رمضان القرى الحدودية: عودة إلى «البابور واللوكس والكبكة»

يضطر الأهالي لقصد السوق يومياً بسبب غياب الكهرباء (الأخبار)
يضطر الأهالي لقصد السوق يومياً بسبب غياب الكهرباء (الأخبار)




«أجواء رمضان» هي التي تشدّ الكثيرين إلى انتظار هذا الشهر وعيش طقوسه. إلا أنها في القرى الحدودية الجنوبية، تذكّر الأهالي بواقعهم السيّئ على صعيد الخدمات، إذ تزداد الحاجة إلى المياه والكهرباء، وحتى إلى جهاز التلفزيون، من دون القدرة على تأمينها

لا مسلسلات رمضانية في العديد من القرى الحدودية الجنوبية. انقطاع الكهرباء، وغياب المولّدات، حرم أهالي المنطقة هذا «الطقس» الرمضاني. إلا أنه لم يكن «أعظم» الخسائر، بل يدرجه المواطنون ضمن لائحة شكاواهم، للإشارة إلى أنهم محرومون حتى وسائل الترفيه. فالمنطقة، لا تعاني انقطاع التيار الكهربائي فحسب، بل أيضاً غياب الخدمات العامة والخاصة البديلة عنه، على عكس المناطق اللبنانية الأخرى، كما تفتقر إلى المحال التجارية المختلفة، ما يضاعف معاناة الأهالي، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك، لدى شراء الأطعمة واللحوم والحلويات. ففي غياب الكهرباء، لا برادات تحفظ ما يشترونه من أماكن بعيدة، لا يستطيعون أن يقصدوها يومياً.

في هذا الإطار، يلفت عبد الكريم يونس، من بلدة مركبا في قضاء مرجعيون، أن «الأهالي عادوا إلى استخدام بابور الكاز واللوكس وحتى «الكبكة» التي تعلّق في أعلى سقف المنزل كبديل عن البرّاد». وهذا ما تؤكده ريهام عطوي «نحن محرومون مشاهدة المسلسلات الرمضانية وشراء الحلويات، ونضطرّ إلى إشعال البابور واللوكس عند السحور لإطعام أولادنا».

هذا الواقع جعل أبناء قرى مركبا وبني حيان وحولا ورب ثلاثين وديرسريان «يشترون حاجتهم اليومية فقط من الخضار واللحوم خوفاً من تلفها، إذ لا توجد مولدات تقدم اشتراكات الكهرباء، كما في بقية المناطق». ويشير داوود يونس الى أن «عدم وجود المولدات الكهربائية حرم الأهالي أيضاً خدمة البطاريات، لأنها تحتاج الى الكهرباء لأكثر من 6 ساعات متواصلة، واللّافت أن الأهالي لا يستخدمون المولدات الكهربائية الصغيرة رغم وجودها نظراً إلى غلاء البنزين، فاستخدام الموتور ساعات قليلة يكلّف أكثر من10 آلاف ليرة».

في بلدة بني حيان تضطرّ أم علي جابر إلى أن تسير تحت أشعة الشمس، لأكثر من 20 كلم باتجاه بلدة العديسة لشراء اللحوم والخضار، وتقول «هكذا يفعل الذين لا يملكون السيارات، أو يضطرّون إلى انتظار سيارة عابرة تقلّهم، فانقطاع الكهرباء وعدم وجود الاشتراكات البديلة حرمانا تخزين المواد الغذائية في منازلنا، تصور أن كيلو اللحمة سنضطر الى شرائه كل يوم من أماكن بعيدة، وهذا مكلف ومرهق». وفي مركبا حاول أحد أبناء البلدة بيع اللحوم في البلدة، لكنه بحسب داوود يونس «يضطر الى تشغيل مولده الكهربائي الخاص الى أن يبيع كل ما عنده من اللحوم، لذلك بات يشتري كميات قليلة جداً من اللحوم لبيعها».

وقد حاولت بعض المجالس البلدية تأمين اشتراكات الكهرباء للأهالي بأسعار مدعومة، فنجحت في قرى شقرا وعيترون وبنت جبيل وغيرها، لكنها أخفقت في حولا ومركبا، «بسبب عدم قدرة معظم الأهالي على دفع بدل الاشتراك، أو لأن الطبيعة الجغرافية لهذه البلدات لا تسمح بتأمين الاشتراكات، فالمنازل بعيدة كثيراً بعضها عن بعض»، كما يقول مختار بني حيّان صلاح جابر. الأخير يرى أن «هذا الإهمال أسهم في مزيد من هجرة الأهالي ونزوحهم، حتى باتت القرى خالية من الشباب، ففي البلدة بات لا يقيم أكثر 200 نسمة، كما أن انقطاع الكهرباء المستمر وعدم وجود فرص للعمل جعلا البلدة أشبه بمدينة أشباح، وبتنا نضطرّ إلى النوم على سطوح المنازل هرباً من الحرّ رغم انتشار البرغش»، فيما يصف فؤاد مسلماني الأمر بالقول «إن بلداتنا أصبحت مساكن للمقعدين والمتقاعدين، رغم ذلك نعيش كأسرة واحدة يساعد بعضنا بعضاً على تحمّل الأيّام المرّة»، مطالباً بـ«إنشاء المعامل والمصانع لتشجيع الأهالي على العودة الى قراهم، وتأمين متطلّبات العيش الكريم، إذ لا يوجد في منطقة مرجعيون كلّها فرن اوتوماتيكي واحد، وفي حرب تمّوز انقطع الخبز سريعاً بسبب انقطاع الطرقات». وفي بلدة ربّ ثلاثين لا يوجد إلا دكان صغير بداخله بعض المعلّبات والعصائر وعلب السجّائر وغيرها. ويضطرّ أبناء البلدة المقيمون فيها (حوالى 500 نسمة) إلى الانتقال إلى العديسة القريبة التي تنتشر فيها أغلب أنواع المحال التجارية، لشراء حاجاتهم من اللّحوم والحلويات والأدوات المنزلية وغيرها. وكذلك الحال في بلدات بني حيّان وطلّوسة والقنطرة. أمّا المطاعم وأماكن السهر، فلا وجود لها على الإطلاق في هذه القرى، حيث يقول فؤاد مسلماني «في ساعات الليل الطويلة تبدو المنطقة مظلمة وغير مأهولة، باستثناء بعض الصبية، الذين يجدون من الطرقات العامّة ملاذهم الوحيد لقضاء سهراتهم القصيرة».

الوضع ليس مختلفاً في القرى التي تشهد تعايشاً إسلامياً مسيحياً في بنت جبيل. هنا، يصوم بعض المسيحيين مع جيرانهم المسلمين طوعاً. في تبنين، يجلس جريس على كرسيّه داخل مركز عمله، ويبدأ بعدّ الساعات الباقية لموعد الإفطار «فنحن نتهيّأ للإفطار كجيراننا، وننتظر هذا الشهر بشغف، فهو يغيّر الروتين المملّ لحياة القرويين». أما جورج توما (صفد البطيخ) فيؤكد أنه وزوجته يعيشان هذا الشهر كما يعيشه المسلمون «نمتنع مثلاً عن التدخين خارج المنزل، وندعو على موائد الإفطار كالصائمين، أمّا سهرات الليل، فحدّث ولا حرج». ويقول جريس حدّاد «أذهب مع زوجتي إلى المطاعم في وقت الإفطار ونأكل الفتّوش والشوربة والقطايف، بقي فقط أن نشارك في إحياء ليالي القدر».

بدوره يرفض أبو جورج يعقوب (برعشيت) الحديث عن أيّ اختلاف بين المسيحيين والمسلمين، «فنحن نعيش معاً ونراعي مشاعر بعضنا بعضاً منذ مئات السنين».

تعايش في الصوم

أربع قرى مختلطة بين المسلمين الشيعة والمسيحيين في قضاء بنت جبيل، تمثّل نمطاً طبيعيّاً وعفويّاً للعيش المشترك والوحدة الوطنية التي يسعى اللبنانيون الى تحقّقها. فهذه القرى (صفد البطّيخ، تبنين، يارون، برعشيت) هي بالنسبة إلى جورج توما (صفد البطيخ) «بلدات نموذجية يعيش فيها الشيعة والكاثوليك معاً منذ مئات السنين، حتى بات المسيحيّون ينتظرون شهر رمضان وعيد الفطر، ويراقبون طلوع الهلال أيضاً، إلى حدّ أن بعض المسيحيين هنا أصبحوا خبراء في أماكن طلوع الهلال والطرق الأفضل لرؤيته».

تعليقات: