شباب حاصبيا ومرجعيون.. نازحون يوميون طلباً للعلم

طالبات في النبطية
طالبات في النبطية


لم تتوفر بعد، وعلى الرغم من الوعود المزمنة للجهات المعنية، فروع لـ«الجامعة اللبنانية» أو الجامعات الخاصة، في منطقتي حاصبيا ومرجعيون. وهذا ما يوقع الطالب الجامعي وأهله، في حيرة من أمرهم، فالالتحاق بأي جامعة خاصة أو في أحد فروع «الجامعة اللبنانية»، دونه صعوبات وعقبات قاسية يجبر المواطن في المنطقة على تحمّلها. ويضاف إلى ذلك ارتفاع الأقساط، وطول المسافة الفاصلة بين تلك القرى والجامعات، التي تتراوح بين 60 و120 كيلومتراً.

يحار مئات طلاب قرى حاصبيا والعرقوب، في كيفية إكمال تعليمهم الجامعي. وخيارهم محكوم بعقبات عدة، منها وبشكل أساسي بعد الجامعة عن محل الإقامة في القرية، وما يلزمه من وقت في قطع المسافة ذهاباً وإياباً. والتي تتجاوز ساعة ونصف الساعة للوصول إلى جامعات البقاع أو النبطية. أما في حال كان الخيار جامعات صيدا أو بيروت، فالمفروض استئجار منزل أو التوجه إلى السكن الجامعي. وفي الحالتين، يحتاج الطالب إلى ميزانية خاصة، تضاف إلى رسوم التسجيل والأقساط، وثمن كتب ولوازم، مع مصاريف أخرى متنوعة ومتعددة.

يسأل الطالب سامح حمدان (20 سنة)، قبل أن يشرح خريطة طريق مساره العلمي الجديدة «لماذا لم تعمل بعد الجهات المعنية التربوية والسياسية، من وزراء ونواب وقادة أحزاب، على فتح فروع للجامعة اللبنانية، أو للجامعات الخاصة في المنطقة؟»، لافتاً إلى أنه «مرّ 12 عاماً على التحرير، من دون أن ينجز ذلك الملف التربوي الهام. الجامعة في المنطقة ضرورة ملحة لدعم السكان والتخفيف من معاناتهم». ويوضح حمدان مسار الطالب اليومي «الخامسة فجراً، يستيقظ الطالب الجامعي استعدادا لليوم الطويل. الخامسة والنصف ينزل إلى الطريق العام، بانتظار وصول الحافلة، التي ستطوف على قرى وبلدات عدة لجمع الطلاب، ومنها مثلا شويا، وعين قنيا، والخلوات، وحاصبيا، وميمس، والكفير. تلك العملية يلزمها نحو ساعة، تضاف إلى ساعتين من الوقت للوصول إلى الجامعة». ويضيف «غالباً يكون موعد محاضرات الكثيرين لم يحِن بعد أو محاضرات قد انتهت، فالكل مضطر إلى الحضور صباحاً على توقيت الباص. كذلك في طريق العودة، يضطر الجميع التزام مواعيده، من دون الالتفات إلى أوقات الحصص. وفي حال اختلفت المواعيد، فالخيار يكون العودة عبر الحافلة والتخلي عن المحاضرة مهما كانت أهميتها».

يقول الطالب باسل يحيا (سنة ثانية علوم اجتماعية): «إن معاناة التنقل تكون مضاعفة في فصل الشتاء، حيث الجليد والثلج وقطع الطرق، خاصة في ساعات الصباح، ما يلزم التعطيل ولأيام عدة. لقد خسر عدد كبير من شباب المنطقة، فرصة إكمال دراستهم الجامعية، بسبب عدم القدرة على تحمل النفقات. يضاف إلى ذلك رفض عشرات العائلات إرسال بناتهن إلى مناطق بعيدة حيث الجامعة». إذ ترفض العائلات أن تمضي الفتيات أوقاتاً طويلة على الطرق، واضطرارهن أحياناً إلى التأخر في العودة إلى المنزل، فالتنقل اليومي وطول الطرق، وبعد المسافة، كلها عوامل تؤثر سلباً في تركيز الطالب وطاقته، كما تقول سميرة مرعي (سنة ثانية في فرع اللغة الإنكليزية). فالدراسة الجامعية «يلزمها هدوء وتوازن، وبحبوحة مالية، في حالات عدة. فطالب القرى الريفية محكوم بضغوط عدة، تحد نوعاً ما من طموحه. لكن مهما كان من صعوبات فقد أثبت عشرات الطلاب تفوقاً في الجامعة أذهل الجهات المشرفة».

دراسة ميدانية حول الواقع التربوي الجامعي في قضاءي حاصبيا ومرجعيون، أعدّها «مركز عيسى للدراسات»، خلصت إلى أن منطقة الجنوب والبقاع الغربي، هي الخزان البشري التربوي للجامعات في بيروت والبقاع، حيث يوجد أكثر من 3500 طالب. عندها بات استحداث فرع لـ«الجامعة اللبنانية»، والجامعات الخاصة ضرورة لاستيعاب ذلك العدد من الطلاب الجامعيين، من أبناء قرى تتسم معظمها بالبيئة المحافظة اجتماعياً ودينياً وسياسياً. تلك الدراسة أشارت إلى أن إحصاءً تربوياً أجرته إحدى الجهات المعنية، يبيّن أن أكثر من ثلاثين في المئة من أطباء لبنان، وخمسة وعشرين في المئة من المهندسين، وأربعين في المئة من المدرسين في المدارس الخاصة والرسمية هم من الجنوب. ومعظمهم من القرى الحدودية. وكذلك فإن أكثر من ثمانية في المئة من الضباط، ذوي الرتب الرفيعة، هم كذلك من منطقة الجنوب.

نضال عيسى، المشرف على الدراسة، أوضح أن أقرب جامعة للمنطقة في النبطية، التي تبعد عن حاصبيا خمسين كيلومتراً، فيما جامعات البقاع تبعد 65 كيلومترا. أما جامعات بيروت، فتبعد نحو 130 كيلومتراً. يضيف عيسى «عوامل بُعد المسافة في ظل عدم توافر وسائل عامة للنقل في بلدات الأطراف، وجهد الذهاب والإياب يومياً، تدفع ببعض العائلات إلى قبول انتقال أبنائها إلى بيروت للإقامة والدراسة. ولأن الكلفة تكون عالية على الكثيرين لناحية الإنفاق على بيتين، واحد في القرية وواحد في المدينة، فإن رب العائلة يفضل النزوح إلى المدينة والعمل هناك ليكون قريباً من أولاده وللتوفير في النفقات».

وتقترح الدراسة إنشاء فروع جامعية في مرجعيون أو حاصبيا، لا لتلبية احتياجات أبنائها فحسب، بل لتعزيز الإمكانيات الاقتصادية فيها، ودعم صمود أهلها، خاصة الطبقة الشبابية المثقفة، علماً أن أسعار الشقق والتكلفة المعيشية في المنطقة أقل كلفة، وهي أكثر هدوءاً وأماناً من المناطق الأخرى. وأشار النائب قاسم هاشم إلى سلسلة اتصالات قام بها مع رئيس «الجامعة اللبنانية» الدكتور عدنان السيد حسين، الذي أبدى تفهماً لحاجة القرى الحدودية لفروع جامعية. لكنه لفت إلى ملاحظات سلبية عدة من الناحية الأكاديمية، هاشم أضاف «سيكون لنا خلال الفترة القريبة المقبلة نحن نواب منطقة حاصبيا - مرجعيون لقاء آخر مع رئيس الجامعة، للوصول إلى صيغة تفاهم تسرع بفتح فروع جامعية في مرجعيون أو حاصبيا أو الخيام. كما سنبحث الموضوع لأهميته القصوى وحاجة المنطقة الملحّة اليه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي».

من جهته، النائب علي فياض أوضح أنه كان قد أثار مشكلة الطالب الجامعي الحدودي، وضرورة إنشاء فروع جامعية في حاصبيا ومرجعيون مع رئيس الجامعة السابق زهير شكر. وجدد معالجتها مع الرئيس الحالي للجامعة، الذي وعد بدراسة جدية. وقد اتفقنا على تحديد موعد لزيارة ميدانية للمنطقة، بهدف تحديد واختيار الموقع. إلا أن ظروفاً متعددة حالت دون ذلك. في حين سيبقى فتح فروع للجامعة في القرى الحدودية من أولوياتنا. إلا أن فياض بدا متشائما من إمكانية إنجاز تلك الخطوة قريبا، معتبراً أن ذلك يلزمه المزيد من التحركات والضغوط.

وفي ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة، التي يمر بها البلد، وعدم اقرار مجلس الوزراء مشروع إنشاء فرع جامعي حتى اليوم، فإن طلاب مرجعيون وحاصبيا سيبقون مشتتين بعيداً عن بلداتهم طلباً للعلم الجامعي للعام الدراسي الحالي وللأعوام المقبلة.

طلاب في النبطية
طلاب في النبطية


تعليقات: