الربيع السلفي إلى بيروت وساعات حاسمة في حمص

الشيخ أحمد الأسير : إيران ذبحتنا في العراق وأفغانستان(هيثم الموسوي)
الشيخ أحمد الأسير : إيران ذبحتنا في العراق وأفغانستان(هيثم الموسوي)


الأسير «يزحف» إلى بيروت



مع بدايات الحراك السوري، اتخذ الشيخ أحمد الأسير، قراره: المسجد سينزل إلى الشارع. كانت المرة الأولى لتحرك من نوع كهذا. تغيّرت الأمور كثيراً خلال 10 أشهر. الأسير خرج من المسجد، وسيبدأ «الزحف نحو بيروت»

في ساعة مبكرة من صباح الاثنين الماضي، رنّ الهاتف الخلوي لإحدى الشخصيات السنّية الفاعلة في العمل السياسي الجماهيري. كان المتصل من الضنية، وكان صاحب الهاتف لا يزال يغطّ في نومه العميق في أحد أحياء العاصمة. يسأل المتصل صديقه: «هل سمعت بالتحرك الذي أُعلن إلى ساحة الشهداء الأحد المقبل؟ هل هو للصيداويين فحسب؟». لم يملك المتلقّي إجابة، لم يكن قد سمع بالموضوع. طلب استمهاله القليل من الوقت كي يستوضح ماذا يجري.

قبل هذه الحادثة بساعات، كانت قاعات مسجد بلال بن رباح في منطقة عبرا في ضواحي صيدا تتلقف كلمات إمام المسجد الشيخ أحمد الأسير بنوع من الدهشة وكثير من الحماسة والرغبة في التعبير والتكبير والاحتجاج والغضب.

المناسبة كانت اعتصاماً تضامنياً مع قضية ما بات يعرف بـ«الموقوفين الإسلاميين» في السجون اللبنانية. حرم المسجد الذي ضمّ نحو ألفي شخص، ضجّ بالمشاهد التي تخللها الاعتصام عن فيلم توثيقي للأحداث التي تجري في سوريا. لم يستطع الحضور كتمان صرخات التكبير واللعن والغضب تجاه النظام السوري ورموزه وأفعاله.

تزامناً، كان الإعلان عن «خطوة نوعية» تأتي على لسان الأسير نفسه: «سنبدأ الزحف إلى بيروت»، قالها بنبرة قوية، لتهدر الحناجر من بعدها «الله أكبر... الله أكبر»، ويسود كلام بين الحاضرين عن أنه آن الأوان لتحرك كهذا، سرعان ما توضّح معناه: تجمّع في ساحة الشهداء يوم الأحد المقبل.

لماذا إلى بيروت؟ يجيب الأسير «الأخبار»: «لا لأمر بعينه، فقط نريد أن نرسل رسالة إلى الجميع بأننا مع نصرة المظلوم إن شاء الله، وضد الظلم، وأن لبنان لا يمكن أن تختزله فئة أو محور ما بموقف معين. هناك أناس في لبنان يرفضون المجازر التي ترتكب بحق إخواننا في سوريا، وأقل ما يمكننا فعله هو أن نصرخ بوجه الظالم، وأن نرفع صوت الألم».

عن رمزية الخطوة وما قد يحمله تحرك كهذا من دلالات، إذ إنه يحدث للمرة الأولى في قلب بيروت من قبل قوى ذات لون معين لم تعتدها الساحة السياسية المحلية من قبل ولها خصوصيتها، يرد الأسير: «بيروت عاصمة لكل اللبنانيين، والتحرك ليس مقتصراً على فئة دون أخرى. إنه موقف تجاه ما تشهده سوريا، ويمكن أي إنسان أن يشارك فيه، بغض النظر عن دينه أو طائفته أو مذهبه. لسنا في وارد تحدي أحد. وكما أن في لبنان من يؤيّدون النظام السوري وإجرامه، يجب على العالم أن يعلم أن هناك في لبنان من هو ضد كل ما يرتكبه هذا النظام من أفعال».

يقال إن لبنان مقسوم على نفسه بين مؤيّد لما يجري في سوريا ومعارض له، وإن هناك أطرافاً عدة تسعى إلى تجنيب البلد أيّ تداعيات لما تشهده الشام. فماذا لو أدى هذا التحرك إلى مواجهة في الشارع بين شارعين، لا سيما أن الكلام بدأ يكثر عن تظاهرة مضادة يجري الإعداد لها في وجه ما تُعدّون له؟ يعلّق الشيخ الأسير بالقول: «على الجميع أن يتحمل مسؤوليته، لا سيما الدولة والأجهزة الأمنية. تحركنا، كما قلنا مراراً وتكراراً، سلمي وتحت سقف القانون، ومنذ أكثر من 10 أشهر نقوم بتحركات واعتصامات يُجمع حتى منتقدونا ومخالفونا على أنها حضارية وغير استفزازية. كذلك أكدنا مراراً أننا نريد أن نعيش في هذا البلد مع الجميع، ولكن لن نرضى أن نعيش مواطنين من الدرجة الثانية».

ويتابع: «لن يثنينا التهويل أو التخويف عن الرجوع عن قرارنا وخطوتنا التي سنمضي بها حتى النهاية، حتى آخر قطرة دم في عروقنا. وليعلم الجميع ذلك، مهما اشتدت الضغوط. نحن في بلد فيه قانون، ولا نعيش في غابة. وإذا كانت الدولة غير قادرة على حماية مواطنيها في تحركهم تحت سقف القانون، فلتعلن ذلك بوضوح، وعندها لكل حادث حديث».

البحث عن قائد

«الزحف إلى بيروت» كما قال «الشيخ»، قرار اتخذه بمفرده، «ومن دون تنسيق مع أي من القوى السياسية أو الإسلامية الأخرى»، على حدّ جزمه. والسبب «أننا لا نريد أن نفرض قراراتنا على أحد. الجميع أدرى بداخليته. أبلغنا إخواننا بما ننوي القيام به، ودعوناهم بالطبع، وتُرك لهم القرار بحسب ما يرونه مناسباً، والدعوة مفتوحة أمام الجميع». وبحسب مقرّبين من الأسير، فإن الاتصالات «انهالت عليه من شتى المناطق اللبنانية منذ صباح الاثنين الماضي (مع تناقل الخبر)، لتسأل عن التحرك وماهيته، وكيفية المشاركة، وتعلن الدعم والتأييد وتأكيد الحضور».

يقول مقرّبون من الأسير إن السبب في «هذه الاستجابة غير المتوقعة مع خطوة كهذه جاءت نتيجة الإحباط والغضب التي تعانيه الساحة السنّية جرّاء المشاهدات اليومية لما يجري في سوريا، من جهة، وبسبب عدم ارتقاء المواقف السياسية، سواء المحلية أو الخارجية، إلى حجم التوقعات التي يأملها الكثيرون تجاه الملف السوري من جهة أخرى».

«والشيخ أحمد»، بحسب متابعين لحركته، يمثل «الحالة السنّية الوحيدة في لبنان التي تشهد تنامياً، بينما جميع القوى الأخرى في تراجع ملحوظ. يمكنكم سؤال عشرات الاتصالات التي تتهافت عليه لتقديم السيارات والخدمات لنقل الراغبين في النزول إلى ساحة الشهداء الأحد المقبل».

حتى اليوم، لا يزال الشيخ الصيداوي في حساب الحقل. أما البيدر ففي ساحة الشهداء الأحد المقبل.

ساعات حاسمة في حمص: بابا عمرو... الساعات الحاسمة

..

الجيش ينفّذ عمليات تطهير للحي ونزوح للمسلحين في اتجاه لبنان وتقدّم عسكري في ريف حلب وإدلب

بعد خمسة وعشرين يوماً من الاشتباكات بين قوات الجيش السوري ومسلحي «الجيش السوري الحر» المتحصنين في بابا عمرو في حمص، بدا أن الأمور في هذه المنطقة تتجه الى الحسم النهائي، وسط تأكيدات بسيطرة الجيش على المنطقة التي قد تعلن «آمنة» في الساعات المقبلة

أكدت مصادر في دمشق لـ «الأخبار» أن الجيش السوري سيطر على غالبية حي بابا عمرو في حمص، ودخل الى شوارعه الرئيسية بعد خمسة وعشرين يوماً من الحصار. وأوضحت المصادر أن قوات الجيش كانت حتى ساعة متأخرة من ليل أمس تنفّذ عمليات تنظيف للحي ممن بقي فيه من مسلّحين، وسط مخاوف من وجود حقول ألغام تركها هؤلاء. وتحدثت عن احتمال صدور بيان رسمي في الساعات القليلة المقبلة تعلن فيه السلطات أن المنطقة باتت آمنة.

وأضافت المصادر أن عمليات عسكرية تدور في المنطقة الجنوبية القريبة من منطقة القصير الحدودية مع لبنان، مشيرة الى «ساعات حاسمة». وأشارت الى تجمع لعدد كبير من المسلّحين، بينهم مقاتلون من ليبيا وتونس، وإلى أن الجيش السوري اعتقل أعداداً من المسلّحين من بينهم لبنانيون دخلوا من منطقة وادي خالد. وسجلت حركة نزوح كثيفة للمقاتلين في اتجاه الأراضي اللبنانية. فيما تحدثت مصادر لـ «الأخبار» عن استمرار وجود مسلّحين في الخالدية وبعض أجزاء الحميدية مع تأكيدها أن التعامل مع هذه المناطق لن يكون صعباً بسبب سقوط «مركز قيادة المسلحين» في بابا عمرو. إلا أن مصادر في «الجيش السوري الحرّ» نفت لـ «الأخبار» سقوط بابا عمرو في أيدي الجيش، قائلة إن المسلحين «تمكنوا من فتح ثغرة في الحصار على المنطقة ويعملون على إخلاء المدنيين عبر الخالدية ــ الوعر ــ القصير وصولاً إلى منطقة عرسال» اللبنانية.

ونقلت وكالة «فرانس برس» عمن وصفته بـ «عضو الهيئة العامة للثورة السورية» هادي العبدالله قوله ان الجيش «استقدم الى حمص تعزيزات من الفرقة الرابعة»، مشيرا الى ان هذه التعزيزات «تزيد من مخاوفنا من حصول اقتحام». وأشار الى ان القوات النظامية أخلت «حاجزين كبيرين على اطراف الخالدية هما حاجزا المطاحن والاطفائية»، مشيراً الى انه «تم توجيه نداءات عبر المساجد الى الاهالي للنزول الى الطبقات الارضية».

وأفادت المصادر الرسمية، من جهة أخرى، أن الجيش السوري حقق كذلك «تقدّماً كبيراً» في ريف حلب وإدلب.

وأعلنت الجهات الأمنية إحباط تسلل لمجموعة «إرهابية مسلحة قادمة من لبنان تسللت من معبر عيون الشعرة ـــ حالات في ريف تلكلخ، وإن ثلاثة من عناصر المجموعة الإرهابية قتلوا وأصيب آخرون، بينما أصيب عنصر من الجهات المختصة». وقد أحبطت الجهات الأمنية السورية عدداً من محاولات التسلل من الأراضي اللبنانية خلال الأشهر الماضية.

من جهة أخرى، اعلن البيت الابيض ان تنظيم «القاعدة» يحاول الاستفادة من اعمال العنف في سوريا، مقراً بأن هذا هو احد الاسباب التي تحول دون وضع مسألة تزويد المعارضة السورية بالسلاح على جدول اعمال واشنطن. وأوضح الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني: «نعرف ان القاعدة ومتطرفين آخرين يحاولون الاستفادة من الوضع». وأضاف ان عناصر من التنظيم «يحاولون تقديم انفسهم على انهم المدافعون عن حرية اكبر وعن الديموقراطية لسكان المنطقة»، وهو «ما يتناقض مع تاريخهم وعلة وجودهم». وتابع ان «موقفنا لا يعود فقط لهذا السبب، بل ايضا لأن الوقت لم يحن بعد لزيادة عسكرة الوضع في سوريا».

الى ذلك، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن خمسة أشخاص على الأقل قتلوا في بابا عمرو أمس، وأن 29 من قوات الأمن قتلوا في اشتباكات مع المعارضين أول من أمس.

في غضون ذلك، تمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من نقل مساعدات إلى مدينتي إدلب وحمص، حسب ما أعلنت ناطقة باسم هذه المنظمة في جنيف. وسلّمت المساعدات إلى الهلال الأحمر السوري، لكنها لم توزّع بعد بسبب المعارك.

وشهدت مدينة دمشق أمس تشييع قتلى الاحتجاجات الذين سقطوا في الأيام الماضية برصاص قوات الأمن السورية، بحسب ما أفادت مصادر متقاطعة. وقال المتحدث باسم اتحاد تنسيقيات دمشق وريفها، محمد الشامي، إن «آلاف الأشخاص شاركوا في تشييع شهيدين قتل أحدهما أمس والثاني أول من أمس برصاص الأمن في كفرسوسة».

في المقابل، أعلنت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش السوري شيّع من مشفى تشرين العسكري في دمشق جثامين 7 شهداء من عناصر الجيش وحفظ النظام استهدفتهم المجموعات الإرهابية المسلحة.

إلى ذلك، أبلغ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، لين باسكو، مجلس الأمن الدولي أن عدد القتلى في سوريا «أعلى بكثير من 7500 شخص». وقال «رغم أننا لا نستطيع إعطاء أرقام محددة للقتلى والجرحى، تشير تقارير جديرة بالثقة إلى أن العدد الإجمالي للقتلى حالياً يتجاوز دائماً 100 مدني في اليوم، كثير منهم نساء وأطفال».

من جهة أخرى، شُغل العالم أمس بخبر عبور الصحافية الفرنسية إديت بوفييه وزميلها البريطاني بول كونروي من حمص إلى لبنان عبر معبر غير شرعي، قبل أن تحسم إدارة صحيفة لو فيغارو الأمر، مكذّبة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ومؤكدة أن بوفييه التي تعمل في هذه الصحيفة لا تزال في سوريا، ليتراجع بعدها ساركوزي عن تصريح سابق له يؤكد فيه وصولها إلى لبنان.

من جهته، قال مصدر في صحيفة «لو فيغارو» ان «من الخطأ القول إنها وصلت بسلام إلى لبنان». وكانت مصادر في المعارضة السورية قد أعلنت صباحاً أنه جرى تهريب بوفييه وكونروي إلى لبنان، ولاحقاً أكدت جريدة «صنداي تايمز» التي يعمل فيها كونري الخبر، وقالت إنه «سليم ومعافى».

وأعلنت الخارجية الروسية إن خبر نقل المسلحين للصحافيين يؤكد أنهما كانا طوال هذه الفترة في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، وغادرا الأراضي السورية مثلما وصلا إليها، من دون إبلاغ السلطات السورية بذلك. وقال ناشط في جماعة آفاز، التي ساعدت بعض الصحافيين على الدخول إلى حمص المحاصرة، إنه يعتقد أن صحافيين غربيين اثنين آخرين لا يزالان في المدينة.

(الأخبار، سانا، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)

مواطنون في أحد الملاجئ في بابا عمرو (رويترز)
مواطنون في أحد الملاجئ في بابا عمرو (رويترز)


تعليقات: