الدعـوات إلـى استئنـاف الحـوار تقابـل بسـؤال: علـى أي أسـاس؟

«الهروب من الفتنة» يقتضي «ميثاق شرف» لوقف التحريض.. والتصعيد .

ما من شك بأن الجريمة الفظيعة بقتل «الزيادَين»، ارعبت الداخل اللبناني بكل تفاصيله ومستوياته السياسية والشعبية، وظهّرت واحدة من الصور المأساوية المدمرة للفتنة الداخلية.

وبمعزل عن المواقف الصادرة حول هذه الجريمة، والتقائها على النأي بالبلد عن هذا الخطر، والإمساك به قبل ان تفتك به فتنة لا تبقي ولا تذر، فإن الجو الذي ساد، اظهر من ناحية، هشاشة الوضع الداخلي، ومن ناحية ثانية ابرز هروبا جماعيا وصريحا من الفتنة، وهذه حسنة تسجل، ولا فرق هنا بين معارض وموال.

ومن ناحية ثالثة، اكد حاجة اكثر من ملحة الى ما هو اكثر من اطلاق كلام اعلامي استيعابي وتنفيسي، او ابداء «مواقف مسؤولة» فقط عندما تقع الواقعة... صارت الحاجة ضرورية الى ما يوصل الى سد مسارب النفخ والتحريض. وهذا يفرض كما تقول مصادر سياسية مسؤولة ذهاب فرقاء الموالاة والمعارضة فورا الى «ميثاق شرف».

ويمكن التأسيس في هذا السياق على الميثاق الذي سبق لفرقاء الحوار ان اتفقوا عليه، في جولات الحوار في مجلس النواب، بحيث يشدد من جهة على اعتماد خطاب «سياسي» محصور بالنزاع السياسي، وبعيد عن الشتم والقدح والذم والشحن المذهبي والطائفي... وكل ما يتصل بهذا الامر.

ويشدد من جهة ثانية، على وقف ارتكاب خطوات استفزازية بتفاصيل تحريضية مذهبية، وممارسات فوقية وفئوية وتعيينات اكثرية مصلحية تؤسس لمشكلات لاحقة... فضلا عما أحاط موضوع تقديم الاقدميات لعدد ضيق جدا ومحصور، من ضباط وعناصر في قوى الامن الداخلي، وعلى خلفية كشف جريمة عين علق، ومن هؤلاء من لا علاقة له بهذا الانجاز الامني لا من قريب ولا من بعيد.

هذه المسألة تتفاعل في الاوساط المعنية بها، وخصوصا بعدما تم حسم الامر، في اجتماع لمجلس قيادة قوى الامن الداخلي عقد الخميس الماضي وفي غياب اعضاء القيادة من مذهب معين. وبرغم هذا الغياب، وكذلك الاعتراضات التي ابداها أعضاء آخرون من طائفة اخرى، رفضوا ترقية من لا يستحق حتى من طائفتهم، تم اقرار الاقدميات ومنحها للضباط والعناصر المحددين.

مراجع معنية ارتابت، مما وصفته بتهريب هذه الأقدميات تسللا، وفي غفلة انهماك البلد بشكل عام بجريمة خطف وقتل «الزيادَين». فالمراجع تطرح تساؤلات عما يوجب كل هذا الاندفاع الى امر خلافي يمكن ان يؤسس لمشكلة، وبرغم الكلام الذي لم يبرد بعد مع «كبير الاكثريين» حول المفاعيل والتداعيات السلبية لمثل هذه الخطوة، فالامور لا تؤخذ هكذا، ولا تتم بهذا الاستهتار. لقد قيل لكبير الاكثريين: «نحن نريد ان نساهم في بناء المؤسسة، وتحت القانون حاضرون لأن نؤدي التحية لكل من يستحق ولكل جدير وكفوء، من دون النظر الى طائفته ومذهبه، لأن في ذلك مصلحة لكل الناس. ولكن حذار من تسييس المؤسسة. انها مؤسسة امنية لا سياسية، وتسييسها يعني تخريبها، فلماذا الاصرار على اعطاء صورة مشوهة عن هذه المؤسسة وتصويرها على انها مصنفة لفئة دون سائر الفئات.. ثم لماذا الاصرار على تجاوز مبدأ الشراكة في القرار، وعلى توليد انطباع، حتى لمن هم داخل المؤسسة، بأن هناك فئة طاغية على الفئات الاخرى؟»..

وقيل ايضا وبوضوح: الظرف السياسي دولاب، اليوم معك.. وغدا عليك؟! وثمة سابقة في هذا المجال تعود الى فترة امين الجميل وعشرات المراسيم الاشتراعية، التي فرضها حكمه آنذاك. اذ في النهاية آل مصير هذه المراسيم في لحظة سياسية معينة الى المشرحة فألغي ما الغي، وابقي على بعضها. وهذه النهاية قد تؤول اليها قرارات وتعيينات حكومة فؤاد السنيورة، والتي قد لا يخرج عن اطارها موضوع الاقدميات، فعند اي حل لاحق او اية تسوية لاحقة، سيدخل كل ما صدر عن حكومة السنيورة من تاريخ استقالة الوزراء وما بعده، الى غرفة التشريح، وسيعاد النظر في القرارات والتعيينات التي تمت، وقد تلغى مفاعيل الكثير منها. وتجدر الاشارة هنا الى ان رئيس الجمهورية كما هو معلوم، يرفض كل القرارات التي تلت تاريخ استقالة الوزراء، أما المجلس النيابي فمقفل تماما امام «حكومة غير شرعية» او بتراء كما يصفها الرئيس نبيه بري، الذي لن يسجل عليه السماح لها بأن تطأ المجلس خلافا للدستور والاصول والقانون. ولكن هذا لا يعني ان الرئيس بري لن يدعو الى عقد جلسة للمجلس، بل على العكس، فقد عين موعد انعقادها، وسيعلن عنه حسب توقيته. وطبعا ضمن العقد العادي المستمر حتى آخر ايار، يمكن في اوله او في نصفه او في آخره.

المهم ان بري، وبمعزل عن «ضوضاء الثلاثاء» والمذكرات والاتهامات بخطف المجلس، حدد جدول اعمال تلك الجلسة، وحكومة فؤاد السنيورة لن تكون مدعوة اليها. واما الوزراء النواب فيمكن حضورهم الجلسة بصفتهم النيابية لا الوزارية، ولا مكان لغير النواب في القاعة العامة.

ماذا عن الدعوات الاكثرية المستجدة الى الحوار؟

يقلل ركن اساسي في المعارضة من جدية هذه الدعوات، فالتجربة ما زالت ساخنة.. لقد تحاورنا وعقدنا جولات متعددة، ان في جولات الحوار، او التشاور، وآخرها في اللقاءات الثنائية بين الرئيس بري وسعد الحريري، وفشّل الفريق الآخر كل شيء، والآن هناك دعوات من هنا وهناك، وتمنيات من مراجع محلية وإقليمية ودولية باستئناف هذا الحوار... جيد... انما على اي اساس؟

تعليقات: