...بعدما فشل في التقدّم إليها


يعرف شباب «حزب الله» جيداً، الأهمية الاستراتيجية والرمزية لبلدة الطيبة. فهي من أكبر بلدات قضاء مرجعيون، وتعد السوق المركزية للقرى المحيطة بها. تطلّ على نهر الليطاني الذي يقع في أسفل الوادي، على بعد عشرات الأمتار شمالي البلدة. أي أكثر المناطق قرباً من الليطاني لجهة فلسطين المحتلة. وتعلو البلدةَ تلّة «المشروع» الذي تجرّ منه مياه الليطاني إلى الكثير من القرى والبلدات الجنوبية وكان يشكّل موقعاً عسكرياً مهماً لقوات الاحتلال طيلة فترة وجوده في المنطقة.

كان المقاومون يتوقعون أن يحاول الجيش الإسرائيلي الوصول الى موقع «المشروع» للتمركز فيه والسيطرة على الأودية المجاورة التي قد تتيح له كشف الكثير من مرابض الصواريخ في القرى والبلدات القريبة والبعيدة التي تدنو بارتفاعها عن الموقع. استعدوا جيداً، أعدّوا الكمائن ورصدوا حركة الجنود الصهاينة منتظرين لحظة الالتحام التي تأخرت حتى الأسبوع الثالث من بدء الحرب.

ففي اليوم الثالث والعشرين للحرب، تقدمت أول مجموعة مشاة من لواء غولاني باتجاه الطيبة، وسلكت أقرب طريق يوصل الى المشروع: من وادي هونين إلى الحدود عَبَر الجنود المشاة إلى الطريق العام المؤدية الى بلدة عديسة، وسلكوا طريقاً ترابية قصيرة، لا يزيد طولها على كيلومتر واحد. دخلوا منزلاً في حي العَمرة، على حدود الطيبة، القريب من موقع المشروع، وعمدوا الى تمشيط المكان جيداً.

كان عددهم يزيد على أربعين جندياً. تمركزوا في محيط المنزل، ودخل خمسة عشر جندياً منهم إليه، متّخذين منه موقعاً أولياً، على اعتقاد أنهم سيكملون زحفهم.

في الجانب الآخر لجهة الطيبة، كان المقاومون يرصدون حركة الجنود بدقة. أعدّوا ثلاث مجموعات عسكرية، مجهزة بالأسلحة اللاّزمة، وفق خطة تكتيكية منظمة. وتموضعوا قريباً من المكان بعد أن تركوا الجنود الاسرائيليين يتقدمون للوصول الى حيث ينتظرونهم.

يقول أحد المشاركين في الهجوم «كان الإسرائيليون يتحرّكون داخل المنزل بشكل ظاهر للعيان، وكان من بينهم جندي يحمل منظاره العسكري ويرصد المكان من نافذة المنزل، لكنه لا يرى شيئاً. فأبلغنا القيادة العسكرية بدقة الهدف. وصل الأمر إلينا بتنفيذ الهجوم. فأطلق أحدنا قذيفة (ب 7) باتجاه الجندي فأصابته إصابة مباشرة، وانفجرت داخل المنزل. وبدأت مجموعات المقاومة الثلاث تطلق نيرانها على المنزل والجنود المحيطين به بشكل منّسق وعنيف».

يتابع المقاوم «تقدّم أحد شبان المجموعة المهاجمة الى داخل المنزل للالتحام مع الجنود. دخل المنزل بسرعة وجرأة فائقتين، بعد تغطية محكمة من الإسناد الناري. كان استشهادياً جريئاً، دخل المنزل، رغم أنه كان محاطاً بعشرات الجنود الصهاينة، وبدأ بإطلاق النار إلى الداخل مع رمي القنابل اليدوية، متنقلاً من مكان إلى آخر ومن شرفة الى أخرى».

ويؤكد محدثنا أن المقاوم الاستشهادي شوهد يصعد سلّم المنزل الخارجي إلى الطابق العلوي، وكان الجنود الإسرائيليون في الخارج يطلقون الرصاص عليه من دون أن يستطيعوا إصابته. وبعد أن أنهى مهمّته حاول الاختباء في أحد الأماكن القريبة، لكن طرف رجله كان خارج مكان الاختباء من دون أن يدري، فأصيب بالرصاص. واستغرق انسحابه من المكان ثلاثة أيام دخل بعدها إلى الطابق الأرضي لأحد المنازل القريبة، الذي كان في الطابق العلوي منه عدد من الجنود الاسرائيليين ما جعله يبقى مختبئاً في المكان من دون طعام الى ما بعد وقف الأعمال الحربية، لكنه الآن حيّ يرزق.

وينقل المجاهد عن الجريح قوله «هذا العدو خيّب ظني كثيراً، فعند دخولي المنزل امتنع الجميع عن مواجهتي، حاول بعضهم إطلاق النار باتجاهي بخوف ومن دون تسديد، فأنجزت مهمتي وانسحبت بسهولة».

اعترف العدو بالهجوم وبسقوط 13 جندياً بين قتيل وجريح. وبعد الحرب شاهد الأهالي الدماء تملأ أرض المنزل حتى إن جدرانه كانت ملطخة بالدماء، ما يدلّ على الاصابات الكثيرة في صفوف

العدو.

يرى المقاوم أن هذا الكمين منع العدو من الدخول الى البلدة واحتلالها، وأثّر سلباً على معنويات الجنود الإسرائيليين، وخصوصاً بعد تدمير العديد من دبابات الميركافا وجرافاتها. فقد بلغ عدد دبابات الميركافا المدمرة في الطيبة ومحيطها في العديسة ووادي الحجير والغندورية 38 دبابة، باعترافات الجيش الاسرائيلي نفسه، ولم يسقط في مواجهة الطيبة هذه أي شهيد للمقاومة، حتى إن الجريح استطاع الانسحاب من المعركة.

وكعادته عمد الجيش الإسرائيلي الى الانتقام من الأهالي، فأغارت طائراته على أحياء البلدة السكنية مدمّرة أكثر من 150 منزلاً تدميراً كاملاً، وملحقة أضراراً بنحو 350 منزلاً إضافة إلى ثانوية البلدة ومدرستيها الرسمية والخاصة.

تعليقات: