام السيّارات التي ترتادها، بالإضافة إلى المكتب العلني لحزب الله في الخيام.

رصد شبكة اتصالات المقاومة

وخوفاً من انقطاع الإمداد المالي عنه، في ظلّ شحّ الأخبار والمعلومات، رصد موسى شبكة الاتصالات العائدة للمقاومة فأفاد، في العام 2003، "الموساد" بقيام حزب الله بمدّ خطّ هاتفي من منطقة الحمامص إلى منطقة المسلخ خارج بلدته الخيام.

وشقّ العميل موسى طريقه من الخيام المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، إلى بلدة جورة البلوط الواقعة في قضاء المتن الشمالي بعد اتصال من معلّمه الإسرائيلي فقطع مسالك متعدّدة حتّى استقرّ به المطاف في واد يربط بين عدد من البلدات المتنية، وتوقّف أمام أربع شجرات صنوبر كبيرة وضعت بالقرب منها صخرة دقّ عليها مسمار مع سهم أحمر اللون، ونشط في حفر حفرة الكنز لينتشل بعد جهد جاهد جثّة أتعابه البالغة ثلاثة آلاف وخمسمائة دولار أميركي.

وفي المرّة الثانية، قصد موسى بلدة "بيت شباب" المتنية أيضاً، ونزل إلى أحد وديانها مسترشداً بما أفاده به ضابطه، فتوقّف أمام كوع قوي نبتت بالقرب منه شجرة كبيرة وضعت أمامها صخرة تحمل سهماً، فحفر التراب وانتشل أتعابه التي بلغت ثلاثة آلاف دولار أميركي.

خدماته في حرب تموز

وخلال حرب تموز العام 2006، وأثناء اشتداد القصف على بلدة الخيام، اتصل الضابط الإسرائيلي بالعميل موسى طالباً منه مساعدته بمعلومات عن أماكن قصف مسقط رأسه ففعل، ونتيجة لمعلوماته، تمّ قصف منزل سامي بهيج عبد الله ولم يكن يوجد أحد بداخله، فاقتصرت الأضرار على الماديات.

وقلّد موسى سواه من العملاء، فراقب الحدود اللبنانية السورية عند نقطة المصنع ورصد دخول شاحنات النقل الخارجي القادمة منها باتجاه الجنوب ظناً منه أنّها تحمل أسلحة للمقاومة. كما أنّه مشّط مراكز حزب الله القائمة في بلدات دبين، وبلاط، وحلتا، وكفرشوبا، وشبعا، والماري، والمجيدية، متخذاً لعمله غطاء تجارة المواشي لئلا يشكّ أحد به إلى أن أوقف وأودع السجن فالمحكمة ومعها الإعدام.

تعليقات: