مطاحن شبعا السبع..حكايات بشر وماء وحجر

 مطاحن شبعا السبع..حكايات بشر وماء وحجر
مطاحن شبعا السبع..حكايات بشر وماء وحجر


شبعا ـ

التقاها ذات يوم في المطحنة عند ضفة مجرى "نبع الجوز". ومنذ ذلك الحين بات يتقصّد الذهاب الى المطاحن ليلمح طيفها مجددا، سائلا عنها، من اي قرية أتت لطحن القمح؟، الى ان عرفها "حلة ونسب"، مؤكدا عزمه على ان تكون زوجة له.. اصطحب علية القوم من بلدته شبعا، عملا بالتقاليد القروية، الى قريتها المجاورة طالبا يدها للزواج، وهذا ما كان.

تلك واحدة من الحكايا الكثيرة التي كانت تحدث بين جدران مطاحن شبعا السبع وعلى ضفاف ينابيعها المشغلة لها والتي ما زالت شاهدا على مرحلة طواها النسيان وبقيت أطلالا، تولت بلدية شبعا والناشطون من ابناء البلدة، منذ التحرير حتى اليوم، ترميم العدد الأكبر من تلك المطاحن وجعلها قبلة للسياح والمصطافين، مع شرح واف عن تاريخها ودورها في طحن الحبوب على انواعها وعصر الزيتون الآتي من سهول وحقول مزارع شبعا والقرى المجاورة.

قبل ان تتوقف أحجار مطاحن شبعا عن الدوران منذ عقود طويلة، كان التوافد اليها من القرى والبلدات المجاورة فرصة للتلاقي والاختلاط ، يتشاركون الأفراح والأتراح وتقطيع الوقت على وقع الطبل والمزمار والعتابا والميجانا والدبكة، كما كان البائعون الجوالون يأتون الى تلك المطاحن لبيع الجوز واللوز والمشمش والعنب والتين ومنه المجفف وانواع المربيات ،اضافة الى الحليب والأجبان الطازجة.

هذه المطاحن بنيت على مجرى نبعي "عين الجوز" و"نبع المغارة" اللذين يلتقيان قبل الوصول إلى المطاحن ليكوّنا نهر شبعا ما يشكل قوة الدفع الضرورية لحجارة المطاحن الثقيلة، وبقي العدد الأكبر منها يعمل حتى منتصف سبعينات القرن الماضي حيث توقفت عن العمل وباتت أطلالا بسبب الإعتداءات الإسرائيلية والهجرة القسرية لأهلها.

ويشير رئيس بلدية شبعا واتحاد بلديات العرقوب محمد صعب الى انه "تم ترميم عدد من المطاحن على مراحل كي تكون قبلة للسياح والمصطافين والبلدية مهتمة بكل ما هو اثري وتاريخي في البلدة، واليوم هناك مشروع توسعة للطرق المؤدية الى تلك المطاحن المحاذية لعدد من المنتزهات"، مؤكدا ان "البلدية ستعمل على إضفاء لمسة جمالية على المطاحن التي تشغل حيزا مهما في نفوس أبناء البلدة والجوار".

وتكمن اهمية مطاحن شبعا في انها كانت تعمل على مدار السنة بفضل الينابيع المتدفقة من منحدرات جبل حرمون وذوبان ثلوج جبل الشيخ، وميزتها ان هناك نموذجان من هذه المطاحن من أصل ستة نماذج منتشرة في لبنان، ففي شبعا:

نموذج المطحنة التي تعالج الحبوب والمواد الغذائية الجافة .

نموذج المطحنة ذات الوظيفة المزدوجة التي تعالج المواد الرطبة والسائلة كجفت الزيتون واستخراج زيته بواسطة "المطروف" الى جانب معالجة الحبوب والمواد الجافة.

ويعود تاريخ بعض تلك المطاحن في شبعا الى ما يزيد عن الخمسمئة عام والدليل على ذلك المراحل التاريخية التي مرت بها البلدة والتجهيزات والحيل التقنية التي اتبعت في بناء تلك المطاحن، ما يدل على انها من النماذج التاريخية الأقدم في المناطق اللبنانية، مع الإشارة الى ان الأجرة التي كانت تدفع للطحان آنذاك تتألف من مواد عينية، وتبلغ اجرة الطحان، حسب تعابير أهل القرى ، "ثمنيّة" اي كيل خشبي يعادل 2,5 كيلو قمح عن كل "مِدّ" اي 20 كيلو قمح، او "ثمنيّة" عن كل "صاعين" و"الصاع" سعته 10 كلغ من القمح.

ويشير الناشط البيئي رامز دله الى أن بلدته شبعا "تحوي معالم أثرية وسياحية عدة منها المطاحن المائية وهذا المعلم يعبر عن الوجه الحقيقي للآثار القديمة الموجودة في البلدة منذ مئات السنين وبحسب موقع البلدة أسفل جبل حرمون ووفرة المياه بسبب ذوبان الثلج تشكلت سبع ينابيع استخدمت قوة مياهها لتشغيل المطاحن المائية أهمها نبع المغارة ونبع الجوز".

ويلفت دله الى انه "لا تزال إثنتان من أصل سبعة مطاحن في حالة جيدة : الأولى مطحنة "الحلاني" جهزت كمتحف صامت و فيها كل الأدوات الداخلية القديمة (مكيال، صوص، نقطة، وغيرها) ، اما الثانية القريبة من نبع المغارة فهي مطحنة "بيت ماضي" جُهزت كمتحف متحرك، فعال فهي لا تزال تعمل على الماء ويمكن مشاهدة عملية الطحن كاملة، وبإمكان الزائر زيارة المطاحن كجزء من برنامج سياحي كامل بمساعدة دليل محلي"، مشيرا الى ان "المطاحن استقطبت عددا من السياح في العام الماضي".

والمطاحن المائية السبع في شبعا هي:

1 مطحنة العَين، تقع على ارتفاع 1131 مترا عن سطح البحر، استخدمت لاستخراج الزيت من جفت الزيتون بواسطة "المطروف"، الى جانب نشاطها الاساس في طحن وجرش الحبوب، وتوقفت عن العمل العام 1965 وهدم نصفها فيضان النهر في العام 1978.

2 مطحنة بيت قعدان، على ارتفاع 1125 مترا عن سطح البحر، توقفت عن العمل العام 1994، رممت وأعيد تأهيلها لتزاول الطحن والجرش صيف عام 2005.

3 مطحنة الحَلاني، على ارتفاع 1119 مترا عن سطح البحر، توقفت عن العمل العام 1995، رممت كمطحنة متحف محلي صيف عام 2005.

4 مطحنة العجمية، على ارتفاع 1111 مترا عن سطح البحر.

5 مطحنة بيت عطوي، على ارتفاع 1104 أمتار عن سطح البحر.

6 مطحنة بيت الخطيب، على ارتفاع 1198 مترا عن سطح البحر.

7 مَطروف بيت الخطيب، على ارتفاع 1131 مترا عن سطح البحر، استخدم لاستخراج الزيت من جفت الزيتون ، وتحول البناء من مطحنة الى مطروف في زمن غير محدد، وتوقف عن استخراج الزيت العام 1935، واستخدم البناء لادارة عنفة لتوليد الكهرباء حتى العام 1937، تهدم نصف البناء في فيضان النهر في العام 1978.

ومطاحن شبعا تبقى شاهدا على زمن قد يكون طواه النسيان، لكن ابناء البلدة مصرون على اعادة بعض من ألقْ تلك الحقبة من تاريخ بلدتهم وتاريخ المنطقة خصوصا ولبنان عموما.

 مطاحن شبعا السبع..حكايات بشر وماء وحجر
مطاحن شبعا السبع..حكايات بشر وماء وحجر


 مطاحن شبعا السبع..حكايات بشر وماء وحجر
مطاحن شبعا السبع..حكايات بشر وماء وحجر


تعليقات: