وهم الخلافات ومحدودية الخيارات

وهم الخلافات العربية
وهم الخلافات العربية


اذا كان هناك من خلاف أمريكي اسرائيلي حول الملف النووي الإيراني، فانه يدور حول مسائل ثانوية بسيطة تتعلق بكيفية مواجهة إيران. فالكلام عن خلاف ما بين الطرفين المذكورين فيه الكثير من المبالغة خصوصا فيما يتعلق بالمنطقة لأن أمن إسرائيل وتفوقها هو القاعدة الذهبية التي تحكم العلاقة بين الطرفين.

وبالتالي كل ما يجري هو تحت سقف هذه القاعدة سواء كان سيد البيت الأبيض ديمقراطيًا أو جمهوريًا. لقد عاش العرب ردحًا من الزمن على وهم ان في اسرائيل صقورًا وحمائم وان حزب العمل يمثل الحمائم في اسرائيل، وبالتالي فان سياسته العربية معتدلة لكن الوقائع دلت على أن معظم حروب إسرائيل ضد العرب كانت حروب حزب العمل وان الاحزاب الاسرائيلية كلها مهما اختلفت تسمياتها متفقة على انكار الحقوق الفلسطينية وسحق العرب وقتلهم. ومثل الاسرائيليين كمثل العلاقة الأمريكية الإسرائيلية بحيث إن كل الإدارات الأمريكية تفضل المصلحة الاسرائيلية على المصلحة العربية وتكون دائمًا وجهات النظر بين تل أبيب وواشنطن حول قضايا المنطقة متطابقة الى حد كبير وبالتالي الاختلاف يكون حول أساليب التعامل مع هذه القضايا والتوقيت. ومخطئ من يظن أن أوباما يفضل العلاقة مع العرب على العلاقة مع إسرائيل أو أنه على خلاف جذري بالنظرة مع نتانياهو حول الملف النووي الايراني.

فالطرفان يريان في الملف النووي الايراني خطورة عليهما ولكنهما يتبينان بالتكتيك فقط على الرغم من الكلام الكبير الذي اطلقه نتانياهو بحضور أوباما بقوله: إن إسرائيل يجب أن تكون سيدة قرارها، وأن تصبح قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها.. فالعبرة دائما بنتائج اللقاء بين الرجلين حيث أفضى الى تضامن بينهما على تجديد أوباما تأكيد الالتزام المعتاد بأمن إسرائيل، والذي اعتبره الرئيس الامريكي صلبًا كالصخرة معطوفًا على تأكيد الرئيس الأمريكي أن جميع الخيارات تظل متاحة بما فيها التدخل العسكري، لمنع الجمهورية الإسلامية الايرانية من تصنيع قنبلة نووية وعلى طهران عدم تجاوز الخطوط النووية الحمراء.

وعلى الرغم من ان واشنطن لا تزال تمارس سياسة العقوبات والحظر مع طهران الا انها لن تكون حزينة اذا اندفع الاسرائيليون الى الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الايرانية لا بل قد تعطيها الضوء الاخضر في ذلك. فنتانياهو يلوح بالضربة العسكرية لايران لأسباب داخلية اسرائيلية ويحاول المناورة قدر الامكان في وجه اولئك الذين يزينون فكرة الضربة العسكرية لايران.

فالرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" عاموس يدلين، يرى أن ضرب إيران الآن يضمن الاستقرار لأمد بعيد في المنطقة، ولكنه رأى انه في حال امتنعت إسرائيل عن توجيه ضربة إلى إيران، فإن على الولايات المتحدة طمأنتها إلى أنها ستمنع طهران من إنتاج سلاح نووي.. وكتب يدلين الذي يرأس حاليًا معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، مقالة في صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "فرصة إسرائيل الأخيرة لضرب إيران"، أن "ضمان ألاّ تتحول إيران إلى دولة نووية هو الضمان الأفضل للاستقرار الإقليمي على المدى الطويل، سيكون أسهل احتواء إيران غير نووية من احتواء إيران بأسلحة نووية".

ودعا يدلين إلى عدم التقليل من قدرة إسرائيل على ضرب إيران بشكل فعّال كما حصل عام 1981 حين فوجئت أمريكا بقدرة إسرائيل على ضرب مفاعل "تموز" (أوزيراك) العراقي. فيما يقول الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) مائير داغان لقناة "سي بي أس" الأمريكية: "ليس صائباً شن هجوم على إيران، قبل استكشاف كل المقاربات الأخرى". وأعرب داغان، الذي رأس الموساد بين 2002 و2011، عن ثقته بأن الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً ضد إيران، اذا كان ذلك ضرورياً، قائلاً: الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال علناً: إن الخيار العسكري على الطاولة، وإنه لن يسمح بامتلاك إيران سلاحاً نووياً، وأنا أثق عادة برئيس الولايات المتحدة. وسُئل عن تقويمه الخيارات المتاحة إذا وجب شن هجوم على إيران، فأجاب: إنه يفضِّل أن يفعل الأمريكيون ذلك. في إشارة قوية الى التناغم الأمريكي الاسرائيلي تجاه ايران بحيث إن واشنطن لا تهمل الخيار العسكري ضد طهران إذا رأت انها قادرة على ذلك وان الظروف مؤاتية.

وتوحي التصريحات الامريكية والاسرائيلية أن الطرفين يعتبران إيران عدوًا مشتركًا وان الخيار العسكري خيار مشترك ولكن.

فنتانياهو يدرك وهو يسمع هذا المسؤول الاسرائيلي أو ذاك ان الواقع القائم لا يساعده على توجيه ضربة عسكرية لايران لان اسرائيل وحتى أمريكا لم يعودا اللاعبين الوحيدين في ساحة أي معركة لأن ايران باتت قوة ردع قوية جدا قادرة على نقل المعركة وبقوة كبيرة الى مسافات بعيدة جدا عنها. ولعل كلام دينيس روس، مستشار أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط، يكشف حقيقة الموقف الاسرائيلي من ايران والعجز عن توجيه أي ضربة عسكرية لها حين يقول: إن الضجة التي تثيرها إسرائيل حول شن هجوم محتمل ضد ايران انما هي تتجه نحو الضغط على المجتمع الدولي، لتشديد العقوبات على إيران أكثر من التلميح باقتراب شن هجوم، في حين يقول أودى سيجال المراسل الدبلوماسي للقناة الثانية الإسرائيلية، إن الحديث من قبل نتانياهو عن ضربة إسرائيلية محتملة هو الوسيلة الوحيدة لتحريك اللاعبين، وحتى لو كان الأمر مجرد خدعة، فيجب عدم الكشف عن فحواها، لأنها تجعل إيران تشعر بالخوف، وتجعل الأمريكيين يتخذون خطوات والأوروبيين يفرضون عقوبات.

وهذه الضجة الاعلامية الاسرائيلية تجاه ايران تدل ان خيارات الطرفين الامريكي الاسرائيلي محدودة. وان الطرفين باتا يراهنان على اسقاط ايران من الداخل وتغيير نظامها وأيضا يعكس الفشل في دفع ايران الى التراجع امام الهجمة الامريكية الاسرائيلية عليها.

وما التطورات التي حدثت في المنطقة وابرزها الانسحاب الامريكي من العراق سوى إشارة قوية على ان واشنطن وتل ابيب انتقلا من خط الهجوم الى خط الدفاع ومن يكون مدافعا يصعب عليه الامساك بزمام المبادرة كما يقول المثل الافريقي "لا تستطيع تغيير اتجاه الريح ولكن عليك تغيير اتجاه الشراع" فعلى واشنطن فهم ذلك جيدًا.

تعليقات: