هيئة التنسيق النقابية.. شكراً

هيئة التنسيق النقابية.. شكراً
هيئة التنسيق النقابية.. شكراً


في مثل هذه الأيام قبل ربع قرن، وتحديداً في التاسع من تشرين الثاني 1987، شهدت الحرب البشعة الدائرة آنذاك، حدثاً نوعياً وتحولاً تاريخياً تمثلا بخروج أكثر من مئة ألف لبناني من غرب بيروت وشرقها ليتلاقوا على «معبر» المتحف الذي أقيمت عليه السواتر الرملية والحواجز العسكرية للفصل بين شطري العاصمة.

توّج ذلك اليوم التاريخي (الذي غرس فيه المتظاهرون أظافرهم في أكوام الرمل ليزيلوها) تراكماً نضالياً قام به المجتمع المدني في مسيرة المعاقين، وحملات التبرع بالدم العابرة لتقسيمات الحرب، واللقاءات الثقافية والوحدوية لنخب تسعى لوقف الحرب وصون الوحدة ومنع التقسيم، وقد قال لنا المبعوث العربي لحل الأزمة اللبنانية الأخضر الإبراهيمي: لقد أسقطت تلك المسيرة منطق الذين يريدون التنصل من مساعدتهم للبنان بالقول: «إن اللبنانيين يحبون الحروب فاتركوهم لشأنهم».

يومها يتذّكر القيّمون على تلك المسيرة الوحدوية السلمية كيف تحركت قوى الأمر الواقع، اللبنانية وغير اللبنانية، في «الغربية» كما في «الشرقية»، لمنع قيام تلك التظاهرة التي يبدو أنها نجحت في توحيد كل أمراء الحرب ضدها تماماً كما نجحت في توحيد مناهضي الحرب الآتين من كل البيئات والمناطق والانتماءات.

ويومها أيضاً تلاقت المسيرة الوطنية الوحدوية المناهضة للحرب والتقسيم وجماهيرها على دعم مطالب الاتحاد العمالي العام تأكيداً لتلازم المقاومة الاجتماعية والاقتصادية مع مقاومة الحرب وخطابها وآلياتها واقتصادها الموازي الذي كان ينهش لقمة خبر المواطن.

نستعيد تلك اللحظة التاريخية الهامة من تاريخ لبنان، ونحن نسعى اليوم من أجل أن تكون لنا لحظة تاريخية مماثلة تسقط الاحتكار المالي والإقطاع السياسي والاحتقان المذهبي، ناهيك عن محاصرة آليات الهدر والفساد في الدولة والمجتمع على حد سواء.

وإذا كانت أسباب وظروف ذاتية وموضوعية قد حالت دون تنامي ظاهرة مسيرات الشباب لإسقاط النظام الطائفي، وهي أسباب وظروف تحتاج إلى مراجعة جريئة وشفافة، فإن ما تقوم به هيئة التنسيق النقابية، وفي طليعتها المعلمون وأساتذة الجامعات واتحادات نقابية يمكن أن يكون نقطة البداية في حراك وطني عام ينطلق من مطالب معيشية محقة ليشكل نواة صلبة لتحرك شعبي عابر للمناطق والطوائف.

وأهمية الإضرابات المتتالية والمتسعة التي تدعو إليها هيئة التنسيق النقابية لا تكمن في أن مطالبها مشروعة، وان أعذار الحكومة في التأخر عن تلبيتها غير مقنعة، لا سيّما حين يتذكر اللبنانيون حجم الهدر والفساد اللذين ينخران في البلاد ويتكدسان ثروات خيالية في جيوب المتنفذين وخزائن المصارف، بل تكمن أيضاً في أن هذه الهيئة تخوض، في غمرة الاحتقان الطائفي والمذهبي، نضالاً عابراً للطوائف والمذاهب، بل تؤسس عبر هذا النضال لكتلة شعبية وطنية خارج الاصطفافات المرعبة التي تعيشها البلاد، وتلعب دوراً مماثلاً لدور الاتحاد العمالي العام قبل ربع قرن في إطلاق تحالف شعبي واسع يضم قوى المجتمع المدني وتيارات الاعتراض على واقع الحرب والتقسيم والفساد والهدر.

لذلك فإن إقرار سلسلة الرتب والرواتب وتنفيذها مع كل ما يتصل بها من مطالب، لم يعد مجرد مطلب نقابي، بل بات مطلباً وطنياً أيضاً، لأن الاستقرار الاجتماعي هو ركيزة الاستقرار السياسي والأمني، تماماً مثلما الاستقرار السياسي والأمني هو قاعدة كل استقرار وازدهار.

ومن هنا، فتحرك هيئة التنسيق النقابية، بغض النظر عما نسمعه من ملاحظات تفصيلية حوله، هو نسمة باردة في زمن تلفحنا فيه كل يوم سموم التحريض الطائفي والمذهبي التي لا يرتاح أصحابها، ومن وراءهم، إلا في رؤية لبنان محترقاً، وأهله بين قتيل ومشرد في بلاد الله الواسعة. بل إن هذا التحرك المشروع يشير إلى البوصلة التي توحد اللبنانيين، فيما يتسابق كثيرون على تنفيذ مخططات تفرق اللبنانيين.

هيئة التنسيق النقابية.. شكراً.

تعليقات: