خلدة: جمهوريّة اللّه الـضيّقة

بعض الطرقات لا تزال من دون تزفيت منذ ما يقارب 17 سنة (هيثم الموسوي)
بعض الطرقات لا تزال من دون تزفيت منذ ما يقارب 17 سنة (هيثم الموسوي)


لم يعد ثمّة حرّاس ذاكرة في خلدة. لا مسيحيون ولا أحد. فالمنطقة التي كانت قبل الحرب أرض أحراج يسكنها مسيحيّون، ويملك بقية أرضها أبناء «المير» والدروز الآخرون، انقلبت بعد الحروب والتهجير «تجميعة» جديدة هي خليط من شيعة وسنّة وعرب مجنّسين. هذا الخليط جعل العلاقة بين هؤلاء والبلديات علاقة «مشبوهة» ظاهرها مسك، وباطنها سوء خدمات وخوف

هناك، عند كتف الوادي الذي لا اسم له، «مات» حرج بكامله. لم يأت موته متأنياً، شجرة شجرة، فالعري الذي أصاب الكتف باغته دفعة واحدة. كأنه لمح بصر. في تلك المنطقة، التي اسمها خلدة، يتحدّث القاطنون، القدامى منهم والطارئون، عن العري «المقصود» للكتف، حيث تتقلص المساحات الخضراء بقدرة قادر أو تبتر أجزاء منها، لأسبابٍ لا يتقنها إلا الراسخون في أسواق العقارات.

كل شيء يحدث بسرعة هناك، فالحرج الذي يموت على نحو مفاجئ، ينبت مكانه مبنى عملاق على طريقة «الليلة وضحاها». هكذا، يمكن زائرَ المنطقة أن يرى تبدّلاتٍ في كل حين. فاليوم، خلدة لا تشبه ما كانت عليه قبل عشرة أعوام، ولا قبل ثلاثة أعوام، عندما بدأت الطفرة الكبرى للعمار، ولا تشبه أيضاً ما كانت عليه قبل عام.

هذه المرة، يرى السكان والعابرون «نيو خلدة». فلا هي بقيت ضيعة ولا استحالت مدينة. هي أشبه بـ«تجميعة»، يقولون. العمار الذي يحدث هناك، و«الفاقد» للشرعية في كثير من الأحيان يفوق النظر، حيث الكل «يبلّ» يده في المشاريع السكنية التي يتعدى عدد ما هو قيد الإنشاء فيها اليوم خمسين مشروعاً دفعة واحدة، ليست نهائية بطبيعة الحال. فكلّما تعرّت زاوية خضراء، نبتت مشاريع.

هكذا، لم تعد خلدة مدينة على طريقة «مدينة غابرييل غارسيا ماركيز» المعزولة، التي لم نكن نسمع عنها إلا أخبار الموتى المرميين في جنباتها أو عصابات السرقة، حين كانت متروكة لنفسها ولبعض «المترفين» الهاربين إلى الهدوء في مواسم محددة. أما الفقراء، والمسمّون هناك عرب خلدة، فقد عاشوا على أطرافها في ذلك الحين.

لكن، خلدة التي عاشت وحدها سنوات كثيرة، وجدت نفسها في دوامة تبدلات، لم يكن الفاصل بين المرحلة والأخرى أكثر من سنوات. وعلى طريقة العري الذي يصيب أحراجها، كذلك هي حال البشر فيها. فقد «تعرّت» المنطقة من ذاكرة الذين كانوا ناسها لساكنين آخرين اكتشفوها صدفة، فحلّت معهم اللعنة: لعنة الديموغرافيا التي لا يعرف عنها إلا الخائفون من هذا التبدل المتسارع، وإن كان خوفهم لم يخرج عن السيطرة إلا في اصطدامات قليلة، ولا يزال حتى اليوم مبطناً وحذراً. وهي اللعنة نفسها التي جعلت الناس «اللاجئين» إلى المنطقة متروكين ومهملين لا تشملهم الخدمات من بلديتي الشويفات وعرمون اللتين «تتقاسمان» المنطقة عقارياً.

خلدة القديمة

قبل أن تأتي حرب الجبل على «الجزء المسيحي» من هوية خلدة، كانت سرايا الأمير مجيد إرسلان هي الحصن الدرزي في المنطقة. يومها، درجت عبارة «السبع موجات» التي أطلقها الأمير فيصل، أحد أبناء «المير» مجيد، والتي كان يردّدها على مسامع الكثيرين، قائلاً «عدّوا سبع موجات بالبحر... هودي إلنا». عبارة المير هذه كانت، بحسب كثيرين ممن سمعوها، «محاولة لإثبات الوجود في حينها... ولاحقاً أيضاً». ربما، كان الرجل يحسب هذا التغيير، لكنه لم يحسب تالياً عامل الوقت، إذ حلّ التغيير قبل وفاته بسنوات كثيرة. وهو من ساهم إلى حدّ كبير فيه. وهنا، يتذكر كثيرون من «المستفيدين» من «غنائم» المير أن الجزء الكبير من أراضي خلدة كان ملكاً لآل إرسلان، ومقسّماً بين أبنائه. يقول هؤلاء إن فيصل اتبع سياسة «البيع على طاولة القمار». هذه الطاولة، بحسب من استفادوا من الشراء عليها، كانت السبب في دخول «الشعب الجلب»، كما وصفهم فيصل، إلى خلدة التي كانت حتى ذلك الوقت مقسمة درزياً ومسيحياً.

حينها، كانت خلدة أرض أحراج في معظمها، ولم تكن ذات قيمة، ولم يكن يسكنها إلا بعض العائلات الصغيرة المسيحية، مع وجود عرب خلدة على الأطراف، والذين عمل «المير» في ما بعد على تجنيس العدد الأكبر منهم، فيما أكمل النائب وليد جنبلاط هذا الأمر لاحقاً. إذاً، لم تكن خلدة مأهولة، لكنها كانت «عرفاً» منطقة درزية ـــ مسيحية.

كانت للمسيحيين فيها مساحات كبيرة من الأراضي، فيما البقية للمير وللملاكين من الطائفة الدرزية. لكن، المنطقة لم تكن جاذبة لهؤلاء. ويقول كبار السن في المنطقة إن التغير الذي حصل «سببه الدروز في مكانٍ ما»، فهؤلاء لم يأنسوا العيش في الفراغ، فباعوا أراضيهم وكان «سعر المتر في حينها زهيداً، بين 17 و40 دولاراً أميركياً».

خلال فترة الحرب اللبنانية، بدأت المرحلة الأولى من التغييرات، لجأ إليها الهاربون من مجزرة الكرنتينا ـــ المدوّر، وأنشأوا الخيم هناك، ليؤويهم مطلع الثمانينيات أول مشروع سكني في قلب المنطقة سمّي ولا يزال «مشروع نائل السكني». بعد نائل، وبعد حصار بيروت في عام 1982، هربت «البورجوازية السنية» إلى المنطقة، بورجوازية طامعة بالهدوء وأسعار الشقق.

هكذا، بدأت تدبّ الحركة شيئاً فشيئاً في المنطقة. وبعد سنوات عدة، بدأت حركة البناء تنشط. يومها، بدأت تتكون «التجميعة». وهنا، يقول أحد أبناء المنطقة من «الدروز»: «صارت تطلع البنايات بشكل مخالف، يعني بعمل رخصة بأربع طوابق، بزيد شي طابقين فوق». هكذا، نشطت حركة البناء في خلدة وبدأت «العين تتفتّح عليها».

مع حركة البناء، بدأ التوافد الشيعي. في فترة «التكوّن» هذه، كان المسيحيون قد تهجروا نهائياً، فيما قلائل منهم «يناضلون» للعودة إلى حيث كانوا. لكن، من عاد منهم، هو من كان بيته لا يزال «واقفاً».

نيو خلدة: «التجميعة»

كان ذلك في أواسط الثمانينيات عندما قام مشروع محمد نائل السكني. يومها، كان التهجير «شغالاً»، وأتى المشروع ليؤوي من تهجّر. بقصدٍ أو بغير قصد، اتخذ المشروع صفة المجمّع السني. ربما، لأن معظم الذين تهجروا في حينه من منطقة الكرنتينا، على أثر المجزرة، كانوا في معظمهم من الطائفة السنية، ومن انضم إليهم من عرب خلدة «المجنسين» هم أيضاً كذلك.

وعلى شاكلة مجمع نائل، قام أواخر التسعينيات مجمع «نسيم البحر». كان هو الآخر «تجميعة» شيعية من المهجّرين من سوليدير وخطوط التماس والجنوب وما بعد حرب تموز. يروي أبو أسعد، الساكن الثالث في المجمّع قصة النشأة، فيقول إن «أول الآتين كانوا المهجّرين من ساحة البرج، ونحن منهم، أخذنا تعويضاً بقيمة 8 آلاف دولار ورحلنا». بعد الرحيل، بدأت رحلة البحث عن مأوى بديل «رحنا على الدامور والدلهمية وكيفون، لكننا لم نجد، وكنا نحتاج إلى مكانٍ يشبهنا كوننا طالعين من خطوط تماس ولم يكن يرق لنا الاختلاط في حينها». بعد البحث «وصلنا إلى خلدة، كان مشروع النسيم قد بدأ واشترينا».

عام 2000، كانت البداية الفعلية لتشكل المجتمع الشيعي هناك، الذي بدأ بالمهجرين من الحرب الأولى، ثم تبعه المهاجرون، ثم المهجرون من حرب الخليج. كانت الأسعار هي العامل الجاذب إذاً. لكن، الناظر إلى هذه التجميعة الشيعية لن يتوقف عند المال، ففي فترةٍ من الفترات، كان البحث عن الشيعي «مقصوداً». لماذا؟ «لأننا الخارجون من بيئة محاور، وكنا نفضّل هذا التجانس حتى نتكيف مع المحيط، وما نوجع راسنا بذات الوقت». اكتمل «النصاب» في الفترات اللاحقة التي كان آخرها حرب تموز التي هجرت مهجرين في الأصل إلى خلدة.

هكذا، حصل الفرز الذي لم يكن مقصوداً في بداياته، يقولون. فعندما حل الهاربون في المنطقة كان البحث عن الأمان ومن ثم الأسعار التي كانت ضئيلة في المنطقة.

رويداً رويداً، تكوّنت الهويات. الشيعي والسني والعرب وغيرهم. في تلك الفترة، كان المسيحي قد فقد أرضه. فبعد حرب الجبل التي «أبيد» خلالها الوجود المسيحي، ومن عاد منهم فلم يجد ذاكرة يحرسها، فقد «أخذوا كل شيء، ولم يبق من المسيحيين هنا إلا عائلة واحدة مؤلفة من عشرة أفراد، ومقسمة بيوتاً»، يقول العائد حديثاً إلى بيته غطاس وهبي البوشي. هذا العائد بشقّ الأنفس ورغم المعارضة «الدرزية»، لا جيران اليوم له ولا أصدقاء، ولا يمكنه تكوين صداقاتٍ هناك، فحتى الآن لم يخرج الرجل من ذاكرة الحرب. يتذكر البوشي سبعينيات القرن الماضي عندما كانت الأراضي «لبيت جدي عبد الكريم، وقتها كانت المنطقة في غالبيتها مسيحية وبيت المير وبعض العائلات الدرزية». لم يستمر «الترف» كثيراً، ففي حرب الجبل، بدأت السطوة الاشتراكية مع تشكل «الإدارة المدنية لتنظيم الصمود الوطني» وبدأت «الإبادة» المسيحية، حيث هجّر هؤلاء إلى صيدا ومنها إلى جزين، التي تركوها عائدين على متن القوارب في البحر عبر «البور، بعد ما إجت إسرائيل». بعد العودة البحرية، سكن البوشي على الحدود بين الشياح وعين الرمانة، وبقي فيها حتى عام 1995 عندما بدأت وزارة المهجرين بتعويض المهجرين وتأمين عودتهم. يومها، استبشر المسيحيون خيراً، غير أن العودة «كانت ممنوعة علينا، وكانوا يقولون لنا إذا بترجعوا بدنا ندبحكن». همد البوشي قليلاً. تراجع عن العودة، لكن مع بدء التغيير في المنطقة شد الرحال وعاد إلى بيته بعد عشرين عاماً من التهجير، خاوياً «بلا ولا شي، عفشاتنا أمام أعيننا لم نكن نستطيع أخذها». لم يكن في الجعبة إلا «6 آلاف دولار تعويض» أعاد بها الرجل ترميم حياته. وعند العودة، واجهوا الكثير من «المشاكل، كانوا يرجموننا بالحجار على الطريق»، يقول. ولذلك «لم نرجع إلا كم بيت». ولن يرجع «غيرنا أصلاً».

الأذان والخوف

عندما سكن مجمّع النسيم، وضع السكان «ميكروفون ورفعنا الأذان». كان ذلك يوم جمعة. في اليوم التالي، حضر مسلحون إلى المبنى «وكسروا الميكروفون وضربوا الشباب، وحدث وقتها إطلاق نار»، يقول أبو أسعد. بعد الحادث «برم الشباب الميكروفون على الجانب الآخر، فأتت الشكوى من العرمونيين، ثم برمناه إلى مقلب آخر وانزعج أحد الجيران». يومها، أصبح الميكروفون يوازي «وجود» الشيعة هناك، فكانت المعادلة «إما الميكروفون... إما الميكروفون». وهكذا كان. بقي الميكروفون وصار هناك مصلى. في ذلك الوقت، بدأ الخوف يتسرّب إلى «الأصيلين» في المنطقة من الدروز. خوف من «الغرباء» و«الشعب الجلب»، فحاولوا في حينها «فرض سطوتهم، خصوصاً المير فيصل، لكن مع الوقت تقبّلوا وجودنا وهكذا كان، وكنا قد حوربنا من الاشتراكيين عندما قصدنا المنطقة أواخر الثمانينيات»، يقول أبو علي نجدي الساكن منذ عام 1988. يومها، كانت «الإدارة المدنية في أوج عزها، وكان الدخول إلى الجبل يفترض دفع خوة، وكانوا يقولون إما الدفع أو بنحلقلكم من هون». وصلت الشكوى إلى «وليد بيك، ومن يومها ما عادوا فرضوا الخوات، ومع الوقت صار كل واحد بحالو»، يتابع أبو علي.

على المقلب الآخر، بدأت تتبلور الهويات هناك. فقاصد المنطقة اليوم يستطيع تقسيم المنطقة بمجرد النظر إلى الشعارات. فهنا، صورة كمال جنبلاط الحمراء تحدد المنطقة الدرزية الصغيرة نسبياً. مسافة فاصلة تأتي بعدها منطقة الشيعة «وسرايا المقاومة اللبنانية والشهيد عماد مغنية»، وعلى المقلب الآخر أعلام «الثورة السورية» وشعارات جمعية المشاريع، وفي الزوايا «المحصنة» أعلام السلفيين السوداء.

«نحن هنا». بقصدٍ أو من دون قصد، الكل يعلن ذلك. أما اللافت هناك، فهو الوجود السلفي الذي بدأ بالظهور العلني منذ ما بعد «الارتياح الذي شعروا به بعد التخفف من قيود تيار المستقبل». وهؤلاء، الذين يصعب التواصل معهم حتى من جيرانهم نبتوا فجأة كأنهم «كانوا في سبات». يروي أحد السكان القريبين من مسجدهم الإمام الحسين بن علي كيف بني هذا المسجد «كان قبل بليلة حيط باطون، وتاني نهار صحينا ولقينا شبابيك وأبواب ومصلى جاهزاً للصلاة». أما مسجدهم الثاني فقد بنوه في قلب الوادي على «طريقة طورا بورا»، بحيث يربط الوادي بالناعمة. أما العرب فلهم حكاية أخرى، هؤلاء الذين جنّسهم «المير» تركوا «ولايته» لاجئين إلى المستقبل «كونه كان يدفع لنا المال»، يقول أبو علي الضاهر. وبعد شحّ المال المستقبلي، تشتّت هؤلاء بين الأحزاب، ومنهم حركة أمل وبعض السلفيين وبعض المقرّبين من حزب الله. فهنا «الكل يريد أن يحمي رأسه»، يتابع. ثمة عامل آخر يعترف به الكل هناك «الدفعة على الراس»، وهي حال الكثيرين منهم الذين يلجأون إلى الأحزاب لتأمين لقمة العيش.

ثمة خوف في خلدة. خوف من الخليط الجديد، وهو متنوّع، بدءاً من الخوف السياسي «الذي بات أمراً واقعاً، فهذه المنطقة لم يعد للدروز مونة عليها». أما الخوف الأخطر، بحسب أبناء القرى من الشويفات وعرمون فيتجلى في حجم المشاكل الاجتماعية و«طلوع» الجماعات الأخرى إلى الجبل بالتدرج. والمثال الآخر بعد خلدة والدوحة هناك، طريق صيدا القديمة. فأهالي الشويفات وحدهم يعرفون هذا التمدّد، وهم الذين يفصل بينهم وبين تمدد الجماعات طريق صيدا القديمة.

العلاقة «المشبوهة» مع البلديات

ليس بإمكان الخوف أن يبرر هذا الإهمال في خلدة. فقاصد المنطقة قد يصل «مقطّع مش موصّل»، حيث الطرقات «المخندقة» من عبور الكميونات والآليات الثقيلة التي تنشط حركتها في المنطقة. أضف إلى ذلك إن هذه الطرقات على سوئها، لا يزال بعضها من دون «تزفيت منذ ما يقارب 17 سنة، وهي طرقات سوّاها الأهالي ليعبروا ولم تهتم بها البلدية»، يقول أبو أسعد. أما البنى التحتية فحدّث ولا حرج. وفي هذا الإطار، يشير الدكتور أحمد عقيل إلى أنه بعد سلسلة مطالبات، «قامت بلدية عرمون في الجزء التابع لها بتركيب قناة صرف أساسية بسعة 6 إنش لا توازي حركة العمران هناك، واكتفت بذلك وتركت للناس أن يقوموا بحفر قنوات من مبانيهم ووصلها إلى القناة الأساسية».

وبما أن الحركة العمرانية ناشطة في المنطقة، فقد تحوّلت الأحياء الضيقة أصلاً إلى أحياء «عرض متواصل، حيث الكميونات وجبالات الباطون تعمل 24/24، وقس على أوساخ وغبار وتكسير مجاري صرف صحي ومياه أمطار»، يتابع أبو أسعد. وهي في معظمها «كميونات رئيس البلدية فضيل الجوهري، إذ يعمل على تسهيل أمور البناء بالنسبة إلى صاحب العمار مقابل استعمال آلياته»، يقول أحد أصحاب المشاريع الذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً. وهو ما يلطّفه أحد أصحاب المشاريع الملقب بأبي علي اليمني، مشيراً إلى أن «الجوهري أرخص سعراً من غيره لا أكثر ولا أقل». لكن، ماذا عن البناء؟ هنا، لا يمكن الحديث عن شرعية بالمجمل، فمعظم الأبنية مخالفة «وطايفة على الطرقات، بتمرّي من حد المبنى، فيكي تسلمي على الواقف على البلكون من الطريق». ثمة مشكلة هنا، وهي مشكلة التخطيط المدني، فالمدينة تنمو على طريقة المدن العشوائية التي تبنى في فترات «الطفرة»، وعند القوننة يكون قد فات الوقت ونشأت حيوات على الطريق.

في المنطقة التي تتآكل أحراجها، لم تزرع إلا شجرة واحدة «زرعها الجوهري قبل 14 شهراً أمام وسائل الإعلام». والمفارقة أنه زرعها في الجزء «التابع لبلدية الشويفات التي تتقاعس هي الأخرى عن خدماتها»، يقول عقيل. هل هي أزمة أصواتٍ انتخابية لا تصب في صندوقة أهل الجبل، كما يقول السكان؟ ليس مهماً، فالمهم أن الداخل إلى المنطقة يلاحظ هذا الغياب في كل شيء، حتى الشرطي البلدي «واقف» عند آخر بلدة عرمون حارساً للفراغ «التابع» عقارياً لها.

فضيل الجوهري و«حارس» الشجرة

«مكفّي وموفّي» رئيس بلدية عرمون فضيل الجوهري في خلدة «التابعة» عقارياً لبلديته. يبدو الرجل مرتاحاً لخدماته هناك، فالبنى التحية «واصلة» وحملات التنظيف وكل شيء «يقع ضمن نطاق البلدية»... إلا الزفت، فهذا «صعب» الحصول عليه.

الجوهري «مكفّي وموفّي» أيضاً في خدمته للمواطن، وإن لم تكن من ضمن إمكاناته. وثمة أمثلة هنا يوردها عن «جهده الشخصي في تسوية البنى التحتية مؤخراً في القطاع الواقع على مقربة من حديقة الرضوان وصوب خلدة نزولاً، واشتريت للبنايات هناك ترومبة، وهي ليست من ضمن مهماتي أبداً كرئيس بلدية»، وقد كلفته تلك الخدمة «7 آلاف دولار أميركي من جيب البلدية».

ما لا يفهمه الرجل «المتفاني» في خدمة المواطن هناك، هو شكوى هؤلاء الناس، مشيراً إلى أنه يعمل ما في وسعه «وضمن إمكانات البلدية لخدمة كل الناس بغض النظر من هم؟ وأين ينتخبون؟»، حتى إنه «منذ شهر، قمنا بحملة تشجير وحضرت وسائل الإعلام وصوّرت أيضاً». ولم ينس أن يوجه دعوة إلى «من يرغب» في زيارة المنطقة للاطلاع على الوضع عن كثب. لكن، ما لا يفهمه الرجل، هو نفسه ما لا يفهمه المواطنون. هؤلاء، الذين «تحيّروا» من منظر الحارس البلدي الذي يحرس الشجرة الأخيرة في بلدة عرمون، يسألون الرئيس عن الطريق الذي يمكن أن يسلكه المدعوّون إلى المنطقة لرؤية «الوضع عن كثب».

ملحم السوقي: «يخسروا تلفون على البلدية»

عندما استاء أهالي منطقة خلدة، الساكنون في القطاع التابع لبلدية الشويفات عقارياً، من سوء خدمات بلديتهم، ردّ رئيس البلدية ملحم السوقي بلغة عصبية «يخسروا تلفون على البلدية، ما رح نغصّ فيهم».

كلام الرئيس لا ينمّ عن «حقد» على هؤلاء، وإنما ينم عن «عدم تقدير، فالبلدية تقوم بكل ما في وسعها، وعندما يطلب مواطناً شيئاً نلبّيه، وإن كنا قد قصّرنا في بعض الأماكن، فهو لضعف إمكاناتنا أولاً، ولأن ما يطلبونه منّا قد يكون من اختصاص وزارة أو شركات أخرى». ولا ينفي السوقي بأن هناك مشكلة وهي «مشكلة أصحاب العمارات الذين يرمون قاذوراتهم وسط الطريق، وقد طلبنا منهم أن يقوموا بلملمة أوساخهم».

ماذا عن التغير في المنطقة؟ وهل له علاقة بسوء الخدمات؟ ينفي السوقي أن تكون الحال كذلك، «ولا شيء له علاقة بالأصوات الانتخابية، ففي الشويفات، يوجد 700 ألف نسمة، يمكن بينتخب منهم 5 آلاف، ما فيّي حاسب الناس على صوتها، ولكن بحاسبها على واجباتها، وما إذا كانت عم تدفع ما يتوجب عليها». ومن ناحية أخرى، يتحدث السوقي بلغته الدبلوماسية عن الخليط الجديد في المنطقة، فيشير إلى أنه «دليل عافية على المنطقة»، لكن في الوقت نفسه «التطرّف ليس مسموحاً، ويجب على القاطن في منطقتنا أن يحافظ على حساسية المنطقة، وأن لا يتعدى على غيره وهو حر بتصرفاته».

«نيو خلدة»: لا هي بقيت ضيعة ولا استحالت مدينة (هيثم الموسوي)
«نيو خلدة»: لا هي بقيت ضيعة ولا استحالت مدينة (هيثم الموسوي)


تعليقات: