حتى لاتتحول مصر إلى لبنان آخر

حتى لاتتحول  مصر إلى لبنان  آخر
حتى لاتتحول مصر إلى لبنان آخر


تعيش مصر اليوم ازمة سياسية حادة هي الاولى في تاريخها، حيث تدور تحت عنوان اي مصر نريد ؟. واذا كان هذا الشعار رفع سابقا في لبنان ولم يعثر اللبنانيون حتى اليوم على صيغة تجسد التوافق النهائي على ان لبنان لكل اللبنانيين في ثوابته وخياراته الوطنية فان المصريين اليوم يدخلون النفق اللبناني المفتوح دائما على الازمات الكبرى والمعقدة .

فالمصريون يتصارعون اليوم سياسيا على مصر تختلف النظرة اليها بين الاطراف والقوى السياسية والدينية الموجودة ’ وهذه اشارة متشائمة على هوية النظام المقبل في مصر التي تختزن حضارة عمرها الاف السنيين في النظم السياسية .وتدل الخريطة السياسية للبرلمان المصري الحالي على انه يضم مجموعات متناقضة تحمل بذور خلافات وصراعات حيث يسيطر الاخوان المسلمون وحزب "النور" السلفي عليه مع وجود تشكيلة فيه من الليبراليين والقوميين وغيرهم . ويمكن القول انه نتيجة مجريات العملية الانتخابية والظروف التي حصلت بها ان التمثيل النيابي الحالي مشوب بكثير من علامات الاستفهام عن مدى مطابقته للواقع الشعبي القائم .مرة سألت احد اصدقائي المصريين العاملين بالشأن السياسي ماهي الصفة التي يطلقها على ماجرى في الانتخابات التشريعية فقال انها انقلاب بكل ما للكلمة من معنى هذا البرلمان هو برلمان السمنة والزيت وشراء الاصوات ’ واضاف هذا لايعني ان الاسلاميين لايملكون حضورا شعبيا وانما ليس بهذا الشكل .

ومما لاشك فيه ان الاسلاميين دخلوا في تحد قوي مع جملة قضايا هامة تتراوح بين الأمنية، والاقتصادية، والسياسية. والوطنية ستحدد مدى قدرتهم على الامساك بالسلطة واذا كانوا سينجحون بذلك ام لا .وعدا الهمين المعيشي والحياتي اللذين يقضان مضاجع المصريين فان الصراع السياسي سيكون حول النظرة إلى النظام السياسي ومؤسسات الحكم، وهي خلافات واسعة ومتشعبة لانها لاتقف عند شكل البرلمان او الحكومة بل تطال رأس الهرم وهوية النظام وركائز الدولة بداية من انتخاب رئيس الجمهورية مرورا بالاقتصاد والامن وصولا الى الاتفاقيات والمعاهدات . وتدل عملية الاصطفاف السياسي القائمة اليوم على ان الصراع يحتدم بين مفهومين مفهوم اسلمة الدولة المصرية وان حاولت التيارات الاسلامية المسيطرة التخفيف من حدة هذا المفهوم عبر تذويبه بشعارات ليبرالية وبين مفهوم الدولة الليبرالية الجامعة . لكن المشكلة الكبرى ان دعاة المفهوم الثاني ليسوا على مستوى المواجهة مع التيار الاسلامي المعروف بدقة تنظيمه واتباعه كل الاساليب والوسائل المتاحة لربح المعركة .فالاخوان المسلمون الذين رفعوا سابقا " مشاركة لا مغالبة " انقلبوا على شعارهم وقلبوه فاصبح مغالبة لامشاركة فاتجهوا نحو الرئاسة للسيطرة عليها بعدما سيطروا على البرلمان ومناصب عديدة في الدولة .و كلما نظر الاخوان المسلمون الى حجمهم في البرلمان ومجلس الشورى كلما شعروا انهم قادرون على سحق خصومهم وان لاشيء يحد من زحفهم المتواصل للسيطرة على مفاصل الدولة . لذلك يصوب الاخوان على كل ما يعتبر مفصلا هاما فى مسار العملية السياسية المصرية حاليا ’ والذي يحدد الوجهة التي ستسلكها مصر في الفترة القادمة .

واذا نجح التيار الاسلامي في مبتغاه فانه يكون قد نجح في ادخال مصر في شرنقة التقوقع والانعزال واخرجها من رحابها السياسي الواسع .فمصر لم تكن يوما دولة منغلقة تعيش ازمة ثقة داخلية حتى في عهد الرئيس حسني مبارك الذي حاول وعلى مدى ثلاثين عاما تصوريها على انها بعيدة عن التعددية السياسية ومنعزلة عن محيطها العربي , فالتنوع الذي يطبع المجتمع المصري يلعب دورا كبيرا في منع اخذ البلاد بسهولة الى الجهة التي يريدها طرف ما . كما هناك ايضا عوامل عديدة في المشهد المصري تجعل طبعه بلون واحد صعبا .

ومن الواضح ان مصر هي الان في مرحلة صراع سياسي ومرحلة تحول الخشية منه ان ينتقل الى الشارع لان عادة ما يكون الشارع هو ساحة المواجهة بين الاطراف اذا ما هيمن طرف على السلطة والنظام . فكما فى الثورات تسقط الانظمة في الشارع والشارع يكون ايضا مكانا للاحتجاج وحتى المواجهة في عملية اعادة بناء النظام .

فبإمكان كل طرف أن يلجأ إلى الشارع، دون ان يكون هناك سقف للصراع ما يعني ان مصر مفتوحة على الصدام اذا لم تراع قوى الاكثرية التمايز القائم في المجتمع المصري وتركيبته المتعددة بهويته المصرية الوطنية الجامعة وليس كمجموعات متعايشة فيما بينها بصيغة توافقية كما هي الحال في لبنان اليوم حيث يتعايش اللبنانيون بين بعضهم البعض وفق صيغ تسويات مؤقتة يطاح بها كلما كانت الظروف مؤاتية . فالتوازنات هي التي تشل حركة الاطراف التي تحاول الانقلاب على الصيغة التوافقية و تمنع اي طرف لبناني من الاستئثار بالقرار السياسي وبالسلطة.

ولذلك اذا كان التيار الاسلامي في مصر مستمر في المغالبة لا المشاركة فانه حتما يسلك الصدام مع القوى المصرية الاخرى التي تريد ان تكون مصر بلد الانفتاح السياسي و الديمقراطية انسجاما مع منطق التغيير الكبير الذي حصل في 25 يناير . على اية حال ان الانتقال واحداث التغيير بين نظام ونظام يجب ان يراعي مطالب جميع مكونات المجتمع والا نكون قد انتقلنا الى صراع مفتوح وطويل .

..

*

حسين عبدالله كاتب لبناني

تعليقات: