هدم البيوت التراثية مستمر... النبطية في مهبّ الريح

قرر ورثة منزل «إم رمزي» المتربع عند تقاطع حي البياض في مدينة النبطية، هدم البيت التراثي الذي بناه الزين حريبي بين أواسط العشرينات ومطلع الثلاثينات من القرن الماضي، من حجارة مصقولة ومنحوتة، وقناطر وشرفات معلقة؛ واستبداله بمركز تجاري.

ككل مرة، سيقف ناس النبطية يتفرجون على واحد من البيوت الجميلة يهوي إلى غير رجعة، بعدما غاب بُناته وسكانه، من رب البيت، إلى زوجته «إم رمزي» التي يُعرف بها، ثم إلى وريثيهما الوحيدين رمزي وعلي، وبعدهما إلى عدد كبير من الورثة، لتنال منه لاحقاً عوامل هجرة الساكنين والاعتداءات الإسرائيلية، وقلبات الطقس التي جرّدته من قرميده، ثم من بعض أعمدة شرفاته، فضلاً عن عبث عابثين خلعوا أبوابه وشبابيكه قبل أعوام قليلة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تقف فيها بلدية النبطية مراقبة أسنان الجرافات وهي تدكّ الأبنية التراثية في المدينة، افساحاً في المجال أمام مساحات أخرى من الاسمنت المتراكم مشاريع تجارية. وتحت عنوان عدم قدرتها على وضع يدها على البيوت المعمرة والعتيقة، شراء أو بـ«المونة» أو حفظاً للتراث والتاريخ، جرى هدم السرايا العثمانية القديمة التي تكنى أحد أحياء النبطية باسمها عام 1972، ثم هدم أهم قصور المدينة المطل على الوسط التجاري، قصر آل الفضل عام 1992، لتكر السبحة.

يقول أحد ورثة البيت المحامي سمير فياض: «عرضنا على بلدية النبطية قبل نحو 15 عاماً شراء البيت، وكانت في وقتها تملك مالاً وفيراً في صندوقها، وكان البيت بأفضل أحواله، ولم تعر الأمر أي اهتمام؛ وكانت الطريق قد اقتطعت جزءاً من حديقته قبل التسعينات، ثم سُئِلنا من مرجعيات رسمية محلية، منذ نحو خمس سنوات عن تقديرنا لثمنه مع الأرض وطرحنا مبلغاً يقارب 500 ألف دولار، قابلاً للمساومة، ولم نجد من يهتم، وها هو البيت يهوي حجراً حجراً، سنستبدله بمركز تجاري، أعدت خرائطه، تبدأ إقامة أساساته خلال شهر».

ستنتقل حجارة البيت إلى خارج المدينة، إذ ستكون من نصيب أحد المشاركين في إعداد المركز التجاري البديل؛ هذه الحجارة التي حملتها الجِمال من عكا في فلسطين، ليمعن فيها معلمو «تقصيب» الحجارة تربيعاً ونحتاً، تأسيساً لطبقتين وغرف متنوعة وأعمدة مدوّرة، وأدراج معلقة. ومعه ستغيب بعض ذاكرة المدينة، إذ حول الشاعر الراحل السيد جعفر الأمين باحته وإحدى قاعاته، في الخمسينات وقبلها منتدى للشعر والأدب والثقافة. ويأسف المهندس يوسف حمزة لعدم «وجود إشارات على بعض العقارات التراثية في النبطية تمنع هدمها، في الوقت الذي ليس فيه قانون ينظم هذه المسألة ويمنع العبث ببنيتها، فيصبح لأصحابها الحق في هدمها متى شاؤوا». كان يمكن البلدية أن ترفع طلباً إلى التنظيم المدني تصنف من خلاله هذه المدينة أو المنازل التي فيها كمنازل أو مناطق ذات طابع أثري، وبعد ذلك تصنف المنازل الأثرية على لائحة الجرد العام من جانب المديرية العامة للآثار ويمكن اجتراح حلول ترضي صاحب الملك مادياً ومعنوياً وخاصة أن التصنيف يجبر المديرية على المحافظة على هذا الإرث الثقافي ودفع المتوجّبات لترميم المنازل او تأهيلها.

تعليقات: