موسـم سيـاحـي صيفـي مزدهـر فـي متنزهـات الوزاني

جانب من قرية حصن الوزاني («السفير»)
جانب من قرية حصن الوزاني («السفير»)


موسـم سيـاحـي صيفـي مزدهـر فـي متنزهـات الوزاني: أعـراس واحتفـالات صاخبـة على مـرأى مـن جنـود العـدو

ناتالي اليونانية تستلقي إلى جانب زوجها اللبناني وطفليهما الصغيرين، على كرسي هزاز عند الضفة الغربية لمجرى الوزاني، تنظر إلى مياه النهر المنسابة نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة. تقول بلكنة عربية متكسرة، إنها «من أجمل وأهدأ المناطق السياحية التي زرتها، لقد شاهدتُ منذ سنة صور هذا الحصن على الإنترنت، أعجبت بهندسته وتصاميمه التي غلب عليها الحجر الأسود المميز. قررت وعائلتي تمضية عدة أيام. إننا مرتاحون جداً. ولم نشعر بما يعكر هدوء المنتجع». ما قالته ناتالي يردده مئات من السياح المحليين والأجانب، الذين يقصدون منتزهات الوزاني بكثافة، وخاصة حصن الوزاني المميز بهندسته ذات الطابع القروي القديم، والتي لا يفصلها عن الكيان الصهيوني الغاصب سوى مجرى النهر البالغ عرضه بين أربعة وخمسة أمتار. منتجع سياحي يعج ليل نهار بالزوار، وهناك على بعد أمتار، سيارات عسكرية مصفحة، وعناصر مشاة مدججين بمختلف أنواع الأسلحة.

«عندنا موسيقى، وحفلات أعراس صاخبة، وعندهم أزيز الرصاص وغبار حركة الدوريات. لنا البسمة ولهم الحقد»، بهذه العبارات، يواجهنا مدير القرية مهدي مهدي، الذي كان قد بدأ عمله هنا منذ عام ونصف العام، كانت حافلة بالنجاحات. فالقرية التي أنجز القسم الأول منها، أي التراس وصالة الأفراح، والمسبح والمطعم وعشر غرف، بكلفة وصلت إلى نحو ثلاثة ملايين دولار، تستوعب دفعة واحدة ما يقارب ثلاثة آلاف زائر، يفدون إليها أيام الجمعة والسبت والأحد من كل أسبوع. وينخفض العدد إلى حدود النصف في باقي الأيام. «فاق إقبال السيّاح من جميع المناطق اللبنانية والدول العربية والأجنبية كل التوقعات، لدينا برامج فنية دورية، عشرات حفلات الزفاف محجوزة مسبقاً، كذلك حجوزات الغرف»، وفق مهدي. ويعتبر أن «موجة الانزعاج الإسرائيلي تبدأ من ذلك، فالعدو لا يفهم سوى لغة السلاح. لقد استفزته الموسيقى الصاخبة وصيحات الميجانا والعتابا، لم يسمع يوماً على الحدود، ترددات الدف، والدربكة، والمجوز، والمنجيرة، إنها بالنسبة لجنوده أشد وقعاً ومرارة من أزيز الرصاص ودوي القذائف». ويضيف مهدي «أردناها حرباً حضارية، فشل عدونا في هذه المواجهة. فكان أن لجأ إلى التهديد والوعيد، ومثل هذه اللغة درسناها جيداً وباتت من الماضي».

خليل العبدالله أحد أصحاب القرية، التي تعود ملكيتها إلى ثلاثة مغتربين لبنانيين في ساحل الحاج، اعتبر أن «التسريبات الإسرائيلية، التي طالت القرية السياحية مجرد افتراء غير مبرر، فما قمنا به كان مجرد منتجع سياحي فوق أرضنا، البالغ مساحتها نحو 40 ألف متر مربع. لقد قضيت 40 عاماً في أفريقيا، وعدت لأفرح بالمشروع الحلم، الذي كان يراودني منذ الطفولة». ولفت إلى أن عناصر «اليونيفيل» من مراقبي الهدنة، تفقدوا المكان والأشغال مع انطلاقة العمل، والتقطوا العديد من الصور. واطلعوا على خرائط المشروع. وباتوا يترددون يومياً إلينا. كل ما نقوم به لا يتجاوز العمل السياحي. لقد حاول جيش العدو استفزازنا أكثر من مرة، في إحداها وصل عناصره إلى المشروع متجاوزين الخط الأزرق. عملوا على تعطيل إحدى الجرافات العائدة للورشة»، مشيراً إلى أن ذلك الخرق موثق لدى قيادة «اليونيفيل» في الناقورة، ولدى الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية. ولفت كذلك إلى أنهم «اعترضوا مرة على تنظيفنا لمجرى النهر، لم نخف، صمدنا، تابعنا العمل. وهاهو المنتجع دخل بقوة في السياحية المحلية والدولية، ولاقى نجاحاً مميزاً». وقال نتابع المشروع المتضمن لفندق، وشاليهات، وشقق وما شابه، بحيث يمكن أن تتجاوز الكلفة 13مليون دولار».

«لم يستوعب الكيان الصهيوني التحدي الحضاري المتنامي عند خاصرته الشمالية في الوزاني»، كما يقول حسن (أحد العاملين في المشروع)، «أذهله النمو المتسارع عبر تلك المشاريع السياحية، التي ارتفعت بكثافة قبالة الخط الحدودي، والتي وصلت إلى سبعة متنزهات، بمبادرات فردية، متجاهلة وغير آبهة لمواقعه العسكرية على بعد أمتار محدودة. فهنا الموسيقى تصدح فرحاً وحياة، وهناك هدير الميركافا وأزيز الرصاص، إنها مفارقة غريبة جعلت الزائر يميز بسرعة بين ثقافة سكان قرانا الحدودية، وهمجية عدونا الذي يدّعي الحضارة». ويعتبر أحد المستثمرين حسين العبدالله أن «الدولة العبرية فشلت في مواجهة هذا التحدي الحدودي. يحاول عدونا الضغط من بعيد عبر تصريحات نارية يطلقها بين فترة وأخرى، أو عبر احتجاجات تنقلها اليونيفيل، في محاولة للحد من هجمة المتمولين اللبنانيين لاستثمار أموالهم في الوزاني. وصلتنا رسائل رافضة عدة لمثل هذه المشاريع». ويشرح «بدأت بمحاولة لمنع تنفيذ مشروع ضخ المياه من نبع الوزاني الذي نفذه مجلس الجنوب، ثم الاحتجاج على استعمال مياه الوزاني في ريّ المشاريع الزراعية، وبعدها الضغط للحد من إقامة المشاريع السياحية والتي تنامت خلال السنوات القليلة الماضية، لترتفع ميزانيتها إلى أكثر من 35 مليون دولار. رفضنا كل الضغوط وتابعنا العمل، فتحول الوزاني إلى شبه جنة يقصدها السياح من كل أقطار العالم. وباتت ضفة النهر الغربية عندنا، محطة للراحة والاستجمام، على عكس ضفة عدونا الشرقية التي كانت ولا زالت مصدراً للتدمير والقتل». يضيف العبدالله «منذ أسابيع، عمد جيش العدو إلى تركيز كاميرات مراقبة وأجهزة تنصت في التلال المشرفة على المنتزهات، حشد دبابات وسيارت مصفحة في حين كانت المتنزهات تعج بالزائرين، الذين لم يأبهوا بالاستفزازات، التي تهدف إلى تعكير صفاء الوزاني».

ويشير غسان الأحمد (أحد المستثمرين في الوزاني) بأصبعه إلى زحمة الزوار في المتنزه، يقول: «إن العدد يتجاوز 700 زائر في المتنزه، وهو أفضل ردّ على العدو الحاقد. فهو يشعر بإرباك إزاء الزحمة ومشاهدته للحافلات الكبيرة والصغيرة. لم يجد وسيلة حضارية للمواجهة، فعاد إلى لغة التهديد والوعيد. وقد باتت لغة قديمة مستهلكة، لن ترعبنا».

وتقول سرية حميد الآتية من صور: «نشعر هنا بسمفونية نادرة مزجت بين الحس المقاوم والنشوة بالنصر، فباتت جلسات متمردة ممتعة متكئة على وسادة التحدي، تحت مرمى سلاح العدو المهزوم». ويرى الشاب سمير مرعي الآتي من بعلبك أنه «مع كل خطوة باتجاه الوزاني، تشعر بأنك تقترب أكثر من الأرض المسلوبة» وتختصر سلوى المصري من طرابلس، المشهد «تحلو الجلسة عند ضفة الوزاني، فدخان النارجيلة المنفوخ باتجاه مواقع العدو الصهيوني، فيه متعة مزدوجة لم تتوفر سوى في هذه الزاوية الضيقة من وطننا، فصمود هذا الموقع السياحي من صمود لبنان ومقاومته».

تعليقات: