«عودة اللاجئين إلى إسرائيل» لم تُجدِ نفعاً

يبلغ عدد اللبنانيين الموجودين في اسرائيل اليوم نحو 3000 (أرشيف ــ حسن بحسون)
يبلغ عدد اللبنانيين الموجودين في اسرائيل اليوم نحو 3000 (أرشيف ــ حسن بحسون)


بعد أسبوعين، يكمل قانون «اللاجئين إلى اسرائيل» عامه الأول من دون أن يغيّر شيئاً في المعادلة: الفارّون إلى فلسطين المحتلة لا يريدون العودة إلى لبنان قبل ضمان براءتهم، أو منع المحاكمة عنهم

أحد عشر شهراً مرّت على صدور القانون المتعلّق بـ«اللبنانيين اللاجئين إلى اسرائيل»، الذين فرّوا أثناء التحرير في العام 2000 وبعده، وكأن قانوناً لم يصدر. إذ لم يعد أحد من هؤلاء الفارّين، باستثناء رجلين اثنين من كبار السنّ، عبرا الحدود ونقلهما الصليب الأحمر بعد الإجراءات الأمنية اللازمة إلى منزليهما في القليعة (قضاء مرجعيون). عاد الرجلان قبل حوالى ستة أشهر، من دون أن يكون القانون الجديد هو السبب، بل «كبر السن وعدم قدرة هذين العجوزين على البقاء في ذلك المجتمع، الذي كرههما وكرهاه، وأرادا أن يموتا في أرض بلدتهما، وهما يعلمان أنهما لم يعرضا على المحاكمة»، كما يقول أحد أقربائهما. ويلفت الأخير إلى أن سبب عدم عودة الباقين أن «لا جديد في القانون الذي أقرّ، لأن الفارّين الى اسرائيل يريدون العودة من دون أية محاكمة. وهناك من لا يريد العودة أصلاً، لأنه هاجر الى بلدان أوروبية تؤمن له العيش الأفضل».

معظم التعليقات على القانون، التي ترد على ألسنة أهالي وأقرباء الفارّين الى اسرائيل، تصبّ في هذا السياق. في حين يرى آخرون، يرفضون التساهل مع المتعاملين أن «عدم عودة أحد من الفارّين بعد صدور القانون يفسّر تورّط معظمهم بالعمالة والإجرام، خصوصاً الرجال منهم، وهؤلاء يجبرون عائلاتهم في هذا الحالة على البقاء معهم».

على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، قرى وبلدات فرّ منها عملاء كثر، وأقرباء لهم من الذين خافوا البقاء أثناء التحرير «خوفاً من الانتقام» الذي لم يحصل. عاد منهم الكثيرون، ففي بلدة القليعة فرّ أكثر من 1500 شخص، كما يقول رئيس البلدية حنّا ضاهر، «عاد منهم في السنتين اللتين تلتا التحرير نحو 500 شخص، معظمهم من الذين لم ينتسبوا إلى جيش لبنان الجنوبي، بل فرّوا بسبب الخوف. وقد وصل عدد العائدين إلى نحو 800، ليبقى نحو 1000 شخص في اسرائيل حتى يومنا هذا».

ويؤكد ضاهر أنه «بعد صدور القانون الجديد لم يعد أحد، باستثناء عجوزين من البلدة، والسبب يعود الى أن القانون الجديد لم يضف جديداً إلى ما كان عليه سابقاً، لأن النساء والأطفال دون الثامنة عشرة كانوا يعودون أصلاً الى منازلهم من دون محاكمة، أما الرجال فكانوا يخضعون للتحقيق والمحاكمة». ويلفت ضاهر إلى أن «الاتصالات مع المقيمين في اسرائيل صارت صعبة جداً بعد حرب تموز، فلا معلومات كثيرة عنهم وعن أحوالهم، لكننا نعلم أن عدداً كبيراً يحاول الهجرة إلى أوروبا وأي دولة غربية، والكثير منهم استطاع السفر وربما بمساعدة اسرائيلية لأنها بحسب اعتقادي لا تريدهم لديها».

لا تختلف الحال في عيترون، مع ملاحظة أن «الفارّين هم من العملاء فقط أو أولادهم وزوجاتهم. لم يكن الخوف من الانتقام قائماً أثناء التحرير الاّ بالنسبة إلى العملاء» يقول أبناء البلدة. وعلى الرغم من ذلك عاد عدد كبير من الفارّين، بعد محاكمته، من دون أن يكون للقانون الجديد أي أثر. يشير نائب رئيس البلدية نجيب قوصان الى أن «القانون الجديد لم يؤثر، إذ لم يعد أحد بعد صدوره. من قرّر العودة عاد بعد التحرير، ومن بقي فهو متورّط بما يكفي لاتخاذ قرار عدم العودة».

في عيترون، لا تساهل مع المتعاملين، لا سيما الشهيرين منهم. الكلّ هنا يتذكّر «أبو برهان»، الذي توفي قبل نحو عامين في فلسطين المحتلة. «كان أكبر مسؤول عن العملاء في البلدة والمنطقة، واشتهر بأعماله الإجرامية، فرّ أثناء التحرير عبر بوابة كفركلا، وبعد وفاته، قرّرت أسرته دفنه في البلدة لكن أبناء البلدة رفضوا ذلك، وكذلك المجلس البلدي والأحزاب الموجودة»، بحسب قوصان. حالة الوفاة هذه سمحت للأهالي بالتعبير عن رأيهم «في رفض استقبال الخونة لاسيما أمثال أبو برهان، حتى لو كان ميتاً». دفن أبو برهان وقتها في الأرض التي فرّ اليها، لكن هذا لا يعني أن «جميع العملاء لن يسمح لهم بالدفن في البلدة، فالأمر متوقف على حجم العمالة وحجم الإجرام ونوعه، وردة فعل أبناء البلدة» كما يؤكد قوصان.

في رميش أيضاً، لا عودة ولا من يعودون. إذ يؤكد رئيس بلدية رميش يوسف طانيوس، أن «الفارين الى اسرائيل من أبناء البلدة، الذين يبلغ عددهم اليوم نحو 60 شخصاً، من أصل نحو 200 كانوا قد فرّوا أثناء التحرير، لم يعد منهم أحد بعد صدور القانون» لافتاً إلى أن «القانون لم يضف شيئاً جديداً بالنسبة اليهم، فهم لا يريدون المحاكمة».

وكان اللبنانيون الفارّون إلى اسرائيل قد أعلنوا في اليوم التالي لإقرار القانون في المجلس النيابي، عبر موقعهم الرسمي على شبكة الإنترنت، رفضهم لهذا القانون الذي حُدّدت مدة تطبيقه بسنة. ونشروا دراسة قانونية تحت عنوان: «ويل لأمة تريد محاكمة أشرف مواطنيها، على يد شياطينها. قانونكم مردود ومرفوض لأن لا عدالة قانونية وانسانية في مضمونه وغايته»، خلصوا فيها إلى القول بأنهم وفقا لمواد القانون اللبناني الذي يحتكمون إليه ليسوا «بميليشيا» وليسوا بمذنبين حتى يتم تسليمهم الى المحاكمة.

يذكر أن القانون الصادر عن مجلس النواب لمعالجة أوضاع اللبنانيين الذين فرّوا إلى إسرائيل يشمل عناصر «جيش لبنان الجنوبي». وفي الفقرة الأولى منه يشدّد على أن «هؤلاء يخضعون للمحاكمة العادلة ويُلقى القبض عليهم عند نقطة العبور من الأراضي المحتلة ويسلمون للجيش اللبناني».

ويسمح القانون للزوجات والأولاد بالعودة من دون قيد أو شرط وفقاً للمراسيم التطبيقية التي ستصدر عن الحكومة والتي تعدها وزارة العدل. وكان عدد العائدين من الفارين تجاوز المئات، وهم عادوا تباعاً وسلّموا أنفسهم للسلطات الأمنية ولم يبق أحد منهم داخل السجون بسبب الأحكام المخفّفة.

ويبلغ عدد اللبنانيين الموجودين في اسرائيل اليوم حوالي 3000 من أصل نحو 7600 كانوا قد فرّوا أثناءالتحرير وبعده. لكن القسم الأكبر منهم عاد إلى لبنان، وصدرت أحكام في حق النسبة الأكبر منهم، بالإضافة إلى عدد ضئيل غادر إلى خارج اسرائيل عند أقربائه، ويسكن هؤلاء المناطق اليهودية أكثر من العربية. يذكر أن معظم الفارين يعملون بأشغال مختلفة وأوضاعهم المادية ليست سيئة، بعكس علاقتهم الاجتماعية مع المقيمين بجوارهم من العرب والاسرائيليين.

تعليقات: