نصوص من الصحافة الإسرائيلية: الإعلام الإسرائيلي كان شريكاً في إخفاق الحرب العسكرية على لبنان


يوماً بعد يوم يتبدى للجميع أن الحرب الإسرائيلية على لبنان كانت فشلاً بكل المعاني العسكرية والسياسية والأخلاقية والحضارية. ومن الجائز أنه لو كان العالم لا يزال يقف على قطبين لظهرت درجة أعلى من التوازن في قراءة نتائجها. وقد لخص تقرير لجنة فينوغراد المرحلي الأداء العام الإسرائيلي الحكومي والعسكري في تلك الحرب بكلمة «الفشل». ولكن الفشل حقيقة لم يكن فقط من نصيب السلطتين الأولى والثانية في إسرائيل (التنفيذية والتشريعية) بل كان كذلك من نصيب «السلطة الرابعة».

فوســائل الإعلام الإســرائيليــة التي كثيراً ما تفاخرت باستقلاليتها وباحترامها لمبدأ التدفق الحر للمعلــومات والعــرض الموضوعي للمعطيات تبدت في حرب لبنان الثانية في أبشع صورة. فقد كانــت في الغـالب الأعم وسائل إعلام مجندة وملتزمة بالسياسة العامة للحكومة الإسرائيلية وبالتالي لعبت دوراً بارزاً ليس فقط في تسهيل استمرار الحرب وإنما كذلك في تبرير فظاعاتها.

وفي تقرير لمركز حماية الديموقراطية في إسرائيل «كيشف» بعنوان «حرب حتى اللحظة الأخيرة» الإعلام الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية جرى فضح الدور البشع لهذا الإعلام. والواقع أنه ظهرت في إسرائيل خلال العام الفائت أصوات طالبت بتشكيل لجنة لفحص دور الإعلام الإسرائيلي وتقصيره في لعب الدور الانتقادي في الحرب. إلا أن قادة الرأي العام في إسرائيل اختاروا الركون إلى تقييمهم لأنفسهم وتجنبوا تحميل أنفسهم أية مسؤولية عما جرى في تلك الحرب. ومن الجائز أن مجلة «العين السابعة» التي تعنى بشؤون الإعلام في إسرائيل كانت بين القلائل الذين تناولوا الموضوع بخجل. تجدر الإشارة إلى أن الصفة الغالبة للصحافيين الإسرائيليين في الحرب تنبع من حقيقة أنهم جنود الدولة في الحرب ضد العرب وليسوا جنود الحقيقة. ويشدد أغلب الصحافيين الإسرائيليين على أنه ليس في عملهم لما يرونه مصلحة إسرائيل أي مساس بمهنيتهم.

غير أن مركز حماية الديموقـراطية هذا وفي إطار مشــروعه «أكثــر من كلمات» عمد إلى تناول هذه المسألة عبر دراسة تسعة آلاف مقالة مكتوبة ومصورة وخلص هو الآخر إلى نتيجة مفادها خيانة الإعلام الإسرائيلي لدوره المهني. ويحاول التقرير في مقدمته التي جاءت بعنوان «النصر لنا» أن يروي قصة الإعلام الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية عبر الإشارة إلى الفجوة التي لا يمكن التجسير عليها بين عنوانين رئيسيين لصحيفة «معاريف»، الأول في اليوم الأول للحرب، والثاني بعد ثمانية شهور من انتهائها. وقد صرخ العنوان الأول في 13 تموز 2006 : «إعلان الحرب»، فيما كان العنوان الرئيس للتحقيق الذي نشرته الصحيفة في 30 آذار 2007 «هكــذا تدحرجنا إلى حرب لم نكن نريدها».

ورأت مقدمة التقرير أن «معاريف» بهذا الفعل عمدت هنا بشكل فظ وصريح إلى إظهار ما حاولت الصحف الأخرى فعله في شهور ما بعد الحرب بشكل مستتر. فقد حاولت إخفاء أثرها ورواية القصة بطريقة مقلوبة من النهاية إلى البداية: فهي أرادت القول إنه الآن بعد شهور من الحرب، في ذروة عاصفة الانتقادات العامة نحن نعرف ما لم نكن يفترض التطلع إليه في هذه الحرب. مما يوحي بأن الصحيفة كانت ضد الحرب حين وقوعها.

ويشدّد التقــرير على أن أياً من وسائل الإعــلام الإسرائيليــة المــركزية «لم تغط الحرب على أنها حــرب تدحرجــت إليــنا ولم نكــن نريدها». فعدا قلة قليلة من الحالات الاستثنائية، غطت كل وسائل الإعلام الإسرائيلية الحرب بشكل أظهر التأييد التام والمطلق لها ولمبرراتها. وقد تجلى هذا التأييد بطرق مختلفة: أحياناً كان أكثر حماسية وأحياناً أخرى أقل. وبين حين وآخر كانت تظهر انتقادات لأبعاد تكتيكية هنا وهناك في إدارة الحرب، وتعاظمت هذه الانتقادات مع اقتراب الحرب من نهايتها، عندما تبين إخفاق الجيش الإسرائيلي في تحقيق النصر.

يقع تقرير كيشف باللغة العبرية في 177صفحة وينقسم إلى سبعة فصول وخلاصة وملاحق. وفيما أن الفصل الأول هو مقدمة يختص الفصل الثاني بتغطية أهداف الحرب وعملية اتخاذ القرارات، ويركز الفصل الثالث على تغطية صناع القرار الذين كانوا يتمتعون، وفق الإعلام الإسرائيلي «بعمود فقري من الفولاذ». أما الفصل الرابع فإنه يتعلق بـ«الخوف من الهزيمة» والتساؤلات حول مصير قوة الجيش الإسرائيلي وحقيقة أن مجرد بقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على قيد الحياة يعني «فشل» إسرائيل في هذه الحرب التي أسميت «حرب إسرائيل ــ إيران الأولى». ويشير الفصل الخامس إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية مع تركيز حول «صمود اليهود» وعدم ولاء العرب. ويركز الفصل السادس على طريقة تعاطي الإعلام الإسرائيلي مع التدمير الإسرائيلي والقتل في لبنان وكأنه كارثة طبيعية من جهة وأن السياسة الإسرائيلية ضد هذا البلد وأهله «مبررة». وتنتهي الفصول بالسابع بالاتصالات السياسية وطريقة تعاطي الإعلام معها عبر تجاهلها في البداية وملاحظة أنه كان بالوسع التوصل إلى تسوية منذ البداية.

عموماً بعد انتهاء الحرب كما يؤكد التقرير، غرق المجتمع الإسرائيلي في موجة لم يسبق لها مثيل من النقد لصناع القرار، أولمرت، بيرتس وحلوتس. وتبنت وسائل الإعلام هذه الانتقادات ونصبت لها المنابر الواسعة. وشدد التقرير على أن شعور وسائل الإعلام كان أنه بعد انتهاء الحرب الآن، صار بالوسع قول ما لم نكن نسمح لأنفسنا بقوله أثناء الحرب. غير أن هذا المنطق القائل بوجوب انتظار انتهاء الحرب حتى يمكنك أن توجه الانتقادات هو ما أعتبره التقرير «أحد أشد المقومات سخافة في المشاعر والآراء التي تنتج في نهاية المطاف الالتزام الإعلامي، ليس فقط في هذه الحرب، وإنما كذلك في الحروب التي سبقتها وفي الانتفاضتين».

تعليقات: