الفلسطينيون بعدما فقدوا أبسط حقوقهم الإنسانية: بدنا نعيش... بس مش بلبنان

تركوا كل شيئ ورحلوا ليعودوا إلى نقطة الصفر، فمن يصون حقوقهم؟
تركوا كل شيئ ورحلوا ليعودوا إلى نقطة الصفر، فمن يصون حقوقهم؟


بعد تدمير مخيم البارد وغياب الحقوق وضيق آفاق المستقبل

مجموعة فلسطينية تحت شعار: «بدنا نعيش... بس مش بلبنان»

البداوي :

قد لا يختلف اثنان على أن المواجهات الدائرة منذ شهرين ونصف الشهر في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الاسلام، وما ألحقته من دمار شامل في المباني والمؤسسات التجارية والصناعية والاقتصادية، قد أعادت كل أبناء المخيم الى نقطة الصفر. وذلك بعد عقود من الجهد والتعب والنضال من أجل تأمين سبل العيش الكريم، وتطوير مقدرات الحياة لدى العديد من الفلسطينيين الذين نجحوا في إثبات ذواتهم على أكثر من صعيد متجاوزين في ذلك سياسة اللامبالاة، وانعدام الاهتمام الرسمي وغياب الحقوق الاجتماعية وحق التملك والعمل وسائر الحقوق الأخرى التي كان يتم تجاوزها أو غض الطرف عنها، تحت عناوين عديدة أهمها: رفض التوطين، وحق العودة وفقا للقرار .194 ما جعل نحو ستة أجيال من الفلسطينيين يعيشون على مدار ستين عاما في ظروف صعبة للغاية في مخيمات تفتقر الى أبسط مقومات الحياة تحت شعارات الكفاح المسلح والعودة الى الوطن الأم فلسطين.

أما وقد دخل مخيم نهر البارد في النفق المظلم، وتقطعت السبل بعائلاته التي باتت تعاني من الفقر والتشرد وتتوزع في مراكز ومدارس النزوح بانتظار ما ستؤول إليه الحلول المقترحة من إيواء مؤقت في أراض مشاع للدولة قريبة من مخيم البداوي، وإعادة إعمار للبارد، والمعوقات والعراقيل التي قد تظهر هنا وهناك وما يمكن أن تتسبب فيه من تأخير في تنفيذ هذه المشاريع، والتخوف أيضا من إمكانية أن يتحول المخيم المؤقت الى ثابت، ما يؤدي الى إزالة مخيم البارد شأنه في ذلك شأن مخيمي النبطية وتل الزعتر. وفي ظل ما يتعرض له الفلسطينيون منذ إنطلاق مواجهات البارد من حصار أمني يتمثل بالتدابير التي تتخذها الأجهزة الأمنية على حواجزها حيالهم، ومن حصار مالي يتمثل بالبطالة التي تجتاح صفوفهم وبانهيار مقدراتهم الاقتصادية والتجارية داخل المخيم. وفي ظل الأوضاع السياسية المتردية في لبنان والخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية وانعكاساتها السلبية عليهم، بدأت مجموعة من المثقفين الفلسطينيين بتكوين تيار شبابي اتخذ من تحركه شعار: «بدنا نعيش... بس مش بلبنان» وذلك كردة فعل على ما بات يواجهه الفلسطينيون في لبنان، وبعد الانهيار الكامل الذي تعرض له نحو 40 ألف فلسطيني في مخيم نهر البارد، وإمكانية ان ينسحب ذلك على عدد من المخيمات.

وينطلق هذا التيار من ثوابت أساسية تقول أن الفلسطينيين منذ ستين عاما يعانون الأمرين على كل صعيد، فلا حياة كريمة أو حقوق مدنية خوفا من التوطين، ولا إقامة لائقة أو مستقرة خوفا من التفريط بحق العودة، وبالتالي فإن ستين عاما عجافا مروا على الفلسطينيين من دون أن ينالوا أيا من هذه الحقوق وهم بالتالي لم يصر الى توطينهم أو الى إعادتهم الى بلدهم الأم، لذلك فإن هذا التيار الذي يحمل كل محبة ووفاء للبنان، لم يعد قادرا على العيش على أرضه، خصوصا أن شريحة واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني وبالتحديد في مخيم البارد عادوا الى ما كانوا عليه قبل ستين عاما. وبما أنه لا شيء مضمونا في المستقبل القريب أو البعيد، فلتكن الانطلاقة الجديدة لهذا التيار خارج لبنان بما يساهم في تأمين مستقبل أعضائه على أرض ثابتة ولأمد بعيد.

وتقوم المجموعة الشبابية التي لم تعلن عن نفسها بعد، بإعداد كتيّبات تتضمن أفكارها وطروحاتها والأسباب التي تدفعها لرفع شعار: «بدنا نعيش ... بس مش بلبنان». إضافة إلى إطلاق موقع خاص بها على شبكة الأنترنت لمخاطبة كل شعوب العالم وطرح مشاكلها والوصول الى الحلول المرجوة.

كما تستعد هذه المجموعة لتنظيم برنامج زيارات الى العديد من القيادات اللبنانية وفي مقدمتها البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، والسفير البابوي في لبنان، وبعض سفراء الدول التي قد تفتح مجالا لهجرة أعضائها وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوستراليا والدول الاسكندنافية وذلك لطلب المساعدة في تنفيذ رغبات اعضائها في مغادرة لبنان.

ويؤكد عدد من أعضاء المجموعة الشبابية أن هذه الخطوة ليست ضد أحد، ولا علاقة لها بالسياسة، ولا يفكر أحد من السياسيين في أن يستثمرها لمصلحته، لأنها صرخة من شباب فلسطيني مثقف محروم من أبسط مقومات العيش في بلد يبدو أنه لم يعد قادرا على إستيعابهم. لذلك لجأوا الى تشكيل هذا التيار علهم يستطيعون من خلاله أن يجدوا بلدا يستضيفهم ويساعدهم على تأمين مستقبلهم بعيدا عن السياسة والعسكر، وبغض النظرعن التشنجات والخلافات والتجاذبات التي تحصل في لبنان والتي تنعكس في كل الأحوال سلبا على الفلسطينيين.

يقول أحمد حسن (أحد المنتسبين الى المجموعة) أن الهجرة من لبنان باتت حلما يراود أكثرية أبناء الشعب الفلسطيني، خصوصا بعد تدمير مخيم البارد وتشريد أهله، وفي ظل المستقبل المجهول على هذا الصعيد، لافتا الى أن الفلسطيني لم يعد قادرا على التحمل، خصوصا في ظل ما يواجهه من حصار غير مبرر في شتى المجالات، حيث بات كل فلسطيني في لبنان متهما بنظر الأجهزة الأمنية حتى تثبت براءته، «لذلك نحن وجدنا في هذا التيار فرصة للتعبير عن رغبتنا بالسفر الى أي دولة أخرى لنتمكن من العيش بسلام وكرامة».

ويؤكد علي شحادة، من جهته انه يعتبر نفسه يعيش في أكثر الدول حرية وديمقراطية، و«لكن للأسف الشديد بدأنا نشعر أن هذا الهامش بدأ يضيق شيئا فشيئا وصولا الى الحصار الكامل، والتدمير الشامل في مخيم البارد، لذلك نحن لم نعد نريد البقاء في لبنان، ونتمنى على الدول التي ترفع شعار الحرية وحقوق الانسان أن تستضيفنا على أرضها، لأننا تعبنا ولم نعد قادرين على التحمل وبتنا على وشك الانفجار، فإما أن ننال حقوقنا كاملة في هذا البلد، وإما أن يصار الى ترحيلنا الى بلد يضمن لنا أبسط الحقوق الإنسانية».

تعليقات: