في مرجعيون وحاصبيا: الطلاب يطلبون العلم... في دارهم

ينزح الكثيرون إلى المدينة في ظل عدم توافر وسائل عامة للنقل (أرشيف)
ينزح الكثيرون إلى المدينة في ظل عدم توافر وسائل عامة للنقل (أرشيف)


فيما يستعدّ الطلاب للالتحاق بجامعاتهم، لم يحسم الكثير من أبناء قضاءي مرجعيون وحاصبيا خيارهم الجامعي، لأسباب عدة. أبرزها عدم توافر جامعات خاصة، أو فروع للجامعة اللبنانية في محيطها

آمال خليل

بتثاقل كبير، تسير ازدهار فاعور نحو العام الدراسي المقبل لتجتاز السنة الثانية في اختصاص الأدب العربي، إذ إن ابنة قرية عين تنتا التابعة لبلدة الخلوات (قضاء حاصبيا) تطبق القول المأثور: «اطلب العلم ولو في الصين»، لكنها طلبته في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية في زحلة. وإذا كان القول المتناقل منذ قرون، قد رمز إلى مشقة الوصول إلى الصين، فإن ازدهار تلحقها مشقة أيضاً في التنقل بين إقامتها في قريتها ودراستها في زحلة.

تأخذ ابنة العشرين عاماً نفَساً عميقاً قبل أن تشرح لنا خريطة مسارها العلمي. حوالى الخامسة فجراً تستيقظ لتستعد ليومها الجامعي، في انتظار وصول باص يقلّها مع حوالى عشرين شاباً وصبية من بلدات الخلوات وحاصبيا وميمس والكفير إلخ. هؤلاء يحتاجون إلى وقت طويل لاصطحابهم كل من بلدته. ساعتان من الوقت تحتاج إليهما للوصول إلى الجامعة. وقد يكون موعد محاضرتها لم يحن بعد، لكنها مضطرة إلى الحضور صباحاً على توقيت الباص. كذلك في طريق العودة، تضطر أيضاً إلى التزام مواعيده لا برنامج محاضراتها، لتضمن وسيلة نقل آمنة إلى منزلها. وإذا تضاربت مواعيدهما، تستغني عن حضور المحاضرة.

لم يكن الأدب العربي حلمها، بل «هذا ما توافر من اختصاصات تستطيع أن تجد لها فرصة عمل في منطقتها». ولفتت إلى أنها أضاعت سنة كاملة بعد تخرّجها باختيارها اختصاص الحقوق، الذي عدلت عنه لاحقاً لكونه يستلزم حضوراً دائماً. وإذا كانت ازدهار قد رضيت بالأدب العربي وببعد جامعتها، وتحمّل معاناة التنقل في فصل الشتاء، إلا أن الكثير من زميلاتها اللواتي تخرجن معاً من الثانوية، خسرن فرصة إكمال دراستهن. تنقل أن بعضهن لم يكن بمقدور ذويهن تكبد نفقات النقل، بينما رفض آخرون إرسال بناتهن إلى مناطق أخرى بهدف الدراسة، وقضاءهن أوقاتاً طويلة على الطرقات، واضطرارهن أحياناً إلى التأخر في العودة إلى المنزل. «فالطلاب والطالبات تحديداً يسعون إلى المكان القريب» تقول ازدهار، التي تقرّ بأن مشقة التنقل اليومي تؤثر في تركيزها وطاقتها.

مأزق طلاب قضاءي مرجعيون وحاصبيا في إكمال دراستهم، مثّل موضوع دراسة ميدانية قام بها الناشط نضال عيسى قبل أربع سنوات، حول واقع الدراسة الجامعية في القضاءين، وفي قضاء راشيا الوادي المجاور. وخلصت الدراسة إلى ضرورة استحداث فرع للجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة لاستيعاب الكثافة السكانية المقدرة بحوالى 950 ألف نسمة، موزعة على 86 بلدة، تتسم معظمها بالبيئة المحافظة اجتماعياً ودينياً وسياسياً. باستثناء شعبة السياحة والفنادق وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية، التي افتُتحت أخيراً في بلدة ضهر الأحمر في راشيا، كانت أقرب جامعة إلى المنطقة في النبطية، التي تبعد عن حاصبيا 50 كيلومتراً، فيما جامعات البقاع تبعد مئة كيلومتر. أما جامعات بيروت، فتبعد حوالى 130 كيلومتراً.

عوامل بُعد المسافة في ظل عدم توافر وسائل عامة للنقل في بلدات الأطراف، وجهد الذهاب والإياب يومياً، تدفع ببعض العائلات إلى قبول انتقال أبنائها إلى بيروت للإقامة والدراسة. ولأن الكلفة تكون عالية على الكثيرين لناحية الإنفاق على بيتين، واحد في القرية وواحد في المدينة، فإن رب العائلة يفضل النزوح إلى المدينة وتدبر وظيفة هناك ليكون قريباً من أولاده ويوفر النفقات. والنتيجة، يكون الأبناء قد ربحوا العلم والوظيفة لاحقاً، فيما بلداتهم خسرتهم.

وإذ تحصي الدراسة حوالى 2600 من أبناء المنطقة، ممن يتابعون دراساتهم الجامعية في جامعات البقاع وبيروت والنبطية، تقترح إنشاء تجمع جامعي للأقضية الثلاثة، لا يلبي احتياجات أبنائها فحسب، بل يمكن أيضاً أن يعزز الإمكانيات الاقتصادية فيها. ليس بسبب بقاء أبنائها فيها، بل لأنه يستقطب الطلاب العرب الذين يلتحقون بالجامعات اللبنانية. وتشرح كيف أن أسعار الشقق والتكلفة المعيشية في المنطقة أقل وأكثر هدوءًً وأماناً من المناطق الأخرى.

نائب حاصبيا ومرجعيون علي فياض يعدّ من أبرز المدافعين والمروجين لفكرة إنشاء فرع للجامعة اللبنانية في المنطقة، التي يخرج منها سنوياً حوالى 270 ثانوياً. لهذه الغاية، كان قد درس الواقع الطلابي من جهة، ونادى بهذا المطلب من على منبر مجلس النواب في الجلسة التشريعية الأخيرة. وفي حديثه مع «الأخبار» شرح فياض خطته الجامعية التي تستند إلى أن العدد الأكبر من الثانويين المتخرجين هم من فرع الاجتماع والاقتصاد. وبناءً عليه، فقد تباينت الآراء بشأن ماهية الفرع المطلوب: هل يكون شعبة للاقتصاد والأعمال أم للعلوم؟ فيما عُرضت فكرة إنشاء معهد جامعي للعلوم والتكنولوجيا على غرار المعهد الموجود في صيدا، مع رئيس الجامعة السابق زهير شكر. المعهد يسمح لطلابه الذين سيتخرجون كمساعدي مهندس، بإكمال الدراسة لعامين في فرنسا، ليصبحوا مهندسين، لكن بعد التدقيق، تبين أن المعهد يحتاج إلى تكاليف باهظة لتجهيزه وتشغيله، فيما سيضطر الطلاب إلى الدراسة حصراً في فرنسا لنيل شهادة الهندسة. حتى الآن، يشير التوجه إلى اعتماد شعبة لكلية العلوم توفر دراسة العامين الأولين، اللذين يمكّنان الطالب من تحديد خياراته، إما لتغيير الاختصاص أو متابعته في فرع النبطية أو بيروت. جدل مماثل دار حول تحديد موقع الشعبة. اقترح فياض افتتاحها في مبنى ثانوية إبل السقي الشاغر لموقعه الوسطي بين قضاءي حاصبيا ومرجعيون، ومحاذاته للشارع العام، فيما طالبت بعض الفعاليات بافتتاحها في بلدة الخيام، لكونها تضم الكثافة السكانية الأكبر في المنطقة.

إلى العام المقبل

يبدو أن الجدل سيستمر طويلاً، لأن مجلس الوزراء لم يقرّ إنشاء الفرع حتى الآن. وبناءً عليه، فإن طلاب مرجعيون وحاصبيا سيتشتتون بعيداً عن بلداتهم طلباً للعلم لهذا العام الدراسي المقبل. علماً بأن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وعد خيراً وفداً من فعاليات المنطقة، طالبه بتحقيق حلم الجامعة. في الإطار ذاته، تلقى النائب علي فياض من رئيس الجامعة الحالي عدنان السيد حسين وعداً مماثلاً بافتتاح الفرع قريباً.

تعليقات: