اغنياء سوق الأحد والمقتنيات الاثرية منعاً للإحراج

اغنياء سوق الأحد والمقتنيات الاثرية منعاً للإحراج
اغنياء سوق الأحد والمقتنيات الاثرية منعاً للإحراج


في سوق الاحد، عجقة ناس، ومساواة في طلب البضاعة الارخص، وربما في كثرة "النق" والجدال حول الاسعار. وسوق الأحد لم يعد يقتصر على يوم الاحد من كل اسبوع بيروتي، بل توسع ليفتح ابوابه منذ ظهر السبت. واللافت ايضاً انه كسوق البالة في طرابلس يستقطب الفئات الاجتماعية المختلفة.

الاغنياء يقصدونه كما الفقراء. لكنهم غالباً ما يدعون انهم يبحثون عن قطع اثرية وتراثية لمنازلهم الفخمة. وهم يفعلون ذلك، لكنهم على هامش الزيارة، يشترون ما يحلو لهم من أشياء أخرى أقل ثمناً، وخصوصاً أدوات منزلية، وفواكه وخضر. ثم يقولون أمام أصدقائهم "قصدي السوق لشراء مزهرية اثرية، ولكن هل تصدق وجدت كيلو الموز بـ500 ليرة، فاشتريت كم كيلو، حرام هذا البائع، بدي نفعو".

ولكنه ما ان يبلغ عتبة البيت، يفاخر بأنه اشترى كيلو الموز، وكيلو البندورة، وكيلو التفاح، بأقل من نصف ثمن البائع أو السوبر ماركت. ويشعر أولاده، وزوجته، بأنه بطل في التفاوض، وفي اقتناص الفرص، على عادة معظم اللبنانيين.

سوق الاحد يجمع المتناقضات، وليس الأحبة، إذ يفضل الاغنياء، عدم لقيا الاحبة هناك، منعاً للاحراج.

..

.

ماذا يقول شبان وشابات عن سوق الأحد؟

يرفض معظم الشبان والشابات زيارة سوق الأحد الا ضمن مجموعات أصدقاء، لإظهار الزيارة كأنها استطلاعية، أو رحلة مثيرة، ويتجنب هؤلاء الحديث عن التسوق في السوق.

لكن آخرين يجيبون، والفارق انهم من طبقة اجتماعية مختلفة، ومعظمهم لم يقصد الجامعة يوماً، واصدقاؤه من زبائن سوق الأحد بشكل اسبوعي.

¶ ريتا تقول انها تشاهد السوق من الخارج، إذ تمر بقربه اسبوعياً، ولشدة زخمة السير في محيطه، فهي تشاهد حركة الناس في عمليات المبيع والشراء. لكنها تأسف لأن السوق امتدت الى تحت جسر الفيات حيث صارت سيدات تعرضن الاحذية البالية هناك.

¶ رياض يقول انه يقصد السوق اسبوعياً برفقة والدته وزوجته وانه يشتري معظم المونة والفواكه والخضار من هناك، باستثناء اللحوم. وانه اشترى ثياباً جديدة تضاهي تلك المعروضة في واجهات شارع الحمراء، وطبعاً بسعر لا يتجاوز الـ10 أو 20 في المئة من اسعار المحال الفخمة.

¶ ليال طالبة في كلية الاعلام تقول انها قصدت السوق للاستكشاف الصحافي فلا تقول عن شيء انها لا تعلم به ولم تشاهده. ولم تجد حرجاً في الزيارة وهي تحمل كاميرتها، لكنها تجد حرجاً إذا ذهبت باستمرار للتسوق، "لأنو المجتمع والناس بيجرصوني وبيصيرو يقولو لابسة من سوق الأحد".

¶ تروي لي عن سيدة مجتمع التقت بها صدفة في السوق، فارتبكت الاخيرة، وقالت للأولى اني قصدت المكان لشراء بعض الحاجيات لخادمتي.

¶ يقول وسام: اقصد سوق الاحد، كما سوق الخضار، لأشتري الفواكه والخضر الطازجة وبثمن أقل. لكني لا ابتاع الثياب والمأكولات الاخرى.

¶ طوني اشترى كل عدته المنزلية من "مفكات براغي، وكابلات كهربائية، ووصلات للهاتف والدش، كما علب اسطوانات CD وDVD واشياء تكنولوجية أخرى من سوق الاحد. فالمصنع صيني، والبضاعة واحدة، لكن الفارق في الاسعار أن العارض في سوق الاحد لا يدفع ايجاراً مرتفعاً ومصاريف هاتف وكهرباء وموظفين. وإذا كان الناس يستحون من زيارته فهم احرار. عليهم ان يدفعوا ثمناً أكبر في أمكنة أخرى. صحتين عاقلبن.

..

.

سوق "البالة" في طرابلس: زبائن من اكتر الناس شهرة في المجتمع

بدر جورج غانم

هنالك، حيث العناوين تضيع في زواريب المدينة وتدوخ في زواياها التي لا تنتهي، هناك حيث لا صوت يعلو صوت الباعة، وعلى قرقعة الأقدام المنهكة من اللفّ والدوران وتمتمة كلمات بابلية اللكنات، هناك، وهناك فقط، نجح المكان حيث فشلت الأفكار الإشتراكية والعقائد في جمع طبقات المجتمع من كل حدب وصوب. لكأنه عالم يحكي لغة الفقر بلكنة الأغنياء، كأنه صورة للعوز الجائع، مزنّرة بإطار مخمليّ من وحي الشبع والفيض، هو صوت أنين الجيب الفارغة التي تدردش على مسافة قصيرة بأخر النكات مع الجزادين الممتلئة حتى التّخمة. طرابلس، مدينة الفقر والثراء، التاريخ والمستقبل، المحال الفخمة وبسطات البالة.

تعتبر منطقة باب التبانة في طرابلس من أكثر المناطق فقراً ضمن مساحة ال 10452 كيلومتراً، هي رقعة جغرافية دخلت التاريخ من باب السياسة والأمن، ودخلته أيضاً من بوابات الفقر ونوافذ المطالب الإجتماعية. تضم أكبر سوق للخضار في محافظة لبنان الشمالي، كما وسوقاً مخفياً تحت الستائر الواقية من الشمس، وخلف كثافة عربات وخيم السوق، سوق معلوم وغريب، لإن قاصديه يعرفونه زاويةً زاوية، ويأتون إليه بأكثر من قصد وهدف. هو سوق البالة، تشكّله مجموعة كبيرة جداً من المحال المتراصة خاصرة الى خاصرة. والبالة، كما يعرّفها الكثير من الناس بأنها ثياب مستعملة سميّت بالبالة لإنها تعتبر بالنسبة اليهم بالية. أما وفق تعريف قاموس رائدي هذة المهنة وروّاد أسواقها، فللبالة معنى آخر.

أبو أحمد، يروي لنا قصة ألف ليلة البالة وليلة زبائنها، هو عريق في المهنة، بدأ مشوارها من الصغر. البالة، وفق تعريفه، هي بيع الثياب التي تم إستعمالها من الأغنياء الأجانب لمدة قصيرة جداً. والمقولة أن ثياب البالة هي بالية غير صحيحة، لإن الثياب كلها في احسن حالاتها. أما الغريب الذي يفاجئ كل باحث جديد في هذة الأسواق وهو أن أغلبية الثياب المعروضة هي من أهم الماركات العالمية، ومن موضة ليست عتيقة جداً نسبة الى تلك المعروضة في فيترينات المحال الفخمة. وهذا ما يميز البالة وزوارها. وهنا مكمن الحديث وبيت القصيد، لإنه وإن كانت محال البالة بالية المنظر والمكان، مكتظة بالناس والإتساخ، فزوارها يأتونها بأهداف مختلفة، وهم نوعان:

النوع الأول هم الفقراء المعدمون، الذين يبحثون عبر تسوقهم في البالة عن ثياب تسترهم، وتقيهم صقيع الشتاء وتحمي اجسامهم المتعبة من هموم الفقر. يشترون الثياب غير عالمين، ولا حتى مهتمين بالماركة المسجّلة على القطعة، وكأنها كلمة من قاموس بلاد السند!

أما النوع الثاني، وفق تفسير ابو أحمد، فهو الذين يمثلون النقيض للنوع الأول، هم الميسورون، أو وفق تصنيفه، "المتوسطون مدّعو الثراء". هذا الوصف يلخّص في شكل لا يقبل النقد حالهم. يأتون بثياب عادية، أغلبهم يضع النظارات ويغطون رؤوسهم أو وجوههم بخمار. وبالرغم من ذلك يمكن كشفهم بسهولة وأنهم من النوع الرقم 2. يعرفون الماركات عق المعرفة، لا يشترون إلا "الدارج"، يركنون سياراتهم الفخمة بعيداً كي لا يراها أحد فيكشف سرهم، ويحاولون عدم النظر إلى الموجودين في السوق كي لا يعرفهم أحد ولا يعرفون أحداً. يشترون القطعة بألف وألفي ليرة ومن أهم الماركات، ويتباهون بها في مجتمعهم الزائف بأن ثمنها يفوق الـ 300 دولار، لإنها أصلية بالفعل وغير مقلّدة. هكذا يعبّر أبو احمد بطريقته المميزة. يقول، زبائني من أكثر الناس شهرة في المجتمع، من زوجات الضباط، الأطباء، رجال الأعمال، وحتى ممن يتعاطون الشأن العام، ولا مين شاف ولا مين دري.

وعن سر تدني الأسعار يجيب أبو أحمد، بأن شراء ثياب البالة لا يكون بالقطعة وإنما "على الشيلة"، أي بالوزن. والزبائن "الإكستراً يحظون بفرصة إختيار الأفضل عند فتح الشوال، أي قبل عرض البضاعة. كما أنه يحتفظ ببعض أرقام الزبائن لينبئهم بوصول آخر "شوال" الموضة.

البالة ليست حكراً على الثياب فحسب، فهي تشمل الأحذية، الجزادين، الشالات، الأدوات المنزلية، ثياب الثلج، القبعات … وكلها تحمل معها خبريات مختلفة وأسراراً لا يباح بها إلا بين روّاد سوق البالة والبائعين.

فيزون في البالة

محمد، يبيع أفضل أنواع معاطف "الفيزون"، يبدأ ثمن الواحد منها بخمسين الف ليرة، ويصل حتى الخمسمئة ألف ليرة. طبعاً راغبو هذا النوع من البالة هم نساء الدرجة الثانية والثالثة مدعيات الدرجة الأولى. يجادلن في السعر حتى أخر نفس، ليذهبن إلى الصالونات يخبرن قصص شراء الفيزون أثناء سفرة في فرنسا، أو توصية من الخارج، أو هدية الزوج لهن في المناسبات الخاصة.

ويدلّلن على أساس أنه يساوي آلاف الدولارات، دفعنها بالكامل حتى آخر سنت!

أخبرنا محمد بأن سيدةً معروفة في المجتمع لا تكلف نفسها عناء النزول من سيارتها "المفيّمة"، بهدف التخفّي من الفضيحة وفق إعتقادها، فيحضر لها البائع البضاعة الى السيارة لكي تختار ما تريد منها.

أما ألأحذية فهي من كل النواع، الجلد الأصلي، الصيفي، الشتوي، الكبير، الصغير... يقيسونها في المحال، ينزعجون من الرائحة، ومن الزوار غير المرغوب بهم من الطبقات الفقيرة، بالرغم من أن المنطقة منطقتهم، والآخرون يتطفلون عليها.

لا يقبل أحد من "مدّعي الطبقة الأولى" التحدث في الموضوع، بإستثناء جاد، وهو شاب (23 سنة)، منفتح العقل والوعي.

وجاد طالب في واحدة من أكبر الجامعات الخاصة في لبنان، يدرس الهندسة ويتّقن لغات ثلاث. الجامعة التي يرتادها جاد تتطلّب منه مستوىً عالياً من اللباس والمظهر. ولكي يكون على قدر تطلعات مجتمعه، فالبالة هي الحل. أفضل الماركات وبأسعار تخطّت مرحلة "الخيالية"، يشتري كل شيء من البالة ما عدا "الجينز"، لإن الموضة في الجينز متأخرة جداً. يبحث دائماً عن أخر الصيحات، من الأحذية الرياضية الممتازة، والشالات "الغير شكل". وإذا ساله أحد من أصحابه في بيروت، عن مكان شرائه للقطعة، يخلق التصورات، أختي أرسلته الي من اميركا، قطعة قديمة عمرها سنة، أو هدية.... وإلى ما هنالك من أخبار.

يعتبر جاد نفسه "شاطر" والأخرين من رفاقه أغبياء، لأنه يظهر بمظهرهم ويلبس من اهم الماركات، هم يدفعون مئات الدولارات، أما هو فيدفع عشرات آلاف الليرات فقط. هو إبن البالة، المكان المتّسخ ومتردّي الشكل الذي يخرج منه محملاً بأكياس المظهر اللائق والمستوى العالي.

البالة، وفق جاد، عبارة عن "لقطات"، فكثرة المحال توجب على زائرها معرفة خصائص كل محل بمحله منها. فمنها اختصاصه ماركات الجلد المعروفة، ومنها ما يستأثر بالفرو الاصلي، ومنها ما ينوّع في البضاعة. اما عن عرض هذه الأخيرة فالطرق متنوعة، هناك البسط على الأرض، والتعليق على مستويات عالية للبضاعة المميزة. ومن أكثر الطرق شيوعاً وضع البضاعة في نوع من المستوعب لإشغال طويلي البال من الزبائن وتمرين حاسة الحظ عندهم في مدّ اليدّ داخله ونبش الموجود و"إنت وحظك".

البالة، تشبه المجتمع الذي يحضنها، بفقره وغناه، بغوغائيته وهداوة باله، بحسرته على ماضٍ عزّ، وتاقلمه مع الموجود. البالة ترفض إسمها، فهي ليست بالية على الإطلاق، وإنما حيّة نشطة لا تعرف إستكانة ولا راحة، البالة، باب التبانة قضاء طرابلس، محافظة لبنان الشمالي في الجمهورية اللبنانية.

تعليقات: