المواكن اللبناني يعاني من إسرائيل على الحدود ومن عزرائيل في الداخل

في لبنان فساد وانقسام وتبعية للخارج تعادل الاحتلال وتقوم مقامه (عباس سلمان)
في لبنان فساد وانقسام وتبعية للخارج تعادل الاحتلال وتقوم مقامه (عباس سلمان)


إثنــا عشــر عــامــاً علــى التحـريـر: فرحــة مجروحــة بالقـلـق علـى الـوطـن

الاحتـلال مـرّ مـن هنـا.. مـا زال هنـا؟

مادونا سمعان

اثنا عشر عاما مرت على تحرير أجزاء من الجنوب والبقاع الغربي وراشيّا من الاحتلال الإسرائيلي، والسؤال نفسه يتكرر: هل يكون الاحتلال عسكريا فحسب، أم بأشكال أخرى؟

البعض يرى أن إسرائيل موجودة عبر شركاتها التي تبيع منتجاتها في جميع أنحاء العالم... منها لبنان. والبعض الآخر يرى أن الاحتلال عبر العملاء المنتشرين على جميع الأراضي اللبنانية. وهناك من يرى الاحتلال في القنابل العنقودية المزروعة في الحقول والبساتين.

الأخطر، هو أن هناك مواطنين لبنانيين يعتقدون بألم أن طريقة إدارة البلد سياسيّاً واقتصاديّاً، من تحريض على الانقسام، وممارسة الفساد بأشكاله، والتبعية للقوى الخارجية، والإهمال، وتفريخ قوى متطرفة... توفر على إسرائيل جهودها للعبث بالوطن.

لكن، وسط ذلك، لا بد من الأمل بأن من يريدون الحرية والتغيير في أوطانهم حالياً، هم الذين سيفتحون الطريق لمن يطالب يوماً ما بالحرية لفلسطين.

واليوم، تحتفي تلك الأرض التي كانت محتلة قبل اثني عشر عاماً، في حريّتها، لكن بقلق على لبنان الذي يشهد يوميّاً حوادث مؤلمة وخطرة تُنسي المواطنين الفرح والتنمية.. وسط إحساس بأن الأمن أولاً. ولا أمن مع الاحتلال، أو مع خطر محدق.

يضحك أبو وليد حين يُسأل عن رأيه في إسرائيل، في ذكرى التحرير. هو لا يعرف ماذا بقي من هذا الاحتلال وما الذي لم يبقَ منه بالتحديد. يسأل: "هل نتحضّر لضربة جديدة في لبنان؟". فيوم الذكرى صحيح قريب، وهو يعرفه من تعميم جاءه من مدرسة الأولاد يفيد بتعطيل الدروس للمناسبة. لكن التحرير بحدّ ذاته، أضحى حدثاً بعيداً بالنسبة إليه. و"لماذا الحديث عنه في الأصل؟". يحاول الرجل الستيني قياس الزمن من خلال عمر ابنه الذي ولد بعيد الحدث و"صار شاباً اليوم" (12 سنة). ثم يقارن الحدث بالحوادث التي توالت على لبنان، لا سيما منذ العام 2005، أي بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. من دون أن ينسى أن إسرائيل عادت ذات صيف، في العام 2006، ودمّرت وقتلت وشرّدت وهجّرت وما زالت آثارها محفورة على أجساد كثيرين ومنقوشة على حجارة كثيرة في الجنوب. ويسأل: "عن أي تحرير نتحدث؟".

يعتبر ابن كسروان أن لا معنى للذكرى اليوم وأن اللبنانيين، يهدفون من إحيائها إلى الحصول على جرعة من الفخر والاعتزاز أمام "جبار" يهابونه حتى بعد الانتصار عليه في العام 2006. وبالنسبة إليه طغت على الحدث أحداث أليمة كثيرة عصفت بلبنان وما زالت تعصف به. اغتيال الحريري واحد منها، وانقسام لبنان إلى شارعين حدث آخر، أما الفلتان الأمني فبات طبقاً يومياً، لا سيما مع انفلات الوضع في سوريا وما يترتب عليه من نتائج في لبنان.

ولعلّ خطر الوضع المعيشي يكاد يتفوق على الخطر الصهيوني، بالنسبة إلى أبو وليد، الذي رأى في سقوط النائب السابق منصور غانم البون في الانتخابات النيابية الأخيرة "نكسة" هدّدت معيشته "لأن البون خدوم"، وفي الغلاء المستشري "نكبة" تهدد لقمة العيش من شمال لبنان إلى جنوبه.

وإذا كانت إسرائيل "حاضرة" و"غائبة" في الوقت نفسه بالنسبة لهذا الرجل، فإن أبو محمود ابن البازورية ما زال يعيش على إيقاع احتلالها، هو يعتبرها "أصل كلّ علّة"، والمحرّك الرئيس لكل ما شهده ويشهده لبنان من أحداث داخلية.

تربى الرجل الخمسيني على فكرة العدوّ الواحد، الذي يرى فيه عدواً للإنسانية جمعاء، "حتى أميركا القوة العظمى في المرحلة الحالية، ترتهن لإرادة إسرائيل". ويجد أن علينا دائماً أن "نحسب حساب للعدو الغدار الذي لا شبيه له في التاريخ".

يصلّي الأب لخمسة صبية، كلما زرع حقوله، كي تنبت بـ"سلام" ويبعد عنها الله ضربة من إسرائيل. فلا يمكن لابن الجنوب إلا أن "يحسب لها حسابا" ولو أنه يعتبر أن "صفعة" العام 2006 ما زالت آثارها بادية على وجه الكيان الصهيوني.

من هنا الحديث عن سلام أو تفاوض أو حتى أي صيغة للتعامل مع هذا العدوّ من دون استخدام السلاح، أمر مرفوض وبشدّة منه لأن "للعدوّ الاستثنائي مقاومة استثنائية خصوصاً أن التواصل معه ديبلوماسياً لا شكّ خاسر وما التجربة إلا خير برهان".

أمام الحسم الذي يبديه أبو محمود، يبدو شباب اليوم في حالة ارتباك تجاه إسرائيل تحديداً. فالداعم منهم للمقاومة والمختلف معها على قاعدة تشجيعه فريق 14 آذار، يؤكدون أنه يجب البحث في وسائل تضع حدّاً لهيمنتها على المنطقة من دون الانجرار إلى الحرب. وإذ بدأ يتقبل مؤيدو 14 آذار فكرة السلام والحوار و"لكن من موقع القوي لا الضعيف"، وفق جاد، طالب الحقوق في "جامعة القديس يوسف". يجد شباب، مثل رائف، طالب الاقتصاد في "الجامعة الأميركية في بيروت"، أن الحوار لن يجدي نفعاً "بل علينا البحث عن سبل جديدة على غرار تأسيس لوبي قوي وفعال في دول الاغتراب لجذب الرأي العام العالمي لمصلحتنا، يساندنا للتخلّص من هيمنة هذا الكيان". لا يجرؤ رائف على الإدلاء بتصريحه هذا أمام والده الذي يكرّر له دوماً أن "التاريخ يثبت زوال الكيان الصهيوني. وزواله لا شكّ قريب". لكن رائف يعتبر أن ما أثبته التاريخ في حروب مختلفة لن يسري على إسرائيل.

تبرهن الجولة على عدد من الجامعات أن الشباب لا يولون أهمية لذكرى التحرير. ويظن عدد كبير منهم أن الأحداث التي يشهدها لبنان والمنطقة من جهة وممارسات السياسيين اللبنانيين من جهة أخرى وقعها أشدّ خطورة على لبنان واللبنانيين. حتى إن أحدهم قال: "نعاني من إسرائيل على الحدود ومن عزرائيل في الداخل".

تعليقات: