إفلاس 21 محلاً تجارياً في حاصبيا وإقفالها خلال سنة... وتخوف من الأسوأ

تجار سوق حاصبيا يترحمون على أيام الحركة
تجار سوق حاصبيا يترحمون على أيام الحركة


إفلاس 21 محلاً تجارياً وإقفالها خلال سنة... وتخوف من الأسوأ

تراجع غير مسبوق في حركة أسواق حاصبيا بنسبة 70 في المئة

ترتفع شكوى أصحاب المحال والمؤسسات التجارية في حاصبيا، من تخلف زبائنهم عن دفع ديونهم المزمنة والمتراكمة لعدة سنوات متتالية، من دون أن تبدو لدى معظمهم أي نية لتسديد ما يتوجب عليهم من مبالغ في المدى القريب. وذلك بذريعة العوز، وعدم توفر السيولة، في ظل ركود اقتصادي خانق ووضع معيشي صعب، يتفاقم يوما بعد يوم، ليزداد قسوة مع كساد المواسم الزراعية، وخاصة زيت الزيتون المورد الرئيسي في هذه المنطقة، التي يرتفع فيها بشكل تصاعدي حجم البطالة القاسية، مع الغياب التام للمعالجات المطلوبة.

الوضع الاقتصادي الصعب دفع بالعديد من أصحاب المحال التجارية، وحتى محطات المحروقات، إلى رفع لافتات عند واجهات مؤسساتهم تهدد بتشويه سمعة الزبائن المتخلفين عن دفع الديون ومنها عبارة «قريبا أسماء المتخلفين عن الدفع، لا تدفعونا إلى المحاكم»، مع الاحتفاظ بحقهم في اللجوء إلى القضاء كوجهة أخيرة للحصول على حقوقهم. إذ إن نسبة عالية من رأسمال المحال، تحول إلى ديون في أيدي زبائن رفضوا الدفع، على خلفية اقتصادية خانقة، كما يقول أبو سامر، وهو صاحب محل لبيع الدهان، يضطر اليوم إلى إقفال مؤسسته بعد أقل من سنة على فتحها، بسبب ديونه عند الزبائن والتي وصلت إلى 85 في المئة من قيمة رأسمال محله. وقد عجز بدوره عن تسديد ديون الشركات، علماً بأنه غارق في قروض لأحد المصارف، فقرر إقفال المحل للحد من خسائره. وتخلى عن تجارته قبل أن يتمكن من استرجاع ديونه.

الوضع الاقتصادي، وفق المعطيات إلى تراجع في حاصبيا، فحركة البيع والشراء في مختلف القطاعات التجارية والإنتاجية شبه معدومة، لتصل إلى حد القلق عند أصحابها والعاملين فيها على حد سواء. وهم يتخوفون من اشتداد الأزمة المتجهة إلى مصير قاتم، في ظل الأوضاع الأمنية المفتوحة على كل الاحتمالات في سوريا، والتهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، ناهيك عن التوترات الأمنية المتنقلة بين الكثير من المناطق. يتزامن ذلك مع الجدل الداخلي بين مختلف الأطياف السياسية والحزبية. لتنعكس تلك العوامل مجتمعة سلباً على القطاعات المنتجة، وتهدد بانهيارها، وصولاً إلى إفلاسها وإقفالها، ما سيسحب حتما بساط الأمان من تحت أقدام معظم شرائح المجتمع وحتى الميسورة منها. أبو حاتم، صاحب محل لبيع اللحوم المبردة، يلعن الساعة التي فكر فيها بدخول هذا المجال، فخسائره اليومية تفوق ضعف البيع، بحيث يضطر في نهاية كل اسبوع إلى رمي كمية كبيرة من اللحوم، «التي فسدت بسبب تقنين التيار الكهربائي، علة العلل»، كما يقول. يفكر بإقفال المحل لأنه لم يعد بمقدوره تحمل الأعباء المتراكمة التي لا ترحم، فنهاية كل شهر عليه تسديد مجموعة فواتير تصل إلى حدود 500 دولار، تضاف إلى خسائره الناتجة عن الكساد وعدم التصريف. يوضح «إذا تخليت عن المحل يعني هناك خسارة في المعدات وفي الديكور وما شابه، تصل إلى حدود 12 الف دولار، وذلك يساوي رأسمالي. وأنا في حيرة من أمري».

تاجر الملبوسات أبو ساري يحار كيف يتصرف مع زبائنه، يقول: «لدينا ديون على مئات المواطنين تعود لعدة سنوات مضت، نحاول أولا الحصول على الدين المزمن، ونأمل ألا نضطر إلى رفع الأسماء على واجهة المحل أو حتى التوجه إلى القضاء». يضيف «إننا نشعر مع الزبائن، لكن هل يجوز أن نبيع ثوبا اليوم مثلاً ونقبض ثمنه بعد أربع سنوات؟ علما بأن الديون بمعظمها كانت خلال شهر التسوق من كل سنة، بحيث نخفض أسعارنا بنسبة كبيرة، مراعاة للوضع الأقتصادي المتدهور الذي يطال التاجر والزبون على حد سواء». ولم تنفع «كل العروضات والإغراءات التي نلجأ اليها بين فترة وأخرى»، كما حال لوركا، وهي صاحبة محل أحذية، تقول «خفضنا الأسعار بنسبة 50 في المئة، لم يتحسن البيع، من أين يأتي الزبون بالمال وهو بالكاد يتمكن من تأمين القوت لعائلته، هناك مثلا توجه نسبة كبيرة من العائلات إلى محال البالية، إنها أرخص فعلاً. ويمكن لرب العائلة أن يوفر».

حتى محال البالية «باتت تئن من الوضع الصعب على الرغم من انخفاض الأسعار فيها»، كما أكدت سهيلة صاحبة أحد تلك المحال، فهي باتت على قناعة راسخة بالمعادلة التجارية التي عاشتها، «لا اقتصاد قويا في ظل ضعوطات أمنية ومشاكل هنا وهناك، الوضع الاقتصادي صعب لدى نسبة كبيرة من الناس». تضيف «إذا لم تتحسن أوضاع الناس المادية فستبقى الأسواق في حال يرثى لها».

وأشارت الإحصاءات المحدثة لجمعيات تعنى بالوضع الإقتصادي في المنطقة، إلى «تراجع في الحركة الاقتصادية، بنسب كبيرة عن السنة الماضية فاقت 58 بالمئة»، في حين يشير العديد من أصحاب المحال التجارية والصناعية والمؤسسات السياحية، إلى أن «التراجع بلغ 70 بالمئة»، مؤكدين أن مثل هذا الكساد «لم تشهده أسواق المنطقة منذ أمد طويل. وبات الخوف أن يرتفع عدد المؤسسات التي أقفلت أبوابها، علماً بأن 21 محلا تجاريا أقفلت خلال العام الماضي، نتيجة للركود الاقتصادي، وارتفاع بدل الإيجارات، الرسوم، الضرائب، فواتير الكهرباء والهاتف وما إلى ذلك. وتقول سوسن عاملة في باتيسيري يعنى بتجهيز موائد الأعراس والمناسبات: «إن السنوات القليلة الأخيرة كانت قاسية فعلا على المواطنين، نحن هنا نخسر سنويا نحو 8 في المئة من ديوننا عند الزبائن، هناك أمثلة كثيرة عن تخلف الكثير من الزبائن عن تسديد حقوقنا لديهم، فمواطن كان قد استدان منذ 5 سنوات تشكيلة من الحلويات يوم زفافه، واليوم بات طفله في الخامسة من عمره في حين ثمن الحلوى لم يسدده بعد».

ويصف صاحب محل فاكهة من عائلة الحرفوش، على طريق راشيا مرجعيون الدولية الوضع بـ «الغريب»، يقول: «نعيش اليوم واقعا مأسويا لم نشهد مثيلا له من قبل، حيث ان نسبة التراجع في حركة البيع والشراء تخطت الـ 70 بالمئة، والأسواق تشهد على ذلك»، محذراً من أنه «إذا استمر الوضع على ما هو عليه فان العديد من أصحاب المحلات سيقفلون أبوابها، لكونهم سيعجزون عن تسديد الديون المترتبة لتجار الجملة والمصارف». يضيف «كان محلنا يعج بالزبائن من جميع المناطق اللبنانية، أما اليوم، فمنذ عدة أشهر غاب الزبائن، والحركة خفيفة جدا، بالكاد نسدّ بدل الإيجار والمصاريف الأخرى على الرغم من انطلاقة الصيف وهو الفصل الذي نعول عليه عادة». ويقول نسيم، وهو صاحب مطعم وجبات سريعة: «ندخل كل يوم في مراهنة مع الذات، فهل سنتمكن من بيع كيلوغرام من الكفتة، أي نحو 15 سندويشا، وعدد مماثل من سندويشات الفلافل؟». يضيف «إنها مشكلة لم نجد لها حلاً، في المساء نضطر إلى رمي كمية كبيرة من اللحوم إلى الحيوانات الأليفة أو إتلافها. وتردد ناديا ربة عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص «أمام هذا الوضع المأسوي نتجه إلى الأسواق الشعبية للتوفير، لكن مهما تحايلنا فالغلاء مستشر ولا يرحم. وسياستي في هذه الفترة الحدّ من شراء ملابس الأطفال لصالح تأمين لقمة العيش، إن الوضــع لم يعد يطاق وعلى الجهات المسؤولة بذل كل الجهود لإنقـاذ الحركة الاقتصادية قبل فوات الأوان».

تعليقات: