الهرمل وجوارها: عشرات المشاريع والبرامج التنموية يتآكلها النسيان

تربية أسماك الترويت في حوض العاصي («السفير»)
تربية أسماك الترويت في حوض العاصي («السفير»)


الآمال معلقة على «مكتب التخطيط» لكسر حلقة الحرمان

الهرمل وجوارها: عشرات المشاريع والبرامج التنموية يتآكلها النسيان

تعددت المشروعات والبرامج الإنمائية التي حاك أبناء منطقة الهـرمل حولها الأمنيات، من أجل كسر حلقة الفقر والحرمان، التي يرزحون تحت عبئها منذ عشرات السنين. ولكن سرعان ما كانت تتحول تلك المشروعات إلى مكاتب يأكلها النسيان والغبار المتراكم والمترافق مع الكثير من الكلام عن الهدر والسرقات. بدءا ببرنامج الزراعات البديلة لزراعة الممنوعة، ومرورا بإنشاء سد على نهر العاصي، ومعمل لإنتاج أعلاف الاسماك وتدخينها، ومركز لتجميع الحليب من المزارعين، وتطوير القطاع السياحي، واستكمال اتوستراد بعلبك - الهرمل، ومشروع فرز وضم الأراضي، وشبكة للصرف الصحي، وأخرى لمياه الشرب... من دون الانتهاء بإنشاء محافظة بعلبك الهرمل، التي صدر قانون إنشائها منذ نحو عشر سنوات ولا تزال من دون هيكلية حقيقة.

ولا يخفف على سكان المنطقة العائدين إليها في المساءات بعد أيام وأشهر من العمل المضني والعيش ضمن أحزمة البؤس في ضواحي العاصمة بيروت والمدن الأخرى، سوى بعض شجيرات السرو الخضراء، والأزهار التي تزين مدخل المدينة، ومصابيح إنارته بالطاقة الشمسية، وبعض الإعلانات واللافتات التي تدعو إحداها إلى زيارة «مكتب التخطيط والتنمية المحلية»، لمساعدتهم في إنجاز دراسات الجدوى الاقتصادية لمشاريعهم، ومساعدتهم في الحصول على القروض المالية المطلوبة لإطلاقها، وتوجيههم نحو الأساليب الأفضل التي تساعدهم على نجاح تلك المشاريع. بالإضافة إلى تحقيق هدفها برفع مستوى معيشتهم، من دون أن تزيل عن وجوههم علامات الخيبة والإحباط، كلما اقتربوا من منازلهم المهجورة في أحياء مدينة وقرى بات واقع الفقر والحرمان وكأنه قدر مكتوب عليهم لا فكاك منه، مهما تعاقبت على هرم السلطة السياسية من عهود وحكومات. ويتكرر السؤال نفسه على لسان الغالبية الساحقة منهم، حول إذا ما كان مكتب التخطيط والتنمية سيكون كغيره من المشاريع والأفكار التي بنوا الآمال عليها لإنقاذهم من واقع الفقر والحرمان وذهبت أدراج الرياح، أم أنه سيكون الحلقة المفقودة التي كانت السبب الرئيسي في فشل المشروعات التي طرحت أو نفذت في المنطقة دون جدوى؟

«إنها المرة الأولى التي يتم فيها إنشاء إدارة متخصصة في منطقة الهرمل، يكون دورها التخطيط للتنمية المحلية، ومساعدة أبناء المنطقة على تأسيس مشاريع اقتصادية، وتوفير الحد الأدنى من الشروط المطلوبة لنجاحها»، كما يؤكد مدير مكتب التخطيط والتنمية في الهرمل محمد جلال محفوظ، الذي تولى قبل نحو السنة ونصف السنة مسؤولية مشروعي «تفعيل دور المرأة والشباب في التنمية المحلية»، و«التعاون لتحقيق التنمية الحضرية والحوار»، الممولين من الاتحاد الاوروبي، وبتكليف من «اتحاد بلديات الهرمل». وعمل بالتوازي مع ذلك على تطوير فكرة إنشاء «مكتب التنمية المحلية»، وفقا لمشروع وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية إلى ما يسميه «إدارة التخطيط والتنمية المحلية في الهرمل» في محاولة للاستفادة من تجربته في الاستثمار، والاطلاع على بعض التجارب الإنمائية لبعض البلدان. ويرى محفوظ وجود «هوة كبيرة تفصل بين التنمية المحلية التي يجب أن تعتمد على موارد المنطقة لرفع المستوى المعيشي لأبنائها، وتوفير فرص العمل لهم، والسياسة الحكومية المركزية التي تعتمد على عنصر جذب الاستثمارات التي تفترض أن ذلك سيؤدي حكماً إلى هذه النتيجة. وهو أمر ثبت أنه غير صحيح، أنه قد يتم جذب بعض الاستثمار الذي يقتصر على قطاعات ومناطق محددة في المركز، ولكن يمكن أن يحصل في الوقت نفسه تدهور معيشي وعدم تأمين فرص العمل لأبناء الأرياف». ويؤكد محفوظ أن «مكتب التخطيط والتنمية المحلية في الهرمل أنجز دراسة تحديد الموارد الاقتصادية والبشرية، ووضع خطة متكاملة للتنمية المنطقة، وتحديد المشروعات الإنمائية التي تحتاجها وفقا للأولويات الأساسية والملحة، وبناء شبكة التواصل المطلوبة مع الجهات الحكومية والدولية المانحة، والسعي الحثيث لتأمين التمويل لها من جهة، وتقديم المساعدة لأصحاب المبادرات الاقتصادية والمشاريع الإنتاجية التي يقدم عليها أبناء المنطقة كإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية والحصول على القروض المالية المطلوبة من المصارف لإطلاق تلك المبادرات من جهة أخرى».

وتقول مديرة مشروع التنمية المحلية بمكتب وزير الدولة لشــؤون التنــمية الإدارية هند الخطيب عويدات: «فكرة إنشاء مكاتب للتنــمية المحلية، جاءت تتويجا لعمل تشاركي، ساهمت به هيئات المجتمع المحلي والمجالس البلدية ضمن اثني عشر تجمعا بلديا بين العامين 2003 و2005. ونتج منه ما سمي بالخطط المبسطة للتنمية المحلية، وتضمنت تحديد الموارد والحاجات في كل تجمع، والمشروعات الملحة التي يحتاج اليها، تبين أن المشترك بينها جميعا، ضرورة وجود مكتب للتنمية المحلية، وذلك من أجل تأمين التواصل مع الجمعيات المانحة، وهيئات المجتــمع المحلي من بلــديات وجمعيات، وصياغة المشاريع التي تم تقديمها للجهات المانحة، وتحديث خطة التنمية المحلية، ومتابعة المشاريع التي يبدأ تنفيذها في كل تجمع».

وتم بدء المرحلة الثانية بين العامين 2007 و2010، حيث قدمت التجمعات البلدية أماكن لافتتاح مكاتب للتنمية المحلية، وتم تجهيزها وتعيين خبراء تنمية في كل التجمعات كي يديروا تلك المكاتب، ولكن يمكن القول ان التجربة لم تكن ناجحة، لأن استمرار عمل تلك المكاتب ترك على عاتق التجمعات البلدية نفسها التي لم توفق في تأمين التغطية المالية المطلوبة لاستمرار عمل مكاتب التنمية وعلى رأسها اختيار الخبراء الذين يملكون الخبرة والمؤهلات المطلوبة لإدارة تلك المكاتب، ناهيك عن العودة إلى نقطة الصفر بعد الانتخابات الاخيرة للمجالس البلدية في العام 2010 لجهة إقناع الاتحادات البلدية الجديدة بمضمون وأهمية خطط التنمية التي تم التوصل إليها. وهو ما جعلنا نبذل جهداً كبيراً على هذا الصعيد، من دون الوصول إلى النتائج المطلوبة. ولكن يمكن القول إن تجربة افتتاح مكتب للتنمية المحلية في الهرمل تعتبر من التجارب الأكثر نجاحا في لبنان ضمن التجمعات البلدية الإثني عشر. ويعتبر مسؤول البرامج في بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان برونو مونتريول أن «العمل الانمائي في منطقة الهرمل حساس وصعب، بسبب الطابع العشائري لقسم كبير من العلاقات الاجتماعية، والإشكالية السياسية المتمثلة في النظرة للغرب، لدى الغالبية الساحقة لسكانها، إضافة إلى طابع العزلة التي تعانيها إلى حد ما، بسبب صعوبة الانتقال إليها». ويرى أن تطوير القطاع الزراعي يجب أن يحظى بالأولوية، خصوصاً ان فيها أراضي جيدة جداً، وتليه السياحة البيئية بسبب التنوع المناخي الذي يميزها وغناها بالمعالم الأثرية.

ويرى مونتريول أن «هناك شيئا جديداً بدأ يتكون في المنطقة، يتمثل بوجود مكتب للتخطيط والتنمية المحلية، يديره أحد أبنائها بشكل ديــناميكي وجيد، وبدأ يتحول إلى شيء ملمـوس، ويخــلق ثقة كبيرة واحــتراما لدينا، ويساعد على تقديم المزيد من الدعم والخبرات للمنطقة عبر هذا المكتب، خصوصاً أن وجود مكتب كهذا شرط ضروري لتحقيق أي تنمية، ويجب أن يكون موجودا لدى أي تجمع أو اتحاد بلدي في لبنان». ويؤكد خبير التنمية المحلية ومسؤول منطقة جنوب المتوسط بـ«برنامج سيوداد» زياد موسى أن إشكالية تنمية الأطراف في لبنان موجـودة منذ الاستــقلال، ولا تزال مستمرة (أي نقل الثقل الاقتصادي من المركز إلى الأطراف) وأن ما يجري منذ سنوات بواسطة الجهات الدولية المانحة، هو سعي لنقل التجربة الأوروبية الناجحة التي لم تضع كل شيء في يد السلطة المركزية كما يحصل في لبنان منذ عقود، واعتمدت لامركزية حقيقية في عملية التنمية، حققت التوازن بين المركز والأطراف. ويرى أنه لا بد من رافعة محلية حقيـقية لضمان نجاح أي خطة تنمية على المستوى الوطني أو المحــلي، وتؤمن الملاءمة بين السياسات التنموية الوطنية وخصوصية المنطقة المعنية بالتنمية. ويسجل موسى مدى الأهمية الفائقة لما تحقق في منطقة الهرمل، حيث أمكن تأسيس إدارة للتنمية المحلية، عبر مشروع لم يكن هدفه سوى دعم مشاركة المرأة والشباب في عملية التنمية. ويمكن ملاحظة ما تم إنجازه من خلال آلية التواصل التي أقامها مكتب الهرمل مع القطاع الخاص لمساعدته وتطوير أعماله. وهو أمر في غاية الأهمية لأنه يساهم بخلق الدينامية المطلوبة من الناحية الإنمائية، وخصوصا على الصعيد الاقتصادي.

ويوضح رئيس «اتحاد بلديات الهرمل» مصطفى طه أنه بحكم تجربته في العمل البلدي ورئيسا لبلدية الهرمل سابقاً ورئيسا لاتحاد بلديات المنطقة بعد الانتخابات البلدية في العام 2010 أدرك الأهمية الكبيرة التي يحملها وجود إدارة متخصصة ومحترفة للتخطيط والتنمية في المنطقة. وهو ما دفعه إلى إبداء الحماسة الكبيرة لمشروع وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية وبالتعاون مع مفوضية الاتحاد الاوروبي في لبنان من أجل إنشاء مكاتب للتنمية المحلية وترجمة ذلك بتوفير كل ما يمكن ان يقدمه على هذا الصعيد، وخصوصاً لجهة اختيار الشخص المناسب الذي يملك المؤهلات والخبرة المطلوبة، وإعطائه الثقة والصلاحيات الكاملة من أجل النجاح في مهمته. ويخلص طه إلى القول ان «المشكلة الوحيدة في هذا الشأن تكمن في عدم وجود أي تشريع قانوني ينص على وجود مكاتب للتنمية ضمن الهيكلية الإدارية للاتحادات البلدية أو البلديات، أو وزارة لشؤون الدولة التنمية الإدارية ويؤدي إلى مشكلة في تمويلها واستمراريتها، وهو بات ضرورة لا يمكن التخلي عنها حيث لا نزال في اتحاد بلديات الهرمل نبحث في الصيغة التي تسمح بذلك، خصوصا أن الجزء الأساسي من تمويل مكتب التنمية المحلية في الهرمل يتم عبر المشروعين اللذين ينفذهما والممولين من مفوضية الاتحاد الاوروبي في لبنان».

تعليقات: