واشنطن قلقة من «إرهابيي الثورات» ولا تملك خطة لإسقاط الأسد


الاستقرار اللبناني «مصلحة أميركية» والفراغ الحكومي يهدد جبهة الجنوب

واشنطن قلقة من «إرهابيي الثورات» ولا تملك خطة لإسقاط الأسد

نبيل هيثم

لم يتردد الاميركيون، وعبر صحافتهم وكبار كتّابهم، في القول ان اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، يشكل ضربة كبيرة لهم وخسارة لا يمكن تعويضها. وبرغم ذلك، لم يبرروا لحلفائهم في لبنان ردة فعلهم بتعبيراتها المختلفة، من النزول المسلح الى الشوارع وصولا الى محاولة اقتحام السرايا الكبيرة، لا بل ان مسؤولا أميركيا اعتبر الخطوة الأخيرة «ضربا من ضروب الخفة والغباء».

يقول زائر لبناني دائم للعاصمة الاميركية، ان الاميركيين عبروا عن خشيتهم بعد استشهاد الحسن، من أن يؤدي الفلتان الأمني والسياسي الى تغييرات دراماتيكية في الصورة اللبنانية، لن تكون لمصلحة حلفائهم، ولذلك جندوا دبلوماسيتهم في اتجاه السعودية وسعد الحريري لوقف ما أسموه «الارتجال القاتل»، وألزموا «فريق 14 آذار» بخط أحمر: ممنوع الوقوع في الفخ الذي يريد النظام السوري استدراجكم اليه، الا وهو فخ إطاحة الاستقرار اللبناني.

وفي معرض تقييم مرحلة ما بعد استشهاد الحسن، عاد الزائر اللبناني بخلاصات عدة في ضوء ما سمعه من اصدقائه الاميركيين أبرزها الآتي:

اولا: نجحت واشنطن في احتواء انفعالات فريقها في لبنان، وفي الحد من الخسائر السياسية والمعنوية التي مني بها، علما ان القلق الاميركي لا يزال موجودا.

ثانيا: ان واشنطن تريد من حلفائها في لبنان ان يكونوا واقعيين وألا يشوشوا على السياسة الاميركية في لبنان والمنطقة.

ثالثا: يخطئ اللبنانيون إن اعتقدوا ان مصلحة لبنان اولوية اميركية. اولويات الادارة الاميركية في مكان آخر وتحديدا في سوريا. لذلك، فإن الاستقرار الذي تنادي به الادارة الاميركية في دول الجوار السوري وبينها لبنان، له مرادف وحيد هو المصلحة الاميركية.

رابعا: ان بعض اللبنانيين لا يزالون يعيشون في الماضي، لا بل يستنسخون اخطاءهم في السبعينيات والثمانينيات عندما اعتقدوا ان الولايات المتحدة تعمل عندهم وان اولويتها الوحيدة هي مصلحتهم. وهذا الامر تبدى مؤخرا خلال زيارة قصيرة قام بها قيادي لبناني بارز في «14 آذار» الى الولايات المتحدة، وطلب تدخلا مباشرا من قبل الاميركيين قائلا لمستقبليه: «إن وضع حد لـ«حزب الله» والنظام السوري مسؤولية أميركية».

خامسا: ان الادارة الاميركية ترى في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ضامنا اساسيا للاستقرار، وبالتالي لا تحبذ تغيير الحكومة في هذه المرحلة. وهذا ما جرى تأكيده للرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي. فضلا عن ان الادارة الاميركية لم تقل «يجب» ان تتغير الحكومة، بل ان المواقف الاخيرة الصادرة سواء عن الوزيرة هيلاري كلينتون ام السفيرة في بيروت مورا كونيلي ام مساعدة وزيرة الخارجية اليزابيث جونز تضمنت عبارات عامة من نوع ان الشعب اللبناني يستحق حكومة تعكس تطلعاته، وهذه العبارات تصب في سياق أي توصيف اميركي تقليدي لكل الحكومات في لبنان.

سادسا: ان الاميركيين، كما معظم الأوروبيين، يعتقدون ان استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الآن من شأنها ان تقود الى حال من اللااستقرار، اولا لعدم توفر بديل لميقاتي، وثانيا، اذا وجد البديل، فإن الأميركيين يخشون أن تكون الفترة ما بين الاستقالة والتأليف، فترة انتقالية غير مضمونة النتائج، وبالتالي يمكن أن تؤدي الى المس بالاستقرار وتعريضه للخطر، ولذلك هم مع بقاء الحكومة في انتظار توفر البديل.

سابعا: يخشى الاميركيون من أنه في حال انفراط عقد الحكومة، فان «حزب الله» سيضع يده على لبنان، ويحوله الى ساحة نصرة للنظام السوري، كما سيبادر الى توتير الجبهة الجنوبية، بما يضر بالستاتيكو الذي فرضه القرار 1701 منذ ست سنوات حتى الآن، «وعندما ينتفي وجود الحكومة، فمعنى ذلك ان القرار 1701 قد صار بخطر، وصرنا بالتالي أمام احتمالات خطيرة».

ثامنا: يقول احد كبار الموظفين في الخارجية الاميركية لضيفه اللبناني ان الازمة السورية تشارف على انهاء عامها الثاني، «وسوريا لم تعد كما كانت، وبشار اصبح ضعيفا، لا بل هو اشبه بـ«الرجل المخدّر»، ونحن منذ بداية الازمة نقول يجب ان يرحل الاسد ويتغير النظام، الا انه لا توجد لدينا خطة، لا عسكرية ولا سياسية». ويسوق الموظف نفسه «مثالا معبرا» امام الزائر اللبناني هو استقالة المستشار الخاص في وزارة الخارجية الاميركية لشؤون سورية والمرحلة الانتقالية فريدريك هوف قبل فترة قصيرة، ويقول: «لقد استقال هوف لان ليس له دور او خطة، وهيلاري كلينتون تفهمت الاستقالة ودوافعها، فعادت وكلفته فقط بمتابعة ملف الحدود البحرية اللبنانية ـ الاسرائيلية ـ القبرصية».

تاسعا: يبدي الاميركيون خشيتهم من العامل الاسلامي المتشدد الذي افرزته «الثورات العربية» وتحديدا في سوريا وليبيا. ولعل حادثة قتل السفير الاميركي في بنغازي قد فتحت الباب أمام مقاربة اميركية جديدة عنوانها: «مرحلة ما بعد حادثة بنغازي غير مرحلة ما قبلها». ويشبه البعض من الاميركيين اغتيال السفير الأميركي بأنه يشبه في مضمونه وخطورته «الحادثة الارهابية» المتمثلة بتفجير مقر «المارينز» في بيروت في العام 1983، والتي مهدت لسحب القوات المتعددة الجنسيات من لبنان.

في السياق نفسه، يكشف مسؤول اميركي للزائر اللبناني انه سمع في العاصمة البريطانية مؤخرا، نقاشا حادا بين عدد من اعضاء مجلس العموم البريطاني الذين حاولوا البحث عن اجابة على السؤال التالي: «كيف نحن نحارب الارهاب في افغانستان وغيرها، بينما نحن ندعم هذا الارهاب ونمده بالمال والسلاح في مناطق اخرى، وخاصة في سوريا»؟

تلك الخلاصات وضعها الزائر اللبناني على طاولة احد أقطاب «فريق 14 آذار» وقال له: «الاميركيون يفهمونكم جيدا، ويفهمون اصرار سعد الحريري وفؤاد السنيورة على استقالة الحكومة فورا، فالهدف ليس ميقاتي فقط، بل ان الرئيس ميشال سليمان استفز الحريري والسنيورة بدعوته للحوار توصلا الى تشكيل حكومة جديدة، وهذا ما اعتبره فريق لبناني «افتئاتا وتعديا على الصلاحية السنية المحصورة بالرئيس المكلف بحسب دستور الطائف والذي هو وحده يقوم باستشارات التأليف، ومن هنا فإن الدعوة الى الاستقالة الفورية تهدف الى قطع الطريق على اي دور لرئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة، والمحدد دوره فقط باجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة لا اكثر ولا اقل».

تعليقات: