رعاة باعوا مواشيهم ومزارعون يطالبون بتعويضات: العرقـوب وحـدود مـزارع شبعـا: «تغيّـر الكثيـر» فـي عـام

في شبعا (علي لمع)
في شبعا (علي لمع)


العرقوب :

يلف الهدوء الجبهة «العرقوبية» على الحدود مع المزارع المحتلة في صباحات الذكرى الأولى لحرب تموز. بين الحين والآخر، يخرق هدير مدرعات قوات الطوارئ الدولية سكون المكان. عاودت «اليونيفيل» تسيير دورياتها بحذر شديد على طول الخط المسمى بالأزرق. في المقلب الآخر، جنود يرقبون على مدار الساعة كل حركة على الجهة اللبنانية.

يبدو «المشهد عادياً لمن لا يعرف خلفيات التغيير الحاصل في القطاع الشرقي»، يقولها أبو محمد القادري الذي كان جالسا على شرفة منزله المهشمة بشظايا القذائف الإسرائيلية في كفرشوبا قبالة موقع رويسة العلم. تغير «الكثير» وفق الرجل الثمانيني: «نحن الأدرى بواقع الحال». بالنسبة له، لأبي محمد، باتت الجبهة العسكرية عندنا «من طرف واحد». قبل عام من اليوم، «كان عناصر الاحتلال في تلك المواقع يحسبون ألف حساب قبل خروجهم ولو للحظة من دشمهم. باتوا يطلون قبالتنا براحة بال دون خوف»، حال لا يبدو أبو محمد معجبا بها.

يقول جار أبي محمد، المزارع حسن اللقيس، «كنا نصل إلى حقولنا الزراعية المتاخمة للسياج الشائك نزرعها ونحصد جناها». اليوم، باتت حقول اللقيس «محرمة وكل محاولة في هذا الاتجاه تهدد حياتك بالموت المحتم».

بالنسبة لحسن اللقيس «يحلل الخط الأزرق ذبحك من قبل العدو إن حاولت تجاوزه أو حتى الاقتراب منه وربما النظر إليه بعين حاقدة».

تستذكر فاطمة يحيى، أم علي، كيف أزال شبان كفرشوبا القيود من بوابة حسن الحديدية شرقي البلدة وعلى الحدود مع بركة بعثائيل في الجهة المحتلة في العام ,2000 واندفعوا إلى الجانب الآخر من دون أن يتجرأ عناصر العدو على ردعهم. تتساءل أم علي عن السبب الذي جعل الوصول إلى البوابة «خطا احمر».

يسخر المختار محمد قصب من المستجدات على حدود المزارع ومرتفعات كفرشوبا المحتلة. أتاح تحرير العام 2000 للأهالي الوصول إلى الأراضي المحاذية للسياج الحدودي، «لكن بعد حرب تموز لا نعرف ما حصل» يقول المختار، «بدأ الخط الأزرق يتمدد باتجاه المناطق المحررة، عبر لجنة ترسيم الحدود الدولية، والتي عملت من دون التنسيق مع الجيش اللبناني. فكان ترسيم لما نسبته 90 في المئة من الخط الحدودي لجبهة المزارع والبالغ طولها حوالى 20 كيلومتراً، «بحيث، ووفق قصب، شرّع الخط الجديد للجيش الإسرائيلي السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي اللبنانية، فيما يشبه منطقة عازلة بين حدود المزارع والمناطق المحررة المحاذية، بعرض يتراوح ما بين 50 متراً في محور الغجر ـ العباسية و450 متراً في بركة بعثائيل وبسطرة وجبل سدانة».

باتت هذه المنطقة وحسب رئيس هيئة أبناء العرقوب محمد حمدان، «محرمة على أصحابها ومحللة للعدو الإسرائيلي، الذي حذر عبر اليونيفيل بإطلاق النار بدون سابق إنذار على كل من تخوله نفسه تجاوزها». واعتبر حمدان «أن أية مساومة أو تلاعب بالحدود، يعتبر مدخلاً لاستمرار الأزمة في الجنوب إضافة إلى التوتر وعدم الاستقرار».

من كفرشوبا إلى شبعا تحولت التلال المرتفعة المطلة على البلدة والمراعي والحقول الخصبة مصيدة لرعاة الماشية والمزارعين. تحاصر كمائن العدو المتقدمة وتهدد وتعتقل كل من يسعى خلف رزقه في خرق يومي ظاهر وملموس. ففي كل يوم، وفق فراس حمدان، يعتقل راع، تصادر مواش، ويسمع إطلاق نار عشوائي. ينشر الواقع المستجد رعباً وخوفاً لم تحل دونهما بعد قوات اليونيفيل المعززة رغم نيتها الطيبة في ذلك.

«رعاة الماشية هم الخاسر الأكبر هنا»، يقول الراعي عبد الله زهرة الذي خسر كما غيره مئات المواشي من دون أي تعويض من الدولة: «لقد حرمنا مساحة 80 في المئة من المراعي بسبب ما يسمونه الخط الأزرق الذي بات اليوم ككرة الثلج يتدحدرج ويكبر في عز حرارة الصيف». يتوقف زهرة عند التهويل بإطلاق النار: «هددونا فتخلينا عن مراعينا، ولكن المساحات تضيق مع الوقت أكثر فأكثر». تخلى زهرة عن المهنة الوحيدة التي يجيدها في معيشة العائلة «فالكحل أهون من العمى والنجاة بحياتنا أفضل من الموت». في العباسية يبدو الوضع أكثر «وقاحة» كما يصفه المواطن شهاب شهاب. هناك حرر الجزء البسيط من البلدة وبقي الجزء الأكبر محتلا. أعاد الأهالي بناء منازلهم «بما لا يتجاوز عدد أصابع اليد تقريبا». جاء بالأمس القريب ضباط من اليونيفيل ووضعوا علامات زرقاء سلخت منزلين حديثين وضمتهما إلى المنطقة المحتلة بحجة وقوعهما ضمن الخط الأزرق.

يقول رئيس لجنة العودة لأهالي العباسية محمد شهاب «إن الجيش اللبناني ضرب بيد من حديد بعدما طفح الكيل من لجنة ترسيم الحدود الدولية، ونحن من خلفه، فقد أزال علامات اليونيفيل». يشير شهاب إلى بقاء 8000 دونم من أراضي العباسية تحت الاحتلال، «يريدون اليوم رفع نسبة المساحة المحتلة من أراض حررت عام الـ,2000 في جنوب غرب البلدة، بطول حوالى 250 مترا وبعرض تراوح بين المتر الواحد والـ35 مترا» وفق شهاب نفسه.

تحققت رغبة جيش الاحتلال في كسب المزيد من الأراضي عنوة في الغجر من خلال ضم الجزء اللبناني من البلدة وسد الثغرات والفتحات المتعددة في السياج الشائك. كانت الفتحات في شريط العباسية تتيح الدخول إلى الحي المحتل لأي كان لولا حرص المقاومة على عدم التسبب بإزعاج السكان العرب. هناك «ولفترة زادت على ألـ6 سنوات كانت كافية لخلق علاقة ود وتعاون بين المقاومين ونفر كبير من أبناء هذه البلدة»، كما يقول أبو ياسر وهو أحد مقاتلي المقاومة. أمضى أبو ياسر فترة طويلة يخدم في الموقع العسكري لحزب الله المحاذي للمنازل السورية. يشير المقاوم العتيق إلى أن الوضع اليوم قد تبدل «هناك الأسلاك والسواتر التي رفعتها اليونيفيل والحواجز التي أقامتها وقطعت عبرها الطرقات المؤدية إلى البلدة من مختلف الجهات».

هذا هو واقع الحال اليوم على جبهة المزارع. منطقة عازلة بحماية اليونيفيل تفصل بين مواقع العدو والمناطق المحررة. عمليات خطف وملاحقة للمواطنين داخل أراضيهم المحررة وإطلاق نار عشوائي. قضم أراض باسم الخط الأزرق وخروقات برية وجوية ضاربة بعرض الحائط كل بيانات الاعتراض الدولية والتصاريح المستنكرة المحلية والإقليمية، فهل الآتي أعظم؟

تعليقات: