«هلوسات» بيع الأمتار الوهميّة

المشروع الجديد يقسم حوافز زيادة عوامل الاستثمار إلى فئتين تستفيد الأولى أفقياً والثانية بطابق واحد (مروان طحطح)
المشروع الجديد يقسم حوافز زيادة عوامل الاستثمار إلى فئتين تستفيد الأولى أفقياً والثانية بطابق واحد (مروان طحطح)


سقط مشروع زيادة عامل الاستثمار بالضربة القاضية أمس، عندما أعاد المجلس الأعلى للتنظيم المدني في جلسته أمس صياغة مشروع يرمي إلى إعطاء حوافز زيادة عامل الاستثمار لتشجيع «البناء الأخضر». هلوسات الحكومة ببيع الأمتار الوهمية لم تعد صالحة للاستخدام في معركة تمويل سلسلة الرتب والرواتب

محمد وهبة

تدور سلسلة الرتب والرواتب حول بند التمويل منذ أشهر إلى اليوم. طيلة هذه الفترة، أصرّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفريقه على البحث عن خيارات تمويل لا تكون على حساب أحد، فتُرضي أصحاب العمل وتتبنى الهواجس التضخّمية التي أثارها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولا تلقي عبئاً ضريبياً جديداً. ضمن هذه الحدود، نشأت فكرة بيع الأمتار الوهمية، أو زيادة عوامل الاستثمار التي عرفت لاحقاً على أنها «طابق الميقاتي». قدّم فريق ميقاتي نسختين من هذا المشروع تحت مسميات مختلفة لم تلتزم أي منهما بالحدود المرسومة، فأطاحهما المجلس الأعلى للتنظيم المدني ووضع نسخة بخلفية مختلفة؛ النسخة الأولى كانت عشوائية إلى حدود الوهم(!) والثانية كانت «محاولة ركيكة»، أما النسخة الثالثة فهي «نوعية» أحرجت ميقاتي وفريقه وقلّصت توقعاتهم وتقديراتهم للعائدات المتوقعة من المشروع المستخدم لتمويل سلسلة الرتب والرواتب .

في أيلول 2012، اقترح فريق ميقاتي مشروعاً لزيادة عوامل الاستثمار بمعدل 10%. كان الهدف وفق الدراسة العشوائية التي وضعها 3 مستشارين لرئيس الحكومة (وزير الأشغال السابق عادل حمية، العميد المتقاعد نقولا الهبر، والمدير العام السابق للتنظيم المدني جوزف عبد الأحد) تحقيق واردات من بيع الأمتار الوهمية الناتجة من زيادة عوامل الاستثمار بقيمة 2024 مليون دولار. يومها نسف المجلس الأعلى للتنظيم المدني هذا المشروع الذي سمّي «طابق الميقاتي»، بسهولة، مشدداً على أنه ليس بإمكان التنظيم المدني أن يتحوّل إلى أداة لزيادة واردات الدولة، وأن الزيادة المقترحة على عوامل الاستثمار تُحدث زيادات فعلية على الأبنية تصل إلى 100%.

استمرّ الأخذ والردّ في كيفية تمويل سلسلة الرتب والرواتب، إلى أن اتفق ميقاتي مع النائب وليد جنبلاط على تسهيل مسار اقتراح يعدّه المدير العام للتنظيم المدني بالوكالة الياس الطويل، مع مستشار رئيس الحكومة نقولا الهبر. في هذا الإطار السياسي ولدت النسخة الثانية من «طابق الميقاتي» بعنوان «مشروع قانون إعطاء حوافز للأبنية المستدامة». هذه النسخة التي امتدّ إعدادها لأسابيع عديدة بإشراف العريضي، استعملت الأبنية المستدامة في محاولة لزيادة عوامل الاستثمار وزرعت فيها فخاخاً تمنح ميقاتي أكثر مما كان يتمناه؛ فلم تحصر زيادة عامل الاستثمار بالعقارات غير المبنية كما ورد في المشروع السابق، بل شملت العقارات «قيد الإنشاء» أي تلك التي قد تكون منشأة ولم تحصل على رخصة إسكان بعد، ثم ربطت الزيادة على الاستثمار بنسبة 10% من عدد الطوابق ببعض الشروط البيئية، من دون أن تلحظ أي نقطة متصلة بالتداعيات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية لمشروع كهذا... وأبقي المشروع سرّاً إلى أن عرضه الطويل يوم الجمعة الماضي على المجلس الأعلى للتنظيم المدني من خارج جدول أعماله، فأجّل درسه إلى جلسة خاصة عقدت أمس الاثنين .

ووفق مصادر مطلعة على ما دار في الجلسة المذكورة، فإن النسخة الثانية من مشروع «طابق الميقاتي» لم تكن عشوائية وبدائية كالنسخة الأولى، لكنها كانت «ركيكة». فقد حاول كاتبوها أن يُلبسوا النسخة الأولى «عباءة خضراء» ولم يرفقوها بحسابات الواردات المرتقبة من تطبيق المشروع (والمقدّرة بنحو 800 مليون دولار وفق وزير الدولة مروان خير الدين)، في محاولة للإشارة إلى أن خلفيتها ليست بالضرورة جمع واردات إضافية للخزينة العامة.

وعلى هذا الأساس اندفع المجلس الأعلى إلى مناقشة الاقتراح انطلاقاً من كونه يهدف إلى تحسين نوعية الإنشاءات المبنيّة في لبنان، فعمد إلى تنظيم ملاحظاته ونص مشروع جديد بعنوان «مشروع قانون البناء المستدام (البناء الأخضر)»، فولدت النسخة الثالثة من مشروع زيادة عوامل الاستثمار مختلفة بأهدافها وخلفيتها عن سابقتيها على النحو الآتي:

ــ أشارت المادة الأولى من المشروع إلى تعريف الأبنية المستدامة (أبنية خضراء) وإلى ضرورة أن تتوافر فيها شروط بيئية، اجتماعية، تنظيمية، وطاقوية، «على أن تحدّد هذه الشروط بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزارة الأشغال العامة والنقل والبيئة والشؤون الاجتماعية والطاقة والمياه بعد موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني». أي أن شروط توصيف المباني الخضراء ستحدّد بمرسوم بعد دراسته في المجلس الأعلى، وبالتالي لم يعد أمراً عشوائياً بل بات مربوطاً بمجموعة معايير عمرانية وبيئية عالمية لا يمكن تجاوزها.

ــ حدّدت المادة الثانية المستفيدين من حوافز زيادة عوامل الاستثمار ونسب الزيادة، إذ أوضحت أنه «يحق لمالك العقار غير المبنيّ فقط الذي يرغب في إقامة بناء مستدام أن يستفيد من حوافز تتعلق بزيادة عامل الاستثمار وعدد الطوابق والارتفاع وفقاً للآتي:

في المناطق حيث لا يتجاوز عدد الطوابق المسوح بها الأربعة: زيادة عامل الاستثمار العام بنسب أقصاها 25% منه، على أن توزّع هذه الزيادة بالتساوي على عدد الطوابق.

في المناطق حيث يتجاوز عدد الطوابق المسموح بها الأربعة: زيادة طابق واحد فقط على البناء لا تتجاوز مساحته مساحة الطابق الأخير».

وهذا يعني، أنه في ضواحي بيروت وجبل لبنان، حيث عوامل الاستثمار الحالية تتراوح بين 0.9 و1.8 (عامل الاستثمار يضرب بمساحة الأرض الفعلية للحصول على المساحة المبنية النهائية التي يسمح للمطوّر العقاري تشييدها)، فإن الحدّ الأقصى المسموح به هو 4 طبقات، لن تكون هناك أي زيادة عمودية، بل أفقية. أما الزيادة في بيروت، حيث تتراوح عوامل الاستثمار بين 0.5 و4، فقد حدّدت بطابق واحد كحدّ أقصى ولن تكون كما في المشاريع السابقة 10% من عدد الطوابق. (إذا كان المبنى 20 طبقة، يمكن زيادة طابقين!)، وهذا إذا كانت بيروت ضمن المناطق المستفيدة من هذه الحوافز، إذ ربطت المادة الثالثة تطبيق زيادة عامل الاستثمار في هذه المناطق بصدور مرسوم تنظيمي لكل منطقة يوافق عليه المجلس الأعلى للتنظيم المدني وأن يكون مستنداً الى «توجهات الخطة الشاملة لترتيب الأراضي وعلى القدرة الاستيعابية للمناطق، وعلى أن يحدّد هذا المرسوم المناطق المستثناة من التطبيق». وبالتالي فإن كل منطقة سيصدر لها مرسوم تنظيمي مبني على مستوى يناسب البنية التحتية مع الاكتظاظ السكاني وسواها من الخدمات العامة.

المشروع الجديد أطاح رهان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على مشروع زيادة عوامل الاستثمار والواردات المرتقبة منه. فميقاتي وفريقه الاقتصادي كانا يريان في هذا المشروع ركيزة أساسية لتمويل سلسلة الرتب والرواتب ومنصّة إحالتها إلى مجلس النواب... فطارت جلسة مجلس الوزراء التي كان على جدول أعمالها موضوع سلسلة الرتب والرواتب.

تطبيق الشروط البيئية مدعوم

أضافت المادة الرابعة من مشروع «البناء الأخضر»، توزيعاً جديداً لثمن الأمتار الوهمية. ففي السابق كانت المبالغ تتوزّع بين مالك العقار والدولة بنسبة 20% للأول و80% للثاني من قيمة التخمين على أساس أن نسبة الـ 20% ستكون دعماً للمطوّر العقاري بمثابة بدل كلفة تطبيق الشروط الصديقة للبيئة. وقد استمرّت هذه الصيغة في المشروع الجديد الذي نصّه المجلس الأعلى للتنظيم المدني، لكن المبلغ المخصص للخزينة العامة، أي 80% من قيمة التخمين يتوزّع على المالية العامة بنسبة 85% و10% للبلديات و5% للمؤسسة العامة للإسكان. أي أن كلفة تطبيق الشروط البيئية على المطوّر العقاري أو التاجر أو أي مالك عقار هي «مدعومة» كحافز أساسي لتحفيز المطور العقاري نحو تشييد بناء يحقق شروط البناء الأخضر الثلاثة: الصديق للبيئة، التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فهو يراعي مواصفات الأبنية الخضراء وفق تعريف المجلس العالمي للأبنية الخضراء ويحقق التنمية من خلال التزامه خطّة ترتيب الأراضي، ويسهم اقتصادياً من خلال تخفيف العناصر الصديقة للبيئة كلفة البنية التحتية.

...

..

.

لغز دولارات السلسلة: تمويل عجيب وغير محسوم



حسن شقراني

يواجه فريق الرئيس نجيب ميقاتي المشكّكين في قدرته على اجتراح تمويل كافٍ لسلسلة الرتب والرواتب من دون زيادة العبء الضريبي. لكن السلّة السحرية التي تحوي دولارات السلسلة تبقى حتّى الآن في «عالم أليس العجيب». يؤكّد الوزراء المقرّبون من ميقاتي، وتحديداً المحنكين في المواضيع الاقتصادية والنقدية، أنّ السلسلة ستموَّل من دون أعباء ضريبيّة جديدة وأنّه سيُعتمَد على الرسوم التي سيوفّرها مشروع زيادة عامل الاستثمار وعلى تعديلات في نظام معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة بنسب معينة بالتوازي مع إمكان خفض كلفة السلسلة بنسبة تراوح بين 5% و10%، وصولاً إلى التقسيط.

وقد ذهب وزير الدولة، مروان خير الدين – من موقعه الرسمي ومن موقعه التقني كمصرفي – للتأكيد أنّ إقرار تمويل السلسلة بالصيغة التي جرى التوصل إليها لا يُرتّب أبداً تداعيات اقتصاديّة ونقدية على البلاد. شدّد على فكرته بالتأكيد أنّ خلال فترة الخمسة أشهر الماضية كانت اللجنة المكلفة دراسة مصادر التمويل تكدّ في اجتراح الحلول وقد عرضت نموذجها على خبراء البنك الدولي الذين أظهر نموذجهم الاقتصادي أن لا انعكاسات خطيرة للتمويل على الاقتصاد. كذلك، أوضح خير الدين، أنّ الطرح الذي يرفع رايته ميقاتي ينجح في اختبار مصرف لبنان الذي كان قد حذّر مراراً من تداعيات إقرار السلسلة على معدّلات التضخّم.

يُعلّق أحد الخبراء المتابعين بأنّ تمويل السلسلة تحوّل مشابه لتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. يقول: «هناك جرى تمويل قرابة 50 مليون من دون أن نعرف كيف، واليوم نتحدّث عن تمويل 1.5 مليار دولار من دون ضرائب إضافية ومن دون تكليف أحد، وبالتالي من دون أن نعرف كيف!». ولا يتوانى أحد الوزراء عن وصف ما حصل خلال اليومين الماضيين وتتصاعد وتيرته اليوم مع بدء الإضراب المفتوح بأنّه «حفلة جنون».

ما أكّد هذا الجوّ هو حالة الارتباك التي عاشتها البلاد منذ الأسبوع الماضي، وتحديداً عندما جزم نجيب ميقاتي بأنّ سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام ستحوّل إلى مجلس النوّاب بداية الأسبوع الحالي.

لم يحصل ذلك، ويُفترض أنّ تستكمل اللجنة نقاشاتها حول أسلوب التمويل اليوم لكي ترفع توصية إلى مجلس الوزراء يُناقشها في جلسته غداً.

ما هي تركيبة التمويل السريّة التي تتداول بها تلك اللجنة ويقول ميقاتي إنّها عبارة عن رزمة من الواردات التي ستوضع وستكون إصلاحيّة، والتي يُفترض أن تجتمع اللجنة اليوم لتُكمل البحث في شأنها؟

خلال اليومين الماضيين ظهرت بعض الخطوط العريضة لتلك التركيبة. أهمّها مشروع زيادة عامل الاستثمار على العقارات غير المبنيّة بنفحة مسؤولية اجتماعيّة طارئة عنوانها «البناء المستدام». لكن مجلس التنظيم المدني المناط به تقويم هكذا مشاريع، رفض الصيغة المطروحة وقدّم مشروعاً رديفاً سيكون في صلب اجتماعات اللجنة غداً؛ حتّى الآن تبقى الأموال التي يُمكن أن يُدرّها المشروع الجديد لغزاً!

يؤكّد وزير الاقتصاد والتجارة، نقولا نحاس، لـ«الأخبار»، أنّ أساس التمويل يتمثّل في مشروع زيادة عامل الاستثمار، وما أقرّه المجلس الأعلى للتنظيم المدني في هذا الإطار. يُعرب عن تفاؤله بالتوصّل إلى حلّ يُغطّي المبلغ الباقي من السلسلة بعد صرف سلفة غلاء المعيشة. «لكن ليس بالضرورة أن نتوصّل إلى الحلّ غداً (أي اليوم)».

الهاجس الأساسي بالنسبة إلى اللجنة هو عدم تخطّي العجز في المالية العامّة حاجز 5800 مليار ليرة واحترام معايير مؤسّسات التصنيف الدولية وتلك الخاصة بمصرف لبنان.

«من حقّهم (موظفو القطاع العام) أن يُطالبوا بتصحيح الرواتب، لكن مسؤوليّتنا أن نحافظ على استقرار الاقتصاد والأوضاع النقدية»، يشرح وزير الاقتصاد.

لكن السلسلة أقرّت منذ أكثر من خمسة أشهر فلماذا لم تُبحث آليات تمويلها على نحو حازم ونهائي؟

«الظروف التي كانت سائدة تختلف كلياً عن المرحلة حالياً، ما نخشاه حالياً هو أن تُمسّ أساسيات الاقتصاد من جراء السلسة» التي تصل كلفتها الإجمالية إلى 1.5 مليار دولار، حُرِّرت 500 مليون دولار منها على شكل سلفة لتغطية زيادة غلاء المعيشة وفقاً للمرسوم الذي أصدره مجلس الوزراء للقطاع الخاص في بداية العام الماضي.

لكن لندع مصادر التمويل الموجودة في سلّة لجنة ميقاتي، هناك «100 طريقة وطريقة لتمويل السلسلة» وفقاً للتعبير الذي استخدمه النائب سامي الجميّل أمس، في معرض انتقاده لمشروع زيادة عامل الاستثمار والتشويه المُدني الذي سينجم عنه، فضلاً عن زيادة الكثافة السكانية وبالتالي الضغط على الخدمات الأساسية في المراكز المدنيّة.

ولطالما تحدّثت هيئة التنسيق النقابية عن مصادر تلك التمويل في إطار دحض مقاربة الحكومة التقليدية بأنّ تصحيح الأجور ــ هيكلياً وبالتوازي مع معدلات التضخم ــ يفرض زيادة العبء الضريبي. فهي قالت إن التمويل متاح من القضاء على الفساد في المرافق الأساسية من الخدمة العامّة، من تكليف الريوع الأساسية وتحديداً القطاعين العقاري والمصرفي (أي الضريبة على الإيرادات من بيع الأراضي والعقارات وزيادة الضريبة على الودائع المصرفية بنحو مدروس وعادل إلى 7%).

لكن يبدو أن النظام يبقى غير مستعدّ حتّى الآن للخوض في غمار إصلاح طموح كهذا. وأحد المؤشرات على ذلك هو غضب الهيئات الاقتصادية – أي أصحاب العمل المستفيدين من الريوع المذكورة – على ميقاتي لقراره بتّ السلسلة وخضوعه لإرادتهم.

تم تصحيح هذا النص عن نسخته الأصلية بتاريخ | 19 شباط 2013

...

..

.

تعليقات: