النازحون السوريون إلى شبعا: همّنا الصقيع

أطفال نازحون إلى شبعا يحضرون طعام العشاء («السفير»)
أطفال نازحون إلى شبعا يحضرون طعام العشاء («السفير»)


مئة عائلة توزعت على قرى حاصبيا والعرقوب

النازحون السوريون إلى شبعا: همّنا الصقيع

يقف أبو يحيى عارف القبيسي النازح من ريف دمشق، عند المدخل الرئيس لمركز «الجمعية الإسلامية للرعاية والإنماء» في بلدة شبعا. ينظر شرقاً. يقول: «خلف هذا الجبل (جبل الشيخ) الشامخ، يتناحر أبناء قرانا ومدننا في حرب عبثية، عرفنا بدايتها ولكن النهاية لا يعلمها سوى الله». يضيف «لقد تركت وعائلتي الحي الذي ترعرعنا فيه، حي التضامن منذ عدة أشهر الى لبنان، قاصدين إحدى المدارس البقاعية، على أمل العودة إلى ديارنا قبل بدء العام الدراسي. لكن ما حصل كان عكس ذلك، مع انطلاق العام الدراسي في لبنان، كانت لنا هجرة جديدة. أرغمنا على إخلاء المدرسة، بناء على قرار من وزارة التربية اللبنانية، ليتسنى لتلامذتها الانطلاق في عامهم الدراسي الجديد». يتابع: «حاولنا إيجاد مسكن بديل في إحدى القرى البقاعية، ولم نفلح. فكان اقترحت علينا إحدى الجهات المساعدة، الانتقال إلى قرى جنوب الجنوب، فكانت وجهتنا بلدة شبعا، البلدة الحدودية التي باتت عنوانا للصمود في وجه العدو الصهيوني، الذي كان قد هجّر أهلها غير مرة».

«استقبلنا بكل ترحاب في شبعا»، كما تقول النازحة من دمشق سهيلة العلي، وهي أم لخمسة أطفال، «الناس هنا طيبون، جربوا لأكثر من مرة قساوة النزوح ومرارته. لقد عاملونا بكل مودة وحنان. قدموا على عجل كل ما نحتاج، زودونا بالحرامات، والفرش، عدة المطبخ، والكثير من المؤونة، إضافة إلى الخضار والفواكه، لكن الخشية تكمن في كيفية مواجهتنا للعواصف ولجنرال الثلج، الذي يبسط سلطته فوق المنطقة خلال فصل الصقيع المقبل». ويقول أبو مرعي الآتي من ريف دمشق: «هب الجميع لمساعدتنا في البلدة. فتحت لنا أبواب الجامع، وتوزعت كل عائلة في غرفة، المبنى من ثلاث طبقات، ويتسع لنحو 29 عائلة». القرى الجنوبية، وخاصة الحدودية منها، ستكون الملجأ الجديد لأعداد أخرى من العائلات النازحة، كما أشار بعض القيمين على أوضاع النازحين. «لقد تركوا المنطقة كاحتياط، في حال كرت سبحة النازحين مجدداً، بعدما غصت مناطق البقاع بهم، وباتت مخنوقة بالآلاف من العائلات»، وفق أبو مرعي.

شبعا ترتفع أكثر من 1500 متر عن سطح البحر، والثلوج تغطيها لفترة تزيد على شهر شتاءً، ناهيك عن قساوة الطبيعة فيها. يقول أبو عبس محمد العبدي: «بالنسبة إلينا كنازحين، سيكون الشتاء فترة قاسية تضاف إلى مأساتنا، حاجة العائلة الواحدة للمازوت في القرى الجبلية خلال شهر تصل إلى حدود 400 دولار اميركي. فمن أين لنا بهذا المبلغ، ونحن بالكاد نتمكن من تأمين قوتنا اليومي، ليس أمامنا سوى رفع الصوت عالياً، ومطالبة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، لتعمل بسرعة وقبل فوات الأوان، ليكون هذا الوضع في سلم الأولويات، عبر تخصيص ميزانية لمواجهة البرد، الذي سيهدد فعلا حياتنا وحياة أطفالنا بشكل خاص. نحن على يقين أن اهالي البلدة لن يتركونا، لكن في حال ارتفع عدد العائلات النازحة، فنحن لن نقبل أن نحمّل أهالي البلدة ذلك العبء الثقيل».

من جهته، يشير نائب رئيس بلدية شبعا صافي نصيف، إلى أن «البلدية تقوم بتأمين كل وسائل الراحة للنازحين الجدد، علماً بأن مبنى الجامع حالته ممتازة، وهو مزود بالمياه والكهرباء والمراحيض، وكل الحاجيات المطلوبة. همنا تأمين الراحة وحياة كريمة لهؤلاء وعلى قدر المستطاع»، آملاً أن تكون عودتهم قريبة إلى ديارهم. البلدية من جهتها، قدمت مساعدات عينية ومادية «وتكفلنا بدفع بدل اشتراك كهرباء المولد الخاص، إضافة إلى فواتير كهرباء لبنان»، وفق نصيف.

في جامع البلدة، يبدو أبو علي سجعان الحامد، النازح من مخيم اليرموك، منهمكا مع أفراد عائلته، في نقل بعض الأثاث و«كراتين» المساعدات، إلى إحدى الغرف. يقول: «نحن تعودنا على التهجير. هذه الفترة كانت أصعب مأساة لنا. العذاب يرافقنا والقهر يتملكنا». أضاف «نسبة كبيرة من سكان المخيم هجروه إلى لبنان. كنا نرغب أن يكون انتقالنا هذه المرة إلى فلسطين الحبيبة. نحن في العرقوب. اقتربنا من فلسطين. وبتنا حقا على مشارف الوطن». وبينما تعمل سامية أبو عليان على تحضير طعام الغداء لأطفالها، أشادت باستقبال الأهالي «هم يتسابقون لتقديم المساعدات، قدموا لنا أجهزة تلفزة، وبرادا، وغازا، ومعدات المطبخ. انهم كرماء يستحقون كل احترام». أبو عليان شكت من مفوضية اللاجئين، قالت: «أسلوبها غير لائق، تقنن في خدماتها الغذائية والتعليمية والطبية. فالنواقص باتت تطال أدنى المتطلبات الحياتية. المدرسة أيضا مشكلة المشاكل، نسعى مع الخيرين لتأمين مقاعد دراسية لأطفالنا الطلاب في شبعا، كي لا يخسروا عامهم الدراسي، لقد وعدونا خيرا ونحن هنا في أياد أمينة محبة وخدومة». ويروي حسين المحمودي النازح من ريف دمشق، «هربنا تحت القصف وزخات الرصاص، لم نحمل معنا سوى ما نرتديه من ملابس. كنت أعمل في مطعم شاورما، أفتش عن عمل هنا، يبدو أن ذلك صعب المنال». ولفت إلى أن «مفوضية اللاجئين، بدت غير مهتمة بالنازحين الذين توجهوا إلى المناطق الريفية اللبنانية، والذين سيواجهون قساوة الطبيعة، بحيث سيكونون بحاجة ماسة لمادة المازوت. عليها تأمين كل مستلزمات مواجهة الصقيع، لنتمكن من مقاومة غضب الطبيعة، في الشتاء الذي بات على الأبواب».

وأشار علي قعدان، مدير «الجمعية الإسلامية للرعاية والإنماء في العرقوب»، إلى أن «الجمعية تعمل على مساعدة النازحين، عبر تأمين مسكن ومتطلبات الحياة، خاصة أن عدد العائلات التي وصلت إلى حاصبيا والعرقوب خلال الفترة القليلة الماضية تجاوز المئة. ونسعى لاستيعاب الطلاب في مدرسة الإيمان الهبارية، والعائدة لجمعية التربية الإسلامية، فلن يبقى اي طالب سوري خارج المدرسة». واشار الشيخ جهاد الزغبي، إلى أن «وقف النور الخيري، إضافة إلى ما يقوم به من تقديمات، تكفل بالوضع الصحي للمهجرين، فحوصات دورية وصور أشعة مختبر وما شابه». وأضاف «هناك مرضى بحاجة لأدوية أمراض مزمنة نعمل على تأمينها بشكل دوري، حصلت هنا حالة ولادة منذ أيام، حيث تم نقل الوالدة إلى المستشفى الحكومي في النبطية. وهي والمولود بصحة جيدة وتلقى كل عناية».

وقال مسؤول «الجماعة الإسلامية» في شبعا محمد الجرار: «إن أكبر مشكلة ربما واجهتنا في شبعا وفي القرى المرتفعة، تأمين مستلزمات التدفئة وخاصة مادة المازوت». أضاف «إن أهالي البلدة والبلدية تكفلوا بتقديم جزء من هذه المادة، لكننا كأفراد نعجز فعلاً عن تأمين المازوت بشكل كاف، حيث العائلة هنا بحاجة إلى برميلين في الشهر»، مطالبا الحكومة «بشكل خاص، بإيلاء الموضوع كل اهتمام، وعلى وجه السرعة، قبل أن يداهم الصقيع النازحين، حيث الطرق تغدو مقطوعة ولفترة طويلة، بسبب تراكم الثلوج والجليد»، لافتاً إلى أن «رعاية النازحين مسؤولية الجميع، ولن نتأخر في أعمال المساعدة والتقديمات والإغاثة مهما كانت الظروف».

تعليقات: