الحرب المفتوحة على سوريا: إصلاح أم تفتيت وتقسيم


يشير مسار الاحداث في سوريا إلى أن المطلوب الآن إسقاط سوريا وتقسيمها، لما تمثل من أهمية جيوسياسية، فلا شيء يوحي حتى هذه اللحظة، أن هذه الحرب المفتوحة ضد النظام السوري هي حرب إصلاحية تنشد الديمقراطية والعدالة، لا بل كل ما يجري هو في سياق ممنهج مخطط له يصوب على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا لاعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة التي تترنح وحدتها تحت مسميات وعناوين عديدة تبدأ بالحكم الذاتي وحقوق الطوائف والملل والعشائر وتنتهي بالانفصال الكامل.

فالذي يجري اليوم هو تدمير هيكل الدولة على رؤوس جميع السوريين معارضة وموالاة و«شبيحة» و«ثوار».

ومن يراجع قليلاً ويتمعن في خريطة القوى والدول التي تدعم المعارضة السورية يجد أن مروحة من المصالح الدولية والاقليمية اجتمعت على هذا الدعم مع غياب واضح ولافت للمصلحة الوطنية السورية التي يجب أن تكون موجودة دائمًا في الحفاظ على سوريا دولة وشعبا مع الحق الكامل والطبيعي بالديمقراطية والحرية وقيام دولة المؤسسات.

فمن الملاحظ أن شعارات الاصلاح والتجديد لم تعد هي الأساس في حركة المعارضة والائتلاف الدولي والاقليمي الداعم لها وانما إسقاط الدولة بكل ما تعنيه وعلى رأس ذلك دك وحدة الجيش العربي السوري وتفتيته وتحويله إلى كتائب مسلحة بدل أن يبقى جيشًا متماسكًا يقيم توازنًا عسكريًا استراتيجيًا مع الجيش الاسرائيلي الذي يمثل كل يوم وكل دقيقة تهديدًا للمنطقة والامة العربية.

ومن الثابت أن خطأ الجيش العربي السوري هو السعي اليومي والدؤوب لكي يصبح قوة دفاع وردع بمواجهة الجيش الاسرائيلي وهذا ما لم يقبل به الامريكيون والاسرائيليون.

وازعم ان السبب الرئيس للاطاحة بصدام حسين وحل الجيش العراقي على أيدي الأمريكيين هو تهديد صدام حسين امن اسرائيل باطلاق صواريخ بالستية عليها في عام 1990 مما أثار الخوف في قلوب الامريكيين والاسرائيليين فانتظر الامريكيون اللحظة المناسبة للانقضاض على العراق وتدمير جيشه.

لذلك حين نقرأ ما يجري الان في الشرق الاوسط نعيش لحظة خوف حقيقية من ان نكون قد دخلنا في عصر التفتيت ودوامة الفوضى المتعددة الاوجه. ومما لا شك فيه ان المنطقة الان تمر بلحظات عصيبة وتعيش حالة من التخبط السياسي على خلفية صراع محتدم بين المكونات السياسية والطائفية وحتى حول الهوية الوطنية وهو ما يهدد مستقبل الشرق الأوسط وقد يؤدي الى رسم خريطة جديدة للمنطقة برمتها. ومكمن الخطر الذي ينتج حالة الانقسام والتفتت هو ان مجتمعات المنطقة تقوم على التعدد الديني والطائفي وهذا الدافع الأساسي لإثارة المخاوف والقلق لدى الكثيرين من أن تحمل المتغيرات السياسية التي حصلت في أكثر من دولة بذور انفجار داخلي تطيح بوحدات الدول والكيانات. لان النزاعات الطائفية والمذهبية داخل الدول كانت أبدًا ودائمًا أداة اسرائيلية لتفتيت المنطقة لمنع تهديد الكيان الاسرائيلي وابقاء أمن إسرائيل فوق كل اعتبار ولذلك يذهب المتربصون بالوحدات الوطنية في دول الاقليم الى الإيحاء دائمًا أن الاقليات تواجه خطرًا وان الحماية الخارجية واجبة وضرورية. وتبدو الصورة أكثر وضوحًا في ضوء التطورات الأخيرة في عدد من دول الشرق الأوسط بارتفاع أصوات تتحدث عن اختلافات وتباينات بين مكونات الدول حيث كل مكون له وجهته التاريخية والحضارية والوطنية ويقوم على افتراض أن الدولة الحالية ما هي إلا خليط من الطوائف والشعوب والقوميات. وإذا كان الاستعمار الأجنبي قد أحدث حواجز وحدود وانشأ عبر اتفاقيات دولا وكيانات لان المصلحة الغربية كانت انذاك تقتضي هذا التفتيت فان ما حكي ويحكى عن مخططات غربية اليوم لإيجاد شرق أوسط جديد يدل على أن هناك خريطةً جاهزةً للمنطقة يعمل واضعوها على تطبيقها عبر أساليب متعددة وتحاكي مصلحتهم السياسية والاقتصادية. فمثلما كانت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، تفاهمًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة يدور اليوم الكلام عن شرق أوسط جديد لا يتشابه مع الشرق الأوسط الحالي ويحاول تجاوز المطبات التي منعت تحقيق نسخته السابقة التي تحدث عنها شمعون بيريز وجورج بوش، فلقد اسقطت حرب يوليو عام 2006 في لبنان مقولة ولادة الشرق الأوسط الجديد وأدى انتصار المقاومة اللبنانية في هذه الحرب الى جعل كلام وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس عن ولادة شرق اوسط جديد مجرد كلام في الهواء، وسارت رايس في كلامها عن شرق أوسط جديد وبالتالي رفضها وقف اطلاق النار في حرب يوليو لكي لا يفشل ما تصبو إليه على خطى شيمون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد الذي صدر عام 1993. والذي حدد فيه خريطة الشرق الأوسط بأنها تمتد من حدود مصر الغربية حتى حدود باكستان الشرقية ومن تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية شمالاً حتى المحيط الهندي وشمال السودان جنوباً، وهي منطقة تجمع دولاً عربية وإسلامية وإسرائيل طبعًا. ومشروع الشرق الأوسط الجديد لدى شمعون بيريز يعني جمع دول المنطقة في سوق مشتركة ودمج إسرائيل فيها بعد إعادة تشكيل جديد لهذه المنطقة. وذهب بيريز الى الدعوة في مقابلة له مع «فصلية الشرق الاوسط» نشرت في مارس 1995 الى القول: «اعتقد ان جامعتهم (أي الجامعة العربية) يجب أن تتحول الى جامعة الشرق الاوسط. نحن (أي الاسرائيليين) لن نصبح عربًا، ولكن الجامعة يمكن أن تصبح شرق أوسطية، بعد ان اصبحت الجامعة العربية جزءًا من الماضي.. «. وقد بدأت بعض تفاصيل مشروع الشرق الاوسط تطرح في العلن عندما أطلق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش تعبير «الشرق الأوسط الكبير» في خطابه أمام الأمم المتحدة في 21 سبتمبر 2004. واستند الامريكيون في العمل على إقامة شرق أوسط جديد على نظرية المفكر برنارد لويس الذي صاغ مقولة «صراع الحضارات». وقال في إحدى مقابلاته مع مجلة نيوزويك بأن «أحداث الحادي عشر من سبتمبر شكلت الطلقة الأولى في المعركة النهائية في هذه الحرب الحضارية الطويلة.» وأضاف: إن الذي سينتصر في هذه المعركة سينتصر تاريخيا. وأن الغرب المدعو بالعالم المسيحي يمر في آخر عصر من مراحل الصراع على السيطرة والهيبة بينه وبين الحضارة الإسلامية. ومن الواضح ان مشروع الشرق الاوسط الكبير او الجديد وفق تصور بيريز - بوش قد أصيب بأعطاب كبيرة حالت دون تحقيقه الا ان ذلك لا يعني انه انهزم وانما انكفأ مما يجعل إعادة تعويمه وتحريكه واقعًا مستفيدًا من المجريات والتطورات الحالية في دول عديدة والتي تعتبر عناصر مساعدة لنجاح هذا المخطط التقسيمي التفتيتي. ولعل من المفيد القول إن مصطلح الشرق الاوسط برز مع بداية ظهور الحركة الصهيونية، ويشمل منطقة تشكل امتدادًا للشرقين الأدنى والأقصى، وهي أغنى المناطق في العالم بالنفط والمعادن، وتتمتع بمركز استراتيجي مهم بين القارات الثلاث أوروبا وآسيا وإفريقيا، وتشمل بلدان شبه الجزيرة العربية والعراق وإيران وأفغانستان على أن تكون إسرائيل الناظم الأساسي لدوله على الصعيد الاقتصادي وان تكون هي المركز والقلب. واليوم حين يطرح شرق أوسط جديد أو كبير فان المفاصل الأساسية فيه تبقى الصراعات الطائفية والعرقية وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ لكي تستطيع إسرائيل سيادة المنطقة واطالة حياتها. ومن هنا يصبح القلق كبيرًا من أن المفاعيل السلبية للثورات العربية على وحدة دولها كبيرة وتفوق إيجابياتها في أحداث تغيير وإصلاح فما النفع اذا اسقطنا النظام واطحنا بالوحدة الوطنية وتحولت الدول الى دويلات متنازعة وطوائف؟

* حسين عبدالله - كاتب لبناني

تعليقات: